بعد أن أبت حكومة المؤتمر الوطني إلا أن تربط ( حِزمتها ) الأخيرة على ( عنق ) إنسان السودان المكلوم حاضراً و مستقبلاً و الذي ترادفت على كاهله حِزم الجور و الهوان و التجويع ، أصبح من المضحك و المُبكي في ذات الأوان أن نظل على عهدنا بكم نُدبِج السطور في ما كنا نعتقد أنه سيحرك ساكناً في مدارك أهل السلطة و الخائضون في جاه دنياها الزائل ، غير أنهم على ما يبدو في وادٍ آخر يعمهون ، هم نجحوا في وأد آخر آمالنا في القدرةِ على توجيه دفة الأمور عبر مخططاتهم و قراراتهم تجاه تدارك الكارثة الحتمية التي أصبحت الآن ماثلة و لا مناص من تذوق مراراتها و أحزانها ، و ليعلموا أنهم سيكونون ( لُباً ) و ( مركزاً ) لنواة العاصفة المنتظرة ، لأن الأمر قد تجاوز حدود التنظير الأكاديمي و المهني و الواقعي المتعلق بالحلول التي يجب أن تُطرح لإيجاد حل للمشكلة الإقتصادية السودانية المـتأزمة يوماً بعد يوم ، و التي لم يدفع أحداً ثمنها الباهظ و المُهلك سوى الإنسان السوداني البسيط في مأكله و مشربه و سُكناه و صحته و تعليم أبنائه ، أما الحكومة و سدنتها من المنتفعين بالتواجد داخل بؤرة ( الإسترزاق ) من مراكزها المالية و مقدَّراتها و مواردها المتاحة ، فلسان حالهم يقول ( نفسي .. نفسي ) و ليغرق المركب بما حمل طالما كانوا على الضفة الآمنة يتفرجون ، و كنا قد حذرنا قبل أسابيع من تواتر التصريحات التي تترى من حين لآخر هنا و هناك و المتعلقة برفع الدعم عن المحروقات و الدواء من كونها تتوافق و أسلوب الإنقاذ المعهود في دس السم بالدسم و ( الزج ) بطعناتها في خاصرة المواطن في زمان غفلةٍ و هرجٍ و مرجٍ يلهيه عن تحُسس جراحه ، و قد كان ما توقعناه ، و على دهاقنة النظام من الإقتصاديين الذي أكثروا من إستعمال جملة ( حماية الشرائح الضعيفة ) أن يعدِّلوا المصطلح في تمرير ( الحِزم القادمة ) إلى ( حماية الشرائح الأكثر جوعاً ) ، و من غرائب الأمور و إكسسواراتها الجانبية الموجعة أن يتمثل قول الأديب الراحل الطيب صالح ( من أين أتى هؤلاء ) حينما يؤكدون بتصريحاتهم وردود أفعالهم المتواترة أنهم فعلاً ( خرجوا ) بلاعودة من دائرة الأخلاقيات و القيِّم و المثل السودانية التي يوجد في أعلى قمتها مبدأ التراحم و التعاضد و التعاطف خصوصاً أوان الملمات و الجوع المرض ، و من أمثال ذلك آخر تصريح أدلى به وزير ماليتنا المتلَّبِب عباءة الفشل و الذي كان محتواه ( أقول للمتذمرين من الإجراءات الإقتصادية الأخيرة أن ينظروا إلى من حولهم في الدول الأخرى .. كل واحد شايِّل بُقجتو و حايم ) .. أيها المواطن السوداني المغلوب على أمره إنهم يستكثرون عليك حتى الإستقرار في واقع مرير و يهددونك بالتشرد في بلاد الله إن لم تنصاع و تعلن الرضوخ ، لذا عليك أن ترضى قبل أن يعتبروا سكناك ( دعماً ) حكومياً إنقاذياً قابلٌ ذات مسغبة للرفع ، هناك طرق كانت أجدى و أنجع وأوفي لحل الإشكال الإقتصادي لكنها موجعة لمن تعوَّدوا التمرُغ جوراً في مستحقات الجماهير ، من أهمها خفض الإنفاق الحكومي عبر دمج الوزارات و المؤسسات وإلغاء المناصب الإسترضائية ( الوهمية ) عبر تنازلات ( حقيقية ) تقضي على النزاعات القائمة و التي تستنزف جُل مال الخزينة العامة بإسم الأمن القومي و هو في الحقيقة أمن يستهدف إستقرار النظام و لكن هيهات .. فقد قُرع ناقوس الجوع و العدم و الفاقة فإستعدوا.