|
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء (Re: نهال كرار)
|
تحديث النظام العنصري:
الصالة أو البهو العملاق، ممكننة وفي قمة الرفاه التكنولوجي، والسيور حاملة التوجيهات وخرائط المبنى من نوع تلك اللوحات الضوئية الكبيرة في المطارات تلف مضيئةً ومقدّمةً المعلومات للزوّار. تواجهك في المقدمة سلسلة أخرى من الصالات المتصلة ببعضها بعضاً، مدرّعة أو مجنزرة من هالك نظام الأبارتيد، كانت تستخدم في قمع المظاهرات ودهسها، وللخلف منها قليلاً تُوجد غرفة سلاح ضخمة، مخصّصة لجميع المسدّسات وأنواع البنادق التي كانت تستخدمها الشرطة الكولونيالية، ثم تقودك الدهاليز نفسها وأجهزة الفيديو والشاشات الضخمة تقدّم مادةً صورية وتفسيرية وحتى شخصيات من التي ذكرناها وغيرها تتكلم عن ذلك النظام الجهنمي. الصالة التي بعدها مُخَصَّصَة لشخصيات سوداء وبيضاء لتاريخها صلة بالعمل ضد النظام الكولونيالي، وأشهر شخصية هنا هو هاندريك فيروورد رئيس وزراء جنوب افريقيا عام ،1957 والذي حاول مجرّد عمل تحديث للأبارتيد، لما أدركه بوعيه من كون هذا النظام لن يصمد في وجه العالم الجديد وحركات التحرر التي كانت تذرع الدنيا عرضاً وطولاً، ونظراً لأنّ الدنيا جاءت من عهد العصور الوسطى دون شك. وهاندريك ليس بالرجل الجاهل، فهو بروفيسور في علم النفس الاجتماعي، ومجال تخصّصه “النوع - العنصر، أو الريس”. كما أنَّه كان يفهم بالقطع طبيعة أولئك الهمج العنصريين الذين كانوا يسيطرون على جنوب افريقيا، لذا مع أول محاولة منه قلنا لمجرّد عمل “ديكوريشن” لفجاجة نظام الأبارتيد، كان الرد عليه هو محاولة اغتياله بعد عودته من زيارة إلى شارفيل وأنت تشاهد على شاشات العرض العملاقة أحاديثه وخطبه، وحتى موته وسقوطه صريعاً أمام الناس كالرئيس السادات، إذ إنّ المحاولة الثانية لاغتياله لم تخب، فالرجل الذي قام بها هو ديمتري أحد أعضاء برلمان جنوب افريقيا في العام 1966 والذي قام بتصفيته بمسدس أثناء إحدى جلسات البرلمان.
ستيف بيكو في هوليوود: وصالة تلو صالة يتابع المعرض آليات وسبل فرض نظام الأبارتيد، حتى يصل إلى مراحل النضال وتكوين حزب المؤتمر، خلاياه وعمله السري، والطلابي، وحتى مرحلة المواجهات اليومية والفارطة، حتى الذروة، وفشل كل وسائل القمع والإبادة والتعذيب في إيقاف الأمور والثورة، وإلى أن تصل شعارات شهداء افريقيا وحزب المؤتمر، الذين يتربّع على قمتهم بالطبع ستيف بيكو، المعروف جيداً في العالم كله، ومن اغتيل في سجون العنصريين، ومن قامت السينما الأمريكية بتقديمه عبر فيلم ضخم وشهير، لعب دور ستيف فيه الممثل الأميركي دينزل واشنطون الحائز لجائزة الأوسكار. وكذلك الشهيد الطفل والتلميذ هيكتور بيترسون وآشلي كريل وفيوزيلي ميني وليليان نجوي، كما يُوجد أرشيف بكل المفاوضات التي جرت حتى الوصول إلى الاتفاقية الخاتمة التي أنهت نظام الأبارتيد إلى الأبد، والتي جرت بين ديكلرك ومانديلا، وتربّع إثرها نيلسون رئيساً لوزراء جنوب افريقيا غير العنصرية. وبهذه الخاتمة للمتحف، تجد نفسك في نهاية الجهة الأخرى للمبنى العملاق، حيث توجد كما في كل متاحف جنوب افريقيا دكاكين صغيرة لبيع الهدايا الفنية والمشغولات من مادة المتحف، ثم مكتبة لمن شاء أن يشتري كتباً معيّنة حول المواد الثقافية المطروحة في المتحف.
