|
شئ... عبر لا شئ
|
لاشك ان الشاعر العربي الكبير الدكتور حسن طلب غني عن التعريف في موطنه الأول مصر، ولكنه ايضاً شاعر معروف في الوطن العربي برغم الأبواب المغلقة امام تدفق الشعر وانسياب الكتاب أياً كان بين الاقطار العربية.. وقد كان أول ديوان أصدره الشاعر هو في عام 1972م بعنوان «وشم على نهدي فتاة» والديوان الثاني «سيرة البنفسج» عام 1986م وديوان «ازل النار في ابد النور» عام 1988م وديوان «زمان الزبرجد» عام 1989م و«آية جيم» عام 1992م و«لا نيل إلاّ النيل» عام 1993م.. واصدر في العام الفائت ديوانه «رسائل الى أم علي». أرجو أن أنشر هنا بعض من قصائد الشاعر حسن طلب ...
شئ عبر لاشئ... إلى العارفين بالشيء.. الصديقين: عبدالغفار مكاوي وسعيد توفيق «يبزغ الشيء، في الحلم، أو في الحقيقة، بعد غياب طويل» أحمد عبدالمعطي حجازي: قصيدة (الشيء) من ديوان (اشجار الإسمنت)
... كلُّ شيءٍ يا صديقي فهو شيءٌ فاقتربْ شيئاً لتكشِفَ - إن أردْتَ - علاقة النَّسبِ الحميمةَ بين جنسِ الإنسِ.. والأشياءِ حتى لا تظلَّ تقولُ لي: يا سيِّدي: لا شيءَ يبدُو لي هُنا يا سيِّدي: لا شيءَ يحدثُ ها هنا!
- أنا لمْ أقلْ إلاّ لأني قد رأيْتُ.. ولا أزالُ هنا أرَى: أشياءَ تنقُصُ.. أو على العَقِبيْنِ تنكُصُ.. نَحنُ في زمنٍ يَسيرُ القهْقَرَي! لا شيءَ يحدثُ.. كلُّ شيءٍ يحدثُ.. الأحداثُ تَتْرَى: وردةٌ فاحتْ عفونَتُها! أُناسٌ هاجَرَتْ عنها مدينتُها! نعم.. لا شيءَ يحدثُ
بلْ ولائمُ يرتَعُ الذِّبَّانُ- وهو يحكُ طَرْفَ ذراعِهِ بذراعِهِ- فِيها! وأَعْراسٌ.. ينوحُ المُعْرِسانِ.. ويَنْدُبُ الجُمهورُ فيها!
ها هنا لا شيءَ يحدثُ أو سيحدثُ! بل مآتمُ يرقصُ الحُكّامُ فيها! يضحكُون إذا بكيْنَا.. يَعْبثونَ بكلِّ شيءٍ!
ليسَ من شيءٍ هنا لا.. ليسَ من معْنَى فهذِى رَوْضةُ الحُرِّيةِ.. الأُنُف البهيَّةُ لستُ أدرِي ما عَراها! اصبحت صحراء مجدية وصارَ الناسُ مثلَ جماعةِ النَّملِ التي خرِبَتْ قُراها فاتَّقاهَا النملُ.. إلا نملةً ثكْلَى.. أرَاها وحدَها تبكي الدَّمن! لو أنَّها نطقَتْ.. لقالتْ:
ها هُنا.. لا شعْبَ لا قانُونَ.. لا أفرادَ تنمو.. لا حُكومةَ.. لا وَطنْ!
- لِمَ لا يكونُ العيبُ فِينا؟! إنما تستسلِمُ الأشياءُ كالقططِ الوديعةِ.. بين أيدِينا فنمسخُ ظَهرَها! وتموءُ غافيةً.. فنُدْمِنُ لمسَ فَرْوتِها البديعةِ.. «ما ألذَّ مُواءَها الغافِي.. وأنعَمَ شَعْرَها!»
سَنُسَرُّ من سَكَتاتِها وهدوئها الصَّافِي ومن حَركاتِها الذَّلُلِ المُطيعةِ.. ثم ننْسىَ غدرَها! إذ أنَّ للأشياءِ ثوراتٍ نُسمِّى جمْرَها: غضبَ الطبيعةِ.. حين تَدْهَمُنا ببُركانٍ.. بزوبعةٍ.. بزلزالٍ.. فَنخشَى شَرَّها ونفرُّ من جبروتِ شيءٍ ما إلى جَبروتِ شيءٍ!
