قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 00:14 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.نجاة محمود احمد الامين(د.نجاة محمود&bayan)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-23-2003, 02:24 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة



    بينى و بين قصيدة العودة إلى سنار

    قال عنها شاعرها "تحولاتها ـ تحولاتي (هل أنا غير حصاة، تتبلور فوق جمر الأغنية؟؟ منذ أن كتبت ثم نشرت في الرأي العام في ديسمبر 1963 وحوار 1965 وتم كتابتها مرة أخرى وأخرى في يوكشير وأكسفورد". )
    ثم قال ايضا: ("وربما كانت (العودة إلى سنار) دفعة من كيان الفنان في شبابه حينما رغب مثلما ـ رغب جويس في أن يشكل في مصهر روحه ضمير أمته الذي لم يخلق بعد. وربما كانت فتحاً آخر. وإلا كيف أفسر أنها كتبت سبع مرات أو نحو ذلك كأنها تدرج من مقام إلى مقام حيث تأريخ الذات وتأريخ القبيلة شيء واحد".
    فهل يمكن ان تمثل هذه القصيدة لقارئ ما مثلته لكاتبها
    فأنا نفسى قد مثلت ل هذه القصيدة مراحل حياتى لقد كبرت معها ولاول مرة قرأتها كان عندما عادت اختى محاسن لاول مرة فى عطلة الجامعة واحضرت معها الكتاب هدية لى ومعه ديوان البحر القديم وكنت انا فى أعتاب المدرسة الثانوية اعجبنى جدا ديوان مصطفى سند البحر القديم وعندما
    بدأت فى قراءة العودة إلى سنار ادهشتنى لغتها الغريبة والحركة فيها ثم تنوع الاساليب من حوار إلى
    مونولوج اعدت قرآتها عدة مرات ولكن لم استسيغها كثيرا وفى ذلك الوقت كنت قد تعرفت على
    محمود درويش وخليل حاوى شاعر والدى المفضل وكنت اقرأ لهما دائما أحس بشعرهم افهمه ولكن ليست قصيدة العودة الى سنار التى أذهلتني وحيرتنى ولم افهمها كثيرا وقد خطب فى والدى خطبة عصماء عن الشعر الحديث و غموضه ولكن كنت أتسائل لماذا بمقدورى أن افهم شعر حاوى ودرويش وسند وهذه القصيدة لا افهمها لماذا هى مستعصية هكذا.. ومرت السنوات ودخلت معهد الموسيقى والمسرح وبدأت قراءتى فى الفلسفة تزيد وبعد عامين لم أر ديوان العودة إلى سنار وجدته واعدت قراءته واذهلنى الفهم الجديد فقد فهمت أحد أبعاد هذه القصيدة المتعددة الأبعاد والمحاور كلما تقدم بى العمر كلما ظهرت لى أبعادها فى عام 1982 كتبت بحث صغير لمادة الأدب الشفاهى الشعبى
    بعنوان الحس القومى فى الأدب السودانى المعاصر وفى الشعر كان النموذج هو قصيدة العودة إلى سنار وشاء القدر أن يقرأ هذا البحث صديقى المرحوم عبدالله فضل السيد الذى رحل عنا مبكرا
    وطلب منى ان اسمح له ان ينشرها فى مجلة أو دورية كانت تصدرها رابطة سنار الأدبية تحت إشراف نبيل غالى وبالفعل تم نشرها وشاءت الصدف أن يطلع عليها الشاعر وعلق عليها وأخذنى الصديق لزيارته و جلسنا معه لمدة ساعة وكانت أول مرة التقى به وكانت آثار المرض اللعين تبدو عليه
    وكان ذلك بالنسبة مثل يوم العيد لطفل فى السابعة سعدت جدا بلقائه ومرت الأيام وأنا احمل ديوان العودة إلى سنار أعيد قراءته وكل مرة اكتشف أشياء جديدة غابت عنى وبعدها بعد أن اصبح لى اهتمام خاص بالأدب السودانى بعامة و الشعر بخاصة تحت رعاية استاذى هشام صديق أصبحت لدى خلفية لا باس بها صارت تتكشف لى القصيدة اكثر وكان يدهشنى كيف أنه تأتى لفتى فى الثامن عشرة من عمره أن يكتب خطاب الهوية السودانية ألا شمل وحده.. و آخر مستوى تكشف لى فى هذه القصيدة ذات اللغة العجائبية إنها عبارة عن رحلة إسراء ومعراج وكان الإسراء اسراءا افقيا فى تاريخ الحضارة السودانية
    . الحدود الأولى للذاكرة إلى البدايات التي ما قبلها بدايات.


    العودة الى سنار بين الشاعر و القصيدة

    كتب الشاعر محمد عبد الحي هذه القصيدة في عام 1962 وبعملية حسابية بسيطة ندرك أنه كتبها وهو بعد في الثامنة عشرة ربيعاً.* ونشرت سنة 1963. ولكن من المعروف أن هذه القصيدة كتبها الشاعر أكثر من سبع مرات وكأنها جزء من سجل حياته تنمو معه نضجاً وعمقاً كلما نضج هو وكبر.
    حيث يقول عنها:
    "تحولاتها ـ تحولاتي (هل أنا غير حصاة، تتبلور فوق جمر الأغنية؟؟ منذ أن كتبت ثم نشرت في الرأي العام في ديسمبر 1963 وحوار 1965 وتم كتابتها مرة أخرى وأخرى في يوكشير وأكسفورد".
    وقد ذكر الشاعر وسوغ كتابتها مرات ومرات وما تمثله هذه القصيدة في نفسه يخبرنا قائلاً: "لسبب ما فعل ذلك أليوت بمسودات الأرض اليباب ربما أراد أن يتخلص من وزره، وأفعل ذلك تخلصاً من أثمي الخاص. لقد أصبحت القصيدة مركزاً جاذباً لقواي الشعرية، إذا لم أتخلص منها ستظل تجتذبني وذلك مضر. لقد أضر بأذراً باوند في أناشيده فقد أصبحت ديناصوراً شعرياً يصعب التحكم فيه ولا يشبع أبداً مهما ألقمته من الكلمات والكلمات".
    فهي إذن بالنسبة له تطهر من إثمه الخاص. ولكنها كما ذكرت سابقاً تمثل تأريخه الفكري وقد نمت معه "وربما كانت (العودة إلى سنار) دفعة من كيان الفنان في شبابه حينما رغب مثلما ـ رغب جويس في أن يشكل في مصهر روحه ضمير أمته الذي لم يخلق بعد. وربما كانت فتحاً آخر. وإلا كيف أفسر أنها كتبت سبع مرات أو نحو ذلك كأنها تدرج من مقام إلى مقام حيث تأريخ الذات وتأريخ القبيلة شيء واحد".
    إن اهتمام محمد عبد الحي بتأسيس خطاب الهوية السودانية، جعله يسقط رغبته هذه في هذه القصيدة التي يعدها الشاعر رحلة من مواطن البراءة الأولى حيث قيل:
    "اهتمام محمد عبد الحي بالأسطورة والتأريخ والمسرح وكل المكونات التراثية محاولة منه للعودة إلى نبع البراءة الأولى ـ في التأريخ السوداني توقف عند مروي وهي حضارة سودانية عظيمة ولكنه تجاوزها إلى سنار باعتبارها الأكثر حضوراً في الذات السودانية".
    ولكن في المقابل نجد أن محمد عبد الحي كان دائم النفي لتوجه هذه القصيدة السياسي ويرى أن البعض قد حملها تحاميل لم يرم هو إليها. حيث قال في واحدة من رسائله لأحد أصدقائه:*
    "وقد ظهر الجزء الثاني من حلقة النقاش التي أدارتها سلمى الخضراء الجيوشي. وبدأت أحس أن القصيدة قد تستعمل لأسباب سياسية هي ليست فيها ومنها. أريدهم أن يلتزموا أكثر بقضايا العرب وقضايا الأفارقة، ولكنهم الآن يهربون من الاثنين ويخافون الالتزام بالأبعاد العميقة للثقافة السودانية. وأهم من ذلك أريدهم أن يعرفوا أن الإدراك الثقافي ما هو إلا وسيلة لإدراك أعلى وأعمق ولكن القصيدة نفسها صورة وأحلام وكوابيس وتشنجات إيقاعية، ونشوة، ورعب وشيء من المعرفة الحدسية الشعرية فهي اللغة ومن اللغة وللغة".
    وتأكيداً لما سبق نجد الشاعر يقول في مقام آخر: "ما تقدمه القصيدة ليس فكراً سياسياً أو قومياً. إنها تأكيد للجوهر الديني للوجود الإنساني وهذا الجوهر وحده هو أصل الملامح المتعددة للإنسان وأفعاله وتبقى القصيدة كالشجرة وجودها في حد ذاتها. ولا تترجم إلى عناصر أو أشكال غير ما هي فيه".
    وقد يكون الشاعر قد اختار موضوع هذه القصيدة وأسماها العودة إلى سنار تأثراً بالحركة التي قادها مجموعة من الفونج والمثقفين قبيل الاستقلال بقيادة خضر عمر التي تدعو إلى أن يسمى السودان بجمهورية سنار باعتبار أن سنار هي رمز أو بداية حقيقية لتكوين السودان الحالي حيث تجاوز بين العناصر العربية والعناصر المحلية.
    ونرى أن هذه القصيدة لقد حظيت بكثير من الدراسات التي كتبت بواسطة نقاد سودانيين أو عرب ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر: سلمى خضراء الجيوشي* وعبده بدوي** ومجذوب عيدروس*** وسيد أملس**** وما زال بها متسع يستحق الاهتمام والكتابة.
                  

08-23-2003, 02:27 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)



    (العودة إلى سنار (القصيدة):
    تتكون قصيدة العودة إلى سنار من خمسة أناشيد. جعل الشاعر لكل منها عنواناً، وهي على التوالي:
    نشيد البحر، نشيد المدينة، نشيد الليل، نشيد الحلم، نشيد الصبح. فالبحر يقابل اليابسة المتمثلة في المدينة والليل يقابل الصبح والحلم هو تأليف لهذه الأضداد.
    فالقصيدة هي تأريخ لمكان، ولكنه مكان ينتفي فيه الزمان، حيث أن صوت "الأنا" في القصيدة: (لعلّه الشاعر نفسه). رحالة جوال، ولكن ترحاله وتجواله ليس مكانياً، إنما زمانيٌّ، فهو يترحل ذهاباً وإياباً، عبر حقب تأريخ المكان. فهو يخترق حاجز الزمان حيث ينفذ إلى الماضي، ثم يعود إلى الحاضر وفي تجواله هذا يبحث عن الحق، حذوه حذو أبي يزيد البسطامي. ولكن يجد أن البسطامي أوفر حظاً منه، إذ أن أتاه هاتف قبل تعمقه في رحلته، وأخبره أن الحق حيث خرجت فرجع ولزم الخدمة، حتى فتح له. أما رحالة العودة إلى سنار فقد تجشم عناء الرحلة والسفر من البداية إلى النهاية. وكذلك عذابات التجريب والإخفاقات. حيث عاد إلى موطنه بحثاً عن الحق، بعد أن غادره بحثاً عن الحق، ولم يبلغ مبتغاه في دار الغربة، فأتى إلى الوطن لغربة من نوع آخر وهي غربة عن الحق.
    ويبدو "الأنا" هنا وكأنه بطل أسطوري، له قوة خارقة، وقدرة على النفاذ عبر الأزمنة المختلفة. فهو عند وصوله إلى أهله في المملكة الزرقاء، استقبله أهله بكل زخمهم وحبهم، ولكنه ما زال يحس بغربته المعرفية، ويتوق إلى الترحال للبحث عن الذات والحقيقة. ولكن بوجوده في المملكة الزرقاء، لم يجد كل ذاتيته بل رأى جزءاً منها، ولكنه يبحث عن الحقيقة، والحقيقة لا تكون إلا كاملة. ولذلك يتوغل مرة أخرى في الزمن ليقف على الحضارة المروية ولكن أيضاً لا يجد مبتغاه ولا تكتمل الحقيقة. ولكنه يعرف جزءاً من التكوين في رحلته هذه.
    وترقص في الأجراس وفي الديباج
    امرأة تفتح باب النهر وتدعو
    من عتمات الجبل الصامت والأحراج
    حرّاس اللغة ـ المملكة الزرقاء
    ذلك يخطر في جلد الفهد،
    وهذا يسطع في قمصان الماء.
    الليلة يستقبلني أهلي:
    أرواح جدودي تخرج من
    فضة أحلام النهر، ومن
    ليل الأسماء
    تتقمص أجساد الأطفال
    تنفخ في رئة المداح
    وتضرب بالساعد
    عبر ذراع الطبال
    الليلة يستقبلني أهلي:
    أهدوني مسبحةً من أسنان الموتى
    إبريقاً جمجمة
    مصلاة من جلد الجاموس
    رمزاً يلمع بين النخلة والأبنوس
    وكانت الغابة والصحراء مثل امرأة عارية تنام على سرير من البروق، في حالة انتظار لذلك الثور* الخارق وهو يرمز إلى الثقافة الإفريقية حيث يكون الوجه والقناع** شيء واحد. والقناع يرمز إلى الثقافة الإفريقية، والوجه إلى الثقافة
    العربية وتوحدهما معاً يخلقان هذا الخلاصي في مملكة البراءة وهي سنار.
    وكانت الغابة والصحراء
    امرأة عاريةٌ تنام
    على سرير البرق في انتظار
    ثورها الإلهي الذي يزور في الظلام
    وكان أفق الوجه والقناع شكلاً واحداً
    يزهر في سلطنة البراءة
    وحمأ البداءة
    ثم يبدأ النشيد الثاني، المدينة حيث يطلب الرحالة أن تفتح له الأبواب، وبالفعل تفتح له الأبواب ليدخل إليها عائداً هل هي عودة من سفر حقيقي وغربة عن الوطن؟ أم عودة معرفية بعد غربة عن المعرفة. ولكنه عاد وفتحت له الأبواب أي عودة هذه؟! عاد هو يغني بلسان ويصلي بلسان. فهو عندما يغني ويعبر عن ما يجيش بنفسه فإنه يستخدم لغته الأولى وهي اللغة الأولى لعلها اللغة المروية، ولكن عندما يصلي يصلي بلغته الجديدة المكتسبة. فهو قبل أن تنتفي الغربة المعرفية لديه، كان لسنين طويلة مستلفاً له لغة ليست هي لغته ورؤيا ليست له، ولهذا خرج مغامراً يبحث عن ساحرة الماء الغريبة علها تقدم له إجابات على استفهامات غامضة كثيرة. وهو في بحثه هذا كان مستسلماً للبحر ليأخذه إلى سنار، وهنا تنتفي إرادته. وإنه في بحثه هذا، يحلم بأرض خلقت خصيصاً للغرباء. وهناك حيث يضاجع حوريات البحر إله البحر إلى آخر ما يقوله الشعراء .. وهي أرض أسطورية لا وجود لها.
    أنا منكم. تائه عاد يغني بلسانٍ
    ويصلي بلسان
    من بحار نائيات
    لم تنر في صمتها الأخضر أحلام المواني
    كافراً تهت سنيناً وسنينا
    مستعيراً لي لساناً وعيوناً
    باحثاً بين قصور الماء عن ساحرة الماء الغريبة
    مذعناً للريح في تجويف جمجمة البحر الرهيبة
    حالماً فيها بأرض جعلت للغرباء
    ـ تتلاشى تحت ضوء الشمس كي تولد من نار المساء ـ
    ببنات البحر ضاجعن إله البحر في الرغو ..
    (إلى آخره مما يغني الشعراء!)
    وفي ترحاله هذا بحثاً عن الحقيقة، رأى فيه الأهوال، والغرائب، والعجائب، ولكنه في داخله دائماً يتساءل هل يا ترى سيرجع يوماً إلى بلاده. ولكم تمنى أن يكون له طائر يحمله إلى بلاده. ولكن عند رجوعه يريد أن يكون ملماً بالحقيقة الكاملة، وعارفاً لها. وكان صحوه هو الحلم، وكان الحلم هو همه الأوحد في تلك الذاكرة الأولى لأيام مروي المنسية. وأحلام قبيلته التي ينتمي لها بين موتاه حيث جذوره وتأريخه، وأقاصيص الطفولة الحلوة. وعندما يفتح الحراس الأبواب له يدخل وفي التو يحس بالالفة والدعة، والتأقلم لينام مثل نوم طفل الماء في الحصى، والطير في أعشاشه، والسمك الصغير في أنهاره، وفي غصونها الثمار، والنجوم في مشيمة السماء. أي الرجوع من غير المألوف إلى المألوف.
    ونمت
    مثلما ينام في الحصى المبلول طفل الماء
    والطير في أعشاشه
    والسمك الصغير في أنهاره
    وفي غصونها الثمار
    والنجوم في مشيمة
    السماء
    وفي النشيد الثالث الليل، نعرف أن المدينة رحبت بالرحالة، وضمته إلى حضنها الحنون. وأدهشته رؤية الأنهار العظيمة، والبروق والرعود، التي ذوبته في الوجود ليصبح جزءاً لا يتجزأ منه. وفي ظلام الليل يحدث له هذا الكشف التصوري، حيث ترجع الأشياء إلى شكلها القديم المعهود، ويرجع إلى بدايته التي ما قبلها بدايات، وإلى التكوين الذي ما قبله تكوين، قبل أن تحدث تلك الحادثات ليكون هذا المكون الجديد في الذات وتجلياتها.
    في الليل تطفو الصور الأولى
    وتنمو في مياه الصمت
    حيث يرجع النشيد
    لشكله القديم
    قبل أن يسمِّي أو يسمَّى،
    في تجلي الذات، قبل أن يكون غير ما يكون
    قبل أن تجوِّف الحروف
    شكله الجديد
    وفي الحلم يتجاوز البطل أسطوريته ليحدث له انهزام يحوله إلى بطل تراجيدي كانت زلته* بحثه عن ذاته وهويته، خارج بلاده. متجولاً عبر الأزمنة، حيث ذهب باحثاً عن معرفة الذات في مروي، ثم تركها وذهب إلى سنار، كلاهما على حدة لم يحولانه إلى هذا الكل المنشود، وبعد ذلك تجاوزهما معاً ونظر إليهما معاً، ليحدث له الكشف المعرفي حيث توحد الجزء المروي الممثل للحضارة الزنجية والجزء السناري الممثل للإنسان العربي مكوناً منهما معاً الكل السوداني. وباندماج هذه الأضداد حدث هذا التوحد. ولأن للحلم منطق للأحداث يتنافى مع الواقع، إلا أن الحلم للشخص الواصل إنما هو رؤيا، تتحقق وإشارات تتبلور، تعطيه الأمان وتترع قلبه بالحب، ويحس بالقبول. إنه لم يعد غريباً، بل إنه جزء لا يتجزأ من الصورة الكلية.
    يمدّ لي يديه
    يقودني عبر رؤى عينيه
    عبر مرايا ليلك الحميمة
    للذهب الكامن في صخورك القديمة
    فأحتمي كالنطفة الأولى
    بالصور الأولى التي تضيء
    في الذاكرة الأولى
    وفي سكون ذهنك النقي
    تمثالاً من العاج،
    وزهرة
    وثعباناً مقدساً وأبراجاً
    وأشكالاً
    من الرخام والبللور
    والفخار
    ولكن مهما يكن من شيء، فأن يكون هذا الحلم أضغاث أحلام، أو رؤى، إلا أنه لن يكون ولن تتحقق كينونته إلا في بلاده تحت تلك الشمس الحارقة والحب العميق ـ ثم تستمر هذه الرؤى والأحلام حتى يأتي الصبح.
    حلمٌ؟ رؤىً وهميةٌ؟ حقٌّ؟
    أنا ماذا أكون بغير هذا الصوت، هذا الرمز،
    يخلقني وأخلقه على وجه المدينة تحت شمس الليل والحب العميق
    وعند طلوع الشمس يبدأ الرحالة نهاره بإحساس بالاكتمال لأول مرة في حياته. هذا الإحساس الذي ينجم عن القبول بعد أن حدث الكشف وتحققت المعرفة، ليتحول التنافر إلى تجانس، فهو عرف أنه زنجي عربي مسلم واختار أن يكون كل ذلك الزخم بدلاً أن ينحاز إلى مكون واحد. وهنا يحدث له انتفاء لصفة البطل التراجيدي ليتحرر من المكان والزمان، وليعلو صوته رأسياً وتتسع رؤيته أفقياً ليصبح الآن بإمكانه أن يرى ويشاهد الحقيقة كل الحقيقة حيث يحدث له التطهير بعد أن دفع ثمن ذلته، وصبر على حكم القضاء والقدر، وانتفت بالنسبة له كل الأضداد، وبالتالي اكتملت دائرة الحق والمعرفة. وبهذا تم الكشف والقبول ووصل إلى المقام المراد. حيث تجانس تام ولا نشاز في الحياة.
    شجراً أرى؛ وأرى القوارب فوق ماء النهر،
    والزراع في الوادي؛ وأعراساً تقام؛ ومأتماً في الحيِّ،
    والأطفال في الساحات؛ والأرواح في ظل الشجيرة
    في الظهيرة حين يبتدئ الحديث برنة اللغة القديمة.
    الشمس تسبح في نقاء حضورها، وعلى غصون القلب عائلة الطيور،
    ولمعةٌ سحريةٌ في الريح؛ والأشياء تبحر في قداستها الحميمة.
    وتموج في دعة؛ فلا شيءٌ نشازٌ؛ كل شيء مقطعٌ، وإشارةٌ
    تمتد من وترٍ إلى وتر، على قيثارة الأرض العظيمة
    ونخلص إلى أن بطلنا هذا، هو بطل جوال في الزمان مفكوك الأسر طليقاً. ولكنه في بحثه الدائب عن الحقيقة، تتحول ماهيته حيث يكون في البدء بطلاً أسطورياً،* ثم يتحول إلى بطل تراجيدي** ثم أخيراً يتحول إلى مرحلة اللابطل.*** ولكنه في ذات الوقت إنسانٌ عاديٌّ وصل إلى مرحلة الكشف والقبول لكن ليس وحده بل بعد أن سُخر له مَلَك يسري به ليلاً في رحلة عبر الأزمان.

    (عدل بواسطة bayan on 08-23-2003, 03:05 AM)

                  

08-23-2003, 03:14 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)

    منقولة من موقع الغابة و الصحراء







    العودة الى سنار



    النشيد الأول

    البحــــر

    بالأمس مرَّ أوّل الطّيور فوقنا ، ودار دورتين قبل أن

    يغيبَ ، كانت كلُّ مرآة على المياه فردوساً

    من الفسفورِ – يا حدائق الفسفور والمرايا

    أيّتها الشمس التى توهّجتْ واهترَأت

    فى جسد الغياب ، ذوبى مرّة أخيرةً ،

    وانطفئى ، أمسِ رأينا أوّل الهدايا

    ضفائر الأشنةِ والليفِ على الأجاجِ

    من بقايا

    الشجر الميت والحياة فى ابتدائها الصامتِ

    بين علق البحارْ

    فى العالمِ الأجوفِ

    حيثَ حشراتُ البحرِ فى مَرَحِها الأعْمَى

    تدب فى كهوفِ الليفِ والطحلبِ

    لا تعى

    انزلاقَ

    الليلِ

    والنهارْ

    وحمل الهواءْ

    رائحةَ الأرضِ ،

    ولوناً غير لون هذه الهاوية الخضراءْ

    وحشرجات اللغة المالحة الأصداءْ.

    وفى الظَّلامْ



    فى فجوةِ الصَّمت التى تغور فى

    مركز فجوةِ الكلامْ ،





    كانت مصابيح القرى

    على التِّلال السودِ والأشجارْ



    تطفو وتدنو مرَّةَّ

    ومرَّةَّ تنأى تغوصُ

    فى الضَّباب والبُخَارْ





    تسقطُ مثل الثّمر النّاضجِ

    فى الصَّمتِ الكثيفِ

    بين حدِّ الحلم الموحشِ

    وابتداء الانتظارْ.





    وارتفعتْ من عتمةِ الأرضِ

    مرايا النّارْ



    وهاهىَ الآن جذوع الشّجر الحىِّ

    ولحمُ الأرضِ

    والأزهارْ.

    الليلة يستقبلنى أهلى :

    خيل’’ تحجل فى دائرة النّارِ ،

    وترقص فى الأجراس وفى الدِّيباجْ

    امرأة تفتح باب النَّهر وتدعو

    من عتمات الجبل الصامت والأحراجْ

    حرّاس اللغة – المملكة الزرقاءْ

    ذلك يخطر فى جلد الفهدِ ،

    وهذا يسطع فى قمصان الماءْ.





    الليلة يستقبلنى أهلى :

    أرواح جدودى تخرج من

    فضَّة أحلام النّهر ، ومن

    ليل الأسماءْ

    تتقمص أجساد الأطفالْ.

    تنفخ فى رئةِ المدّاحِ

    وتضرب بالساعد

    عبر ذراع الطبّالْ.

    الليلة يستقبلنى أهلى :

    أهدونى مسبحةَّ من أسنان الموتي

    إبريقاً جمجمةً ،

    مُصلاَّة من جلد الجاموسْ

    رمزاً يلمع بين النخلة والأبنوسْ

    لغةً تطلعُ مثلَ الرّمحْ

    من جسد الأرضِ

    وعبَر سماء الجُرحْ.

    الليلة يستقبلنى أهلى.



    وكانت الغابة والصحراءْ

    امرأةً عاريةً تنامْ



    على سرير البرقِ فى انتظارِ

    ثورها الإلهى الذى يزرو فى الظلامْ.



    وكان أفق الوجه والقناع شكلاً واحداً.

    يزهر فى سلطنة البراءه





    وحمأ البداءهْ.

    على حدودِ النورِ والظلمةِ بين الصحوِ والمنامْ.







    النشيد الثانى



    المدينة



    سأعود اليوم يا سنَّار ، حيث الحلم ينمو تحت ماء الليل أشجاراً

    تعرّى فى خريفى وشتائي

    ثم تهتزّ بنار الأرض، ترفَضُّ لهيباً أخضر الرّيش لكى

    تنضج فى ليل دمائي

    ثمراً أحمر فى صيفى ، مرايا جسدٍ أحلامه تصعد فى

    الصّمتِ نجوماً فى سمائى

    سأعودُ اليوم ، ياسنّارُ ، حيث الرمزُ خيط’’،

    من بريقٍ أسودٍ ، بين الذرى والسّفح ،

    والغابةِ والصحراء ، والثمر النّاضج والجذر القديمْ.



    لغتى أنتِ. وينبوعى الذى يأوى نجومى ،

    وعرق الذَّهب المبرق فى صخرتىَ الزرقاءِ ،

    والنّار التى فيها تجاسرت على الحبِّ العظيمْ

    فافتحوا ، حرَّاسَ سنّارَ ، افتحوا للعائد الليلة أبواب المدينة

    افتحوا للعائد الليلة أبوابَ المدينة

    افتحوا الليلة أبواب المدينة.





    - "بدوىُّ أنتَ ؟"

    "لا –"

    - " من بلاد الزَّنج ؟"

    " لا –"



    أنا منكم. تائه’’ عاد يغنِّى بلسانٍ

    ويصلَّى بلسانٍ

    من بحارٍ نائياتٍ

    لم تنرْ فى صمتها الأخضرِ أحلامُ المواني.

    كافراً تهتُ سنيناً وسنينا

    مستعيراً لى لساناً وعيونا





    باحثاً بين قصور الماء عن ساحرةِ الماء الغريبه

    مذعناً للرِّيح فى تجويف جمجمة البحر الرهيبه





    حالماً فيها بأرض جعلت للغرباء

    -تتلاشى تحت ضوء الشمس كى تولد من نار المساءْ _

    ببناتِ البحر ضاجعنَ إله البحر فى الرغو...

    (إلى آخِرِهِ ممّا يغنِّى الشعراءْ!)

    ثمَّ لّما كوكب الرعب أضاءْ

    إرتميت.

    ورأيتُ ما رأيتُ :

    مطراً أسود ينثوه سماء’’ من نحاسٍ وغمام’’ أحمر’. شجراً أبيض – تفاحاً وتوتاً – يثمرُ

    حيث لا أرض ولا سقيا سوى ما رقرق الحامض من رغو الغمام.





    وسمعتُ ما سمعتُ :

    ضحكات الهيكل العظمىِّ ، واللحم المذابْ

    فوق فُسفورِ العبابْ

    يتلوى وهو يهتزّ بغصّات الكلامْ.

    وشهدتُ ما شهدتُ :



    كيف تنقضّ الأفاعى المرعده

    حينما تقذف أمواج الدخان المزبده

    جثةً خضراء فى رملٍ تلظىَّ فى الظلامْ.



    صاحبى قلْ ! ما ترى بين شعاب الأرخبيلْ

    أرض "ديك الجن" أم "قيس" القتيل ؟

    أرض "أوديب" و"ليرٍ" أم متاهات " عطيل" ؟

    أرض "سنغور" عليها من نحاس البحر صهدُُ لا يسيلْ؟

    أم بخار البحر قد هيّأ فى البحر لنا

    مدناً طيفيّةً ؟ رؤيا جمالٍ مستحيل؟

    حينما حرّك وحش البحر فخذيه : أيصحو

    من نعاسٍ صدفى ؟ أم يمجُّ النار والماء الحميما؟



    وبكيتُ ما بكيت :



    من ترى يمنحنى

    طائراً يحملنى

    لمغاني وطنى

    عبر شمس الملح والريح العقيمْ

    لغة تسطعُ بالحبِّ القديمْ.

    ثم لّما امتلأ البحرُ بأسماكِ السماءِ

    واستفاقَ الجرسُ النائم فى إشراقةِ الماء



    سألتُ ما سألت’ :

    هل ترى أرجع يوما

    لا بساً صحوىِ حلما

    حاملاً حلمىَ همّا

    فى دجى الذاكرة الأولى وأحلام القبيلة

    بين موتاى وأشكال أساطير الطفوله.



    أنا منكم .جرحكم جرحى

    وقوسى قوسكم.

    وثنى مجَّد الأرضَ وصوفىِّ ضريرُُ

    مجَّد الرؤيا ونيران الإلهْ.



    فافتحوا







    حرَّاس سنّارّ ،



    افتحوا بابَ الدَّم الأوّلِ

    كى تستقبل اللغةَ الأولى دماهْ

    حيث بَلُّور الحضورْ

    لهبُُ أزرقُ

    فى عينِ

    المياهْ

    حيثُ آلافُ الطيورْ

    نبعتْ من جسدِ النّارِ.

    وغنّتْ

    فى سماوات الجباهْ.



    فافتحوا ، حرّاسَ سنّار ،



    افتحوا للعائد الليلة أبواب المدينة

    افتحوا الليلة أبواب المدينة

    افتحوا.....







    " إنّنا نفتح يا طارقُ أبواب المدينة

    "إن تكن منّا عرفناك ، عرفنا

    " وجهنا فيك : فأهلاً بالرجوعْ

    " للربوعْ.

    " وإذا كنتَ غريباً بيننا

    " إنّنا نسعد بالضِّيف ، نفدِّيهِ

    " بأرواحٍ ، وأبناءٍ ، مالْ

    " فتعالْ.

    " قد فتحنا لك يا طارقُ أبواب المدينة

    " قد فتحنا لك يا طارقُ...

    " قد فتحنا...."



    ودخـــلتُ





    حافيا منكفئا

    عارياً ، مستخفياً فى جبة مهترئة

    وعبرتُ

    فى الظلامْ

    وانزويت

    فى دياجير الكلام





    ونمــــتُ



    مثلما ينامُ فى الحصى المبلول طفل الماءْ

    والطّير فى أعشاشهِ

    والسمك الصغير فى أَنهارِهِ

    وفى غصونها الثِّمارُ

    والنجوم فى مشيمةِ

    السماءْ.









    النشيد الثالث



    الليـــــــل



    وفتحت ذراعها

    مدينتى

    وحضنها الرغيدْ



    - أيّة أنهارٍ عظيماتٍ

    وغاباتٍ

    من البروق والروعودْ –



    تنحلّ أعضائى

    بخاراً أحمراً

    يذوب فى دمائها



    تعوم روحى

    طائراً أبيض

    فوق مائها





    ويطبق الليل الذى

    يفتحُ

    فى الجمجمة البيضاءْ

    خرافةً تعودُ ،

    وهلةً ووهلــةً ،

    إلى نطفتها الأشِياءْ

    فيها ، وينضج اللهيبُ

    فى عظام شمسها

    الفائرة الزرقاءْ



    ويعبر السمندلُ الأحلامَ

    فى قميصه

    المصنوع من شرارْ.





    فى الليل حيث تنضج الخمرةُ

    قبل أن تموج فى الكرومِ

    قبل أن تختم فى آنية الفخّارْ





    فى الليل حيث الثمر الأحمرُ

    والبرعمُ والزهرةُ فى وحدتها الأولى

    من قبل أن تعرف ما الأشجارْ





    فى الليل تطفو الصور الأولى

    وتنمو فى مياه الصَّمتِ

    حيث يرجع النشيدْ





    لشكلِهِ القديمِ

    قبلَ أن يسمِّى أو يسمَّى ،

    فى تجلّى الذات ، قبل أن يكون غيرَ ما يكونُ

    قبل أن تجوِّفَ الحروفُ

    شكلَهُ الجديدْ.









    النشيد الرابع





    الحـــــــلم



    رائحة البحر التى تحملها الرياحْ

    فى آخر الليل ، طيور’’ أفرختْ

    فى الشفق البنفسجىِّ بين آخر النجوم والصباحْ

    أنصتْ هنيهةً !

    تسمع فى الحلم حفيف الرِّيش حين يضرب الجناحْ

    عبر سماوات الغيابْ

    هل دعوة إلى السفر؟

    أم عودة إلى الشجر ؟

    أم صوت بشرى غامضُُ يزحف مثل العنكب الصغير فوق خشبات البابْ

    يبعثه من آخر الضمير مرَّةَّ عواء آخر الذئابْ

    فى طرف الصحراءِ ، مرَّةً رنين معدنٍ فى الصمَّتِ ،

    أو خشخشة الشوكَ الذى يلتفّ حول جسد القمرْ

    ومرَّةَّ تبعثه صلصة الأجراس

    حين ترقص الأسماك فى دوائر النجوم فى النَّهَرْ.

    أم صوت باب حلمٍ يفتحه

    فى آخر الليل وقبل الصبحْ

    المَلَك الساهر فى مملكة البراءة

    وحمأ البداءه

    تحت سماء الجرحْ

    يَمُدُّ لى يديه

    يقودنى عبر رؤى عينيه

    عبر مرايا ليلك الحميمة

    للذهب الكامن فى صخورك القديمة

    فأحتمى – كالنطفة الأولى –

    بالصور الأولى التى تضىءُ

    فى الذّاكرة الأولى

    وفى سكون ذهنك النقىِّ

    تمثالاً من العاجِ،

    وزهرة

    وثعباثاً مقدساً وأبراجاً

    وأشكالاً من الرخامِ والبلُّور والفَخّارْ.

    حلمُُ ما أبصرُ أم وهمُُ؟

    أم حق يتجلّى فى الرؤيا ؟

    فى هاجرةِ الصَّحْراء أزيح قباب الرملَ

    عن نقشٍ أسودَ ، عن مَلِكٍ

    يلتفًّ بأسماء الشفرةِ والشمسِ

    والرمز الطّافر مثل الوعلِ

    فوق نحاسِ الصَّحراءْ.

    أسمع صوت امرأةٍ

    تفتحُ باب الجبل الصَّامت ، تأتي

    بقناديل العاج إلى درجات الهيكل والمذبحْ



    ثم تنامُ – ينامُ الحرَّاسْ –

    لتوليد بين الحرحر والأجراسْ

    شفةً خمراً ، قيثاراً ،

    جسداً ينضج بين ذراعىْ شيخٍ

    يعرف خمرَ اللهِ وخمر النّاسْ.

    لغة’’ فوق شفاهٍ من ذهبٍ

    أم نورُُ فى شجر الحُلمِ المزهرْ

    عند حدود الذَاكرةِ الكبرى

    الذّاكرة الأولى؟



    أم صوتي

    يتكوَّر طفلاً كى يولدَ

    فى عتباتِ اللغةِ الزرقاءْ ؟



    وتجىءُ أشباح مقنّعة’’ لترقص حرَّةً ، زمناً،

    على جسدى الذى يمتد أحراشاً ، سهوباً : تمرح الأفيالُ،

    تسترخى التماسيح ، الطيور تهبُّ مثل غمامةٍ ، والنحل مروحة’’

    ويغنِّى وهو يعسل فى تجاويف الجبالِ ، وتسدير مدينة’’ زرقاءُ

    فى جسدى، ويبدأ صوتُها ، صوتْى ، يجسِّد صوت موتاىَ الطليقْ



    حلم’’ ؟ رؤىِّ وهميّة’’ ؟ حقُّ؟

    أنا ماذا أكون بغير هذا الصوت ، هذا الرمز ،

    يخلقنى وأخلقه على وجه المدينة تحت شمس الليل والحبِّ العميقْ





    وحينما يجنح آخر النجوم للأفولْ

    ويرجع الموتي إلى المخابىء القديمة

    كيما ينامون وراء حائط النّهارْ

    أنام فى انتظارْ

    آلهة الشمس وقد أترع قلبى الحبُّ والقبولْ.







    النشيد الخامس



    الصــــــبح



    مرحى! تطلُّ الشمسُ هذا الصبحَ من أفق القبولْ

    لغةً على جسد المياهِ ،

    ووهجَ مصباحٍ من البلُّورِ فى ليل الجذورِ ،

    وبعضَ إيماءٍ ورمزٍ مستحيلْ.



    اليومَ يا سنّار أقْبَلُ فيكِ أيّامى بما فيها من العشب الطفيلىِّ

    الذى يهتزُّ تحتَ غصونِ أشجارِ البريقِ.



    اليومَ أقْبَلُ فيكِ أيّامى بما فيها من الرّعب المخمَّر فى شرايينى.

    ومافيها من الفرح العميقِ.



    اليومَ أقْبَلُ فيكِ كلَّ الوحلِ واللّهب المقدَّس فى دمائكِ ، فى دمائي.

    أحنو على الرَّملَ اليبيسِ كما حنوتُ على مواسمكِ الغنيّة بالتدفق والنماء.



    وأقولُ: يا شمسَ القبولِ توهّجى فى القلبِ

    صفيِّنى ، وصفِّى من غبارٍ داكنٍ

    لغتى ، غنائى.



    سنَّارُ

    تسفَر فى

    نقاءِ الصحو ، جرحاً

    أزرقا، جبلاً ، إلهاً ، طائراً

    فهــداً ، حصاناِ ، أبيضاً ، رمحاً

    كتـــابْ



    رجعت طيور البحر فَجْرَاً من مسافات الغيابْ.

    البحر يحلم وحده أحلامه الخضراء فى فوضى العبابْ.

    البحرُ؟ إنّ البحر فينا خضرة’’ ،

    حلم’’ ، هيولى ،



    شجراً ارى ، وأرى القوارب فوق ماء النّهرِ

    والزرّاع فى الوادى ، وأعراساً تقامُ ، ومأتماً فى الحىِّ ،

    والأطفال فى الساحات ، والارواح فى ظلَّ الشجيرةِ

    فى الظهيرةِ حين يبتدىُْ الحديث برنّه اللغة القديمةْ.





    الشمس تسبح فى نقاء حضورها ، وعلى غصونِ القلب عائلةُ الطيّورِ،

    ولمعةُُ سحرية’’ فى الريحِ ، والأشياء تبحر فى قداستها الحميمةْ.



    وتموج فى دعةٍ ، فلا شىءُُ نشازُُ كلُّ شىءٍ مقطعُ ، وإشارةُُ

    تمتد من وترٍ إلى وترٍ ، على قيثارة الأرض العظيمةْ.







                  

08-23-2003, 05:06 AM

MOHDY
<aMOHDY
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 338

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)

    الغالية بيان

    شرحت فأبنت و استحضر السمندل سيده.

    يوقفني عبد الحي كثيرا كما اوقفتني المواقف و المخاطبات للامام النفري. فكأني بعبد الحي يرحمه الله يقف نفس الموقف :

    فى فجوةِ الصَّمت التى تغور فى

    مركز فجوةِ الكلامْ

    و بدون اكمال الاضافات الشعرية الاخري الي هذا الشطر من البيت فانها تصلح لان تكون موقفا لهذا الرائع ليأخذنا من صمت التجهجه مع الانتماء الي رحابة تعريف الهوية السودانية من منطلق تاريخي يقرب المفاهيم المتباعده بسبب عنفوان الاختلافات العرقية التي نالت سماحة خلقنا و جمال محيانا فأصبحنا شبحا للدم و امشاجا لبقايا أمة

    حركة عبد الحي متشعبة في نماذج كثيرة اعمال مثقفينا التي دوما رمت الي اعطاء المزيج التاريخي اهمية اكبر في تحديد شكل الدولة و في تحديد ممارسة الحكم. ان تعاليم الغابة و الصحراء ستصبح ديدنا لمجموعات مهولةمن شباب السودان و اظن ان اجيالا فعالة تكونت و ستفرخ قريبا عن نماذج يمكنها ان تثبت تراب الوطن و أن تجمع اطراف الفسيفساء الي انتاج تشكيلة لونية ذات معني و ذات هدف...ربما لا اهدف بحديثي هذا لان اسيس من موضوع القصيدة و لكنها فاتحة الشهية لتغييرت اجتماعية كبري

    سار علي الدرب المرحوم الاستاذ احمد الطيب عميد كلية الفنون سابقا و ابحر في اجتهاداته الرامية الي تعميق مفهوم السودانوية في قلوب المجتمع السوداني كسبيل للخروج من مازق عده من خلال مشاركاته بمقالاته و ندواته التي جذبت الكثيرين

    السمندل ما زال يغني
                  

08-23-2003, 07:39 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: MOHDY)

    شكرا مهدى

    نعم حقا ما قلت

    الثقافة الغزيرة المتنوعة التى تاتت لهذا الشاعر
    مكنته من ان يجاوز

    بين الثقافة الغربية ورموزها و الثقافة العربية ورموزها
    جامعا لها فى بوتقة واحدة
    محققا ان الارث الانسانى
    هو ملك لكل الانسانية
    وان الانتاج الابداعى لا وطن له
    كما ترى فى اكثر من مقابلة اشار الى
    ان اصوله الادبية تقع فى الثقافة الاسلامية
    ووفى حواشى دواوينه تجد
    الاشارات
    للبسطامى و النفرى و المعرى ألخ ... الخ
                  

08-23-2003, 03:01 PM

almohndis
<aalmohndis
تاريخ التسجيل: 05-05-2002
مجموع المشاركات: 2663

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)

    مجهود مقدر
    فى زمن ثقافة
    التسطيح والتغبيش
                  

08-23-2003, 03:22 PM

sentimental


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)

    والصمت فى حرم الجمال جمال
                  

08-23-2003, 06:38 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: sentimental)

    شكرا لكما
    المهندس
    و سنتى
                  

08-24-2003, 03:04 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)

    *
                  

08-24-2003, 03:37 AM

hammama
<ahammama
تاريخ التسجيل: 12-19-2002
مجموع المشاركات: 296

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)

    اقف اجلالا لمجهودك المقدر
                  

08-24-2003, 02:42 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: hammama)

    الشكر لك الاخ حمامة
                  

08-25-2003, 10:15 AM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)

    فوق
                  

08-25-2003, 06:25 PM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)

    الحبيبة بيان
    اولا التحية على هذا البوست المتميز و اود لو اداخل قليلا
    من حيث المبدا للمبدع الشاعر كل الحق للاحتجاج على تحميل قصيدته ما لا تحتمل من معانى سياسية مستترة كما بدا لعيان البعض و لكن هذا مكمن جمال القطع الادبى ان يراه كل بمنظوره الخاص ان يرى فيه نفسه او حالته الذهنية والعاطفية اماله و مبتغاه و فى كثير من الاحايين قد لا يقصد القاص او الشاعر بعضا مما تبادر لاذهان البعض من معانى و اتجاهات فهم
    تماما كاللوحة الفنية التى يراها كل انسان برؤية شديدة الخصوصية و بزاوية معينة قد تتقاطع او تتشابك مع رؤى اخرين
    اخيرا محبتى لك
                  

08-27-2003, 03:06 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: lana mahdi)

    Quote: وبدأت أحس أن القصيدة قد تستعمل لأسباب سياسية هي ليست فيها ومنها. أريدهم أن يلتزموا أكثر بقضايا العرب وقضايا الأفارقة، ولكنهم الآن يهربون من الاثنين ويخافون الالتزام بالأبعاد العميقة للثقافة السودانية. وأهم من ذلك أريدهم أن يعرفوا أن الإدراك الثقافي ما هو إلا وسيلة لإدراك أعلى وأعمق ولكن القصيدة نفسها صورة وأحلام وكوابيس وتشنجات إيقاعية، ونشوة، ورعب وشيء من المعرفة الحدسية الشعرية فهي اللغة ومن اللغة وللغة".
    وتأكيداً لما سبق نجد الشاعر يقول في مقام آخر: "ما تقدمه القصيدة ليس فكراً سياسياً أو قومياً. إنها تأكيد للجوهر الديني للوجود الإنساني وهذا الجوهر وحده هو أصل الملامح المتعددة للإنسان وأفعاله وتبقى القصيدة كالشجرة وجودها في حد ذاتها. ولا تترجم إلى عناصر أو أشكال غير ما هي فيه


    العزيزة لنا ذات الاسم الجميل والخلق الاجمل
    اخالك تعنين هذا الجزء المنقول وهو احتجاج الشاعر على تأويل نصه واستخدامه سياسيا وحاول ان يأطر النص و يلجم النقاد
    لا يفوتنا ان الشاعر نفسه هو ناقد
    اى يعى دور الناقد فى كشف و تأويل النص
    و انا اتفق معك فى كل ما ذكرتيه
    على المبدع ان يكتب و على النقاد ان يشكفوا و يأولوا النص
    عندما فرغت من تحليل نص العودة الى سنار و استخرجت كل الاشارات الى ثنائية الغابة و الصحراء
    اعطيت عدد كبير من الناس ما كتبته
    وكانت الاراء متباينة
    و وكان تعليق صديقتى الطبيبة التى لم ترى اى شئ فى النص مما كتبته
    هو الماثل فى ذهنى اذ حكت لى نكتة كاتب العرضحالات الذى كتب لشخص لديه مظلمة عريضة وعندما ق{اها عليه بكى الرجل وقال انه ابدا لم يكن متصورا انه مظلوم الى هذه الدرجة

    ؟يا ترى ماذا يقول الشاعر اذا قرأ كل الكتابات التى كتبت فى اشعاره
                  

08-28-2003, 11:32 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)

    *
                  

09-20-2003, 12:43 PM

الجندرية
<aالجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة حب...ما بين السمندل و القصيدة (Re: bayan)

    فوق
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de