حتى الزنازين عنصرية:
الزنازين فيه كانت بعرض 3 أمتار في طول 3 أمتار بالنسبة للمعتقلين البيض، وبعرض 2 ونصف متر في طول متر بالنسبة للسود. الخلية التي كان يُعتقل فيها مانديلا معروفة باسم الخلية رقم ،4 وهو كان معتقلاً في قسم البيض وليس مع السود لحجبه عن الاتصال بشعبه وللمزيد من إهانته، حيث أمضى زمناً طويلاً قبل أن يتم ترحيله إلى جزيرة روبن بمدينة الكاب، وكذلك المهاتما غاندي الذي جاء به الاستعماريون الإنجليز إلى هذه التلَّة كي يتم لهم حذفه من الوجود والعالم، والمهاتما كان موضوعاً مع السود لأجل منعه من الاتصال بالمناضلين الآخرين من البيض، ولجعل اللغة حاجزاً بينه وبين من يساكنهم من الزنوج. والحمّامات مفتوحة وفي صف طويل، بحيث لا يحجبك شيءٌ عَمَّن يجاورك، كما أن هناك قائمة بطريقة التغذية التي كانت متبعة هناك، وتقريباً الأسود لا يأكل شيئاً، ولا تدري كيف كان يعيش، من دون خبز وسكريات على الإطلاق. وحالياً أضافوا إلى المكان متجراً يمكنك أن تشتري منه بعض الكتب والكتابات والشعارات المرسومة على الملابس، أي تمّت عولمة النضال وتسويقه كمنتج استهلاكي. أما قسم السجينات السوداوات فيبدو أكثر فاجعة من قسم البيضاوات المجاور له، وهنا تطالعك الأسماء الشهيرة والمعروفة لمناضلات بوزن “نولندي” و”سيبنجولي” و”ياني” و”ليليان” و”ألبرتينا”. وفي الفناء الثالث، هناك قسم أرشيفي خاص بالمقتنيات، وأيضاً تطالعك صورة الزعيم غاندي، وأشياء أخرى أو حتى مشغولات فنية ومجسمات قمن بإنجازها أثناء فترات العقوبة. معرض هيكتور بيترسون: أخبروني أنه يقوم في حي سويتو البعيد قليلاً، ورافقني إليه سائق التاكسي بيتر، قلت له في الطريق: ماذا الآن يا رجل؟ ها أنتم بخير ومعكم وطن حر وديمقراطي. فأجاب: ولكن معنا أحزاناً لن تزول قريباً، وأشار إلى المناجم التي تُحيط بجوهانسبرج، والتي أغلقوها بعد نمو حركة العمران فيها، وبعد ترهُّل المدينة بشكل عام، فالسود الذين كانوا منفيين خارج المدينة رحلوا إلى داخلها من جديد مع تغيرات الأوضاع، وسقوط نظام الأبارتيد. قلت له: ماذا؟ قال لي: إن هذه المناجم لم تُدفن هكذا بحركة سلمية تدعم نمو هذه المدينة وحركة العمران فيها وحسب، أبداً، الأمر ليس بكل هذه الكمية من الطيبة، مدافن الذهب القديمة هذه هي باختصار تُمَثِّل الآن مقابر عشرات الآلاف من أبناء افريقيا. هؤلاء ليسوا بغباء الصرب وبيض أمريكا ليخلفوا مدافن جماعية، لتكتشف في مقبل الأيام كما قُدِّر لمذابح التاريخ الجماعية كلها أن تُكتشف وتدان. الأمر هنا مختلف يا مستر خالد، لقد جاءوا بالمناضلين هنا وصبوهم مع مواد التعدين الكيميائية والمُذيبة في باطن الأرض، كي لا يُكتشفوا مطلقاً وإلى الأبد. وبيتر رجل ذكي، التفت وسألني: هل تزور قبور أقربائك الراحلين؟ نعم يا بيتر، أمي تحديداً أزورها وأجلس معها أكثر مما كنت أفعل وهي في الحياة، أما أبي فمدفون في مكان بعيد، ومع ذلك ربما زرتُه خمس أو ست مرات. تركته لألتقط صوراً للمناجم التي أُغلقت جميعاً، واستحالت إلى منشآت ومبانٍ مدنية وأحياء، إذ لا يُمكن أن تتم حركة تعدين بجوار المدينة. وحي سويتو وحده يبدو كمدينة كاملة، وهذا شيء يُمَيِّز مدن جنوب افريقيا كلها، الضخامة والاتساع، خصوصاً مدن المقدمة الأربع، جوهانسبرج والكاب تاون وبريتوريا، وديربن. بعد فراغي من التصوير بداخل متحف هكتور بيترسون، خرجت لشارع الأنتيكات والتحف الفنية، هنا المكان ذكّرني كثيراً بجنوب السودان، الفيلة والزراف والحيوانات، والأقنعة الإفريقية المتعلّقة بالطقوس والتي هي أم الأقنعة في الدنيا، الراقصون، الخرز والسكسك، بهاء الفنون كله، المصاغ من الأبنوس والمهوقني، وأشجار أخرى لا علم لي بها.
