يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 05:37 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام هباني(هشام هباني)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-24-2010, 03:17 PM

هشام هباني
<aهشام هباني
تاريخ التسجيل: 10-31-2003
مجموع المشاركات: 51288

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس


    يشرفنا هذه الايام بتكساس بدعوة من الجالية السودانية بشمال تكساس الاستاذ وعالم القانون الضليع والمحاضر بالجامعات الامريكية بروفسور عبد الله احمد النعيم في محاضرة دسمة تقام مساء اليوم السبت بمبنى الجالية السودانية بشمال تكساس ب(ايرفنج) حول (الاسلام والدولة المدنية ومستقبل الشريعة الاسلامية) والبروفسور عبد الله النعيم هو استاذي في كلية القانون بجامعة الخرطوم لمادة القانون الجنائي وهو رجل ضليع ومحاضر من الطراز الاول ولذلك اتوقع ان تحظى جالية تكساس بمادة مفيدة من هذه المحاضرة القيمة ومن هنااثمن هذا الدور التنويرى الذي تقوم به السكرتارية الثقافية للجالية وهي دوما تتحفنابماهو جديد ومفيد واليوم بمحاضرة بروفسور النعيم تكون قد اهدتنا السكرتارية هدية كبرى فلها منا كل التقدير والاحترام واكرر ثانية ترحيبي باستاذي العالم القانوني البروفسور عبد الله النعيم وزوجته الفضلى رفيقة الدرب السيدة سارة واتمنى لهما اقامة طيبة بين الاهل والاصدقاء.

    (عدل بواسطة هشام هباني on 04-24-2010, 05:22 PM)

                  

04-24-2010, 05:42 PM

هشام هباني
<aهشام هباني
تاريخ التسجيل: 10-31-2003
مجموع المشاركات: 51288

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس (Re: هشام هباني)

    http://www.soutelniel.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&b...462513&func=flatview

    صحيفة أجراس الحرية
    http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1427
    --------------------------------------------------------------------------------
    الأحد 18-01-2009

    أهم إنجاز للأستاذ محمود هو أنه قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة فريدة
    : د.عبد الله النعيم لـ(أجراس الحرية) (1-3)

    أهم إنجاز للأستاذ محمود هو أنه قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة فريدة
    لم أقابل أحداً لديه المقدرة على أن يعيش ما يقول كالأستاذ محمود
    هناك من يجادلون في الجانب العرفاني للفكرة الجمهورية تهرباً من مواجهة جانبها العقلاني!
    لست مشغولاً بمن هو المسيح ومتى سيأتي (لست وقتجياً)!
    علاقتي بالاستاذ محمود ليست علاقة تابع بقائده بل علاقة تلميذ بأستاذه
    في اعتقادي الاستاذ محمود ليس معصوماً
    حياد الدولة تجاه الدين شرط لازم لتمكين حرية الاعتقاد
    الفكرة الجمهورية لم تدع لترك العبادات
    حوار: رشا عوض

    البروفسيور عبد الله احمد النعيم استاذ كرسي القانون بجامعة اموري بالولايات المتحدة الامريكية والخبير الدولي في مجال حقوق الإنسان، من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه وصاحب مشروع فكري يهدف الى تأسيس مشروعية ثقافية للدولة العلمانية ولحقوق الانسان في المجتمعات المسلمة منطلقاً في ذلك من مرجعية الفكرة الجمهورية في هذا الحوار طرحنا عليه تساؤلاتنا حول الفكرة الجمهورية وتساؤلاتنا حول أبعاد وأهداف مشروعه الفكري فكان هذا الحوار:

    بعد مضي أربعة وعشرين عاما على استشهاد الأستاذ محمود ما زال الجانب العقدي في الفكرة الجمهورية يمثل حاجزاً بين الفكرة والجماهير بما حواه من افكار باطنية كمقام الأصيل والمسيح المحمدي ما رأيك في ذلك؟

    انا تلميذ للاستاذ محمود محمد طه منذ عام 1968م اذ استمعت اليه في محاضرة في ذلك التاريخ ولم اجد نفسي مختلفاً معه بل كانت قناعتي به تترسخ باستمرار لم تضعف ولم تتغير ولكنني اتهيب الحديث باسم الاستاذ محمود واحجم عن ذلك لأن فكره موجود ومشاع فلا يوجد من هو اقدر او ابلغ منه في الدفاع عن فكره، ولذلك فان كل ما اقوله اتحمل مسؤوليته شخصياً فلا اتحدث لا باسم الاستاذ محمود او غيره من الجمهوريين في اعتقادي ان الانجاز الحقيقي للاستاذ محمود لم يكن في المسائل العرفانية الجدلية وانما هو في مسألة اصولية بسيطة لو ألممنا بها لاغنتنا عن كل هذا الجدل والكلام عن الاصيل الواحد والوقت والمسيح فهذه كلها قضايا انصرافية عن القضية الاساسية اي قضية تغيير الانسان لنفسه، على المستوى الشخصي انا لست مشغولاً بمن هو المسيح ومتى سيأتي (لست وقتجياً) قضيتي ببساطة هي ان الاستاذ محمود قدم منهجاً لاصلاح الانسان لنفسه ونفذه بصورة اصلح بها نفسه وقد عشت معه ثمانية عشرة عاماً ولم اجد من هو اكمل منه في اية قيمة انسانية، فاهتمامي في المقام الاول هو ان اتعلم من هذا الرجل واستفيد من تجربته ومنهجه لأغير نفسي فاذا نجحت في ذلك في خاصة نفسي فكل المشاكل الاخرى محلولة واذا لم انجح فلن تحل اية مشكلة، فاذا كان الاستاذ محمود هو المسيح وجاء الان لن يحل مشكلتي اذا لم احلها بنفسي وعندما اقول ذلك فانا لا اعني ان المسائل الجدلية لن تظل تثير الجدل لكنني اتساءل بعيداً عن المسائل الجدلية ماذا عن بقية ما طرح الاستاذ محمود، في اعتقادي ان التركيز على المسائل الجدلية والانصراف عن القضايا الاخرى وهي اكثر اصولية واصالة وهي قضايا واضحة ومباشرة فيه اختلال، فيجب ان نتيح الفرصة لمناقشة ما طرحه الاستاذ محمود في السلوك و العبادة والمعاملة.

    *الاستاذ محمود قدم منهجه للتغيير على اساس انه يتلقى العلم من مصدر عرفاني متعالي على المعرفة البشرية لا على اساس عقلاني فهل تحتاج مجتمعاتنا الغارقة اصلاً في الغيبيات الى تكريس العقلانية ام العرفانية؟

    في اعتقادي ليس هناك تناقض بين المعرفة العقلانية والمعرفة العرفانية فهما غير متضادتين ولذلك ليس صحيحاً ان الاستاذ محمود بتقديمه للعرفانية فرط في العقلانية بل على العكس الاستاذ محمود اكد العقلانية وهو لا يذكر الامور العرفانية الا عندما يسأل عنها، طرح الاستاذ محمود طرح عقلاني فمسائل تطوير التشريع واتباع منهج محمد وكل ما قاله ومارسه عملياً يدل على ان العرفانية كانت نتاجاً للعقلانية وليست نقيضاً لها والذين يتجهون للعرفانية دون العقلانية يرتبكون لأنهم يعزلون العرفانية عن منهجها فما طرحه الاستاذ محمود في منهج التربية مثلاً هو منهج عقلاني ففيه توجيهات بعدم الكذب والصلاة في اوقاتها وقيام الليل وحسن معاملة الاخرين ومتابعة النفس (طردا وعطفاً) من الخارج للداخل وفن الداخل للخارج، في اعتقادي ان الذين يركزون على المسائل الجدلية يفعلون ذلك تهرباً من مواجهة المسائل العقلانية فالجانب العرفاني هو نتاج للجانب العقلاني والجانب السلوكي، حجة الاستاذ محمود الدامغة هي مقدرته على ان يعيش ما يقول ففي عمري الذي امتد لاثنين وستين عاماً لم اقابل احداً لديه المقدرة على ان يعيش ما يقول كالاستاذ محمود ففي قياداتنا هنا في السودان وبكل احترام لا توجد قيادة تعيش ما تقول باي قدر ومقدرة الانسان على ان يعيش ما يقول هي اقوى حجة على صحة طرحه واقوى من الجدل حول العرفانية والعقلانية .

    *الجمهوريون اليوم عندما يطرحون فكر الاستاذ محمود يطرحونه بافتراض انه الفكر الوحيد القادر على تقديم الرؤية الدينية الصحيحة بشأن القضايا المعاصرة أليس هذا النهج شبيهاً بنهج الجماعات السلفية التي تتمسك برؤية وحيدة وتنكر تعددية الاجتهادات؟

    كل من يطرح طريقاً في التجديد لابد ان يطرح طريقاً واحداً فلا يمكن ان يطرح طريقين في نفس الوقت، كل ما يقدمه تلاميذ الاستاذ محمود يعبر عن اجتهاداتهم الفردية وكل واحد منهم يمكن ان يخطئ ويصيب، فيجب الرجوع الى الاستاذ محمود في مصادر ومراجع فكره المتاحة ونموذج حياته ولكن عندما يقدم كل منا رؤاه في القضايا المطروحة يقدم قناعته هو في مقابل قناعات اخرى وبالتالي يكون السؤال المشروع هل نقبل النقاش والاخذ والرد حول ما نطرح ام لا ام ان لدينا تصلب وعدم احتمال للاخر، من معايشيتنا للاستاذ محمود نستطيع ان نقول كلما قدم تلاميذه افكارهم ووجهات نظرهم بصورة مفتوحة وقابلة للاخذ والرد كلما كانوا اصدق في تقديمهم لرؤية الاستاذ محمود وبقدر ما قدموا افكارهم بصورة متعنتة ومتصلبة وعنيفة وضائقة بالرأي الاخر بقدر ما يكون هؤلاء التلاميذ رجالاً او نساء مقصرين في ايصال رؤية الاستاذ محمود فسعة الصدر واحتمال الرأي الاخر ورد الحجة بالحجة هي سمة عمل الاستاذ محمود.

    *هناك سلفيون لديهم سعة صدر ويستمعون للرأي الاخر ويجادلوه ولكنهم يستبطنون فكرة امتلاك الحقيقة الكاملة وبالتالي هم يجادلون الاخر لهدايته واقناعه فليس هناك افتراض بامكانية ان يمتلك الاخر جزءاً من الحقيقة الدينية وبالتالي له دوره في الاصلاح من موقعه هو، وهناك جمهوريون يستبطنون ذات الفكرة ألا يشكل ذلك بذرة للإقصاء والأحادية؟

    هذا صحيح في حق كثير من الجمهوريين بمن فيهم شخصي لاننا لم ننتفع من معيتنا للاستاذ محمود بالقدر الكافي بحيث نتجاوز هذه النزعة الانسانية، فالانسان بطبعه لديه هذا الميل لادعاء امتلاك الحقيقة، تلاميذ الاستاذ محمود لا يتجاوزوا قصورهم الانساني بمجرد معيتهم للاستاذ محمود ولا يتجاوزوها بقدر متساوي فمنهم من هو اقرب للاستاذ محمود والقرب الى هذا النموذج لا يكون بمجرد القدرة على الجدل والنقاش وتقديم الحجج او (الفهلوة) بل بالسلوك وتمثل القيم، والتواضع قيمة مهمة جداً فمن يعتقد ان الحقيقة عنده هو تكون في الواقع حقيقة غيره هي التي عنده، الاستاذ محمود هو الذي حقق حقيقته بالمجاهدة الطويلة وبالثمرة الواضحة نحن _ تلاميذه_ اتينا لنقدم حقيقته هو وكأنها حقيقيتنا نحن! وفي هذا عدم تواضع يجب ان ننقل رؤية الاستاذ محمود كما حققها هو ونعترف اننا نسعى قدر طاقتنا في تحقيقها وقطعاً انا ناقص ومقصر في هذا ولكن نقصي وقصوري لا يحسب على الاستاذ محمود.

    *من معوقات التطور في مجتمعنا غياب العقلية النقدية ومن الملاحظ انعدام الحس النقدي تجاه الفكرة الجمهورية فالاستاذ محمود فوق النقد تماماً لاعتبارات عرفانية، وعادة ما يورد الجمهوريون ان الفكرة لا تحتاج الى تطوير بل الواقع هو الذي يجب ان يرقى لمستوى الفكرة وبالتالي يسود المنطق التبريري عند مناقشة اخطاء الجمهوريين مثل تأييد نظام نميري وقبل ذلك التظاهر ضد القانون الذي سنه المستعمر لمنع ختان الاناث ما تعليقك على ذلك؟

    انا علاقتي بالاستاذ محمود هي علاقة تلميذ باستاذه لا علاقة تابع بقائده، فاذا تشكلت لدي قناعة تخالف الاستاذ محمود في مسألة اساسية لديه اكف عن ان اكون تلميذاً له وعندما يدافع الجمهوريون عن افكار ومواقف الاستاذ محمود يفعلون ذلك عن قناعة وليس بمنطق تبريري، مثلاً في الموقف من مايو هناك تلاميذ للاستاذ محمود انصرفوا عنه وكفوا عن كونهم جمهوريين فانا لو كنت اعتقد ان الاستاذ محمود مخطئ في حادثة رفاعة (التظاهر ضد قانون خفاض البنات) فانا سوف اكف عن كوني تلميذه وكذلك في مسألة مايو لو اقتنعت بخطأ موقفه اكف عن كوني جمهورياً، فطريقة طرحك للسؤال توحي بانني ادافع عن امور لست مقتنعاً بها بهدف التبرير وهذا احتمال، وهناك احتمال اخر هو انني ادافع عنها عن قناعة اين الحقيقة؟ لا اعتقد اننا نستطيع معرفتها بصورة قاطعة قد يكون موقفي تبريرياً ولكني ألبسه ثوب القناعة وقد أكون مقتنعاً بما ادافع عنه ولكنك لا تقبلين بان هذه قناعتي لانك تريدين سماع نقدي للفكرة الجمهورية.

    من ناحية اخرى الفكرة الجمهورية لا تختلف عن غيرها من الافكار، فالاسلام نفسه الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فيه ناحية عقدية وناحية عقلانية والبشر في تكوينهم النفسي هناك من يميل للعقائدية ومن يميل للعقلانية ففي صدر الاسلام كان هناك اصحاب العقيدة ولا شئ غيرها وهناك من اتجهوا للتفكير العقلاني والفلسفي والجدلي كالمعتزلة، وفي تاريخ الفكرة الجمهورية سيكون هناك اتجاه مشابه فنحن قريبي عهد بما حدث للاستاذ محمود ولذلك رؤيتنا قد تغلب عليها الناحية الدفاعية او العقائدية على الناحية العقلانية فالنفس البشرية بطبيعتها عندما يكون هناك هجوم عليها تتقوقع .

    الفكرة الجمهورية لو فشلت تماماً وانهارت واندثرت لكان ذلك دليلاً على عدم صحتها ولكن يجب اعطاء هذه الفكرة الفرصة الكافية ونفسح لها المجال باوسع مما استطاع تلاميذ الاستاذ محمود ايصاله للناس فالفكرة الجمهورية لم يمضي عليها زمن طويل بحساب عمر الافكار وحركات الاصلاح فالمسيحية مثلاً هي اليوم الدين الاول في العالم لم تنتصر الا بعد ثلاثة قرون من صلب السيد المسيح وحركات الاصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر اخذت وقتها كذلك.

    *هل كل من اختلف مع طرح الاستاذ محمود في قضية ما يصبح خارج اطار الفكرة الجمهورية بمعنى اخر ألا توجد مشروعية للتعددية داخل اطار الفكرة نفسها؟

    توجد مشروعية لذلك هناك اعتقاد انك لكي تكون جمهورياً يجب ان تعتقد بان الاستاذ محمود معصوماً ولا تقبل فكرة انه يمكن ان يخطئ، في اعتقادي ان الاستاذ محمود ليس معصوماً وقد اتبعته بقناعة ولو اتضح لي انني اختلف معه في امور اساسية سأنصرف عنه اما مسألة هل انا جمهوري ام غير جمهوري فمن الذي يحدد ذلك وما قيمته؟ انا من اصنف نفسي بانني جمهوري ام لا، ولذلك انا ادعو للدولة العلمانية وتفادياً لاشكالية المصطلح اسميها الدولة المدنية والغرض من هذه الدعوة هو ان تكون الدولة محايدة تجاه الدين حتى يتمكن الناس من ان يعيشوا قناعاتهم بحرية كاملة فاشكالية العقائدية تظهر عندما ترتبط بالسلطة لانك اذا خالفت رأياً في اطار السلطة الدينية فانك تعاني من تبعات ذلك بالاعتقال والتعذيب حياد الدولة تجاه الدين هو دعامة اساسية في تمكين حرية الاعتقاد وافساح المجال للتعددية والاختلاف في الرأي ولكن في حياد الدولة تجاه الدين وابتعادها عن اي شبهة ترجح وجهة نظر دينية عن الاخرى هو شرط لازم ولكنه غير كاف فلابد من ان يكون مصحوباً بالتربية.

    نحن باستمرار نعيش في عقول الاخرين! الكل مشغول بما يقوله الاخر عنه وهذا ما كان يحاول الاستاذ محمود باستمرار اضعافه حيث كان يدعو الى ان لا ننشغل بتقييم الاخرين لنا بل علينا ان ننشغل بمدى التزامنا بما نؤمن به من قيم، فمثلاً في عبادة الصلاة نجد المسلمين عموماً مشغولين جداً بان يظهروا امام بعضهم البعض بمظهر الورع، فنلاحظ ذلك عند دخول وقت الصلاة يحرص كل شخص على ان يلفت انتباه الاخرين لاهتمامه بالصلاة.

    الصلاة! هل توضأتم ؟ انا ذاهب لاتوضأ؟ وهكذا... الجمهوريون يحرصون على البعد من هذا السلوك فهم يصلون ولا يشعرون احداً بانهم يصلون فهناك عقدة عميقة الجذور في تربيتنا وفي مجتمعنا سواء المجتمع الشرقي او الغربي هي اننا نعيش في عقول الاخرين اكثر مما نعيش قناعاتنا، اخراج الدولة عن مجال الدين شرط لازم لبداية المجهود لاعادة تربيتنا بحيث اننا نعيش في عقولنا نحن لا في عقول الاخرين .

    *الا تعتقد ان الفكرة الجمهورية عندما تجدد في مجال العبادات تخلق حاجزاً بينها وبين جماهير المسلمين إذ أن هناك صعوبة في اقناع الناس بالتجديد في المعاملات فكيف يمكن اقناعهم بالتجديد في العبادات؟

    الفكرة الجمهورية لم تأت برأي جديد في العبادات بمعني انها قالت بترك الصلاة او الصيام او الحج، وانما جاءت برؤية جديدة في تجديد معنى العبادات ومنهجها بحيث يكون منهجاً مؤثراً في السلوك وهذا تحقيق لقيمة العبادة، الاستاذ محمود كان يقول اننا نصلى وسلوكنا ليس سلوك مسلمين ونصوم ولكننا نكذب ونغش فهناك خلل في عبادتنا لانها صحيحة شكلاً ولكنها ناقصة المحتوى فدعوته كانت لتغيير المحتوى وهو لم يدع احداً لترك الصلاة او ترك الحج وقد سمعته شخصياً يقول الذي لم يحج سوف يسأل عن عدم حجه.

    هل يؤدي الجمهوريون الحج وفق المناسك المقررة في الشريعة؟

    نعم وهناك جمهوريون حجوا وفق الشعائر المتعارف عليها منهم احمد عبد الرحمن العجب، وانا شخصياً انوي الحج فمن لم يحج وفقاً للشعائر يجب ان يكون له من العلم والحجج التي يجيب بها عندما يسأل عن ذلك ولا يكفي ان يقول الاستاذ محمود قال، يجب ان يكون له رؤية يستطيع الدفاع عنها.

    الاستاذ محمود لم يدع لترك اي من العبادات بل دعا لاحياء القيمة في العبادات ودعا للتفكر فيها.

