اطلعت علي تسجيلات الكراهية العرقية البغيضة المضادة التي كلا منها ينفي الآخر تماما في وطن واحد المنتشرة بصورة واسعة علي الميديا ولكن لم أتفاجأ بها .لأنها كانت نتيجة حتمية لثقافة وادبيات مرتبطة بنظام الإنقاذ طيلة سنوات استيلائه علي السلطة .
في 28 عاما من حكم الانقاذ الفاسد رسخ عمليا قيم وأجندة الحروب والعنف والكراهية والبغضاء وعدم الاعتراف بالآخر المختلف اللون او العرق او الدين والذي اصبح سمة أساسية من خطابها السياسي المسموع والمقروء ( لا يحتاج الي اثبات ) ..بالإضافة الي قمع الثقافات السودانية التي لا تتفق مع توجهها ومحاوله محو لغاتها المحلية وتزييف التاريخ وتدليس المناهج وادخال الثقافة العربية الاسلامية كمادة اساسية في الجامعة والمراحل الأخرى واستخدم الاعلام الاحادي المرئي منه والمسموع في التغبيش واستبدال قيم التسامح والتعايش السلمي ( برنامج ساحات الفداء ) وعمل علي تغذية صراعات القبائل السودانية المتعايشة قبل الانقاذ ب1000 عام . واستخدامها كغطاء لتصفية حسابه مع اثنيات تحافظ علي هويتها وثقافتها لا تتفق مع مصالح النظام . وبناء مليشيات علي اسس قبلية وشرعنتها والاعتراف بها ( الجنجويد- الدفاع الشعبي وغيرها ) واعادة تفريغ البنية التحتية للسكان والأرض من الناحية الجيوفيزيائية بإفراغها من سكانها الأصليين وإعادة استنساخ وإنتاج مواطن سوداني محبط ومشوه فكرا وعقلا واخلاقا . .هذا كله ما يريده نظام الانقاذ من خطاب يتسق مع استراتيجيته وتوجهه بمشروعه الحضاري المختل عقليا التي خطاها منذ انقلاب 89 فعمل علي تقسيم المواطنين السودانيين الي (عرب وزرقه) ومواطن درجة اولي ورابعة (وعبيد وخدم ) (واولاد ناس وقبائل ) وبالطبع الذي اوجد العنف والعنف المضاد ولسنا هنا للرد علي ما جاء في حديث الكراهية والجهل المضاد الذي اوقع البعض في هذه المصيدة وارجعنا الي عصور سحيقة ظلامية ، بقدر ما مهتم بمناقشة العنصرية والاثنية بتفكير بصوت عالي ومبسط
العنصرية داء عضال مرتبط بأوهام التفوق العقلي والجسدي وهو مستفحل في المجتمعات منذ القدم منذ ميلاد البشرية عالجته الأديان القديمة مجتمعة كلها ببساطة مرتبط بالأخلاق والعقل لأن هدف وجوهر الأديان كلها تبحث عن العدالة والمساواة واحترام الانسان كانسان ورفاهيته بغض النظر عن لونه او معتقده او لغته او عرقه .وعالجته الدول بالتفكير والعقل وبقي جزء من التاريخ القديم لأجيالها وصدق هيجل عندما قال ( الإنسان ينتج نفسه عبر الفكر ).
لان هذا المرض مرتبط بأوهام وتصورات خاطئة للتمييز والسيطرة مرتبط بالعقل و ثقافة متوارثة مسكوت عنها احيانا واحري الجهر بها سرا او جهرا حسب المصلحة منها وفي السودان رسختها ودعمتها ذاكرة وامثال شعبية سودانية بغيضة متوارثة جيل بعد جيل مثل ( سجم الحلة الدليلها عبد ) وغيرها من الثقافة العربية والتي اخذت منها الجانب العنصري التي جلبها المستعرب في السودان لتعضيد أوهام النقاء العرقي المزيف والاستعلاء وعلي السيطرة مثل ( لا تشتري العبد الا والعصا معه ان العبيد انجاس ما كنيد ) * وغيرها من المفردات الكارثية البغيضة ( ديل خدم ) ( ديل عبيد ) وحديثا ( ديل غرابة )0( ديل حلب / وفلاتة )....الخ . ودكتور فرنسيس دينق لها مقوله مشهور في هذا الإطار معناها ( الكلام الذي يقال لا يفرقنا الذي يفرقنا الكلام الذي لا يقال ) , ولان العنصرية والكراهية مرض عضال لا تمحوه القوانين والاتفاقيات السياسية وفي ج افريقيا عام 2011 كتب الصحفي (الأسود)، ليراتو، مقالاً موجهاً لمواطنيه البيض جاء فيه «تزعجنا ابتسامتك كثيراً، عندما تنظر إلى شخص أسود. تجعلنا ابتسامتكم تشعر بأنك تخشى على محفظتك من السرقة. لا تبتسم فحسب، لأن ابتسامتك ليست دافئة.. إنها مزيفة».