يوم في “سجن”
تلّة الدستور، التي كانت سجناً كئيباً دخله أشهر المناضلين ضد الثقافة الاستعمارية في التاريخ الحديث، وهما مانديلا وغاندي. هذه التلَّة تقع على الشارع الذي يحمل اسم جون كويتزي الكاتب الجنوب إفريقي الحائز لجائزة نوبل، ولم أكن أعرف أنها مجاورة لفندق بروتيا، بل على بُعد خُطوات، ذهبت إلى أحد سائقي التاكسي، وقلت له: اذهب بي إلى التلَّة، ولم يوضّح لي أبداً أنها إلى يمين مدخل فندقي مباشرة، بل أعطاني إحساس من سيذهب بي إلى مكان بعيد بدايةً وفي غاية الأهمية النائية عن هنا، لفَّ من شارع تلو شارع، وجاء بي من ناحية لا يمكن لغريب أن يكتشف أنها مجاورة لمكان إقامته، تناقشنا حول هيكتور بيترسون، الذي تشابه قصته قصة الشهيد القرشي عندنا كسودانيين كثيراً، أول طالب يُرمى بالرصاص شهيداً عند اندلاع الثورة، ضد التعليم باللغة الإنجليزية، كانت المطالبة بأن يتم تعليم الأفارقة بلغاتهم، قال لي السائق: إن متحف هكتور بيترسون بعيد جداً، يبعد نحو ثلاثين كيلومترا من هنا، ليعطيني رقم تلفونه بعدها وينصرف بعد أن يُشير إلى بوابة المكان، أي تلَّة الدستور، فأجدها منيعة تعبر عن روح المعمار هنا، بل ولا يمكن لأحد اكتشافها كما أراني الدليل كيفية نمو الأماكن المجاورة لهذا المكان، فقد كان بالأساس مكاناً سرياً وقلعة حصينة من دون شك، كما أوضح لي الدليل. جعلوني أدفع 15 رانداً من دون أن يجاوبوا عن سؤال من هو كويتزي المسمَّى الشارع باسمه، ليدخلوني بعد ذلك إلى قاعة جميلة تُعرض فيها بعض الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن تاريخ القلعة حين كانت سجناً، والمعاناة التي كانت توّفرها للمناضلين والمقاتلين ضد نظام الأبارتيد، وأسماء المناضلين والمناضلات من السود والبيض وغيرهم، الذين كانوا مسجونين هنا.
جريدة الخليج
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-10-06, 06:39 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-10-06, 06:40 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | Tragie Mustafa | 02-10-06, 07:35 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | عاطف عبدالله | 02-10-06, 12:26 PM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | عبد الحميد البرنس | 02-10-06, 01:43 PM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محمدين محمد اسحق | 02-10-06, 03:18 PM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | القلب النابض | 02-10-06, 09:33 PM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | عمر الفاروق | 02-11-06, 00:50 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محسن خالد | 02-11-06, 03:06 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | bayan | 02-11-06, 04:06 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محسن خالد | 02-11-06, 07:02 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محسن خالد | 02-11-06, 07:11 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | alin | 02-18-06, 06:52 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | ahmed haneen | 02-11-06, 08:15 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محسن خالد | 02-11-06, 08:31 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-11-06, 01:07 PM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | عبد الحميد البرنس | 02-11-06, 01:44 PM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | عبد الحميد البرنس | 02-11-06, 01:51 PM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محسن خالد | 02-12-06, 06:46 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-12-06, 07:26 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-12-06, 07:37 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نادية عثمان | 02-12-06, 07:39 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-12-06, 08:04 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نادية عثمان | 02-12-06, 09:04 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محسن خالد | 02-12-06, 08:24 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | عبد الله عقيد | 02-12-06, 07:58 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | عبد الحميد البرنس | 02-12-06, 01:09 PM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | طارق جبريل | 02-12-06, 03:45 PM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-14-06, 03:38 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-14-06, 03:41 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-14-06, 03:45 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-14-06, 03:58 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | انور الطيب | 02-14-06, 09:28 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | انور الطيب | 02-14-06, 09:29 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-17-06, 10:48 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-17-06, 10:51 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-17-06, 11:18 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-17-06, 11:23 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-17-06, 11:25 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محسن خالد | 02-18-06, 09:15 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | انور الطيب | 02-18-06, 10:04 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محسن خالد | 02-19-06, 09:31 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محسن خالد | 02-19-06, 09:53 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | نهال كرار | 02-24-06, 10:25 AM |
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء | محسن خالد | 02-27-06, 09:46 AM |
|
|
|