|
Re: جثامين في حشايا الأسرة ... { رزنامة الأسبوع } كمال الجزولي (Re: أبو ساندرا)
|
Quote: الخميس:
كشفت محاكمة المعلمة البريطانيَّة جيليان غيبونز عن قصور كبير في تشريعنا الجنائي بشأن جريمة (إهانة العقائد الدينيَّة). فالمعلوم، من زاوية العلوم الجنائيَّة، أن كلَّ (جريمة) لا بُدَّ لوقوعها، بهذه الصفة، من توفر واقتران ركنين اثنين، بحيث إذا انعدم أحدهما صارت (الجريمة) نفسها منعدمة بتاتاً، فيتعيَّن تناول الحدث من زاوية مختلفة تماماً عن (القانون)، كالأخلاق مثلاً. ذانك الركنان هما (الركن المادي) و(الركن المعنوي). الأوَّل هو (الفعل) نفسه، أما الآخر فهو (نيَّة) الفاعل، أي حالته الذهنيَّة ساعة ارتكابه (الفعل)، والتي ينبغي إثبات أنها قد انصرفت، بالكليَّة، إلى ترتيب (أثره) الراجح، لا غير. لكن المشرِّع اكتفى، في شأن المادة/125 من القانون الجنائي لسنة 1991م، بوصف (الفعل) الذي يشكل (الركن المادي) من جريمة (إهانة العقائد الدينيَّة)، وتحديد عقوبتها، دون أن يشير، من قريب أو بعيد، إلى وجوب توفر (الركن المعنوي) الذي هو (نيَّة) الفاعل من وراء (فعله).
هذه (الفجوة) الخطيرة، والناجمة عن نهج التشريع الخاطئ في الغرف المغلقة، بمعزل عن رقابة ومشاركة الرأي العام، وبالأخص الرأي العام المهني، تفتح الأبواب على مصاريعها أمام احتمالات الأخطاء الجسيمة في التطبيقات القضائيَّة. وإنها لكذلك، ليس من زاوية التشريع الوضعي فحسب، وإنما أيضاً من زاوية الشريعة الاسلاميَّة، حيث القاعدة الراسخة هي: "إنَّما الاعمال بالنيَّات وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى" (رواه البخاري). و(النيَّة) حالة عقليَّة باطنيَّة عصيَّة، بطبيعتها، على الانكشاف للآخرين إلا ببذل أقصى الجهد في (التبيُّن) الذي يعني (التثبُّت) و(التحقق). فإذا لم تستبن، بعد كلِّ هذه التدابير، أو قام الشكُّ في أمر وجودها، ولم يتبقَّ سوى محض الظنِّ، انعدمت كلُّ مبرِّرات أخذ المتهم بجريرة (الفعل) المجرَّم. تلك قاعدة ملزمة وواجبة الاتباع في كلِّ الظروف. وليس أدلُّ على ذلك من قوله تعالى: "إن يتبعون إلا الظنَّ وإنَّ الظنَّ لا يغني من الحقِّ شيئاً" (28 ؛ النجم). ومن ثمَّ جاء التوجيه القرآني: "يا أيُّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ (فتبيَّنوا) أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" (6 ؛ الحجرات). وفي الحديث الشريف: "ألا إنَّ (التبيُّن) من الله ، وإنَّ العجلة من الشيطان، فتبيَّنوا". ولا تصلح خشية القاضي من افلات بعض المجرمين من العقاب مبرِّراً للتحلل من الالتزام الصارم بهذا التوجيه. فلئن كانت القاعدة الذهبيَّة في التشريع (الوضعي) هي: "لئن يفلت مائة مجرم من العقاب خير من أن يدان برئ واحد"، فإن القاعدة (الشرعيَّة) التي صاغها الخليفة الرابع بإحكام هي: "لئن يخطئ الامام في العفو خير من أن يخطئ في العقاب" (نهج البلاغة).
موافقات الفطرة السليمة للوحي الالهي بشأن قواعد العدالة لا حصر لها. وما تقدَّم محض نموذج فحسب لما يمكن أن يؤول إليه حال التشريع حين لا يستهدي، لا بالوحي ولا بالفطرة، ثمَّ ينسب هذا أجمعه إلى (الشريعة الاسلاميَّة)!
الفقر سئ، والمرض سئ، والجهل سئ، والفساد سئ، والحرب سيِّئة جداً، لكن، ولأن (العدل) يبقى، في كلِّ الاحوال، (أساس الملك)، فإن أحوج ما نحتاجه، في جدول أولويَّاتنا الكثيرة، وبأعجل ما يمكن، ولو في ساعتنا الخامسة والعشرين هذه، هو الإصلاح القانوني والقضائي الشامل! هذا أو .. الطوفان!
|
العلاقة بين الخميس والجمعة في الرزنامة أعلاه هي إرتباط الموضوعين بحقيقة واحدة هي { ظلم الإنقاذ }
|
|
|
|
|
|
|
|
|