كم نَسِينا - اليوم - أنَّ لدولةِ الأشياءِ قانوناً
يَعُمُّ على الوجودِ.. بكلِّ شيءٍ فيهِ.. ليس يشِذُّ شيءٌ! لا.. ولا يطغَى به شيءٌ على شيءٍ فللأشياءِ مَنْطِقُها الذي: يسمُو على العلّمِ الغزير.. لها حكومتُها التي لا فضلَ فيها: للجِبالِ على الحصَى للصَّولجانِ على العصَا أو للمُحيطِ على الغديرِ.. وليس من فرقٍ تَراهُ العيْنُ في قاموسِها: بين المُحقَّرِ والنَّفيسِِ يا ليتَنا كنَّا أَفَدْنا من لطائفِ حكمةِ الأشياءِ شيئاً يا صديقْ! - لم يبقَ من شيءٍ لديَّ أقولُهُ! شيئاً فشيئاً صارتِ الأشياءُ تهرُبُ من أمامِي لم يَعدْ إلا حُطامِي! آهِ.. لو شيءٌ لِتنفَتِحَ العيونُ على عَماها ! او لِتنطِبقَ الحروفُ على مُسماها!
ولو شيءٌ.. ليحدُثَ أيُّ شيءْ شيءٌ لينبُغَ بعضَ شيءْ! شىء يثأرناقم شيء ليشْتعلَ الحُطامُ.. ويسْتضيءَ مُقاوِمٌ شيءٌ عنيفٌ.. صادِمٌ! شيءٌ لأفنَى.. أو لا بقَى.. أو لِيَحْيا أيُّ شيءْ! شيءٌ يؤجِّلُ هجْمةَ الموتِ الزؤامْ شىء ليصدح باغم! شيءٌ ضَروريٌِ أكِيدٌ.. لازِمٌ شيءٌ لينقَشعَ الظلامْ شيء لِينهمِرَ الغَمامْ شيءٌ ليقتَصَّ الوراءُ من الأمامْ شيءٌ لِيبْتدِئَ انبثاقُ الشَّكلِ من هذا الهُلامْ شيءٌ لإَِدْخُلَ من تمامِ النَّقْصِ في نقصِ التمامْ! شيء يفوقُ الشيءَ! شيءٌ ليسَ كالأشياءِ شيءٌ.. والسلام! - ماذا دهاكَ! ترى:
بماذا كنتَ تهذي يا صديق؟!
- بأيِّ شيءٍ! - فِيمَ أجريْنا الحِوارَ إذنْ.. عَلامَ؟ ومِمَّ خِفتَ الآنَ ثُمَّ صدفْتَ عنْهُ؟ وعَمَّ تبحثُ؟ - ليسَ عن شيءٍ! - لم اسْتسلَمْتَ - قبلَ مُبرِّراتِ اليأسِ- لليأسِ المُفاجِئِ.. هكذَا؟! - من أجلِ لاشيءٍ! - فكيفَ نُتِمُّ ما بدأَ الحديثُ بطرْحِهِ؟! بمَ سوفَ نختَتِمُ النّقاشَ؟! - بأيِّ شيءٍ.. أو بلا شيءٍ! فَدعْني ها هُنا وحدِي غداً سأموتُ.. سوفَ يَضُمُنِي لَحْدِي وفي نفْسِي من الأشياءِ شيءْ! أيُّها الشَّاعِرونْ: أصْبحَ الشيءُ بَيْنكمُ الآنَ.. فانصرِفُوا مالذي سوفَ تَنتظِرونْ! ها هُوَ الشيءُ فاءَ إِليكمْ ولَوْلاهُ: في كلِّ وادٍ ضربتُمْ.. فَتُهتمْ وكنتُمْ كمِهتُمْ فَلا تسمعُونَ ولا تُبصِرونْ! كم سعيْتمْ إليهِ.. فأعَجَزَكمْ! فَجعلتُمْ بهِ تَسخرونْ! ثم أنكَرْتُموهُ..
مَكرْتُمْ- وقد مكرَ الشيءُ - مكْراً ألا.. ساءَ ما تمكُرُونْ! ها هو الشيءُ يشرِقُ - في ليْلِكمْ - فوقكمْ فاسْتضِيئوا بهّ واذْهبُوا شاكرينْ!
|
|
|
|
|
|
|
|
|