    _ولكن هو في خاصة نفسه أليست له طريقة في العبادة تختلف عن الشريعة؟

    هذا يعيدنا الى الحديث عن العيش في عقول الاخرين فالاستاذ محمود بالتأكيد يعلم انه عندما لا يصلى الصلاة المتعارف عليها في الشريعة فان ذلك سيسبب له مشكلة في دعوته وهو في فترة من حياته كان يصلى صلاة الشريعة ويراه الناس يصلي ويذهب الى الجامع ولكنه في وقت معين قال ان له صلاه اصيلة, وقال عندما علمت ان الصلاة الواجبة على غير هذه الصلاة المعروفة للناس اصبحت امام خيارين: ان اصلى امام الناس الصلاة التي يعرفونها حتى يرونني اصلى وفي هذه الحالة اكون اصلى لهم هم وليس لله، او أن اصلى الصلاة التي أعرف ان الله أمرني بها وانا مسؤول عنها امام الله الذي يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور، فليس هناك قيمة ارفع من قيمة ان يعيش الانسان كما يقول فهذه المطابقة ليس هناك اصعب منها وليس هناك ماهو اقوى منها في الحجة فالاستاذ محمود عاش قناعته هو، اذا قناعته هذه اقنعت الاخرين فالحمد لله واذا لم تقنع الاخرين فهو لا يمكن ان يترك قناعته ليرضي الاخرين.

    وماذا عن موضوع الاضحية وصلاة التراويح وهي من الشعائر التي يتبنى فيها الاستاذ محمود رؤية مغايرة؟

    فيما يتعلق بالاضحية الاستاذ محمود عبر عن رأي واقتنع به كثيرون انا شخصياً مقتنع به وفي كل حياتي لم اضحي لدي قناعة بانها مسألة عنيفة وليست جوهرية في الدين.

    اما صلاة التراويح فهي ليست واجبة والجمهوريون يصلون صلاة القيام وهي اوجب من التراويح، نحن نتساءل عن قيمة ومضمون العبادة لا يوجد شئ يفعله الانسان سلباً او ايجاباً إلا ويسأل عنه هذه الامور يسأل عنها من عنده العلم المحيط بحقيقة دوافع ونوايا كل شخص.

    ولكن في موضوع العبادة هل كل فعل يقوم به الانسان يجب ان تكون له تبريرات عقلية الا يقتضي الخضوع لله القيام بكثير من الاعمال دون تساؤل عن الحكمة لان عقل الانسان لا يحيط علماً باي شئ؟

    صحيح ولكن يجب ان تكون هناك قناعة ذاتية بذلك فمثلاً انا لا اكل لحم الخنزير لانني على قناعة بان الله حرمه لا لاي سبب اخر، وبالتالي ان كانت قناعتي ان الله لم يكلفني بذبح الاضحية فيجب ان لا اضحي واذا كانت قناعتي ان الله لم يأمرني بالتراويح فلا يجب على ان اصليها فيجب ان يعيش كل منا قناعته التي يستطيع الدفاع عنها امام الله، اما ان التزم بقناعات غيري فهذا يهدم الموضوع، فالعبادة لا تكون عبادة إلا إذا أداها الإنسان وهو مقتنع أن الله كلفه بها، وبما أنني غير مقتنع بأن الله كلفني بالأضحية فلا يمكن أن أضحي إرضاء للآخرين.
                  

04-24-2010, 05:46 PM

هشام هباني
<aهشام هباني
تاريخ التسجيل: 10-31-2003
مجموع المشاركات: 51288

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس (Re: هشام هباني)

    http://www.cihrs.org/Arabic/NewsSystem/Articles/138.aspx


    صالون ابن رشد
    أي مستقبل للشريعة الإسلامية علمانية الدولة من منظور إسلامي | 13/05/2004

    إن التساؤل عن مستقبل الشريعة الإسلامية في العالم الإسلامي سواء كان عربيا أو غير عربي، مطروح في الوقت الراهن بقوة، لا سيما بعد فشل عدد من تجارب الحكم الإسلامي في السودان، الجزائر، إيران، في تحقيق أي نهوض اقتصادي، سياسي، لهذه البلدان، فضلا عن انتهاك هذه الأنظمة للعديد من الحقوق الإنسانية لمواطنيها.
    وفي محاولة للتعرف على الإجابات المحتملة على هذا السؤال استضاف مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الخميس 13 مايو 2004 المفكر السوداني المعروف د. عبد الله النعيم، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة إموري بالولايات المتحدة ليدير حوارا فكريا مع مجموعة من المفكرين والباحثين المتخصصين حول النقاط الرئيسية لمشروعه الفكري حول مستقبل الشريعة، والذي يتخذ من كل من مصر، الهند، تركيا، وإندونيسيا ميادين للبحث.
    وفي البداية أكد النعيم أن مشروعه ليس مجرد دراسة أكاديمية، وإنما مشروع فكري يستهدف التغيير الاجتماعي والسياسي في المجتمعات الإسلامية من منطلق كونه مسلما ومواطنا مهموما بواقع الحال في مجتمعاتنا.
    وأعرب النعيم عن تقديره أن المستقبل لا يقدم مجالا لأن تطبق الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن تطبيق الدولة للشريعة كقوانين وسياسة رسمية هى فكرة مختلة مفهومياً ومستحدثة، وأضاف أن مجال الشريعة الإسلامية في المستقبل هو في إطار المجتمع، وليس في أجهزة الدولة السياسية والتشريعية. وأكد النعيم على اعتقاده بأن الدولة كانت دائما علمانية في التاريخ الإسلامي. وبالتالي ليس صحيحا أن العلمانية أتت إلينا من الغرب وإنما هو مفهوم أصيل في تراثنا وتجربتنا التاريخية شرط أن تفهم العلمانية بأنها تجربة كل مجتمع في موازنة العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع. وأنه لا توجد صلة واحدة لهذه العلاقة تفرض على كل المجتمعات.
    وأي محاولة لنقل تجربة العلمانية من مجتمع لمجتمع محكوم عليها بالفشل.
    من ناحية ثانية، أكد النعيم أن مفهوم "الدولة الإسلامية" مفهوم متناقض، لأنه لا يمكن أن تكون الدولة إسلامية، لأن الدولة مؤسسة سياسية لا تقوم على المعتقد، ولا يجب أن يكون لها معتقد، وإنما المعتقد يكون لدى القائمين على الدولة. فإذا تحدثنا عن معتقدات القائمين على أمر الدولة فإننا نكون قد تحدثنا عن السياسة وليس عن الإسلام كمعتقد للدولة نفسها.
    وانتقل النعيم إلى مفهوم "الشريعة الإسلامية" مؤكدا أن الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تقنن إطلاقا، لأن عملية التقنين نفسها تسقط صفة الشريعة عن المشروع المقترح، لأنه بمجرد تقنين الشريعة أصبح التقنين الذي تم هو معتقد الدولة وليس الشريعة نفسها لأن الشريعة متنوعة ومتغيرة في عملية فهمها، وبالتالي يذهب التقنين لها إلى الانتقاء لإحدى وجهات النظر بها بالضرورة. وبالتالي فإن ما يشرع وينفذ هو الإرادة السياسية للدولة وليس الشريعة الإسلامية.
    ونوّه النعيم إلى فكرة أن الشريعة الإسلامية هى تراكمية عبر الأجيال، وأن أي مذهب فقهي لا يعد مذهبا فقهيا صحيحا إلا بإجماع أجيال متعاقبة من المسلمين على صحته، إذ لا توجد أي جهة تمنح المذاهب الفقهية صحتها. وبالتالي فإن العملية التشريعية من منظور إسلامي تعتمد على الإجماع وعلى التراكمية عبر الأجيال. وليس أدل على ذلك من أن تاريخ المسلمين عرف مذاهب فقهية انقرضت وأخرى نمت وانتشرت لأنها حازت القبول والإجماع من المسلمين عبر الأجيال. ومن ثم فإن فكرة المؤسسة التشريعية التي يمكنها أن تقنن للشريعة الإسلامية فورا هى فكرة غربية عن الشريعة نفسها. وبالتالي فإن إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية هى مستحيلة مفهوميا، بل إن أي زعم بأن ما يطبق هو الشريعة الإسلامية هو زعم باطل ومستحدث، لأن فكرة الدولة القومية في المنطقة هى فكرة مستحدثة وغريبة عن المنطقة والثقافة العربية، فهى فكرة أوروبية وهى دولة تتمركز في يدها السلطات وتتحكم في حياة الناس بصورة لم تسبق في التاريخ الإسلامي، لأن دولة ما قبل الاستعمار كانت دولة إمبراطورية بعيدة عن واقع المجتمعات المحلية، وكانت مقدرة المجتمعات المحلية على الاحتكار لفهمها الخاص للشريعة هو أساس العمل في الإدارة وما إلى ذلك. ولهذا يؤكد النعيم أن مركزية الدولة وإمكانية التشريع كتقنين والتنفيذ بواسطة أجهزة رسمية للدولة هى فكرة مستحدثة في الفترة الاستعمارية وما بعدها وغريبة عن المجتمعات الإسلامية.
    ويؤكد النعيم على ضرورة الفصل الصارم مؤسسيا بين الدين والدولة. ولا ينبغي للدولة أن تطبق الشريعة الإسلامية، ولا أن تدّعي ذلك لأنه مستحيل، ولا أن تمنح الدولة قداسة ادعاء تطبيق الشريعة الإسلامية، لتمنع بذلك المعارضة السياسية من ممارسة دورها، رغم أن كل الأنظمة هى سياسية وليس أكثر من ذلك، ولكن من الضروري التأكيد على أن الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي سوف يستمر تأثيرهما في حياة المجتمعات الإسلامية بصورة مركزية وجوهرية، وبالتالي لا يمكن الفصل بين الدين والسياسة، ولكن لابد من الفصل بين الدين والدولة فصلا صارما لأن أي جمع بينهما فتنة، وقد دفع الشعب السوداني ثمن هذه الفتنة ثمنا غاليا.
    وفي مداخلته أكد الدكتور يسري مصطفى الباحث في العلوم الاجتماعية، على تخوفه من اعتماد أطروحة النعيم على التحليل الثقافي أكثر من التحليل الاجتماعي.ومشيرا في نفس الوقت إلى ضرورة تحديد دلالات بعض المفاهيم، مثل مفهوم الدولة ومفهوم السياسة، خاصة أن الفصل بين الدين والدولة والتأكيد في نفس الوقت على العلاقة بين الدين والسياسة يجعلنا نتساءل هل المقصود بالدولة الحكومة أم أجهزة الدولة أم البنية المؤسسية؟ وهل المقصود بالسياسة الكيانات الحزبية أم الممارسة السياسية بشكل عام. وتساءل د. يسري مصطفى حول الحيز الذي من المفترض أن تمثله الشريعة في المجتمع وفق أطروحة النعيم، هل يكون من خلال الأسرة، أم يشمل المدرسة أيضا بوصفها مؤسسة تربوية، فتكون بذلك قد انتقلت الشريعة من المجتمع إلى إحدى مؤسسات الدولة ذات المهمة التربوية.
    ومن ناحيته أشار د. عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين سابقا وعضو مجمع البحوث الإسلامية، إلى ضرورة التفرقة بين الفقه والشريعة، مؤكدا أن كل ما جاء على لسان د.النعيم يخص الشريعة، إنما المقصود به الفقه. كما رفض د. بيومي ما ذهب إليه د. النعيم من أنه لا مستقبل للشريعة الإسلامية سياسيا وقانونيا على مستوى الدولة، مبررا رأيه بأن الشريعة مستعدة تماما لتقبل أي تغييرات في أي زمان ومكان. كما رفض بيومي القول بأن الدولة كانت علمانية على مر التاريخ الإسلامي مؤكدا أن عمر الدولة في الإسلام لا يتجاوز المائة والثلاثين عاما، ومؤكدا على أن ما هو أصيل في الإسلام هو حرية التشريع وليس العلمانية. فالإسلام وفقا لبيومي يعطي للإنسان حق التشريع وفقا للمتغيرات السياسية والاجتماعية حتى تبدو الدولة في الإسلام دولة مدنية، لكنها ملتزمة بقواعد أصولية عامة ومبادئ إنسانية موحى بها فهى إنسانية وإلهية في آن واحد. وانتقد بيومي مقولة أنه لابد من الفصل الصارم بين الدين والدولة، مؤكدا أنه لا قيام لنهضة إسلامية في العالم الإسلامي إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية".
    واعتبر د.بيومي أن حصر الشريعة في المجتمع يشكل تناقضا في مشروع النعيم، وإن أقر بيومي "أي تجربة لتطبيق الشريعة الإسلامية حتى الآن تجربة فاشلة".
    ومن ناحيته أكد د. محمود إسماعيل الباحث المتخصص في سوسيولوجيا الفكر الإسلامي، على أن مكمن الخلاف في ضرورة التفرقة بين الإسلام كعقيدة والإسلام كشريعة. ويذهب إلى أن الإسلام كعقيدة لا يثير أي خلاف في حياتنا العامة والخاصة ولا مجال للتجديد فيها بأي حال من الأحوال، إذن الخلاف حول مفهوم الشريعة، مشيرا إلى أنه يتفق مع د. النعيم فيما يتعلق بالسياسة وما أثبته الواقع سواء في السودان أو في أي مكان مارست فيه الحركات الإسلامية المتشددة ممارسات سياسية تسئ إلى الإسلام. واتفق د. محمود إسماعيل كذلك مع أطروحة النعيم فيما يتعلق بإدانة الدور السلبي لفقهاء السلطان في كل العصور الذين أساءوا وما زالوا يسيئون للإسلام بل ويعوقون أي محاولة للتجديد في الإطار الإسلامي. وأضاف بأنه لا يوجد لا في القرآن ولا في السنة ما يشير لوجود نظام حكم بعينه في الإسلام، فالموجود هو مبدأ الشورى فحسب.
    ومن ناحية ثانية، اعتبر د. محمود إسماعيل أن أطروحة النعيم تدعو إلى إغفال الشريعة والبدء من حيث انتهى الغرب، الأمر الذي دفعه لاستعراض إمكانات الشريعة كما تبدت في تجارب إسلامية على مر العصور (ابن رشد، ابن حزم، إخوان الصفا، تجربة إيران)، وعلى هذا الأساس رفض أطروحة النعيم داعيا إلى التعمق في التاريخ والتراث الإسلامي الذي يمكن أن نجد فيه ضالتنا.
    وفي مداخلته أثار د. حيدر إبراهيم أستاذ علم الاجتماع ومدير مركز الدراسات السودانية سؤال العلاقة بين النص المقدس وممارسات المسلمين الفعلية على مر تاريخهم، مشيرا إلى أن الانتقادات الموجهة لممارسات التجارب الإسلامية في الحكم غالبا ما يرد عليها بأن هذه التجارب لم تكن تطبق الشريعة الإسلامية الحقيقية أو الصحيحة، الأمر الذي ينبغي معه محاولة الإجابة عن التساؤلات الخاصة بالأسباب التي جعلت "الشريعة الحقيقية" لم تطبق؟ والتساؤل كذلك عما يطبقه المجتمع من الشريعة بالفعل وكيف يطبقه؟ مشيرا إلى أهمية الإجابة عن هذه التساؤلات في البحث عن مستقبل الشريعة الإسلامية، لا سيما بعد فشل المشروع الإسلامي في الجزائر وباكستان، والسودان، وكذلك إيران بارتدادها إلى ولاية الفقيه ومنع الإصلاحيين من المشاركة في الانتخابات.
    وأوضح د. حيدر إبراهيم أن هناك فارقا بين مفهومي "العلمانية، و"العلمنة" مشيرا إلى أنه إذا كانت "العلمانية" مفهوما غربيا يثير الريبة في المجتمعات الإسلامية، فإن ما يراه مناسبا للإسلام هو مفهوم العلمنة على أساس أن الدين كلما ارتبط بالممارسات الحياتية اليومية للناس كلما كان دينا معلمناً، وأضاف أن مقولة "الإسلام دين ودولة"، على الرغم من أنها أكثر المقولات التي تنتقد العلمنة إلا أنها وللمفارقة مقولة "معلمنة" لأنها تعني ارتباط الدين بحياة الناس اليومية، لافتا النظر إلى تناقض المقولة "الإسلام دين ودولة" إذ الفاصل بينهما يعني أن هناك اختلافاً بين كونه دينًا وكونه دولة، مع أنهم لو اكتفوا بقول أنه دين لكان ذلك معناه ضمن ما يعني أنه أيضا دولة لارتباطه بممارسات الناس اليومية.
    وأشار د. حيدر إبراهيم إلى مفارقة أخرى في واقع المجتمعات الإسلامية، حيث لاحظ أنه كلما كان نظام الحكم دينيا كان المجتمع على العكس من ذلك؛ أي بعيدا عن الدين ومثال ذلك السودان، وكلما كان نظام الحكم ليبراليا، كان المجتمع متدينا ومثال ذلك مصر!، الأمر الذي يجعله يؤكد أن واقع الحال وفقا لهذه المفارقة –يفصل بين الدين والدولة.
    وتعقيبا على بعض المداخلات أكد عبد الله النعيم على ما ذهب إليه حيدر إبراهيم بأن واقع الحال هو الفصل بين الدين والدولة في ضوء تجربة مصر وتجربة السودان (مجتمع متدين ونظام حكم غير ديني) وأشار النعيم إلى أن ذلك كان على مر التاريخ وأن ما عانيناه من أنظمة الحكم الديني إنما راجع إلى أن واقع الحال هذا الذي يفصل بين الدين والدولة لم يتم التنظير الفكري له.
    واعتبر النعيم أنه لا قيمة على الإطلاق لهذا التمييز بين الفقه والشريعة، لأنهما في كل الأحوال -سواء كان هناك تمييز بينهما أو لم يكن بينهما تمييز- نتاج الفهم البشري للنصوص الدينية. بل إن المصطلحين "شريعة، فقه" نتاج الفكر البشري، مشيرا إلى أن الرسول لم يترك فينا نصا صريحا بأن هذا فقه وتلك شريعة. كما أن مصطلح "الشريعة" نفسه مستحدث، لم يرد في كتب الفقه الإسلامي لثلاثة قرون.
    ودعا إلى أن يناقش الحضور ما طرحه انطلاقا من ضرورة الوعي بأننا في أزمة حقيقية وهى أن الإسلام مغيب وليس أدل على ذلك من تلك الملايين من المسلمين التي تحيط بالعراق المحتل، مؤكدا أن الاستعمار في عقولنا لأننا ما زلنا نعيش الخلط في أن يزعم البعض بما لم تستطع أجيال المسلمين على مدى خمسة عشر قرنا منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن تقوم به، وهو قيام الدولة الإسلامية، يزعم البعض بأنه يمكنه القيام به الآن.
    وأشار النعيم إلى أن الفهم البشري في جوهر التجربة الدينية. وأن الله لم يشرع لكماله وإنما للبشر. فالشريعة كاملة لأنها شريعة الله للناس. وأنها لا تفهم ولا تمارس إلا عن طريق الناس ولا قيمة لها إلا في حياة الناس.
    وفي دورة ثانية من المناقشات، أشار الباحث أحمد راسم النفيس إلى أن سقوط الخلافة العثمانية كان بمثابة زلزال أفاق منه العالم الإسلامي فوجد نفسه أنه لا يطبق الشريعة الإسلامية، متسائلا ومتى كانت تطبق الشريعة الإسلامية؟ وهل نحن الآن دولة غير إسلامية؟ وأكد النفيس أننا دول إسلامية لكننا دول غير ديمقراطية لأن العالم الإسلامي هو من قعد وأسس للفكر الإسلامي بتحريمه للمعارضة السياسية باعتبارها خروجا عن صف الجماعة، كما لفت النظر فيما يتعلق بالدعوة إلى فصل الدين عن الدولة إلى استحالة أن تقبل أي دولة من الدول الإسلامية فكرة التنازل عن هيمنتها على المؤسسة الدينية واستغلالها كأداة لا تقل أهمية عن مؤسسة المخابرات.
    أما د. أحمد سالم مدرس الفلسفة بآداب طنطا فقد رأى أن طرح النعيم بمثابة مشروع فوقي لا يمكنه أن يغير في واقع مجتمعاتنا شيئا، مستندا إلى القول بأن العقلية العربية الإسلامية هى عقلية معيارية تقيس الأمور بمبدأ الحلال والحرام، وأن دور رجال الدين يفوق بكثير أي دور للأكاديميين والمثقفين. ومن ثم لا يمكن لهذا المشروع أن يغير في واقع المجتمعات العربية إلا بتغيير آليات العقل المعياري وهذا غير ممكن.
    ومن ناحية ثانية، أشار إلى أن ما يمكن أن تديره الشريعة من أمور الدولة لا يمثل إلا نسبة بسيطة من القوانين التي تحتاجها الدولة كمؤسسة، أما بقية احتياجات الدولة القانونية فلابد من أن تسدها القوانين الوضعية التي عليها أن تسنها.
    كما أشار د. ياسر قنصوه مدرس الفلسفة بآداب طنطا إلى أن التجربة الماليزية التي تجسدها عبارة مهاتير محمد "حين أصلي أدير وجهي للكعبة، وحين أتعامل اقتصاديا أدير وجهي ناحية بورصة نيويورك" أن هذه التجربة أحد المشاريع المرشحة للتطبيق في المجتمعات الإسلامية، مشيرا إلى أن سؤال المواءمة بين الشريعة والعلمانية هو سؤال قديم يتجدد، لكن اللافت للنظر أنه يثار دائما بحافز خارجي وليس نابعا من محاولة داخلية لتطوير الذات.
    وأشار مجدي النعيم المدير التنفيذي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى أن الدعوة لتطبيق الشريعة هو مشروع سياسي مكلف جدا نظرا مدللا على ذلك بالأعداد الهائلة من الضحايا من جراء التجارب التي عرفتها أفغانستان، إيران، السودان، الجزائر، الأمر الذي يطرح السؤال حول الأسباب التي تدفع النخب الحاكمة إلى تبني الدعوة لتطبيق الشريعة حين تمر هذه الأنظمة بأزمات تهدد مشروعيتها وصلاحيتها للحكم مثلما حدث في (سودان النميري، مصر السادات)، وتساءل كذلك عما يمكن أن تقدمه الشريعة لأي مشروع فكري علماني، وعن الكيفية التي يمكن أن ينتصر بها مشروع عبد الله النعيم على أرض الواقع على المشاريع الفكرية الأخرى الإسلاموية.
    واتفقت الأستاذة الدكتورة هدى الصدة أستاذة علم الاجتماع مع طرح عبد الله النعيم لكنها أثارت تساؤلا حول ما يمكن أن يترتب عن القول بأن للشريعة مستقبلا في المجتمع وليس لها مستقبل في مؤسسات الدولة، لا سيما فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، حيث يرد إلى الذهن ما وصل إليه الوضع في العراق إذا ألغيت قوانين الأحوال الشخصية وأحيلت المسألة كلية للمذاهب.
    ومن جانبها تساءلت د. منى طلبة الأستاذة بآداب عين شمس، إذا كان الإسلاميون يقرون بفشل التجارب الإسلامية التي وصلت للسلطة حتى الآن، فلماذا التمسك بهذه المشروعات السياسية إلى هذا الحد إذا كان قد ثبت فشلها؟!
    ومن ناحية ثانية أوضحت أن هناك مغالطة في اعتبار أن الشريعة هى الثقافة المصرية الإسلامية، مشيرة إلى أن ما يمثل الهوية العربية الإسلامية هو الأدب والفنون والمعمار وأن الشريعة هى أضعف حلقات هذه الهوية.
    وفي تعقيبه أوضح د. عبد الله النعيم أن مشروعه لا يقلل من أهميته القول بأنه فوقي بل إن ضرورته تكمن في أنه مشروع يستهدف تغيير الوعي وهو أقصر الطرق وإن طال وعثر علينا إنجازه.
    ومن ناحية ثانية أكد النعيم أن طرحه يعني أن أي قانون يمكن أن يشرع، لكن لا يشرع باعتباره شرعيا وإنما لأسباب موضوعية لأنه يكون معبرا عن إرادة الدولة السياسية. مما يفقده اعتبار أنه شريعة، ومثال ذلك أن الإرادة السياسية للدولة المصرية اختارت من الشريعة ما يخدم توجهاتها السياسية فشرعت قانون الخلع ضمن قوانين الأحوال الشخصية مما جعله قانونا لاعتبارات موضوعية وليس لاعتبار أنه شريعة لأن عملية التنفيس تناقض مفهومياً الشريعة.
    ومن ناحيته لفت د. أنور مغيث أستاذ الفلسفة النظر إلى أن تحذير النعيم من تطبيق الشريعة نابع من استقرائه لتجارب الإسلاميين في الحكم في عدة بلدان. ونفى صحة الزعم بأن رجل الشارع يميل للشريعة مؤكدا أن رجل الشارع إذا سئل فإنه لن يطلب سوى انتخابات نزيهة وتحديد فترات حكم الرؤساء بفترة أو فترتين، وتحقيق مصالح الفقراء وهى أيضا ليست من الإسلام في شئ وإن كان الإسلام لا يتعارض معها، إذ يتقبل الإسلام الديمقراطية، رغم أنها مفهوم غربي، فلماذا لا يرفض العلمانية بحجة أنها مفهوم غربي وأضاف مغيث أن الربط بين الدين والدولة ليس له من مبرر سوى تبرير القمع في البلدان الإسلامية. ومن ناحية ثانية أشار مغيث إلى أن علمانية النعيم علمانية منقوصة لأنها تطرح الإصلاح انطلاقا من النص الديني ومن منطلق فهم تحرري إسلامي، رغم أن الإصلاح يمكن أن يطرح بعيدا عن الإطار الديني تماما لتكون العلمانية كاملة غير منقوصة.
    أما د. عصمت نصار رئيس قسم الفلسفة بآداب بني سويف، فقد أشار إلى أن تجربة تركيا تثبت من وجهة نظره أن التخلي عن الإسلام لم يجعل الآخر الغربي يقبلها ولم يجعل العلمانية الأوروبية تحتضنها.
    وقد تساءل هاني نسيرة الباحث في الفلسفة الإسلامية إذا كانت فرضية د. النعيم تقول بأنه لا مستقبل للشريعة الإسلامية في الدولة ألا يتعارض ذلك مع الوضع في المنطقة، حيث الانتهاكات الأمريكية والإسرائيلية لأبسط مبادئ حقوق الإنسان العربي واحتلال العراق، الأمر الذي يعطي دعما كبيرا لمشروعية حضور الحركات الأصولية وتصدرها لصفوف مقاومة الاحتلال في الوقت الحاضر، ويشير لإمكانية كسبها رهان المستقبل.
    أما د.هبة رؤوف المدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فقد أشارت إلى أنه رغم الاختلاف البين بين ما تراه وما يطرحه د. النعيم إلا أن هناك أفكارا مشتركة أحيانا، مشيرة إلى أن لديها فكرة في الوقت الراهن ترى أن الدولة كمؤسسة سلطوية عسكرية بوضعيتها الراهنة لا يمكنها أن تطبق الشريعة الإسلامية لأن المشكلة في مفهوم "الدولة" وليس في مفهوم "الإسلامية". وأشارت من ناحية ثانية إلى أن الإشكالية في التعامل مع النظام العالمي الجديد لا تكمن في السياسة أو في الحركات الإسلامية وإنما تكمن في البعد الاقتصادي والمتمثل في قوة فقه المعاملات الإسلامي الذي يتأبى على التكيف مع السوق المفتوح في ظل النظام العالمي الجديد.
    وقد رفض د. حسن طلب أستاذ الفلسفة- جامعة حلوان الزعم القائل أن المسيحية لم يكن لديها شريعة، الأمر الذي يسّر لها النهوض في عصر النهضة مؤكدا أنه كانت لها شريعة تبرر محاكم التفتيش التي عانت منها أوروبا في العصور الوسطى، لكن لم يحدث النهوض في العالم المسيحي إلا لأنه بدأ ينقد العقيدة ويعيد النظر فيها، مما أتاح له نقد الشريعة بعد ذلك، مشيراً في هذا الصدد إلى وجود محاولات في الفكر العربي الإسلامي لنقد وإعادة النظر في العقيدة حتى يمكن نقد الشريعة، وقد كانت هذه المحاولات على يد أبي العلاء المعري وصالح بن عبد القدوس لكن الاحتلال الثاني أوقف تطور هذه المحاولات.
    وقد طرح كاتب هذه السطور رؤيته مشيرا إلى أن التجربة السودانية تقدم لنا في القاهرة في هذه الأيام منحيين فكريين الأول كان د.عبد الله علي إبراهيم الذي أعلن تحوّله الفكري من الحزب الشيوعي السوداني إلى التوحد مع فكر الترابي في كتابه "الشريعة والحداثة"، والثاني هو ما تعبر عنه أطروحة د. عبد الله النعيم إذا كان الأول دعما مباشرا للحركات الإسلامية فإن النعيم يخدم الإسلاميين أكثر مما يخدم الإسلاميون أنفسهم، كما أشار الكاتب إلى أن دعوة النعيم ليست دعوة للعلمانية وإنما هى دعوة للتأسيس الإسلامي للعلمانية تنطلق من الاعتقاد بوجود قيم الإسلام وقيم العلمانية في وجدان الناس ولا يمكن الفصل بينهما لكن ما ينبغي الفصل الحازم بينهما هو الحكم الديني والحكم العلماني، إذن هى دعوة من أرضية إسلامية لكنها ليست إسلامية سلطوية. وأن هذه الدعوة لا تهدف إلا لتحقيق أمرين هما المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، والمساواة بين الرجال والنساء
                  

04-24-2010, 06:03 PM

هشام هباني
<aهشام هباني
تاريخ التسجيل: 10-31-2003
مجموع المشاركات: 51288

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس (Re: هشام هباني)

    http://www.alfikra.org/article_page_view_a.php?article_id=1005&page_id=1



    أملكيون أكثر من الملك؟؟!!


    فى الرد على الأستاذ الدكتور عبد الله على ابراهيم
    "الحجارة ليست لها عيون"!!


    عبد الله عثمان – واشنطون
    [email protected]


    لعل أول ما استوقفنى فى مقالة الأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم، هى اختياره لكلمة "حولية" لوصفه للإحتفالات بالذكرى السنوية لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه، فعل ذلك فى العام الماضى فى جريدة الصحافى الدولى 31/1/2002 ثم عاد وكررها هذا العام فى الصحافة يناير 2003، فالتسمية، مهما أحسنا الظن فى دوافع اختيارها، فان لها دلالات ومعان سلبية كثيرة ليس هذا مجال الخوض فيها، بيد انه لمما يحمد للأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم واضح اهتمامه بجملة الأمر، وهو أمر حرى به أن يشغل كل من يهمه أمر دينه وأمر الوطن، بل وأمر نفسه، والا فان يوم أن "أكل الثور الأبيض" ليس ببعيد!! ومع ذلك فان ما يؤخذ على الأستاذ الدكتور كثير وسأعود لذلك فى صلب هذه العجالة انشاء الله.
    إن حياة الأستاذ محمود محمد طه، كما دوّنها فى كتبه، وعاشها مجسدة، فى اللحم والدم، لحياة مدهشة، بكل تفاصليها، مهما صغرت هذه التفاصيل، أو كبرت، فمما يحكى عن الأستاذ محمود فى طفولته الباكرة أنه كان مع شقيق له، فأخذ شقيقه يقذف بالحجارة كما يلهو الصبيان، فقال له الأستاذ محمود ما معناه: لا تقذف بالحجارة، فالحجارة ليست لها عيون!! وقال لإحدى بناته لما رأى عندها مبيد "البف الباف" قال لها مستنكرا "هسع دة فرقو شنو من المدفع الرشاش"؟؟ هذا ديدنه اتساقا مع قوله "البر بالأحياء والأشياء" وقد حكى المرحوم الدكتور خليل عثمان محمود، الذى قضى فترة معتقلا مع الأستاذ، أن الأستاذ سأله يوما عن اختفاء كوب ماء قديم فقال خليل أنه قذفه، فقال له "مش حرام، خدمنا الفترة دى كلها نجدعوا!!" فنزلا يبحثان عنه حتى وجداه فجاء به الأستاذ وغسله وعلقه فى اعتداد تكريما له!! وحادثة أخرى لها دلالتها الكبيرة، أنه لما رأى أحد تلاميذه يقتل نملة لم يرتض منه ذلك، وحدثه في ذلك فأجاب تلميذه: ولكنها عضتنى!! فقال له عضها!! بل إنه ليدعو لأكبر من ذلك، لمقام "فمن عفا وأصلح، فأجره على الله"!! وغنى عن القول، أن الاستاذ محمود محمد طه، قد كان من أوائل المهندسين السودانيين، فى زمن كانت الوظيفة فيه بقرة حلوب، ولكنه مع ذلك ظل ملزما نفسه بالشعار الذى رفعه أن "ساووا السودانيين فى الفقر، إلى أن يتساووا فى الغنى" فلذا عندما كان يلومه أقرانه لِمَ يسافر بالدرجة الرابعة فى القطار؟ يرد عليهم لأنه لا توجد درجة خامسة!! ويظل قوته خشن ما يعرف أهل السودان مع قلة فيه، ولا يدخل السكر لشاى الكبار حين يعز السكر فلا يجده سواد السودانيين فى سودان السبيعنات وبداية الثمانينات!!
    واتساق أمر الاستاذ محمود محمد طه مع شعاره "الحرية لنا ولسوانا" وصنوه الأخر "ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين" لأمر يدعو الى الاعجاب، فقد كان أصلب من وقف ضد حل الحزب الشيوعى السودانى فى الستينيات فى وقت تخاذل فيه حتى الشيوعيون أنفسهم عن نصرة أمرهم، وقد جر ذلك على الأستاذ الكثير من كيد خصومه الاسلاميين ورجال الدين الى أن تداعى الأمر الى محكمة الردة سيئة الصيت!! وهو، هو الأستاذ محمود، الذى سعى ليعزى الأسلاميين فى فقدهم لسيد قطب ورفاقه الذين أعدمهم عبدالناصر وقال لعبدالناصر "ستلقى الله وفى يديك من دمائهم أغلال!!"
    ذلك قليل من كثير يمكن أن يقال عن الأستاذ محمود فى هذا الباب، ولكن دعنا نعرج على خصومه الذين علقوه على أعواد المشانق ثم فرحوا بهذا "الذبح العظيم"!! فتاريخهم القريب يطفح بكل ما يشين أمر الرجال العاديين، بله من يدعو الى الدين!! فهؤلاء القوم لا يتورعون عن أتخاذ أى وسيلة، حتى ولو خالفت أمر الدين، لتحقيق غاياتهم بصورة تجعل ميكافيلى تلميذا صغيرا عندهم، فبينما يقول الأستاذ محمود "ان الغايات الصحاح لا يتوسل اليها بالوسائل المراض"، تجدهم، هم، قد بايعوا نميرى أماما وهو يقول "ح نتلب البيوت ونتجسس"!! ويعدونه مجددا للدين ويسوقون الناس لبيعته فى المنشط والمكره!! ألم يقل الترابى للبشير "اذهب أنت للقصر حاكما، وأذهب أنا الى كوبر سجينا"!! مالى أذهب بعيدا، فانهم فى انفسهم لا يتورعون عن وصم كل من يخالفهم، حتى من بنى جلدتهم بكل ما يشين، فتارة قد يكون من يخالفهم مارقا أو ماسونيا، أو شيعيا زراية به!!وتارة عميلا للمخابرات الأمريكية (وقد طلعت الشمس وعلم الناس من هم عملاء المخابرات)!! او مجنونا أو مخرفا ألخ الخ.. ولا تحصر قائمة من استهدفوهم ولكن لا بأس من ايراد بعض الأسماء مثل: الرشيد الطاهر بكر، د.منصور خالد عبدالماجد، د. عون الشريف قاسم، د. محمود عبدالله برات، د. حسن عبدالله الترابى، د. حسن مكى محمد أحمد، د.عبدالوهاب الأفندى، عمار محمد آدم، داؤود يحيى بولاد، محمد طه محمد أحمد، أمين بنانى نيو، مكى على بلايل، عبد الرحيم عمر "الخمينى" وحتى حليفهم السيد الصادق الصديق المهدى، الذى ظل يقدم لهم جلائل الأعمال، منذ مأساة "معهد المعلمين العالى" وحتى وقتنا الحاضر "لم الشمل بجنيف"، فلم يشفع له ذلك، وكأنى بالحبر لم يجف بعد من مقالة المحبوب عبد السلام عن "بارود السلطان المبتل" فى حادثة السيدة البريطانية المعروفة!!
    اما تاريخهم فى العنف بالخصوم، فانه لمما لا يقع تحت حصر!! وكيف يقع تحت حصر، وهم قوم تربيتهم لأبنائهم "فليعد للدين مجده أو ترق فيه الدماء"!! والمجد عندهم أن تجاهد مثلا "رقصة العجكو" فى قاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم وترق دماء الأبرياء أو أن تحرق معرض الفكر الجمهورى بنادى الخريجين بود مدنى، وغير ذلك كثير مثل حادثة اغتيال الفنان خوجلى عثمان، وضرب الأستاذ محمود محمد طه فى محاضرة عامة بالأبيض، وضرب وزيرهم الحالى ومفوضهم لمحادثات "السلام" دكتور مطرف صديق "النميرى" للدكتور أحمد المصطفى دالى فى مقهى النشاط بجامعة الخرطوم، وضرب الدكتور أحمد قاسم ورفاقه للدكتور صلاح موسى محمد عثمان بداخليات حسيب بجامعة الخرطوم، وضرب تلاميذ الأستاذ محمود فى مساجد كوستى الخ الخ، وهذه كلها، وغيرها، حوادث مسجلة فى أقسام البوليس وفى ذاكرة الشعوب!! فكلها شواهد تدل على ضيق الاسلاميين بالآخر، وسعيهم لتصفيته أو اقصائه بأى وسيلة مهما تدنت!! بل من هو الآخر؟؟ فليس هناك آخر فى أدبياتهم منذ "مانفستو" الإمام حسن البنا، وحتى أيام ياسر عثمان جادالله وأبونارو!! ولعل أطرف ما يمكن أن يقال فى هذا الأمر يتمثل فى ارسالهم لبعض فتياتهم "الشماليات" للمشاركة فى مهرجان للفنون الشعبية فى باريس برقصة الدينكا وبضعة مليون جنوبية يسكنّ الخرطوم!! حتى سخر منهم الفنان التشيكلى حسن موسى فى اصدارته "جهنم" وأسماهم "دينكا عالياب"!!
    الآخر، عندهم، ليس أكثر من مغانم وأسلاب، ألم تقترح الأستاذة لبابة الفضل – عضو المجلس الوطنى- حلا لمشكلة الجنوب، ان يتزوج كل من الشماليين ثلاثا من "الجنوبيات"؟؟!! وهى على استعداد أن يأتى لها زوجها بثلاث "منهن"!! هل هذه أكثر من أسلاب!! ولعل طرفة أخرى جديرة بالتسجيل هنا، فلعل طلاب جامعة يتذكرون مسيرة "التطبيع" التى فرقتها شرطة الأحتياطى المركزى عند صينية "الاتحاد الاشتراكى"، فلما عادوا، أخذ طلاب الاتجاه الاسلامى يعددون مكاسبهم من تلك "الغزوة" فكان مما عددوه أنهم غنموا "ميكرفونا أحمرا" تركه الشيوعيون!! أى جيش هذا الذى "يغنم" من حلفائه؟!! فالإجابة هى أن "الحليف" ليس هناك!!
    ألا إأن منظر الظلم شنيع!! ألا إن منظر الظلم فظيع!!
    فى خطبة للأستاذ محمود محمد طه فى جامع رفاعة فى سبتمبر 1946، فى حادثة الخفاض الفرعونى الشهيرة التى قادت الأستاذ محمود لكوبر كأول سجين سياسى، جاء قوله:
    ((أيها الناس من رأى منكم المظلوم ولم ينصفه فلن ينصفه الله من عدو . ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره فلن ينصره الله من عدو. ألا ان منظر الظلم شنيع ، الا ان منظر الظلم فظيع فمن رأى مظلوماً لا ينتصف من ظالمه ومن رأى ذليلاً لا ينتصر على مذله فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام وشهامة الاسلام الى النصرة والمدافعة فليس له من الايمان ولا قلامة ظفر))
    وفى النذارة النبوية أن غضب الله ينزل على قوم رأوا الضعيف لا يقتصون له من القوى!! هذه القيم الانسانية نحن أولى بها من غيرنا، ألا تقرأوا معى ما قاله السيد سيريل ثاومند نائب البرلمان الممثل لحزب المحافظين ورئيس جمعية عزيز للتفاهم العربي ـ البريطاني فى جلسة مجلس العموم البريطاني فى الاجتماع الذي نظمته الأحزاب البريطانية في الثلاثين من شهر يناير 1985، وذلك للتنديد بالجريمة البشعة التي ارتكبها النظام السوداني بتنفيذ حكم الإعدام بالشهيد محمود محمد طه، حيث قال: "والجريمة التي تمثلت في شنق هذا الرجل المسن بهذه الطريقة البشعة ودون أن يحظى بمحاكمة عادلة هي جريمة تقلص من قيمتنا، نحن المجتمعين في هذه القاعة ومن قيمة كل إنسان يوجد على وجه البسيطة"!! (الخطوط من عندى) فإذا عجز الأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم عن أن يقف مثل هذا الموقف، فلماذا اذن يريد ليطفف الأمر، ويدعونا ألا نستغل هذه "الحولية" لتحميل الإسلاميين وزر ذلك، أليس هو القائل فى الصحافة 26/10/1999 ((وتكأكأ خصوم الحركة الجمهورية عليها من باب هذا الشطح وحصروها سادين المنافذ عليها إلى العامة من الناس، حتى قتلوا الأستاذ وسموه "الذبح العظيم"))
    أعجب لأمر الأستاذ الدكتور عبد الله على ابراهيم يدعونا لذلك، ودكتور الترابى نفسه يعبر عن تأيدهم لاغتيال الأستاذ محمود في إجاباته على جريدة (الهدى) بتاريخ 9 جمادي الآخر 1405 فقال عن الأستاذ محمود "محمود محمد طه لا يعرفه أهل السودان سياسياً" !! ، "لأن دعوته دينية ، لأنه رجل له قضية ، وقضيته ضد الدين الذي تعرفونه من الإسلام في الضرورة)) أبعد هذا، مزيد لمستزيد!! أملكيون أكثر من الملك؟؟؟ حضرة الأستاذ الفاضل!! ثم أى شطح هذا الذى يتحدث عنه الأستاذ الدكتور؟! فالأستاذ محمود لم يزد على أن دعا الى الانتقال من نص فرعى فى القرآن فى القرن السابع، خدم غرضه حتى استنفده ، لنص أصلى مدخر فى القرآن حين تستشرف البشرية عهد رشدها!! أهذا شطح أم أن الناس يريدون أن "يستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير" لم يزد الأستاذ على ما قلت ولكن مثل الأستاذ الدكتور وغيره من الناس استنكروا عليه ذلك، وعدوه شطحا فحقت فيهم الآية: ((((واذا بدلنا آية مكان آية، والله أعلم بما ينزل، قالوا: انما أنت مفتر!! بل أكثرهم لا يعلمون!!* قل نزله روح القدس من ربك بالحق، ليثبت الذين آمنوا، وهدى، وبشرى، للمسلمين..)) ليس فى الأمر شطح يا حضرة الدكتور، فكل ما فى الأمر أن الاسلاميين بعدما حلوا الحزب الشيوعى السودانى وحقروا القضاء بجعل حكمه تقريريا، تلفتوا لمن هو ليس فى البرلمان كيف يسكتونه؟؟ وهو يسمى وريقتهم "الدستور الاسلامي المزيف"!! فأقاموا له محكمة الردة!! ليس أكثر من ذلك، فهو رجل يدعو لتحرير الانسان من حيث هو انسان، وهم يسعون لتكبيله بل ولاستعباده خدمة لمصالحهم "الاقطاعية" الضيقة!! ألم يحدثك صديقك الدكتور حسن أحمد ابراهيم عن مذكرة السيد عبدالرحمن المهدى والسيد على الميرغنى والسيد الشريف يوسف الهندى عن مذكرة احتجاجهم للإدارة البريطانية ضد قانون "تحرير العبيد"!! أم أن الناس لا تزال تدرس التاريخ انتقائيا؟؟!!
    ثم نعود لأمر سعى الأستاذ الدكتور عبدالله وهو يدعونا غريب دعوته تلك، والبرفيسور حسن مكي يقول فى الوفاق 5/12/1998
    (( قتل محمود محمد طه جريمة شاركنا فيها جميعاً سواء بالتواطؤ أو السكوت.)) ويقول عن الترابى بالذات: ((أنا اعتقد انو كان خائف على أنو نميري ينكص عن اعدام محمود محمد طه.. ويدعو الله ألا يحدث ذلك...))
    ويسأله المحرر
    س: ولكن الترابي يعلن دائماً ان المرتد فكرياً لا يقتل؟
    فيجيب
    ج: انت تريد ان تخرج لموقف الترابي!! وأنا اوثق للتاريخ..
    س: هنالك رأي يقول ان د. الترابي كان حريصاً على اعدام محمود. وأن محمود كان يمثل منافساً شخصياً له على مستوى الطرح الاسلامي.؟

