|
عن الطب والأطباء.. لا يحدث إلا في السودان..! بقلم يوسف الجلال
|
اتذكر جيداً، أنه بينما كان العالم كله، يحتفي باليوم العالمي للقلب، الذي يُصادف التاسع والعشرين من سبتمبر في كل عام، كان السودان – ممثلاً في وزارة الصحة - يُفاخر بأنه سيكون جزءاً فاعلاً في تلك الاحتفائية. بل إن الخرطوم الرسمية جزمت – يومها - أنها تملك محصلة تراكمية وافرة في هذا المضمار.
لكن حينما أشرقت شمس التاسع والعشرين من سبتمبر لعام 2013م، لم تكن الخرطوم عند الموعد، ولم تكن على قدر الوعد الذي قطعته على نفسها، فقد انزاحت ورقة التوت، وانكشف جسد الوعود الجوفاء، وأضحت عارية تماماً، بعدما فشل البرنامج المُعد للاحتفائية. بل أسوأ من ذلك، فقد تعطل جهاز القسطرة في مستشفى الشعب التعليمي، الذي يعد احد المشافي المرجعية في امراض القلب، وتوقفت العمليات الصغيرة والكبيرة تماماً، في اليوم العالمي للقلب، الشيء الذي لم – ولن - يحدث إلا في السودان.. فتعجب يا صاح..!.
نعم، ففي الوقت الذي ينبغي أن يتعاظم فيه الاهتمام بمرضى القلب في يومهم العالمي، الذي خُصص لمواساتهم واقتسام الوجعة معهم، يتقازم فيه القطاع الصحي الحكومي، ويفشل في الإيفاء بالمطلوبات الأساسية لمرضى القلب، مع أنه يتوجب عليه – في مثل هذا اليوم – أن يُضاعف نشاطه وقدراته، بحيث تزيد جرعة العناية والاهتمام بالمرضى. لكنه السودان، الذي يتولى فيه زمام الأمور من هم ليسوا أهلاً للمهام، فالمال عند بخيله والسيف عند جبانه..!.
يومها، كانت الفاجعة أكبر من تصوراتي المتشائمة. وكانت أقسى من كل الجبروت الذي يعيشه المرضى في السودان، فقد غابت الحكومة وتعطلت أجهزة الجراحة في يوم القلب العالمي، بل غابت كل مظاهر الاحتفاء بالمناسبة، وانزوت تماماً، إلا من جمعية أصدقاء مرض القلب، التي كان أفرادها يتقافزون كما الفراش في مستشفى الشعب التعليمي، وهم يواسون المرضى ويقاسمونهم الأحزان والوجع.
نعم، فقد اختفى الوجود الحكومي الرسمي، في التاسع والعشرين من سبتمبر لعام 2013م، أي في اليوم العالمي للقلب، الذي تزامن – حينها - مع ذبول زهرات سودانية يانعة بفعل الرصاص الحي الذي انهمر على المتظاهرين في هبة سبتمبر، فسالت دماؤهم النقية، وصعدت أرواحهم الطاهرة إلى عنان السماء. وهو ما جعل كثير من المرضى يقارنون بين الفجيعتين. فجيعة تعطل الأجهزة في يوم الاحتفائية العالمية، وبين فجعية الدم القاني المُسال في الطرقات. بل أن أحد المرضى تمنى لو أن روحه كانت ضمن حصائد الرصاص الحي.
ويبدو أن المناسبات السعيدة في السودان دائماً ما تكون مقدمة لأحداث بائسة، بل أنها تتحول إلى نقمة بدلاً عن كونها نعمة. وبالأمس تكرر المشهد بتفاصيل تشابه تلك التي حدث في اليوم العالمي لمرضى القلب. ففي الوقت الذي كانت تحتفي فيه جمعية القلب السودانية بـ "مؤتمر القلب العالمي"، كانت مريضة تتمدد في مستوصف خاص، في انتظار مشرط أحد الأطباء، ليدواي أعطاب قلبها. لكن الطبيب لم يأت، حينما أتت الساعة المحددة للجراحة.
وحينما احتج أهل المريضة، أخبرهم الطاقم الطبي أن الطبيب طلب أرجاء العملية إلى توقيت جديد، ومع ذلك لم يأت الطبيب في الموعد الجديد. وهو ما جعل الخوف والقلق يتسلل إلى قلب المريضة، دون أن يهتم بها أحد من أهل المشفى الخاص، ممن يفتقدون الرحمة و"المودة".
الآن، سوف أخبرك - عزيزي القاري - بأن الطبيب، لم يحضر لأنه كان يحتفي، بمؤتمر القلب العالمي.. لكنني سوف أرجوك أن تبحث معي عن إجابة لهذا السؤال: "أيهما باغت الطبيب وأربك مواقيته الزمنية.. المؤتمر المعلن أم العملية الجراحية المعلنة..؟!".
نُشر بصحيفة (الصيحة)
مكتبة الطاهر ساتي
|
|
|
|
|
|