ظل السودانيون يتململون تؤرقهم هذه العنصرية منذ قبل نشوء الاستعمار التركي وإنشاء دولته في السودان 1821م لا انتصرت لهم دولة الاستقلال ولا أنصفتهم الحكومات الوطنية المتعاقبة بترسيخ قيم المواطنة الحقة والعدالة والمساواة بل زاد الحال سواءا باعتلاء الإسلام السياسي بانقلابه علي السلطة الديمقراطية في 89 وعمل علي تغذية ودعم هذه التصورات الوهمية بخطابه السياسي وفي مؤسساته الرسمية ( قانون الجنسية /والرقم الوطني وغيرها ) السؤال عن (القبيلة ) وعمل علي ترسيخ أوهام وخزعبلات ( مثلث حمدي العنصري ) وغيرها من أساليب الكراهية في الوطن الذي دفع ملايين من السودانيين الفرار الي الانفصال حفاظا علي كرامتهم وانسانيتهم من الاضطهاد والتعالي الاثني والديني والثقافي بالرغم انهم مواطنين اصليين مرتبطين بهذه الأرض التي تسمي السودان بشكل حاسم . متصالحين مع مقولة فرانز فانون ( الجوع مع الكرامة أفضل من الخبز الذي يؤكل مع العبودية ) **
حتي الأفكار التي اجتهدت فيها بعض المدارس الفكرية السودانية وقعت في المأزق القديم واختارت قوالب جامدة جاهزة اختارت ( الضد )والتقسيم الي جلابة عرب وأفارقة سودانيين و غابة وصحراء وهامش ومركز ولم تجيب علي السؤال الجوهري كيفية حل مأزق الهوية السودانية .؟ وما الذي يوحدنا ؟ الدين ام اللفة ام الثقافة ام الوطن الواحد ؟؟؟؟ وما الذي يؤدي الي الانقسام ؟؟؟ وظل مأزق الهوية قائما !!! لأننا لم نستطيع ان نحول هذا التنوع الي نعمة بدلا من نقمة وذعر يطاردننا .
هذا المرض المزمن العنصري في السودان لا يستفيد منه سوى النظام والسلطة الحاكمة حيث تستخدمه في تمزيق المجتمع ليسهل قبضتها علي السلطة والثروة وتستخدمه في القمع و البطش بالمعارضين والفرار من تطبيق حقوق الإنسان بحجة انه من الاخر .
أيا كان منبع العنصرية دولة او قوانين او مجتمع فأنها تؤدي الى العنف بجميع اشكاله والكراهية والتخلف فتظهر الحروب والمطالبة بحق الانفصال و تقرير المصير للشعوب داخل الدولة الواحدة وتعميق الانقسامات في المجتمع و تتوارثها الأجيال وتؤدي إلى تلاشى الوطن .
من المهم الآن النظر إلى وجوهنا الحقيقية في مرآتنا الداخلية وترك المساحيق الزائفة والاعتراف بأننا سودانيين اولا واخيرا مستصحبين معنا التنوع التاريخي والمعاصر والسير به علي خطي متساوية وثابتة وترك الاستعلاء بجميع أشكاله المعاصرة من فرض ثقافة وحيدة في الوطن ونبذ العنف الثقافي واللفظي وعدم تقسيم المجتمع وخلق عدالة مستدامة في جميع المجالات والاعتراف بالثقافات واللغات الموجودة وتنميتها هي الكفيلة بخلق وطن واحد متعافي خلاق يحترم الجميع .
مالم يتم مواجهة اصل المشكلة ومعالجتها بعمق وبنفس طويل وذلك في المناهج الدراسية والإعلام والقوانين بترسيخ مفاهيم المواطنة الحقيقية والعدالة والمساواة والاعتراف بالتنوع الثقافي والاثني والديني في وطن واحد والاستفادة منه لخلق واقع ووطن للجميع .سنظل ندور في حلقة مفرغة نتائجها النهائية ما يدور من عنصرية وكراهية بغيضة لا تستثني أحد .
# مراجع : • أهوال الحرب وقصة وطموحات السلام ..قصة بلدين . د. منصور خالد • معذبو الارض . فرانز فانون
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة