*حاورته في كل شيء ذلك اليوم.. * إلا الشيء الذي أتيت خصيصاً من أجل محاورته فيه.. *كان ذلك أواخر التسعينيات في مكتب علوي يخلو من (أبهة) الأيام الخوالي.. *وكان المكتب بجوار مبنى صحيفة (الوطن) الآن.. *أو لعله هو إن لم تخني الذاكرة كما تخون أخوة المصير...حين يتفرق بهم المصير.. *أخوة السلاح...والطعام...والأحلام...والمصير.. *فالقيادي المايوي الذي حاورته وضعت الأقدار مصير أخ له بين يديه.. *وحكم عليه بالذي أحجم عنه آخرون...ورضي بذلك النميري.. *ولكنه لم يرض أن يتحدث عن ذلك الإعدام...بما أنه قام بإعدامه من ذاكرته.. *وفي تلكم الأيام الكئيبة أُعدم آخرون إلى جانب المقدم بابكر النور.. *ومن الذين أُعدموا- من المدنيين- الشفيع أحمد الشيخ.. *وهو من الذين قال نميري إنه ما كان ليعطيهم شرف الإعدام رمياً بالرصاص.. *خرج من المحاكمة مساءً وعقله شاخص نحو النهاية الحزينة.. *وشاخص- كذلك - نحو البداية السعيدة.. *نحو مساء مثل ذاك المساء شهد عقد قرانه على فتاة متفردة...ومتمردة.. *متمرة على المفاهيم البالية...لا على القيم والمثل والأخلاق.. *كانت تحكي له فضل أمها عليها في هذا الجانب.. *وكيف أنها نهرتها يوماً حين أطالت الوقوف أمام المرآة تنظر إلى وجهها.. *قالت لها (المهم ليس جمال الشعر...وإنما الذي تحته).. *وكانت تعني جمال العقل...وكماله...ورزانته.. *ولكن عقول الذين داخل قاعة المحكمة غابت عن رؤوسهم يومذاك.. *فحكموا على من مثلوا أمامهم بأن يغيبوا عن الدنيا.. *حتى من بين الشهود- من المدنيين- من غاب عقله أيضاً...مثل معاوية سورج.. *فشهد على بعض أخوة الطعام...والأحلام...والمصير.. *ومنهم الشفيع الذي تحققت أحد أحلامه هذه في ذلكم المساء بحي العباسية.. *فقد اقترن بفتاة أحلامه (فاطنة السمحة)...بنت الأصول.. *واقترنت فاطمة هذه بذاكرتي في كلمة كتبتها عنها قبل أعوام خلت.. *عن زيارتها إلى لندن وقتها...وتوبيخها من احتفين بها.. *كن مجموعة من متحررات اليسار...احتفلن بإحدى رائدات اليسار.. *وما درين أن يسارهن ليس مثل يسارها.. *فانتفضت فيهن صائحة: (التحرير) الذي طالبنا به لا يعني (التحرر) من الأخلاق.. *ولا من العادات...والأخلاق...والمثل...والفضيلة.. *وبقيت محتفظة بعقلها داخل رأسها منذ وقفتها تلك أمام المرآة...وعتاب أمها.. *مروراً بولوجها البرلمان كأول نائبة سودانية...وعربية.. *وليس انتهاءً بتعنيفها شاربات البيرة والسجائر...من اليساريات بلندن.. *ومن ثم كان يمكن محاورتها في كل شيء.. *كل شيء...من لدن الطفولة وحتى الشيخوخة دون أن تقول لك (إلا هذا الشيء).. *ولكن بعض من حكموا على زوجها وآخرين....(قالوا).. *وما نقوله نحن (طبتِ بدايةً ونهاية يا سمحة !!!).