    كيف يدعونا لذلك، وكاتبهم محمد طه محمد أحمد يقول فى جريدة الوفاق 26/1/2002
    ((ولابد ان يقف كل الناس طويلاً امام موقف الدكتور النعيم الذي تدمغ بعض الجماعات الاسلامية حزبه بالكفر وتدعم الحكم بالاعدام على من يعتنقون هذا الكفر ان فكر الدكتور النعيم يريد الحياة الكريمة للسلفيين من تنظيم قاعدة الجهاد وحركة طالبان ورفض ان يصمت والكلام يكلفه غالياً وواشنطن تتربص اجهزتها الاستخبارية بكل صوت يبدو متعاطفاً مع طالبان وقاعدة الجهاد. رفض الدكتور عبدالله النعيم ان يعمل باضعف الايمان وكان في امكانه ان يلجأ لفقه تغيير المنكر بالقلب فقط فيحافظ على مصالحه في امريكا ولكنه اختار ان يصدع بكلمة الحق. ان سلوك الدكتور النعيم هو اعظم هدية للجماعات الاسلامية في السودان التي تقول (لابد من ابادة التنظيم الجمهوري بعد اعدام زعيمه المهندس محمود عام 1985)
    كيف يبرؤهم وهتاف عمار محمد آدم الذى وثق له الصحافى محمد لطيف "سقط هبل"!! بل وهتاف محمد آدم عيسى والمحبوب عبد السلام وحسين خوجلى يدمغهم بما أراد الأستاذ الدكتور أن يبرئهم منه!! من هم الاسلاميين ان لم يكن هؤلاء وأحمد محجوب نور؟؟!!
    أليس الأستاذ الدكتور عبد الله علي ابراهيم هو القائل فى الرأي العام 29/4/2003 ((وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السريّة في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عباراتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة والوعاظ في المساجد من أذى وترويع. ومغاضبة الجمهوريين لم تقع من جهة احسان ذلك التقليد الشرعي أو إساءته بل من إرث مواجهة سياسية راجعة الى ايام الحركة الوطنية . فقد صنف من ظنوا في انفسهم مجاهدة الاستعمار من امثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والاعيان وزعماء القبائل والطوائف بانهم من اعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير انه خاضع للنظر والمراجعة الآن . ويكفي ان تقرأ ما كتبه الدكتور حسن احمد ابراهيم عن السيد عبد الرحمن المهدي لكي تشكك في صواب هذه الزائعة عن اؤلئك الرجال. وقد دق حكم المحكمة الشرعية بردة المرحوم محمود محمد طه عليه الرحمة في 1968 اسفين الخصومة بين القضاة والمرحوم واختلط حابل تطوير الشريعة بعاديات السياسة واطوارها وبمنطويات النفوس). فانى لأتساءل مع الدكتور عمر القراى (سودانايل 2003) كيف يطلب الأستاذ الدكتور من الجمهوريين ان يلطفوا عباراتهم في نقد القضاة ، ولم يكن له اي موقف، حين اساءوا للجمهوريين وآذوهم وكفروهم؟ ألأنه يحترم الفقهاء والوعاظ ولا يعبأ بما جرى للجمهوريين حين اهدرت دماؤهم؟!
    ثم لعل ثالثة الأثافى قول الأستاذ الدكتور فى جريدة الصحافة: ((وربما سعد شيعة محمود بمحنة أبي قرون لاتهامهم له بأنه المدبر الخفي وراء مصائر محمود وأحبابه)) من قال لك أننا نشمت بخصومنا؟! إننا لا نشمت بهم!! بل نأسى عليهم ونعلم أنهم ضحايا مناهج قاصرة آن لها أن تصحح، ولا تصحيح لها الا بما جاء به الأستاذ محمود، فمن الأجدر للناس أن يأخذوا به "قبل ضحى الغد"!! ومما يجدر ذكره هنا، انه كانت قد صدرت لنا عدة كتب عن أحد الرموز السياسية البارزة، وأثارت جدلا واسعا، فجاء أحد الناس ليحدث الأستاذ عن ذلك "الرمز" بحديث ساقط، فما كان من الأستاذ الا أن قال له بالحرف الواحد "نحن مجالسنا دى ما بنسمح فيها بكلام زى ده"!! فكيف بمن كانت هذه أخلاقهم أن يشمتوا على أحد؟!! هل سمع الناس بقراءة الأستاذ والجمهوريين للإخلاص "باخلاص" – كما دعا الأستاذ تلاميذه- على روح الدكتور الأمين داوؤد محمد وما ذكرت عاليه من أمر سيد قطب!! نحن لا نشمت ولكننا نأسى مشفقين عليهم وعلى كثيرين غيرهم، والأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم واحدا منهم!! ولعل أقل ما يدعونا لأن نأسى عليه مثل هذا القول الذى يخلو من تثبت العلماء!! "وكثيرا"!!!

                  

04-24-2010, 06:13 PM

هشام هباني
<aهشام هباني
تاريخ التسجيل: 10-31-2003
مجموع المشاركات: 51288

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس (Re: هشام هباني)

    http://www.soutelniel.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&b...106359&func=flatview




    الحديث ادناه لدكتور عبد الله النعيم في ندوة استضافه فيها مركز الخاتم عدلان

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اكبر شرف لى هو اننى من تلاميذ محمود محمد طه , لان فكره كان محور حياتى الفكرية والمهنية والثقافية .
    فى عام 1968 كنت طالباً فى جامعة الخرطوم فى كلية القانون , وكنت اذهب فى العطلة الصيفية الى عطبرة حيث كان والدى يعمل , فى واحدة من الامسيات قابلت صديق قديم عرض على الذهاب الى محاضرة يقدمها محمود محمد طه فى نادى الخريجين بعطبرة , ومنذ اول محاضرة وجدت انى على اتفاق كامل لكل ما قال الأستاذ وهو فى الحقيقة لم يكن يتحدث عنى وانما منى , اذكر حتى الان هذه الواقعة التى حدثت قبل 40 عاما , واقول كيف ان الفكر القوى الصادق والذى يصدر بحرارة وامانة يؤثر فى الانسان تأثير كامل , لاننى شخصياً تحولت حياتى 180 درجة فى تلك المحاضرة فى تلك الأمسية لدى سماعى لهذا الرجل وهذا هو المدخل لكى اتحدث عن جدلية الأصلاح والتغيير .
    نحن البشر لدينا ميل للنظر فى الامور بوجهة نظرنا الخاصة وكأننا نحن مركزية الوجود , وهى حتمياً لابد ان تكون , السؤال هنا ما هى وجهة النظر تلك ؟ والى اى حد هى شاملة لتجارب الأخرين او حريصة على مصالح الأخرين ؟ .
    ليس بالضرورة ان تكون وجهة نظرنا انانية وضيقة الافق , يعنى يمكن للشخص ان يصبح فى منتهى الأستنارة والانطلاقة ولكن ايضاً من موقعه الذاتى .
    هذا الموقع الذاتى يعنى ان ما يحدث فى السودان لنا كسودانيين هو همنا الاول وان مايحدث فى السودان هو مركزية الوجود .
    حتى نفهم حقيقة ما يحدث فى السودان وامكانية الاصلاح والتطوير فيه , علينا ان نفهم السودان فى سياق تاريخى عام فى ابعاده الاقليمية والدولية .





    السودان فى أطار تجربة ما بعد الاستعمار , دول العالم الثالث بما فيها دول العالم الاسلامى وهى 55 دولة كاعضاء فى المؤتمر العالمى الاسلامى , وهم على الاقل 50 دولة بمفهوم وجود اغلبية مسلمة فى الدولة , هم ربع عضوية الامم المتحدة وخُمس سكان العالم .. كلنا نعيش وفق تجاربنا الاستعمارية وما بعد الاستعمار , وحتى فى الدول التى تشهد استعماراً مثل ايران والسعودية فان تجارب ما بعد الاستعمار سارية علينا تماماً , الاستعمار الاوروبى شكل وعى هذه المجتمعات اجتماعياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً , وتغلل فى وجدان وتفكير الناس انفسهم .
    ونحن على مشارف الاحتفال باستقلال السودان , هل حقيقةً هناك استقلال ؟ بل ما هو الاستقلال ؟ وكيف يتم ؟ .. هل هو فقط جلاء المستعمر ؟ ام هو استقلال العقول والقلوب من هينمة الأخر ؟
    هناك أشكالية الدولة القومية او القطرية , اشكالية ان يكون السودان اقليم محدد الحدود وعلاقة الاقليم الجغرافى بمفهوم المواطنة والسيادة وغيرها , كلها تنبع من زرع الاستعمار لمفهوم الدولة الاوروبية فى المنطقة العربية الاسلامية وفى مناطق العالم الثالث عموماً بصورة ليست طبيعية وعضوية فى تجارب تلك الشعوب .. مفهوم الدولة القومية فى اوروبا هو مفهوم اصيل ونابع من تجربة تلك الشعوب ولذلك فهى علاقة عضوية يحدث فيها تفاعل بين المجتمع والدولة والصفوة التى تقود , هذه لم تتحقق لنا فى الشعوب الافريقية والاسيوية , فُرضت علينا نماذج من الدولة الاقليمية لديها مفاهيم تتعلق بطبيعة المواطنة والعلاقات مع الدول الأخرى وهى كلها جديدة على تلك الشعوب .
    لهذا علينا ان لا ننزعج ونشعر بالاحباط لاننا لم نُحقق الاستقلال والاستقرار والتنمية بالقدر المطلوب فى الزمن المتاح لنا حتى الان , لان هذا النموذج جديد علينا , والمجتمعات المستقرة والديمقراطية احتاجت الى قرون لتصل الى ما وصلت اليه الان , يجب ان ندرك اننا مازلنا فى اول الطريق , لنعرف ان التجارب ضرورية فى حياة الشعوب كما هى ضرورية فى حياة الأفراد وليست هناك وسائل لتجاوز التجربة , ولكن هناك وسائل لاختصار التجربة , وطبعاً لا نحتاج لكى نمر على التجارب الفاشلة ونتعظ من تجارب الأخرين حتى نتعلم .
    من اكبر ملكات الانسان الخيال والانتفاع بالعقول والقلوب لاصحاب الرأى مثل الأستاذ محمود محمد طه , لان مثل هذا الانتفاع فيه توفير للجهد والمُعاناة , وفكر الأستاذ محمود هو الكنز المُشاع للسودانيين وجميع البشرية .





    هناك كتاب لى صدر باللغة الانجليزية ( تجربة الحكم الدستورى الافريقى ودور الاسلام ) والمقصود بهذا العنوان هو ان الحكم الدستورى للمجتمعات الافريقية لابد وان يحدث له تأصيل فى ثقافة ووجدان الافارقة انفسهم حتى ينجح ويصل لنتائجه المطلوبة , لا يمكن استيراد الحكم الدستورى من مكان اخر , يجب ان ينبع من الثقافة المُعاشة للشعب المعين , يمكن الانتفاع بتجارب الشعوب الأخرى ولكن يجب ان تكون انت الاصيل بتجاربك وتاريخك , خلاصة الكتاب ان الحكم الدستورى الافريقى لم يفشل رغم كل ما يحدث فى دارفور والكنغو وتشاد وغيرها من عنف وحرب وقتل , رغم كل هذا فان الحكم الدستورى المستقر لم يفشل وانما هو فى سبيله للنجاح واخذ الوقت الذى يحتاجه لينجح كما كان الحال فى كل المجتمعات الاوروبية , اذاً النقطة الاولى من الكتاب نقطة ايجابية بان الشعوب الافريقية ليست محتومة الفشل ولا متأخرة لتحقيق النجاح لنفسها , وعلينا ان نفهم كيف تسير التجارب فى أطار سياق تاريخى لكل الشعب .

    الجانب الاخر فى الكتاب هو علاقة الاسلام بالحكم الدستورى الافريقى الاصيل , انا كمسلم اهتم بهذا الجانب , ومن هذا المنطلق اقول ان تجربة الحكم الدستورى للمسلمين لابد ان تكون مؤصلة فى الاسلام , وهذه هى اطروحة الكتاب الذى صدر فى 2006 , وهى محاولة للاجابة حول الشكوك عن فشل المجتمعات الافريقية , نحن لم نفشل , وانما نأخذ الزمن الذى نحتاجه لننجح كما فعلت كل الشعوب , وللشعوب الاسلامية منها فان الاسلام هو ثقافتها ووجدانها , ولو كانت مسيحية فان المسيحية هى العمق للتجربة .
    ونحن نتحدث عن الحكم الدستورى فاننا بالضرورة نتحدث عن الحقوق الاساسية وكما قال الأستاذ محمود ان الحقوق الاساسية هى الدستور , والحقوق الاساسية تعنى المواطنة الكاملة المتساوية لجميع ابناء الوطن الواحد , الحكم الدستورى يتم تأصيله فى الاسلام بالنسبة للمسلمين , وفى المسيحية بالنسبة للمسيحيين الخ
    الأستاذ محمود محمد طه قدم منهج كامل ومنضبط فى تأصيل هذه الحقوق , ذكرت لكم المحاضرة التى حضرتها فى 1968 واثرها على نفسى , لكن الكتاب الاول الذى اطلعت عليه وغير حياتى بصورة جذرية هو (أسس دستور السودان) الذى كتبه الأستاذ عام 1955 وقبيل الاستقلال , هذا الكتاب وطرحه البسيط النافذ وضع فيه الأستاذ اساس الأستنارة .
    ونحن نتشرف بالاحتفال بمئوية الأستاذ فالمجال ليس مجال وعظ , وليس لاننى من تلميذه اقول اننا يجب ان نرجع لما قد قال , وانما الاحتفال بالمئوية هو فى ناخذه مأخذ الجد سلباً او ايجاباً , اعتقد ان هناك تجارب منذ الاطاحة بالرئيس السابق نميرى وبدأت الاحتفالات السنوية بذكرى الاستشهاد , ولكن يجب ان يكون الاحتفال بالفهم الواعى لحقيقة ما قال , ومواجهة هذا القول سلباً او ايجاباً , كان لدى الأستاذ عبارة تُقال كثيراً وهى
    انت الناس , انت بتجى متين ؟ .
    وهى لكل من كان يقول له
    والله يا استاذ كلامك جميل , لكن الناس بيجوا متين ؟ , ويقتنعوا متين ؟ .
    انا انضممت سنة 1968 ولا زلت لم اصل لنهاية الطريق بعد , بين تلاميذ الأستاذ وبين عامة السودانيين الذين اطلعوا على فكره , بعض التهيب المفرط فى تصور ماذا يعنى اننى اوافق الأستاذ محمود على ما يطرح .
    فى الختام ادعو ان نستقبل ميراث فكر الأستاذ وحياته ونموذجه العملى فى القول والعمل والصدق والامانة والاتساق الكامل فى كل ذلك , ان نستقبل هذا الميراث كل منا حسب قدرته وقناعته .
    لا شرط ان تصبح جمهورى تماماً , ولكن بالقدر الذى تُريد من فكر الأستاذ وتستطيع تحمل المسؤلية عنه , القضية ليست انك مع الجمهوريين او ضدهم , الأستاذ ليس وقفاً على الجمهوريين ولا على السودانيين , فى دولة مثل اندونيسيا تم ترجمة كتب الأستاذ .
    اريد ان اقترح منهج فى التبسيط والبساطة , لنشر الوعى بطريقة مُشاعة لكل قطاعات الشعب وباللغة التى يفهمها الناس وفى المواقع التى يستطيع الناس الوصول اليها وبالطرق التى تغير فى سلوك الناس , فالمجتمع المدنى ليس هو منظمات المجتمع المدنى , بل قطاع خارج أطار الدولة من الفكر والعمل والتنسيق وغيره , والدول الافريقية لديها مجتمعات مدنية قوية ولكنها تفتقد قدرة التأثير على الدولة , فى الكتاب (اسس دستور السودان) هناك تركيز على التنمية الاصيلة البسيطة الخالية من التكلفة , لان التنمية ليست مؤتمرات وعربات فارهة وتكييف مركزى , ولكن التنمية هى تغيير فى الانسان يوم بيوم , هناك الكثير من الحضور هنا لم يقراء كتب الأستاذ او يتعرف عليه فى حياته , والفكرة الجمهورية هى عمل يوم بيوم وهى سلوك وامانة وصدق , فاذا فعلت ذلك فانت على درب الأستاذ محمود وانت من تلميذه حتى لو لم يعرفك بقية الاخوة فى الحركة الجمهورية .
    وشكراً جزيلاً .
                  

04-25-2010, 07:42 AM

هشام هباني
<aهشام هباني
تاريخ التسجيل: 10-31-2003
مجموع المشاركات: 51288

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يا مراحب بأستاذي العلامة القانوني بروفسور عبد الله النعيم بتكساس (Re: هشام هباني)

    http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3405


    الموضوع : البروفيسور عبدالله أحمد النعيم لـ«الصحافة»: مشروع الدولة الدينية هو زعم باطل مفهوميا
    ___________________________________________________________

    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم لـ"الصحافة":

    عاش الاستاذ محمود ومات على تجسيد قيمة التوحيد والصدق المطلق في الفكر والقول والعمل
    إذا لم ينصلح حال الناس في دخيلة ذواتهم فلن يجدي ان يتولى قيادتهم من يدعي المنهجية الاسلامية

    مشروع الدولة الدينية هو زعم باطل مفهوميا ولا أساس له من التجربة التاريخية

    يكفيني أني مسلم وحقيقة تكويني العرقي الجيني تؤكد إني افريقي تماما

    حاوره في واشنطن: صلاح شعيب

    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجها مشرفا للمفكرين السودانيين في المحافل الأقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الاسلام والمسلمين وحقوق الانسان وقضايا التحرر الانساني والقانون الدولي أن يقدم مساهمات ثرة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الاسلامي بشكل خاص والانساني بشكل عام. فوقا عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الانجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية»طائر الشؤم».
    وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضرا في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والافريقية والاوربية والامريكية محاضرا واستاذا زائر وهو الآن استاذ القانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة منذ عام 1995. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه «القانون» ويشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الاكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها.
    وبوصفه تلميذا وفيا لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدم نفسه شهيدا في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للاستاذ دورا مقدرا في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية.
    وأخيرا أصدر النعيم كتابا جديدا حول العلمانية بالانجليزية ـ وترجم إلى ثماني لغات ـ وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الاسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية .
    «الصحافة» انتهزت فرصة تواجد البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الأول منه:
    * نرجو أن تعطينا فكرة عن نشأتكم والعوامل التي قادتكم للانضمام لجماعة الاخوان الجمهوريين؟
    ـ ولدت عام 1946 بقرية المغاوير التي تقع غرب النيل من شندي، وكانت طفولتي المبكرة في مدينة الخرطوم بحري، ثم عطبرة حيث كان والدي جنديا بالجيش السوداني ـ سلاح المدفعية. وكانت المرحلة الأولية من تعليمي بمدرسة عطبرة الشرقية الابتدائية، ثم عطبرة الاميرية في المرحلة المتوسطة، ثم مدرسة الاحفاد الثانوية بأمدرمان، وانتهيت بكلية القانون بجامعة الخرطوم، حيث تخرجت من القسم المدني عام 1970، وتم تعييني معيدا بكلية القانون وابتعاثي فيما بعد للدراسة العليا بجامعة كمبردج للماجستير وجامعة أدنبرة بأسكتلندا للدكتوراة في القانون، وعدت إلى السودان عام 1976 للعمل كمحاضر بكلية القانون بجامعة الخرطوم.
    ولم يكن في طفولتي ونشأتي مايميزني عن أقراني، أو يؤهلني للإنتساب للاستاذ محمود فيما بعد. قضيت طفولتي وشبابي الباكر متنقلا بين عطبرة وقرية المغاوير وكانت بدايات تعليمي بخلوة الشيخ المأمون بالمغاوير، حيث حفظت بعض جزء عم من القرآن، ثم تنقلت في المراحل الدراسية المختلفة والاطلاع على الروايات ومتابعة الحوارات الفكرية خلال الستينات من القرن العشرين. كما أنني كنت مثل غيري من أبناء جيلي في حيرة من أمري..إذ كنت متنازعا بين عقيدتي كمسلم من ناحية وميلي للفكر التحرري اليساري من الناحية الأخرى. ولحرصي على استقلالي بأمر نفسي لم انتسب لجماعة الأخوان المسلمين ولا إلى التنظيمات الديمقراطية اليسارية في أي من المراحل الدراسية. واستمر الحال هكذا حتى السنة الثانية بجامعة الخرطوم حيث بدأت العمل في صفوف ما كان يسمى بالمؤتمر الديمقراطي الاشتراكي. ولم أجد في نفسي حماسا للمشاركة الواضحة في ذلك التنظيم الطلابي لأنه كان يعرف نفسه بمعارضة الإتجاه الاسلامي من ناحية والجبهة الديمقراطية من الناحية الأخرى، لكنه كان يفتقر للرؤية الفكرية والسياسية الخاصة به. وخلال العطلة الصيفية بين السنة الثانية والثالثة بجامعة الخرطوم تيسر لي الاستماع للاستاذ محمود محمد طه لأول مرة بنادي الخريجين بعطبرة وكانت تلك هي نقطة التحول الكبرى في حياتي وإن لم أكن واعيا تماما بذلك وقتها وعند عودتي لمواصلة دراستي بجامعة الخرطوم للعام الثالث واصلت حضور ندوات الاستاذ محمود بمكتبة «للهندسة المدنية» بعمارة ابن عوف بالسوق العربي بالخرطوم، ثم حضور الندوات التي كان يقيمها بمنزله بمدينة المهدية فيما بعد. وبذلك تواصل انتسابي لجماعة تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه منذ عام 1968 ومشاركتي في العمل العام بين الاخوان الجمهوريين حتى استشهاد الاستاذ محمود محمد طه في يناير 1985 حيث غادرت بعدها السودان في ابريل عام 1985 للعمل كباحث ثم استاذ زائر بجامعة كلفورنيا، لوس انجلس ومواصلة العمل في مواقع مختلفة خارج السودان منذ ذلك الحين..
    * إذن كيف كان وقع إعدام الاستاذ محمود محمد طه عليكم شخصيا وتاثير ذلك على الجماعة وفكرة تأسيسها وواقعها التنظيمي السياسي؟
    ـ لقد كان استشهاد الاستاذ محمود محمد طه علي شخصيا فاجعة كبرى أكثر مما أقدر على التعبير عنها حتى اليوم. ولكنه أيضا الدليل القاطع عندي على حق وصدق دعوته وصلاح منهجه في الحياة فقد عاش الاستاذ محمود ومات على تجسيد قيمة التوحيد والصدق المطلق في الفكر والقول والعمل . وبما أن جماعة الاخوان الجمهوريين لم تكن حزبا سياسيا ولا حتى تنظيم لحركة أجتماعية فلم يكن اثر استشهاد الاستاذ محمود على هذه الجماعة إلا كما ينبغي أن يكون. فالشاهد على حق الفكرة هو في النموذج الكامل الذي قدمه الاستاذ محمود نفسه بحياته ومماته ولا غاية لتنظيم الجماعة ولا قيمة لواقعها السياسي أكثر من ذلك.
    * ولكن هل تصنف الفكرة الجمهورية يا بروف كونها فكرة للإصلاح الديني أم كونها مشروع سياسي سوداني لمقابلة احتياجات سياسية أكثر من كونها دينية؟
    ـ الفكرة الجمهورية كما يعرفها صاحبها وداعيها الاول الاستاذ محمود محمد طه هي السعي الجاد إلي بعث الاسلام واعادته إلى قوته لتغيير الانسان وترفيعه إلي مكارم الاخلاق والمسؤولية والرشاد فجوهر الفكرة الجمهورية هو الاسلام، وهو منهاج النبي عليه الصلاة والسلام في العلم والعمل، في العبادة والسلوك اليومي بين الناس ولأنها هي الاسلام فإن الفكرة الجمهورية تهتم بالقضايا السياسية ولديها مواقف واضحة ومحددة في كل مجريات الاحداث التي تهم المسلمين والبشرية جمعاء. ولكن ذلك لا يجعل الفكرة مجرد مشروع سياسي سوداني لمقابلة الاحتياجات السياسية للشعب السوداني فقط. فهذا المشروع السياسي هو ضمن مناشط العمل لتحرير الانسان من الخوف والجهل واعانته على تحقيق العبودية الكاملة لله وحده سبحانه وتعالي وهذا سعي سرمدي في هذه الحياة الدنيا وما بعدها إلى الأبد. والمجتمع الصالح، كما يؤكد الاستاذ محمود في كتابه «الرسالة الثانية» هو من أنجع الوسائل في تحقيق الحرية الفردية المطلقة وتلك هي غاية الفكرة الجمهورية لأنها هي غاية الاسلام وجميع الاديان ولأنها هي الاسلام فإن الفكرة الجمهورية ليست فقط محاولة في الإصلاح الديني وإنما هي المنهج والسبيل الأوفق عندي في إصلاح الانسان، من حيث هو أنسان ، فإذا انصلح الانسان واستقام على مكارم الاخلاق انصلحت بذلك جميع أحواله وأموره بما في ذلك مجريات السياسة والاقتصاد والعلائق الاجتماعية . وإن لم ينصلح الانسان بالتدين الصادق فلن تجدي المشروعات السياسية وحتى لو أجمع عليها الناس.
    * إذن كيف ترون مصطلح «الاسلام السياسي»، وهل تعتبر الفكرة الجمهورية جزء منها، وفي حال الاتفاق ان هناك إسلاما سياسيا فهل هناك إسلام غير سياسي؟
    ـ مصطلح الإسلام السياسي هو اشارة إلى مشروعات سياسية في المقام الاول وإن كانت تدعي قداسة الاسلام أو تزعم تحقيق غايات الاسلام في الحياة العامة . وبما أن الفكرة الجمهورية هي الاسلام عندي فإن مصطلح الاسلام السياسي لا ينطبق عليها. ولا يعني هذا ان هناك اسلاما سياسيا واسلاما غير سياسي، لأن الإسلام يهتم بالسياسة كأحد الوسائل لتحرير الانسان وإصلاح المجتمع كما سبق القول. وكما كان الاستاذ محمود محمد طه يؤكد بإستمرار فإن الحزب الجمهوري سابقا وحركة الاخوان الجمهوريون بعد ذلك لم تكن احزابا سياسية بالمعنى المألوف وإنما فقط وسائل في تنظيم الدعوة للاسلام وفق منهاج النبي عليه الصلاة والسلام. وكان الاستاذ محمود يؤكد أيضا أنه إذا إنصلح حال الناس أفرادا وجماعات فلا يهم من يتولى القيادة السياسية نيابة عنهم. وإذا لم ينصلح حال الناس في دخيلة ذواتهم وحقيقة معاملاتهم فلن يجدي أن يتولى قيادتهم من يدعى المنهجية الإسلامية في الحكم أو يزعم تحقيق غايات الاسلام في العمل السياسي.
    * الاخوان المسلمون أو الجبهة الاسلامية أو الاتجاه الاسلامي في السودان يعتبر خصما أساسيا للفكرة الجمهورية وبذلوا مجهودا في منازلة الفكر الجمهوري وإغتيال قائده..مع ذلك هل يمثلون بالنسبة لكم جزء اساسيا من تيارات الفكر السياسي الاسلامي التي لا يمكن تجاوزها؟
    ـ هذه المزاعم معروفة عن الاخوان المسلمين «بأي تسمية إتخذونها لأنفسهم» وقد دفع السودان وبعض المجتمعات الاسلامية الأخرى ثمنا غاليا لذلك التخبط الاهوج. وكما راينا في تجربة السودان عند نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين فإن بعض قيادات الاخوان المسلمين قد تنازلت عن مزاعمها السابقة من إدعاء تأسيس الدولة الاسلامية أو إعادة صياغة المجتمع وفق تصورهم هم لمقتضيات التوجه الحضاري الاسلامي المزعوم. وهكذا نرى أن هذه التنظيمات لا تبقى على حال واحد، بل هي تتغير بإستمرار من خلال عراك داخلي وصراع خارجي مع التيارات السياسية الأخرى. وكما كانت سنة التطور في الحياة دائما فالباطل يذهب كزبد السيل والصالح يبقى وينمو بقدر مقدرته على التصحيح الذاتي. وأنا لا أرجو لأي من قيادات الاخوان المسلمين أو غيرهم من الصفوة السياسية البقاء والفناء إنما أعلم تماما أن الباطلا لا يجوز إلا على نفسه، وإن المغامرات الهوجاء محتومة الفشل.
    * مشروع الدولة الدينية في السودان تمثل في تجربتي أواخر ايام مايو وواقع الدول السودانية الحالية، كيف تقيمون التجربيتين وأثرها على مستقبل السودان..؟
    ـ مشروع الدولة الدينية، أو مايسمى عندنا بالدولة الاسلامية، هو زعم باطل مفهوميا ولا أساس له من التجربة التاريخية ولا فرصة عملية في ممارسة المجتمعات الإسلامية ، كما أقرر من خلال عرض تاريخي وتحليل ممفهومي في كتابي «الاسلام والدولة العلمانية» الذي صدر باللغة الاندونيسية في يوليو 2007 وباللغة الانجليزية في مارس 2008 فالدولة هي دائما مؤسسة سياسية لا تقدر على التدين أو الاعتقاد في ذاتها، فالمقصود بهذا الزعم هو القول بأن القائمين على أمر الدولة يستغلون مؤسساتها وسلطاتها لتنفيذ فهمهم للدين.
    وإذا ظهر الامر على حقيقته هذه فسنرى بوضوح خطل الزعم وخطره على مصالح الناس وقد دفع السودان منذ نهايات عهد مايو وإلى نهايات عهد الانقاذ الثمن الباهظ لهذه المغامرات الهوجاء كما سبق القول . وعلى فداحة هذا الثمن فإن أثر هذه التجارب الفاشلة سيكون لصالح السودان وصالح كافة المجتمعات البشرية في المستقبل القريب إن شاء الله لأنه سيكفينا عن مثل هذه الحماقات ويقودنا في سبل الخلاص بتصحيح سوء الفهم وردع سوء القصد والغرض.
    * تقولون إن «مشروع الدولة الدينية، أو مايسمى عندنا بالدولة الاسلامية، هو زعم باطل مفهوميا ولا أساس له من التجربة التاريخية».. هل هذا يعني أن ليس من أهداف الفكرة الجمهورية تحقيق الشريعة الاسلامية في المجتمع المسلم وإذا كان تحقيق الدولة الدينية ليس من أهدافكم هل هذا ضمنيا يعني أن الهدف الاساسي هو تحقيق الدولة العلمانية؟
    ـ من الضروري أن نميز هنا بين المجتمع المسلم والدولة الاسلامية المزعومة . كما رأينا في تجربة السودان فإن مزاعم الدولة الاسلامية إنما تنجح في إشاعة النفاق والفساد ولن تنجح الدولة في اي مكان على إقامة الشريعة بين الناس لأن الالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية لا يكون إلا بالنية الخالصة والصدق في القول والعمل وذلك دائما هو حال المسلم في خاصة نفسه وضميره المغيب عن أجهزة الدولة.
    وبما أن الفكرة الجمهورية هي الإسلام فإن منهجها في إشاعة الشريعة بين الناس هو منهج الاسلام القائم على العلم والعمل لدى كل مسلم لتغيير وإصلاح نفسه. فالفكرة الجمهورية تهدف إلى تصحيح إلتزام الإسلام لدى كل مسلم حتى يتحقق بذلك المجتمع المسلم وليس بإقامة دولة تزعم أنها اسلامية وتلك هي مغالطة وخداع للنفس وأرهاب للناس، وأرجو أن تذكر القارئ بالاطلاع على الفصل الاول من كتابي باللغة العربية على موقعي: www.law.emory.edu/fs.
    * في حال المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة هل نستطيع أيضا ان نفرق بينها ودولتها، وهل نستطيع أن نبعد قيام اركان هذه الدول على هدى من الشريعة الاسلامية ما دام أن غالبية المجتمع مسلمة.. ثم ماذا لو أن شعبا ما طالب عبر الديمقراطية بتديين دولته..؟
    ـ التمييز بين الدولة والمجتمع ضروري في كل المجتمعات بما في ذلك المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة وكذلك من المفيد التمييز بين الدولة والحكومة. فالدولة هي استمرارية المؤسسات مثل القضاء والتعليم والخدمة المدنية والخدمة الدبلوماسية، فهذه المؤسسات تلحق بسيادة الدولة ومصالح جميع المواطنين لذلك يجب ان تبقى مستقلة عن هيمنة الحكومة التي تختلف وتتغير حسب إرادة الناخبين في النظام الديمقراطي. وكما نرى في حالة السودان وغيره من البلدان الاسلامية فإن وجود أغلبية من المسلمين لا يعني إتفاقهم السياسي بل تختلف الفرق والاحزاب بين المسلمين، فالقول بان أغلبية المواطنين من المسلمين لا يعني بحال من الاحوال الاجماع على سياسة معينة وحتى لو حصل ذلك فهو على مستوى الحكومة وليس على مستوى الدولة..فالخيار الديمقراطي هو دائما للحكومة بصورة تقبل تغيير الحكومة في الدورة القادمة وهذا هو السبب في التمييز بين الدولة والحكومة، لأن الدولة تبقى في خدمة جميع المواطنين دائما على السواء بينما تأتي الحكومة أو حكومة أخرى وتذهب حسب خيار الناخبين. واستحالة تدين الدولة هي مسألة في جوهر الدين والدولة. الدولة مؤسسة لا تملك ولا تقدر على الاعتقاد الديني إطلاقا حتى لو اجمع جميع المواطنين على هذا المطلب والخيار الديمقراطي يعني أن حكومة منتخبة مثل ما نرى في تركيا الآن تملك التفويض لمتابعة سياسات يراها البعض إسلامية حسب رغبة الناخبين ولكن هذا لا يغير طبيعة الدولة التركية نفسها، وفي الدورة التالية قد يتم انتخاب حكومة اشتراكية أو محافظة/رأسمالية ثم تقوم بمتابعة سياساتها هي. فالحكومة تتغير والدولة تبقى.
    * كيف تنظرون لمركبات الدولة السودانية إثنيا وثقافيا واجتماعيا..هل يجوز القول أن هناك أمة سودانية واحدة ذات ثقافات متعددة؟
    ـ من قيم الاسلام وحكمه معرفة العلاقة بين الوسائل والغايات ووضع الامور في نصابها. ومن ذلك معرفة أن الغاية من ضبط وتنظيم شؤون المجتمعات هي توفير المناخ المناسب لانجاب الفرد الحر الكريم وأي وسيلة تهدد هذه الغاية النبيلة هي وسيلة فاسدة ومفسدة ومن ذلك الانشغال بأمور الامم عن غاية حفظ الكرامة للانسان وتوفير سبل الحرية والعدل والمساواة، فلا اعتبار عندي لأوهام القومية السودانية أو غيرها من الامم على حساب حرية وكرامة جميع الافراد والجماعات في سبيل سراب الوحدة أو أوهام المجد للامم فإذا نظرنا إلى الامر في هذا الاطار فسنجد أنه من الممكن التوفيق بين التعددية الاثنية والثقافية والاجتماعية في اطار القطر الواحد. وإذا انشغلنا عن قاعدة أن الانسان هو دائما غاية التنظيم الاجتماعي والسياسي فسوف نبدد الجهد في مطاردة أوهام الدولة والامة على حساب الغاية المرجوة من ذلك، فلا ضير من تصور الامة السودانية إلا إذا كان ذلك على حساب كرامة وحرية الانسان السوداني للانتماء لكل انماط التركيبات الاجتماعية سواء كانت إثنيا أوثقافيا. فكرامة الانسان هي الغاية والوحدة القومية لا تستقيم إلا مع الرعاية الكاملة لتلك الغاية.
    * جاء في حديثكم أن «لا ضير من تصور الامة السودانية إلا إذا كان ذلك على حساب كرامة وحرية الانسان السوداني للانتماء لكل انماط التركيبات الاجتماعية إثنيا وثقافيا واجتماعيا» بيد أن هناك فرق بين تصور هذه الامة فكريا وتحققها على ارض الواقع..ألا ترون أن السودان بمفهوم الامة لم يتشكل بعد، وهل المظاهر المتحققة ألا ترونها تمثل وجها للثقافة العربية الاسلامية، بنما لا يوجد تأثير للثقافات الأخرى كما يشكو بعض الناس..؟
    ـ هذا التصور الصحيح للأمة السودانية يكون على المستوى الفكري حتى يتحقق على أرض الواقع إلا أن العلاقة بين النظرية والممارسة هي سجال وتفاعل بين الفكروالعمل بحيث يكشف الفكر الواعي عن عيوب الممارسة ثم يتبع العمل لتصحيح الخلل على أرض الواقع. ومن هذا المنظور فإن مفهوم الامة السودانية لا يزال في مجال التكوين والتداول بين الخطأ والصواب. وفي حقيقة الامر هذا التداول والتطور هو حال جميع الامم حتى في الدول المستقرة والتي لا تزال أبدا في محاولة مستمرة لتعريف نفسها وتحديد هويتها إلا أن الصراع حول هوية الامة أكثر حدة في الدول النامية مثل السودان مما هو في الدول المتقدمة ومن مظاهر هذا الصراع في حالة السودان أن مقومات الثقافة العربية والإسلامية اكثر هيمنة على مظهر الامة السودانية من المقومات الاخرى، وهذا خلل كبير وقصور في تحقيق حق المصير لجميع قطاعات الشعب السوداني. فالمطلوب هو تصحيح التصور النظري والممارسة العملية حتى تجد الثقافات الأخرى نصيبها في تشكيل الهوية القومية للسودان كأطار لوطن يمثل جميع السودانيين. ولكن يجب أن نرى ذلك الجهد في إطار التكوين والتحولات المستمرة في صياغة الهوية القومية، وليس كخيار صارم بين الهوية الافريقية والهوية العربية الاسلامية، وكذلك يجب أن نرى ما يسمى بالهوية الافريقية أو العربية الاسلامية على حقيقتها المتنازعة والمتغيرة بإستمرار، فكل هوية هي دائما في حراك وتحول، ولا تبقى على حالة واحدة. كذلك يجب أن نرى تنوع الهوية وتعددها في حالة الفرد الواحد والجماعة. فأنا سوداني وذلك يعني أني أفريقي ومسلم وأتحدث العربية وأتفاعل مع قضايا التحرر الافريقي والعربي وكذلك أنتمي إلى حركة حقوق الانسان العالمية ومناهضة الاستعمار والسعي لتحقيق التنمية الشاملة وكل ذلك في تساند وتعاضد مع أناس من مختلف أنحاء العالم.
    * أراك قدمت نفسك كأفريقي أولا على غير عادة أغلبية معتبرة من السودانيين الذين يقدمون عربيتهم على أفريقيتهم كأنك توحي بأن عروبتك ثقافية وليست جينية بقولك إنك تتحدث العربية..؟
    ـ نعم أنا أفريقي مسلم وأتحدث باللغة العربية وهذه هي الحقيقة الظاهرة والموضوعية فغالبية أهل شمال السودان ليسوا عربا عرقيا وإن كنا ننتسب للثقافة العربية .بل أنا لا أرى أي قيمة حضارية في الانتساب للعروبة التي لم تدخل التاريخ إلا عن طريق الاسلام ، فالعروبة عنصرية ضيقة والانتساب للاسلام هو القيمة الحضارية الانسانية فيكفيني أني مسلم وحقيقة تكويني العرقي الجيني هو أفريقي تماما ومع هذا فأنا لا أعول على الهوية العرقية ولا الثقافية بصورة تستبعد ابعادا أخرى لكياني ووجداني كأنسان مشغول بقضايا التحرر وحماية حقوق الانسان وأقف في ذلك مع من هو عربي وأوربي وهندي وصيني ما دام يشاركني هذه المواقف.ومن هذا المنطلق في فهم هويتي الافريقية وثقافتي العربية وتنوع انتماءاتي ومشاركاتي في الحياة العامة فأنا أدعوا إلى تجديد وتصحيح مفهوم السودان بين السودانيين ليكون شاملا لجميع الاعراق والثقافات التي ينتمي إليها أهل السودان حسب رؤيتهم الذاتية لأنفسهم وليس كما تصنفهم الصفوة الحاكمة. وتصحيح وتجديد مفهوم السودان ليس هو سودان جديد وإنما يقوم على نفس السودان وفقط يدعوا إلى إعادة صياغة المفهوم سياسيا


    ________________



    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم ل*«الصحافة»2 - 4

    لا أجد فرقاً يذكر بين مناورات ما يسمى بالمعارضة السياسية السودانية ومناورات النظام


    حاوره في واشنطن: صلاح شعيب

    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية «طائر الشؤم».
    وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه «القانون الدولي» ويشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها.

    وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية.

    وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.

    (الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الثاني منه:


    ? كيف تقيمون عمل الحركات السياسية المسلحة، هل تكتسب مشروعية عملها من خلال فشل الدولة في تلبية احتياجات من يمثلون؟

    * القاعدة الأساسية في سياسة أمور الامم والشعوب هي أن العنف لا يجدي إلا في مضاعفة المعاناة وجلب الخسائر على أصحاب كل قضية وبخاصة على النساء والأطفال والمستضعفين بينهم إلا أن الدفاع عن النفس والعرض والكرامة ليس عنفاً، بشرط أن يكون ذلك في أضيق الحدود وفقط من أجل حمل الاطراف المتشددة على التفاوض الذي من خلاله يمكن التوفيق بين المصالح المتصارعة. ولأننا لا نرى دائماً أن اللجوء إلى العنف حتى باسم الدفاع عن النفس إنما هو تسويف لفرص الحوار والتفاوض والتي لا بد منها في نهاية المطاف فإني اتشكك دائماً في نوايا قيادات الحركات المسلحة.

    وحتى لا يصرِّف القارئ قولي هذا بأنه تعميم غير مفيد فأنا أقول بالتحديد أن قيادات الحركات السياسية المسلحة في دارفور مثلاً عليها واجب التفاوض بالطرق السلمية وصحيح أن بعض قيادات الحكومة تراوغ وتتحايل لتجنب التفاوض الحاسم. إلا أن هذا لا يعفي قيادات الحركات المسلحة من واجب التفاوض فهناك فرق بين اللجوء للعمل المسلح طلباً للتفاوض والتذرع بضيق فرص التفاوض لتبرير استمرار العمل المسلح. والسؤال لقيادات الحركات االمسلحة في دارفور هو لماذا تدعو وتسعى من وراء المعارضة للحكومة، وكيف تختلف عن القيادات السياسية التقليدية؟ كيف نعرف ان القيادات الجديدة لن تستغل قضية المستضعفين في دارفور في خدمة الصفوة كما فعلت القيادات السا بقة؟

    ? المعارضة السياسية السودانية.. على اعتبار أنكم طرف أصيل فيها من ناحية مقاومة مشروع الدولة الدينية فكرياً.. كيف تقيمها؟

    * لا أجد فرقاً يذكر بين مناورات ما يسمى بالمعارضة السياسية السودانية ومناورات النظام الراهنة فكل أطراف الصراع على السلطة في السودان هي مجرَّد فصائل وقيادات متناحرة على نفس المكاسب الضيقة وبنفس الوسائل العقيمة. فلدى التحليل العلمي والموضوعي لحقيقة الصراعات السياسية في السودان منذ الاستقلال سنجد أن نفس القيادات تتناوب أدوار الحكومة والمعارضة في دوامة مفرغة وذلك على حساب استقرار وتنمية البلاد وسلامة وكرامة المواطنين. فما يسمى بمشكلة الجنوب أو مشكلة دارفور الآن هما أعراض لنفس المرض وهو غياب المذهبية الواعية وتدني مستوى المسؤولية لدى قيادات الشعب السوداني ولكل من هذه الأعراض سماته الخاصة ومواصفاته المحددة إلا أنها لن تجد الحل إلا بإقامة المذهبية الواضحة وتحمل المسؤولية في تأسيس العمل السياسي على مبادئ الحكم الدستوري الديمقراطي داخل الأحزاب نفسها حتى تكون قادرة على تحقيقه على مستوى القطر.

    ? تفضلتم بالقول إنه «لا أجد فرقاً يذكر بين مناورات ما يسمى بالمعارضة السياسية السودانية ومناورات النظام الراهنة فكل أطراف الصراع على السلطة في السودان هي مجرد فصائل وقيادات متناحرة على نفس المكاسب الضيقة وبنفس الوسائل العقيمة..» كأنك تستطرد على ما قاله الاستاذ محمود إن الشعب السواداني عملاق ويتقدمه أقزام؟

    * كان الأستاذ محمود يقول بعد ثورة أكتوبر 1964 إن الشعب السوداني عملاق يتقدمه أقزام، والمؤسف والمحزن أن هذا القول لا يزال صحيحاً في حق القيادات السياسية الراهنة. بل أن هذه القيادات لا تزال لنفس الافراد والذين ما زالوا على نفس التخبط والقصور وعدم الكفاءة، إلا أن المجال مفتوح في كل يوم لجميع أفراد الشعب السوداني لتقدم وتحمل مسؤولية قيادة نفسه في المكان الاول وتحريرها من الخوف والجهل وذلك هو السبيل الوحيد لتصحيح حال قيادة الأمة جمعاء، فعلى الشعب السوداني العملاق أن يعلم الخلاص من قيادة الاقزام له إنما هو في قيادته لنفسه بنفسه.

    مشكلة الجنوب هل هي جزء من الصراع الديني في السودان أم يمكن النظر إليها بوصفها تجل لمظاهر صراع التركيبات الاثنية السودانية؟

    * أعتقد فيما يسمى بمشكلة الجنوب أننا نجد بعداً دينياً وهو كذلك طرف من تعقيد التركيبات الاثنية والثقافية ولن يكون حل هذه المشكلة بإذابة الفوارق الدينية والثقافية بين الجنوب والشمال، أو في الجنوب، أو في الشمال.. وإنما يكون الحل بتأسيس الحكم الدستوري الديمقراطي الذي يمكن جميع السودانيين من التفاوض المستمر وتقاسم السلطة والثروة بين جميع القطاعات والشرائح وليس في مساعي الوحدة مخرج للجنوب ولا للشمال على حساب حرية وكرامة الإنسان السوداني في كل أنحاء القطر.

    ? ما هي مساهمات الجمهوريين في حل مشكلة دارفور كجزئية ملحة في إطار الصراع السوداني الكبير؟

    * لا أتحدث أنا باسم أستاذي محمود محمد طه ولا ينبغي لي ولا أملك حق الحديث باسم الاخوان الجمهوريين وإنما أقول عن نفسي وعلى مسؤوليتي الشخصية أن حل مشكلة دارفور يقتضي حفظ الأمن أولاً وإيقاف نزيف الدم، ثم التفاوض بين جميع الأطراف. وبما أن النظام القائم في السودان اليوم هو أحد هذه الأطراف فلن يقدر على ضمان الشروط المطلوبة للحل السلمي بدون تدخل المجتمع الدولي. إلا أن المجتمع الدولي ليس أميركا ولا بريطانيا وهي دول استعمارية كما نرى في العراق في الوقت الحاضر وليس أي من الدول الاوربية الأخرى أو الافريقية هي المجتمع الدولي وإنما المجتمع الدولي المقصود عندي هو كافة الدول مجتمعة شريطة أن تعمل من خلال المؤسسات والمنظمات الدولية وهي الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي. صحيح أن هناك بعض المشاكل والعقبات الواضحة في عمل هذه المنظمات الدولية ولكن لا سبيل إلا من مواصلة الجهد لحل تلك المشاكل وتجاوز العقبات من خلال هذه المنظمات نفسها. وبما أن أهل السودان قد فشلوا في حل مشاكلهم عن طريق التفاوض السلمي فمن واجب وحق المجتمع الدولي التدخل كمجتمع دولي مؤسسي وليس بتدخل دول معينة، سواء كانت غربية أم شرقية أو أفريقية. فتدخل الدول الأخرى هو دائماً لخدمة مصالحها هي، والمطلوب هو تدخل المجتمع الدولي ككل من خلال مؤسساته المشروعة.

    ? قلت إن «المجتمع الدولي ليس أميركا ولا بريطانيا وهي دول استعمارية كما نرى في العراق في الوقت الحاضر وليس أي من الدول الاوربية الأخرى أو الافريقية هي المجتمع الدولي وإنما المجتمع الدولي المقصود عندي هو كافة الدول..» ولكن عملياً نعرف هيمنة أميركا وأوربا على القرار الدولي: كما أن مفهوم المجتمع الدولي الذي تدعو إليه لا يتحقق عمليا على أرض الواقع في ظل عالم النظام العالمي الجديد..؟

    * صحيح أن الولايات المتحدة وحلفائها في اوربا لا يزالون يهيمنون على القرار الدولي ولكن ذلك هو الحال لقصورنا نحن في العالم الثالث عن النهوض لتحمل المسؤولية في قيادة أنفسنا والمجتمع الدولي كذلك، فكما هو الحال بالنسبة للشعب السوداني العملاق الذي يتقدّمه أقزام فلن تتنازل الدول الكبرى عن هيمنتها إلا إذا نهضت الشعوب الأخرى بمسؤوليتها عن نفسها، فكما قال المفكر الإسلامي مالك بن نبي بأن الاستعمار هو النتيجة للقصور الداخلي وليس هو السبب للقصور الداخلي ومع أن التحدي يبدو كبيراً علينا اليوم بأكثر مما نقدر عليه إلا أن هذا هو فقط بسبب ضعف ثقتنا في أنفسنا وقصور همتنا ولنا في هذا المجال المثل الرائع على انتصار الشعوب على الهيمنة الأجنبية حالة الهند تحت قيادة المهاتما غاندي، فعندما بدأ غاندي في المطالبة بخروج الاستعمار البريطاني من الهند وكان نضاله من أجل ذلك بالسبل السلمية فقط بدأ الأمر وكأنه في حكم المستحيل، ومع ذلك فقد تحقق ذلك عملياً وتحررت الهند وهي اليوم في عداد الدول العظمى، ها هو السبيل لتحقيق مفهوم المجتمع الدولي الذي أعنيه وهو السبيل لتحقيق النظام العالمي الجديد حقاً وليس مجرّد القديم في ثوب جديد» وهو كذلك السبيل لتحقيق تحرر السودان وجميع الدول النامية.

    ? أنت تقول بتحرر السودان والحركة الشعبية كانت تنادي بتحرره وحركات دارفور كذلك.. هل تعني أننا نحتاج إلى سودان جديد يجب القديم.. مماذا تريدون تحريرنا؟

    * أقول مرة أخرى إني أتحدث عن نفسي فقط وليس باسم الاستاذ محمود أو الاخوة الجمهوريين وعن نفسي اقول إن الفكرة الجمهورية تدعو إلى تحرير الإنسان من الجهل والخوف بتصحيح التوحيد من خلال تقليد النبي عليه الصلاة والسلام فإذا تحرر الإنسان من الجهل والخوف فسيرى أن تعدد الهوية والانتماء الثقافي هو من طبيعة البشر وذلك لا يمنع التعاون والمشاركة في مواطنة البلد الواحد.

    ? كيف تقيّمون تجربة طالبان-تنظيم القاعدة والتحولات التي خلقتها على مستوى العالم؟

    * ما سبق قوله عن الفشل الحتمي لتجارب الدولة الإسلامية في السودان ينسحب على تجربة الطالبان في أفغانستان ومزاعم تنظيم القاعدة الجهادي المتخلّف، كما ينسحب على المملكة العربية السعودية وإيران والسودان أيام الإنقاذ المزعوم. وأعيد هنا القول بأن مفهوم الدولة الإسلامية هو مغالطة ووهم لم يتحقق تاريخياً ولن يتحقق في المستقبل وأعيد القول كذلك أن العنف لا يخدم أي قضية. صحيح أن حق تقرير المصير ومناهضة الاستعمار والتسلط الاجنبي من المبادئ العامة المقررة الآن بصورة لا تقبل المغالطة ولا التسويف إلا أن هذه الغايات المشروعة لا تتحقق من خلال كبت الحريات وانتهاك كرامة الأفراد والشعوب أو العنف الأهوج الذي نراه الآن في أعمال الجماعات الإرهابية في فلسطين وأنحاء أخرى من العالم الإسلامي أو على مستوى العالم قاطبة.

    ? ولكن ماذا تقول عن تبرير الولايات المتحدة لإسقاط نظام طالبان والنظام العراقي وما صاحب الغزوين من انتهاك لحقوق الإنسان في هذين البلدين؟

    * غزو أفغانستان والعراق انتهاك صريح للقانون الدولي وانتكاس في المجتمع الدولي إلى عهد الاستعمار التقليدي. ربما يكون غزو أفغانستان مجال خلاف موضوعي من منظور القانون الدولي ولكن لا مجال للشك على الإطلاق أن غزو العراق هو انتهاك صارخ لأهم قواعد القانون الدولي، بل هو تحدٍ كامل لإمكانية حكم القانون في العلاقات الدولية.

    ? وماذا كان موقفك أثناء غزو العراق بوصفك جزءاً من المجال الأكاديمي في الولايات المتحدة والذي قام نفر فيه بمعارضة شديدة للغزو؟

    * لقد أسهمت بمقالاتي ومحاضراتي العامة حتى قبل بداية غزو العراق في مارس 2003 بأن هذا هو الاستعمار التقليدي الذي عانت منه المجتمعات الأفريقية والآسيوية، ومن قبلها المجتمعات الأخرى في مختلف أنحاء العالم.. فالتعريف القانوني العلمي للاستعمار هو اغتصاب حق الشعوب في السيادة عن طريق الغزو العسكري من غير مبرر قانوني، وذلك هو ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق.. ويمكن الاطلاع على بعض هذه المقالات باللغة الإنجليزية في موقعي على الانترنت، وهو: www.Law.emory.edu/ aannaim.

    إلا أنني كذلك في نفس المقالات قلت بأنه من واجبي كمسلم أن أقف في مناصرة القانون الدولي والدفاع عن السلام والتعاون في العلاقات الدولية وذلك لأني ألتزم بهذه المبادئ من منطلق ديني كمسلم بغض النظر عما تفعل الدول الأخرى، فإذا تنازلت أنا عن هذه المبادئ لمجرّد أن الدول الغربية الكبرى تنتهك سيادة الشعوب فسأكون قد سلّمت بأن الغرب هو الذي يحدد ويعرف القانون الدولي بحيث ينتفي وجود هذا القانون أو يبقى بحكم مواقف الدول الغربية.

    وأضيف هنا أن الإدانة الدولية الكاملة لإستعمار العراق، حتى بين غالبية شعوب الدول الغربية نفسها، هو الدليل العملي لصحة وضرورة القانون الدولي ولزوم السلام والتعاون في العلاقات الدولية.. وهكذا نرى أن انتهاك الولايات المتحدة لهذه المبادئ قد أسهم في تأييد نفس المبادئ رغم أنه كان في بداية الأمر انتهاكاً صريحاً لها.

    ? هناك اتجاهات إلحادية عربية نشطة بعد مثول تجربة الانترنت كما ان هناك منصرين مسلمين جدد سواء في السودان أو العالم الاسلامي، كيف ترى مستقبل هذه المضاعفات في بنية الوجود الإسلامي؟

    * مبدأ لا اكراه في الدين هو أساس إمكانية أن يكون المرء مسلماً، فالايمان يقتضي بالضرورة المنطقية إمكانية الكفر. لذلك لا بد أن يكون اعتناق الإسلام كدين عن طواعية وحرية كاملة في الاختيار، سواء كان ذلك بقبول الإسلام أو رفضه. من عقيدتي كمسلم أن الله سبحانه وتعالى هو القادر الأوحد على محاسبة البشر على معتقداتهم الدينية، وذلك بالنص الصريح والقاطع لعشرات الآيات في القرآن. كما أن القرآن يفترض امكانية الإسلام ثم الارتداد تكراراً ومع ذلك لا يذكر أي عقوبة في هذة الدنيا «الآية 137 من سورة النساء». وهذا يعني أنه لا يصح ديناً معاقبة المرء على الردة في هذه الحياة الدنيا.

    ومن هذا المنظور الاسلامي فإني أقول أولاً بأن من حق أي شخص أن يسلم عن حرية كاملة وطواعية بدون أدنى قدر من الخوف أو الطمع. ولذلك لا ضير اطلاقاً في اختيار بعض الناس الالحاد أو اعتناق بعض المسلمين للمسيحية أو غيرها من الأديان. في رأيي الشخصي أن إلحاد أو اعتناق اي دين غير السلام هو اختيار خاطئ، لكني أحترم تماماً حق أي انسان في أن يفعل ذلك في أي زمان ومكان، وأضيف كذلك أن ضمان حرية الاعتقاد هي من أهم الحقوق الأساسية لأنها تضمن لي حرية التدين كمسلم كما تضمن لغيري حق التدين بأي دين أو اعتناق الإلحاد فكيف أطالب بهذا الحق لنفسي إذا كنت أمنعه عن الآخرين. ولكني أيضاً أرى في ظاهرة الخروج على الاسلام دعوة للمسلمين في النظر إلى الاسباب. فإذا كنا نقدم الاسلام بصورة مغرية وجذابة كدين التسامح والعدالة والسلام، فسوف يعتنق الناس الاسلام ويبقون عليه بحرية وقناعة وليس خوفاً من عقوبة الردة أو العنف الفردي ممن ينصبون أنفسهم أوصياء على معتقدات الناس على عكس مقتضى المنطق وصريح نص القرآن.

    ? ولكن بعض الأئمة يرون أن المجتمع قد يتضرر من حرية الملحد أو المرتد ما يؤدي لافساد الأخلاق على حسب زعمهم، كيف يجوز حفظ حق الفرد والجماعة في الجتمع في هذا الخصوص؟

    * نعم، هناك من يقول إن المجتمع قد يتضرر من حرية الملحد أو المرتد وأنا أقول إن الضرر الأكبر هو في إكراه الناس على الدين وهو ما يخالف صريح نص القرآن علينا كمجتمع أن نقنع الناس بالدخول في الإسلام والبقاء عليه عن طواعية ولكن لا يحق ولا يمكن أن نكرههم على الإيمان، ومحاولة الإكراه إنما تؤدي إلى النفاق حيث يعلن المرء الإيمان خوفاً من العقوبة أو العنف من البشر وليس عن قناعة ذاتية ومصلحة المجتمع هي في إشاعة نموذج الإسلام الحق في العدل والسلام والمحبة حتى نغري الناس بذلك وليس في الإكراه في الدين والمعتقد.

    ______________


    الإسلام هو الأقدر من الفكر الفلسفي على تحقيق الاشتراكية


    حاوره في واشنطن: صلاح شعيب

    بروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية »طائر الشؤم«.

    وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه »القانون الدولي« حيث يعمل الآن استاذا للقانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة، وشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها.

    وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية.

    وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.

    (الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الثالث منه:

    * هل انتهت فاعلية التنظيم في الحزب الجمهوري، وهل يعاني الحزب من أزمة قيادة وهل لا زلت جمهوريا وتصنف هكذا..أم أنك تجاوزت الفكرة الجمهورية فكريا؟

    ـ الحزب الجمهوري لم يكن حزبا سياسيا في يوم من الايام وإنما هو إطار تنظيمي لتقديم نموذج النبي عليه الصلاة والسلام كمنهاج في التربية الذاتية واشاعة العدل والسلام بين الناس وقد عاش الاستاذ محمود على ذلك النموذج ومات عليه وبذلك قدم التجربة العلمية المعاصرة والدليل العملي على صحة هذا المنهاج وحياة وفكر الاستاذ محمود متوفر للجميع وليس وقفا على تلاميذه الذين يعرفون بإسم الاخوان الجمهوريون فكل من اقتنع والتزم بممارسة المنهاج النبوي كما قدمه الاستاذ محمود معاشا في الدم واللحم فهو جمهوري، وكل من تنازل عن تلك القناعة والالتزام فليس بجمهوري حتى ولو كان في يوم من الايام من قيادات حركة الاخوان الجمهوريون بالسودان. هذه هي القاعدة التي ارى بها بحيرات الايام والتجارب الشخصية لكل من اطلع أو يمكنه الاطلاع على فكر وحياة الاستاذ محمود محمد طه.

    أما عني شخصيا فانا تلميذ للاستاذ محمود وارجو أن أكون أهلا لهذا الشرف العظيم في حقيقة حالي واقوالي واعمالي جميعها. وحسب علمي وجهدي وقناعتي الشخصية فأنا لم أتجاوز الفكرة الجمهورية ولا ينبغي لي، وإنما كل محاولاتي أن أكون صادقا وامينا في اتباع هذه الفكرة قدر جهدي وطاقتي .. فكل همي أنني دون هذه القامة لانها غاية سرمدية لا تنتهي ولأنها هي الاسلام. فقولي بإني لا يمكن أن اتجاوز الفكرة الجمهورية هي قولي.. أرجوا أن ابقى على الاسلام حتى يتوفاني الله.

    * قلت سابقا أن «الفكرة الجمهورية لا تقدم منهج اتفاق حول كل القضايا» ولكنك في ذات الوقت تؤكد أنها منهج الطريق النبوي، هل هذا يعني أن الفكرة الجمهورية هي مبادئ عامة أكثر من كونها منهج تفكير مساعد في فهم تفاصيل الواقع...؟

    ـ الفكرة الجمهورية هي دعوة للإسلام ويصح في حقها ما يصح عن الإسلام، وفي الإسلام المبادئ العامة وفيه كذلك منهج تفكير وعمل يساعد المسلم في فهم تفاصيل الواقع. ومعلوم أن كبار الصحابة قد اختلفوا في كثير من الأمور الكبرى التي واجهت مجتمعهم الأول بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، كما جرى في أمر ما يسمى بحروب الردة حين خالف عمر أبي بكر في قوله بوجوب قتال القبائل التي منعت الزكاة عن بيت المال. وكما هو الحال في الإسلام، فإن المبادئ العامة تعين على تقريب وجهات النظر حتى أن الخلافات بين المسلمين إنما تكون في مدى محدود وبطريقة تعين على تحقيق الاتفاق من خلال الحوار الموضوعي المؤدب وسعة الصدور على احتمال الخلاف في المكان الأول. وهذا صحيح في حق الفكرة الجمهورية كما هو صحيح عن الإسلام نفسه.

    * برغم تأكيك هذا إلا أننا نلاحظ أن وجهات النظر بين الاخوة الجمهوريين حول بعض المسائل الفقهية والسياسية تختلف بين شخص وآخر. ألا يطرح هذا الاختلاف سؤالا حول قدرة الفكرة الجمهورية في إعطاء منهج راسخ في معالجة مشاكل الواقع، خصوصا وأنك تقول إنها تتبع الطريق النبوي الصحيح ؟

    ـ بما أن الفكرة الجمهورية هي الإسلام كما قلت فإنها لا تمنع تلاميذ الاستاذ محمود من الاختلاف حول بعض القضايا، بل من المتوقع الخلاف بين الجمهوريين لأن تحقيق الأصالة في إطار تقليد النبي عليه الصلاة والسلام هو الغاية المطلوبة لتلاميذ الاستاذ محمود، فبما أن الاصالة والفردية هي الغاية فإن الفكرة الجمهورية لا تقدم منهجا للأتفاق حول كل القضايا وإنما منهجها هو منهج لإحترام الرأي الآخر والسماحة والسعة لبعضنا البعض عندما يكون بيننا اختلاف الرأي، فليس العبرة بالاتفاق السطحي تفاديا لمظهر الاختلاف، وإنما هي في تنظيم مناهج الحوار الودي والتفرد في معارج الحرية الفردية.

    * هناك جدل متواصل حول الفكر الماركسي في أعقاب نهاية تجربة الاتحاد السوفيتي، كقارئ للفكر الماركسي هل ترى أن الماركسية تحمل الاجابة على أسئلة الصراع الانساني..وهل تفرق بين النظرية والممارسة لتخلص إلى القول ـ مثلا ـ أن الماركسية ستظل اضافة جذرية للفكر الانساني وتبقى نظرية علمية لم يتم تجاوزها حتى الآن؟

    ـ الفكر الماركسي هو أحد الروافد للفكر الفلسفي والسياسي الانساني بصورة عامة، وله في ذلك مساهمات مفيدة كما أجد فيه نقاط ضعف عميقة وخطيرة من المنظور النظري..وقد ظهر بصورة واضحة لدى الممارسة العملية في الاتحاد السوفيتي وغيره من الأنظمة الماركسية خلال القرن العشرين، وقد كان من الخطا الزعم بأن الفكر الماركسي يقدر منفردا على حل جميع المشاكل التي تواجه البشرية وكذلك من الخطأ اليوم رفض كل ما يتعلق بالفكر الماركسي كأنه باطل مطلق لا يقدر على المساهمة في حل المشاكل. فمساهمات ماركس في فهم علائق الانتاج وطبيعة الصراع الطبقي مقبولة عندي إلا أني أعارض رفضه للدين وتضحيته بالفرد في سبيل الجماعة فالفرد عندي هو الغاية والمجتمع من اهم وسائلها.

    * قلت إن النظام الاشتراكي المقصود عند الأستاذ محمود يساهم في الاستجابة لضروريات الحياة، هل هناك علاقة لمرجعية الاشتراكية في الفكرة الجمهورية بالإسلام أم أن الاستاذ وظف الفكر الاشتراكي في سياقه الفلسفي الحديث ..؟

    ـ في اعتقادي إن الإسلام هو الأقدر من الفكر الفلسفي على تحقيق الاشتراكية، بل إن الاشتراكية عندي لا تحقق إلا من خلال الإسلام. ففي التعريف البسيط والمباشر، الاشتراكية تعتمد على استعداد الإنسان على استهلاك أقل مما ينتج، كما تعتمد على إقامة الإنسان نفسه رقيباً على سلوكه في السر والعلن بدلا من الاعتماد على رقابة ومحاسبة أجهزة الدولة التي تتعرض لعوارض الفساد والغرض. والتربية الدينية هي الأقدر على ضمان هذه الشروط لتحقيق الاشتراكية أكثر من الفكر الفلسفي.

    هناك جوانب عديدة لهذه المسألة لا يمكن معالجتها في هذا المجال الضيق، ولكن يمكن الإشارة بإيجار إلى أمرين قد يتبادرا إلى ذهن القارئ. أولاً الإسلام المقصود في هذا الحديث هو القوة الفاعلة الكبرى في تحقيق مكارم المعاملة بمنهج النبي عليه الصلاة والسلام، في صدق وإخلاص، وهذا لا يكون بإكراه الأجهزة الرسمية فيما يسمى بالدولة الإسلامية. ولهذا فأنا (عبد الله أحمد النعيم) أعارض مفهوم الدولة الإسلامية لأنه يتعارض مع منهج النبي عليه الصلاة والسلام في التربية. والأمر الآخر هو أن هذا لا يعني الاستغناء عن الدولة نفسها أو رفض أي دور للأجهزة الرسمية.

    فللقانون والقضاء والإدارة وأجهزة الأمن دور هام في تحقيق الاشتراكية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية على أن يقوم كل ذلك على قاعدة التربية الدينية الخاصة والخالصة. فالاعتماد على أجهزة الدولة في غياب التربية هو عبث لا يجدي لأن التربية هي أساس عمل تلك الأجهزة. فإذا قامت التربية على منهج النبي على الصلاة والسلام في العبادة والعمل في خدمة الناس فيمكن لأجهزة الدولة القيام بدورها الصحيح.

    * كأنك بهذا تقول إن الاشتراكية فكرة سابقة على المناهج العلمية الحديثة، كما أن ردك يوحي بأن الاسلام لا يتناقض مع الاشتراكية.؟

    ـ فكرة الاشتراكية لم تبدأ بالماركسية ولم تنته معها ولا تعدو الماركسية أن تكون أحد المناهج أو المداخل على الاشتراكية وقد فشلت التجربة الماركسية السوفيتية إلا أن ذلك ليس فشل لمفهوم الاشتراكية نفسها وأعتقد أن المنهج الديمقراطي أقدر على تحقيق الاشتراكية والمحافظة عليها من المنهج الشمولي لرأسمالية الدولة الذي كان ساريا في الاتحاد السوفيتي والصين الماووية.

    * وكيف ترون مسألة البنوك الاسلامية التي قدمها الاتجاه الاسلامي كأجتهاد فقهي وما هو موقفك من الربا بوصف أنه محرم بنصوص من القرآن الكريم؟

    ـ أبدأ بتكرار القول إني لا أتحدث بإسم الاستاذ محمود محمد طه ولا ينبغي لي ولا نيابة عن الجمهوريين وإنما فقط أصالة عن نفسي وعلى مسؤوليتي الشخصية فأنا عبد الله النعيم أقول بأن فكرة البنوك الاسلامية هي خدعة كبرى وتحايل على تحريم الربا من أجل تكديس الاموال والثروات في أيدي قيادات الاسلام السياسي وفي خدمة مآرب ذلك المشروع، وقد جلبت فكرة البنوك الاسلامية أوخم العواقب السياسية والاقتصادية على السودان بالتحديد منذ ادخال هذا النظام الربوي المستتر في نهاية العقد السابع من القرن لعشرين وأنا أقول كذلك إن تحريم الربا هو الحكم الشرعي الواجب على كل مسلم ومسلمة ولكن هذا لا يعني تحريم الدولة التعامل مع البنوك وبيوت الاعمال..على هذا الاساس على الدولة عدم التدخل في هذا المجال وللمسلم الالتزام بواجب تجنب الربا في تعاملاته وحسب فهمه لمعنى ومدى تحريم الربا شرعا.

    * كتابك الجديد يعزز أهمية العلمانية في واقع المجتمعات الإسلامية، والبعض من المفكرين السلفيين يعتبرونها تتعارض مع الإسلام وأنها بضاعة مستوردة نشأت في سياق تاريخي مختلف عن واقع المسلمين ... هل هناك استنادات من القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكد ضرورة فصل الدين عن الدولة ..؟

    ـ كما كان الأستاذ محمود طه يؤكد باستمرار فإن العبرة هي في فهم النص وليس في توهم وجود نص قطعي لا يقبل الاختلاف في الفهم. صحيح أن الآية 7 من سورة آل عمران تقول أن من القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، لكن القرآن لا يحدد ما هي هذه الآيات المحكمات كما أن البني عليه الصلاة والسلام لم يحددها في السنة. فأي الآيات محكم وأيها من المتشابهات هي في مجال الفهم والاختلاف بين المسلمين، مثل موضوع تفسير كل القرآن والسنة النبوية المطهرة.

    وحقيقة الأمر في الدولة هي أولا أنه لا يوجد نص قطعي بوجوب الدولة الإسلامية ولا بضرورة فصل الدين عن الدولة. وأكثر من ذلك، فإن مفهوم الدولة لا يرد في القرآن على الإطلاق ولا مرة واحدة. كما أن القرآن دائما يخاطب الفرد المسلم والجماعة المسلمة، ولا يخاطب مؤسسة أو هيئة يمكن وصفها بأنها الدولة، ولا يستقيم عقلا أن يخاطب القرآن غير الإنسان المكلف شرعا. لذلك فنقرر أن حجة من يدعو إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية أو يعارضها إنما تقوم على فهم نصوص وملابسات موضوعية في أمور تنظيم شئون السياسة والحكم والقضاء وما إلى ذلك. هذه الحقيقة واضحة في غياب أي خطاب عن الدولة الإسلامية بين علماء المسلمين على مدى التاريخ قبل القرن العشرين، وإن مفهوم الدولة الذي تقوم عليه دعاوى المودودي وسيد قطب وغيرهم ممن ابتدعوا مفهوم الدولة الإسلامية في أواسط القرن العشرين هو مفهوم أوروبي للدولة الاستعمارية التي تقوم عليها أحوال المسلمين اليوم. وأنا أقبل ضرورة الدولة في إدارة أمور المجتمعات الإسلامية كغيرها من المجتمعات الإنسانية على مدى التاريخ البشري، وإنما يقوم اعتراضي على وصف الدولة بأنها إسلامية لأن هذا القول يزعم قداسة الإسلام لمؤسسة هي بالضرورة بشرية وهي بذلك عرضة للخطأ والظلم وعن ذلك يتسامى الإسلام.

    ولعله من المفيد أن نشير إلى الآيات 44 إلى 47 من سورة المائدة التي كثيرا ما تساق للدليل على وجوب الدولة الإسلامية. والسؤال هنا من هو المخاطب بهذه الآيات وغيرها من النصوص المتعلقة بالحكم بالعدل والقسط. بحكم طبيعة القرآن والإسلام نفسه، فهذه النصوص إنما تخاطب الفرد المسلم والجماعة المسلمة، في إقامة ما أنزل الله في حكم أنفسهم أولاً، فإذا فعلوا فسوف ينعكس ذلك على إدارتهم لأمور الدولة. ولكن بما أن الدولة هي جهاز مشترك لجميع المواطنين، فإن إتباعها لأحكام الإسلام إنما يكون من خلال أخلاق وأعمال القائمين على أداء المهام والأدوار المختلفة، وليس من خلال توهم أن الدولة أو أجهزتها يمكن أن تكون إسلامية بصورة مباشرة. وكما يجري التفصيل في كتابي عن علمانية الدولة، فمن الضروري التمييز بين الإسلام كدين والدولة كمؤسسة بشرية حتى لا يقع التضليل على المسلمين بأن أعمال الدولة هي الإسلام نفسه، مما يجعل المعارضة السياسية للحزب بالحاكم خروج على الإسلام

    * قلت أنه لا ينبغي الحكم على المجتمعات الإسلامية بما عليه الآن في إطار حديثك عن الصراع بين السنة والشيعة .. ولكن يبدو أن هذا الصراع سيؤثر على مستقبل المسلمين نظرا للمد الشيعي الذي وجد مساحات للعمل في أفريقيا والعالم العربي.. وماذا تقول عن المظالم التاريخية التي يشكوا الشيعة أن السنيين اقترفوها في العراق وأجزاء أخرى من العالم العربي..؟

    ـ ما قصدت إلا القول إن الاختلاف بين المذاهب السنية والشيعية وحتى داخل كل مذهب مسألة قديمة وطبيعية، ولن تنتهي ولكن يجب التمييز بين هذا والصراع السياسي بين قطاعات الصفوة الحاكمة التي تنتسب للمذاهب السنية أو الشيعية، وهو صراع يجري بين الصفوات الحاكمة التي تنسب إلى نفس المذهب السني أو الشيعي، كما نرى اليوم فى السودان و إيران، كما يحدث بين اهل المذاهب المختلفة. وقد كانت هذه الصراعات كذلك على مدى التاريخ الإسلامي، وفيها تعرض بعض أهل السنة للظلم من الشيعة، وكذلك تعرض بعض الشيعة للظلم من أهل السنة. فقولي أنه يجب أن نفهم هذه الظواهر والصراعات، مذهبية كانت أو سياسية، كمسائل تتعلق بالطبيعة البشرية وكيف أن «كل قوم بما لديهم فرحون» كما يخبرنا القرآن. وهذا قائم الآن بين الدول العربية فيما بينها، رغم ان الحكام فيها ينتسبون للمذاهب السنية.

    فبدلا من توهم أن الاختلاف المذهبي أو الصراع السياسي يمكن أن ينتهي تماما، على كل منا أن يركز على تقصيره هو في فهم الإسلام والالتزام بأخلاقه السمحة، وأن تتسع صدورنا للاختلاف ونقيد شهواتنا في السلطة والجاه... فإذا فعلنا أمكننا ان نضيق من شقة الخلاف وأن نرفع الظلم عن بعضنا بعضاً عندما نختلف سياسياً. فليس المشكلة في الاختلاف ولا في الصراع، وإنما في التشدد والفجور في الخصومة، والذي يكون حتى بين أعضاء الجماعة السياسية الواحدة كما نرى الآن بين قيادات الجبهة القومية الإسلامية في السودان.

    * التجربة التركية، هزيمة النخبة العلمانية في الانتخابات الاخيرة..ثم عودة حزب العدالة والتنمية الاسلاموي للسلطة هل هذه مؤشرات على فشل العلمانية في تركيا ورغبة نحو البرنامج الاسلامي..؟

    ـ التجربة التركية الراهنة هي تصحيح لمفهوم الدولة العلمانية ومراجعة لتطرف الجمهورية الاتاتوركية، فحزب العدالة والتنمية يقبل ويلتزم بمبدأ الدولة العلمانية في تركيا ولذلك لا يمكن اعتبار استمراره في الحكم هزيمة أو فشل العلمانية كما يقول سؤالك وهنا نميز بين رأي وفهم الصفوة الاتاتوركية في الدولة العلمانية على المنهج الفرنسي والفهم الاصح للدولة العلمانية في كتابي عن «علمانية الدولة» فصل كامل في تقييم التجربة التركية وهو نقد للتطرف العلماني بنفس القدر الذي انتقد به مفهوم الدولة الاسلامية..


    ______________________


    سياســـة التعــريب كـــارثة كبـرى على التعليـــم العــالي في السـودان


    حاوره في واشنطن: صلاح شعيب


    بروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية »طائر الشؤم«.

    وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه »القانون الدولي« حيث يعمل الآن استاذا للقانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة، وشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها. وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية. وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.

    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم لـ «الصحافة» 4 - 4


    (الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الرابع والأخير منه:

    * قيم الليبرالية الغربية بدت في حالات تمدد أكبر في ظل التأثير السياسي والثقافي والاقتصادي للولايات المتحدة وأوروبا، هل تمثل هذه القيم التي أثبتت فاعليتها حتى داخل البلدان الشيوعية نهاية لتاريخ الصراع الانساني للبحث عن قيم للتعايش وهل تؤمن بتيئة هذه القيم على مستوى العالم الاسلامي، خصوصا حرية نقد الاديان وحمايتها وحماية حقوق المثليين وحرية اقامة المعابد الدينية؟

    ـ أولا لا اقبل أو ارفض المبادئ لانها غربية أو إسلامية أو لنسبتها لهذه الحضارة او تلك وإنما أدعم ما أراه حقا وأعارض ما أراه باطلا بغض النظر عن الجهة التي ينسب لها المبدأ.. وكذلك أرى أنه لدى البحث المتروي في أعماق التجارب الانسانية التاريخية والمعاصرة فإننا سنجد أن المبادئ المنسوبة اليوم للولايات المتحدة أو الغرب أو الشرق، الاسلام أو المسيحية أو غيرها من الاديان والفلسفات هي في الحقيقة خلاصة التجارب البشرية المتنوعة والمتفاعلة مع بعضها البعض في كل زمان ومكان.

    ومن هذا المنطلق فاني أقف مع حقوق الانسان والقانون الدولي مع العدل والسلام مع التنمية والعدالة الاجتماعية ، وكل ذلك من خلاصات التجارب البشرية، وليس بمقتضى نسبة هذه المبادئ لأي من المجتمعات الانسانية دون غيرها من المجتمعات . فحرية الاديان وحق النقد والتعبير هي من المبادئ الأصولية عندي كمسلم إلا أن هذه القيم غير مطلقة ولا تفهم وتمارس بمعزل عن السياق التاريخي . فحقوق الانسان هي ما اجمعت البشرية عليه من خلال حوار الثقافات والحوار الداخلي في كل مجتمع، ولكنها دائما مقيدة بحقوق الآخرين . فحرية الدين والمعتقد لاي شخص مقيدة بضرورة احترام حقوق الآخرين في الكرامة والمعتقد أيضا. والقول بأن الحرية الجنسية مثلا من حقوق الانسان لا يعني أنها كذلك لمجرد أن المجتمع الامريكي والاوربي طالب بذلك.

    فالمطالبة بهذا الحق وطريقة تعريفه وعلاقته بحقوق الانسان القائمة اليوم هو مجال للحوار والنقد حتى تقبله أو ترفضه المجتمعات الانسانية على مدار الكوكب. فإذا تم قبول الحق أو رفضه فذلك لإجماع الانسانية على هذا الحكم، وليس لأن المجتمعات المتقدمة ماديا قد قبلت هذا الحق وفرضته على باقي المجتمعات الاخرى. واضيف هنا أن الصراع الانساني والاختلاف هي الصفة اللازمة للطبيعة البشرية وستبقى كذلك حتى يوم القيامة فمن العبث والصلف القول بان الليبرالية الغربية هي نهاية التاريخ..فالصراع والاختلاف كان منذ بداية التاريخ وسيبقى بين البشر، وذلك قبل أن تكون هناك ولايات متحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو السعودية أو الصين وستكون بعد أن تنتهي كل هذه الدول وتزول حضاراتها...

    * كانت لديك تجربة في ترجمة أعمال للبروفيسر فرانسيس دينق..طائر الشؤم وخلافه، كيف تثمن فكر دينق وكيف تنظر لعمله الروائي داخل حقل الرواية الافريقية والسودانية..؟

    ـ أنا أكاديمي في مجال القانون بخاصة، ومعرفتي بالادب محدودة للغاية، كما أن معرفتي بفكر وأدب الدكتور فرانسيس دينق غير كافية بحال من الاحوال ..ولكن من حدود ما أعرف فإني أعتقد أن الدكتور دينق قد قدم مساهمات قيمة للغاية في مجالات القانون والانثربولوجيا ودراسات الهوية والسلام على المستوى الافريقي والسوداني بخاصة. ولعله من دواعي محن السودان المتواصلة بأن افكار خيرة ابناءه وبناته، مثل الدكتور فرانسيس دينق غير معروفة لدى غالبية المتعلمين السودانيين. وقد كانت ترجمتي لرواية «طائر الشؤم» محاولة مني في التعريف بفكر وأدب الدكتور دينق بين قراء العربية في السودان والمنطقة العربية عموما.

    * إذن ما هو الاستنتاج الذي خرجت به من قراءة ثم ترجمة رواية «طائر الشؤم»..؟

    ـ لقد حرصت على ترجمة رواية طائر الشؤم بخاصة لأنها تتعلق بجوهر صراع الهوية وأزمة القومية السودانية وهي قضايا مرتبطة بالحرب الأهلية في دارفور كما في الجنوب، فترجمتي لتلك الرواية كانت مساهمة في الحوار القومي السوداني وليس فقط لنقل ادب وفكر انساني إلى القارئ العربي والسوداني بخاصة.

    * اتفاقية نيفاشا مثلت منعطفا جديدا في واقع السودان وافرزت حقائق جيدة على مستوى العمل السياسي السوداني بإعتبارك خبير في مجال القانون كيف تقيمها ؟

    ـ لا أعتقد ان الاتفاقيات في حد ذاتها كافية لتغيير الواقع أو إفراز حقائق جديدة في العمل السياسي في اي مكان. فإذا وعيت القيادات السياسية وعرف عامة الشعب أن الحرب لا تجدي وانه لا بد من التفاوض والتعاون لتحقيق السلام الشامل والعادل وتواصلت هذه المعرفة والوعي مع إرادة التغيير فيمكن أن تقوم الاتفاقيات بدورها في توفير الاطار القانوني والمؤسسي للعمل المتواصل لتحقيق أهداف الاتفاق. فأنا كقانوني سوداني أرى اتفاقية نيفاشا كبداية ممكنة لتحقيق السلام في السوداني لكني أعرف أيضا ان هذا لا يكفي إذا لم يكن تعبيرا عن ارادة السلام لدى عامة الشعب السوداني ومحور العمل الدائب من جميع القيادات السياسية السودانية فالسؤال عندي هو ماذا فعلنا باتفاقية نيفاشا منذ ابرامها وكيف نواصل الجهد لجعل السلام حقيقة معاشة وليس مجرد امان في الحبر على الورق..؟

    * بدت أيران بخلفيتها الشيعية قوى جديدة في منطقة الشرق الأوسط وهناك تمدد للفكر الشيعي في البلدان الاسلامية ..هل سيكون الصراع في المستقبل بين الفكر السني والفكر الشيعي؟

    ـ كما سبق القول فإن الاختلاف هو سنة الله سبحانه وتعالى في البشر ولن ينتهي بحكم نصوص كثيرة في القرآن، وقد بدأ الاختلاف بين المسلمين يوم توفى النبي عليه الصلاة والسلام، ونتج عن ذلك ما يسمى بالجماعات الشيعية والسنية خلال قرون عديدة وفي مواقع مختلفة ..وقد تداولت هذه الجماعات الغلبة فيما بينها في مختلف انحاء العالم الاسلامي على مدى التاريخ، بما في ذلك بعض الدول كمصر وتونس المعروفة الآن بانها سنية والتي كانت الشيعة الاسماعيلية هي الغالبة فيها ايام الدولة الفاطمية في شمال افريقيا. وكذلك الحال في اليمن وانحاء من الجزيرة العربية، وفي إيران التي كانت غالبية اهلها من السنيين قبل أن تتحول إلى الشيعة الاثني عشرية.

    لذلك لا ينبغي الحكم على مستقبل المجتمعات الاسلامية بما عليه اليوم، وليس الامر هو غلبة فريق دون آخر، فهذا المنظور البسيط ـ مثل تمييز السودانيين بين الهلال والمريخ ـ لا يليق ولا ينطبق على القضايا الكبرى التي تواجه المجتمعات الاسلامية والانسانية جمعاء اليوم وفي المستقبل. فالسؤال عندي ماذا تفعل المجتمعات السنية بسنيتها وماذا تفعل المجتمعات الشيعية بشيعيتها في الماضي والحاضر وفي المستقبل..؟

    * ولكن كيف يتم وضع حد للخلافات المذهبية بين السنة والشيعة والتي أهدرت الكثير من الارواح والاموال وهل من الممكن تقديم مساهمة فكرية في هذا الجانب..؟

    ـ هناك خلافات عديدة وواضحة بين السنيين والشيعة من المسلمين كما توجد الخلافات بين قطاعات مختلفة في كل فريق، فمثلا نجد الشيعة الزيدية هم أقرب إلى السنينيين منهم إلى فرق شيعية أخرى، وفي هذا المجال فالمطلوب هو مواصلة الحوار الفقهي بين كل قطاعات المسلمين بطرق موضوعية وودية وسلمية فهذا ما كان بين هذه الجماعات في صدر الاسلام وما ينبغي أن يكون الحال الآن وفي المستقبل..إلا أن هذا الجانب الفقهي والفكري يختلف عن التنافس والتنازع بين هذه الدول في المنطقة العربية وعلاقتها بإيران وهذه صراعات سياسية حول مطامع الثروات والنفوذ السياسي تكون في مختلف المواقع وللعديد من الاسباب، وقد كان ذلك النوع من الصراع السياسي بين مصر والسعودية حول اليمن أيام عبد الناصر كما كان بين الكويت والعراق ايام صدام حسين وهذا يشير إلى الصيغة السياسية لهذه الصراعات أكثر من انطلاقها من الاختلاف العقائدي كما كان الصراع السياسي ولن ينتهي ذلك في الحاضر ولا المستقبل، فوحدة المسلمين لم تتحقق منذ أن إلتحق النبي عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى.المهم هو تأسيس مبادئ الخلاف الموضوعي والتفاوض على الخلافات السياسية بدون اللجوء إلى العنف بدلا من التمني بالوحدة التي لم ولن تكون.

    سياسة التعريب والتعليم العالي كيف تنظر إليها بوصفك كنت محاضرا بجامعة الخرطوم؟

    لقد كانت سياسة التعريب كارثة كبرى على التعليم العالي في السودان لانها فرضت بطريقة عشوائية ومتسلطة في غياب الامكانيات والوسائل اللازمة لمعالجة القضايا التعليمية الكبرى..فما دام ظللنا في تبعية للغرب في مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية والمجالات التقنية فلا بد لشبابنا من المقدرة على دراسة هذه المواد في اللغات الاوربية والتعامل مع الوسائل العلمية في البحث بتلك اللغات فالتعريب انما يكون بتنمية قدراتنا على انتاج المعرفة والمساهمة في تطوير العلوم وليس بقرارات فوقية عشوائية ومتعسفة ..محنة التعليم العالي في السودان هي أحد الخسائر الفادحة التي عانى منها السودان تحت وطأة الدولة الشمولية الدينية وأملي ان نكون قد وعينا هذا الدرس حتى لا ننكرر امثال هذه التجارب الهوجاء.

    * هل هناك مساهمات للفكر الامريكي الحديث في الاجابة على الاسئلة العالمية لفتت نظرك؟

    ـ لا أرى أن هناك فكر امريكي شامل ومتميز عن غيره من التيارات الفكرية في جماع الفكر والجهد البشري العام. فيمكن الاطلاع مثلا على انتاج المفكرين في مجالات الفلسفة والعلوم الاجتماعية أو غيرها من المجالات ومنهم من هو امريكي الجنسية أو ينتمي إلى غير ذلك من بلاد العالم ..ويمكن قياس تلك المساهمات بمعايير المجال العلمي نفسه وليس على أساس انتساب الباحث لهذا البلد أو ذاك.

    ولكن ما يمكن أن يقال في هذا المجال ان السؤال هو كيف توفر الظروف والمناخ الذي يعين على الانتاج الفكري والعلمي المتقدم وسنجد في ذلك أن الولايات المتحدة من انجح بلاد العالم في دعم وتطوير الابداع والعلمي بضمان الحريات العامة وتنمية الامكانيات المادية والمؤسسية لتنمية وتطوير المناهج الفكرية والعلمية. فأين نحن في السودان وباقي انحاء العالم الاسلامي من هذا المستوى وحقيقة الامر أن تخلفنا الراهن هو بسبب عجزنا عن معايشة قيم الاسلام في التسامح والتفكير العقلاني.

    * ولكن معظم تيارات الفكر الامريكي متواطئة مع المشاريع الامبريالية للولايات المتحدة..؟

    ـ اختلف معك في هذا الرأي فالفكر الامريكي يتنوع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وكل المراحل والدرجات بين هذا وذاك. كما هناك من الفكر الامريكي ما خاطب ويخاطب قضايا التحرر ويناهض مشاريع الامبريالية العالمية وأعتقد كذلك أن البيئة الامريكية تساعد على وجود مفكرين وناقدين للتجربة التاريخية الامريكية بأكثر مما هو موجود وممكن في العالم الاسلامي عموما والمنطقة العربية بالتحديد..وهكذا فإني أختلف معك في كل اطراف السؤال المطروح..فغير صحيح أن جميع تيارات الفكر الامريكي متواطئة مع المشاريع الامبريالية. وغير صحيح أن الفكر الامريكي يفتقر للجانب النقدي والناقض للتجارب التاريخية إلا أننا لا نطلع على أغلب جوانب وانتاجات الفكر الامريكي إلا فيما يتعلق بالمنطقة العربية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي أو المسائل الاسلامية عموما. وحتى في ذلك المجال الضيق نميل إلى ملاحظة ما يوافق رأينا ورؤيتنا للمسائل ولا نرى سعة وتنوع الانتاج الفكري الامريكي على حقيقته. وكذلك نتأثر بالعرض الاعلامي الضيق والمغرض ونعتمد على «FOXNEWS» و «CNN» و لا نشاهد «CSPAN» و « NPR»

    * هل يمثل المحافظون الجدد الذين نشطوا خلال إدارة الرئيس بوش مقابلا موضوعيا للاصولية الاسلاموية؟؟

    ـ من يسمون بالمحافظين الجدد أو الاصوليين هم تيارات فكرية وسياسية انتجتها ظروف موضوعية معينة في سياق تاريخي محدد. ولا اعتقد أنه من الممكن الحديث الموضوعي عن هذا التيار أو ذاك بأعتبارها ظواهر ثابتة ودائمة بل هي تيارات فكرية وسياسية ومؤقتة ومحدودة كما أن هناك تنوعا وخلافا بين مختلف اعضاء هذا التيار وذاك بحيث يصعب تصنيفهم جميعا بصورة قاطعة تميزهم عن غيرهم من المفكرين والناشطين ..فلا المحافظة هي وقف على المحافظين الجدد ولا الاصولية هي وقف على الاسلاميين ففي الليبراليين من هو محافظ في بعض المسائل وبين العلمانيين من هو اصولي في ضيق افقه وضعف فهمه للمسائل.

    * كان للاساذ محمود محمد طه مساهمة فكرية لحل أزمة الشرق الأوسط..إلى اي مدى يمكن التنبؤ بمستقبل هذه الازمة..؟

    ـ لقد أثبتت الاحداث بصورة قاطعة صحة وحكمة تحليلات ومقترحات الاستاذ محمود محمد طه حول قضية الشرق الاوسط ، وإذا إطلعنا اليوم على كتابات الاستاذ محمود حول هذه المسائل في منتصف الستينات من القرن العشرين فسنجدها نظرة مطلع على الاحداث اليوم وكأنها ماثلة أمامه. والمحزن في الامر أن الامور كانت ستنتهي إلى السلام العادل اليوم لو كانت النصيحة التي قدمها الاستاذ محمود قد وجدت القبول يوم أن قالها. ولكن لا يزال من الممكن إتباع تلك النصيحة والعمل بها لتخيف الضرر الذي وقع على القضية الفلسطينية وعموم حال الدول العربية.. وإذا لم يقبل العرب تلك النصيحة الحكيمة فسوف يواصلون في دفع الثمن الغالي وتبديد الجهد والارواح والاموال في مطاردة الاوهام والسراب. وأقول بضرورة الاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها اليوم لتحقيق القدر الممكن من المكاسب للشعب الفلسطيني ثم الانصراف إلى إصلاح الحكم الديمقراطي والتنمية الشاملة ..فكما قال الاستاذ محمود منذ أكثر من ربع قرن فإن اسرائيل ليست المشكلة وإنما المشكلة هي أن العرب لا يزالون على قشور من الاسلام وقشور من الحضارة الغربية العلمية المادية . وقد قال الاستاذ محمود إن اسرائيل هي الكرباج الذي يقود العرب إلى الاسلام الصحيح الذي يربي النفوس ويصلح العقول ..فلنا أن نفهم حقيقة ما قال ونعمل به أو نواصل تحمل الهزائم والمهانة والمذلة بتبعيتنا العمياء للغرب حتى بين من يزعمون بعث الاسلام فينا..فالاستعمار لا يزال في العراق اليوم وسيبقى بصورة مختلفة في مختلف انحاء العالم الاسلامي ما دام بقينا نحن على قشور من الاسلام وقصور من الحضارة العلمية المادية ..هذا هو قولي في أمر مشكلة السرق الاوسط وجميع المشاكل الكبرى التي تواجه المجتمعات الاسلامية في كل مكان..

    * ولكن قد يقول قائل يا دكتور أن تأسيس اسرائيل تم بناء على الفكر الصهيوني لأرض الغير..فكيف يتم الاعتراف بها..؟

    ـ حقيقة وجود اسرائيل كدولة تعود إلي ظروف الحرب العالمية الثانية وانحسار الاستعمار في منطقة الشرق الاوسط مع نهاية الامبراطورية ونشأة الدول في هذه المنطقة فلم تكن الاردن موجودة قبل أن أن يخلقها الاستعمار البريطاني الذي شكل العراق وكذلك الاستعمار الفرنسي الذي انتج لبنان وسوريا فإذا أمكن مراجعة بدايات دولة اسرائيل وفكرة تأسيسها فإن ذلك ينطبق على جميع دول المنطقة العربية أيضا.

    وإسرائيل الآن دولة ذات سيادة دولية وعضو في الامم المتحدة ومعترف بها من جميع دول العالم ما عدا بعض قليل من الدول العربية ..حتى بين الدول العربية اليوم فليس هناك أدنى شك في قبولها جميعها لوجود اسرائيل وحقها في البقاء كدولة مستقلة ذات سيادة فالقول بعدم الاعتراف بإسرائيل هو مغالطة وعناء طفولي لا يخدم القضية الفلسطينية ولا قضايا التحرر والاستقرار في المنطقة العربية عموما. فالسياسة الحكيمة هي التعامل مع الواقع كما هو بدلا من الاسترسال في الاحلام والاماني أن يكون الحال كما نرجو وليس كما هو حقيقة على الارض.

    صحيح أن الدول الغربية تتعاطف مع حق اسرائيل أكثر مما تفعل مع حقوق الفلسطينيين وهذا أمر يعود إلى عدد من العوامل والاسباب منها الشعور بالذنب لما حدث لليهود ومنها كذلك مقدرة اسرائيل على تقديم نفسها كحليف موثوق به للدول الغربية في المنطقة العربية، والسؤال عندي هو لماذا تنتظر من الدول الغربية الاستعمارية نصرة القضية الفلسطينية ..؟ لقد ناصبت الدول الاوربية العداء للعرب والمسلمين منذ وقت طويل وغزت واستعمرت الدول العربية وكذلك فعلت الولايات المتحدة ولا تزال تفعل اليوم في العراق ومع كل هذا لما نستغرب اضاعة العالم الغربي لحقوق الفلسطينيين ولماذا تنتظر الدول الغربية غير ذلك...؟ وأهم سؤال عندي هو ماذا نفعل نحن العرب والمسلمين في نصرة القضية الفلسطينية وحفظ حقوق الفلسطينيين..جميع الدول العربية اليوم، جميعها وكل واحدة منها معتمدة تماما على الغرب في اقتصادها وفي تسليح وتدريب وتأهيل اقتصادها وفي تسليح وتدريب قواتها المسلحة. هل ننتظر من الغرب أن يمكننا من هزيمة اسرائيل وازالتها حتى نقيم دولة فلسطين الحرة..؟ هذا لن يكون ونحن أضعف من تغيير هذا الواقع ومع ذلك نخدع انفسنا بالاماني الساذجة.





                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

������� ��������� � ������ �������� �� ������� ������ ������� �� ������ ������ �� ���� �������� ����� ������ ����� ������ �� ������� ��� ���� �� ���� ���� ��� ������

� Copyright 2001-02
Sudanese Online
All rights reserved.




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de