|
عادل على أبوزيد وهذا الموت الفاجع\ أحمد محمود\ كاليفورنيا
|
عادل على أبوزيد وهذا الموت الفاجع
أحمد محمود\كاليفورنيا
لا أعرف الملاحمة بين الكلمة والبياض عندما يتعلق الأمر بالموت. لأننى دوما ضد فكرة الموات ومندغما مع الحياة وفضاء الأمل. لكن عندما يقتحم الموت كيانك ويهز بعضك، تصبح الكتابة نوعا من مداراة الوجع وفضاءا للتقية من هذه الفجاءات ومرض الروح. لقد ذهبت للقاهرة فى مطلع هذا العام كنوع من الرجوع الى الذاكرة فى انفرادها الذى لا يتماثل مع ذاكرات اخر. استقبلنى عادل ابوزيد وزوجتى وهو جزء من هذه الذاكرة المشبوبة بالألق الجميل وأستطحبنا حتى محل اقامتنا. كانت المسافة من مطار القاهرة الى محل اقامتنا ليست بعيدة فكان لدى عادل الكثيرالذى يريد قوله كترميم للذاكرة التى انهكتها المسافات والمنافى. وجدت عادل كما تركته مستمسكا بالحياة وممتدا نحو شموس الامل.غادرنا عادل لمنزله بعد ان هاتفته زوجته مخبرة بمرض ابنته الصغرى. وعندما هاتفت عادل فى اليوم التالى اخبرتنى زوجته بان عادل طريح فراش المرض. كان عادل قد غادر المستشفى وتماثل للشفاء قبل قدومى وها هو ينتكس مرة أخرى فى حضورى. ذهبت لمسكنه ووجدته فى حالة لا بأس بها وتحدثنا كثيرا، ليس هنالك ما يشىء بخطورة الحالة. أتفقنا ان يذهب عادل الى عيادة دكتور متابع لعادل من فترة طويلة ، أى طبيبه الخاص. وفى اليوم التالى ذهبت والصديق عمار حامد الى عيادة الدكتور المعنى بأمل ان يأتى عادل وزوجته لملاقاتنا هناك. ولقد هاتفتنا زوجة عادل وأخبرتنا ان عادل قد نقل الى مستشفى بولاق العام بعد ان ساءت حالته فى الطريق. تحركنا والصديق عمار حامد نحو عادل وعندما وصلنا مستشفى بولاق كان قد نقل للقصر العينى وعندما وصلنا القصر العينى كان عادل قد رحل. هذا الرحيل غير أعتيادى وغير منسجم مع المنطق الذى يتبناه عادل تجاه الحياة، انه رحيل ينخر فى الروح وفى العقل معا وانه لفاجعة لكل من لامس شخصية عادل وفرادته الأنسانية. لم يكن عادل عاديا بمقاييس هذا الزمن وكل الأزمنة، كان نقيا مملوءا بروح التسامح ولا يعرف ان يعادى الاخرين. وماخوذا بأنسانيته فقد أسس لمركزيات الحب والوفاء والصدق فى نفوس كل من عرفوه. لقد اشتغل عادل على فرادة الشخصية ونبل العطاء، فكان نادر العرفان وصافى السريرة لا ينحاز نحو الشر مطلقا فهو مع الخير المطلق. عرفت عادل لزمن طويل وكل ما كنت أنفذ داخله اجد فيه ذات الصفاء والنقاء الفطرى وهذه هى معادلة الجوهر وجوهر المعادلة. كان نبيلا وشهما وكان مثقفا حقيقيا ينشبك مع الثقافة من خلال مدلولها كتجسيد فى التعامل مع الاخر، ثقافة ضد الأنا وثقافة التضحية ونكران الذات، ضحى من اجل اهله ومن أجل اصدقاءه. لقد حمل هم السودان طويلا وكان يحزن بعمق للحالة التى وصل لها السودان من خلال تدمير الشخصية السودانية والخواص المتمايزة لدى السودان. فعادل كان منشبكا مع القيم بنوع من التماهى الذى لا يحد. وهو فطريا ضد كل التشوهات،لم يحتمل قلب عادل كل هذا التشوه الذى بات يحيط بنا ولم تحتمل روحه هذا العفن السياسى الذى كرسته أنظمة التخلف، فكان يحترق داخليا عندما تسمعه يتحدث عن أمر الوطن وأمر المنطقة عموما. لم يتنكر عادل أبدا لأهله وأصدقاءه وفى كيمياء يشتغل عليها عادل وحده فقد أزال الحدود بين الصداقة والقرابة فأصبحنا نحن الأصدقاء أقارب وصار الأقرباء أصدقاء دون أن تغيب معانى القرابة. أنا أكثر الناس معرفة بعادل، لأن عادل لا تعرفه الا عندما تقترب منه ولقد أقتربت بعادل ولم أجد فيه شائبة او متعلقات انهيارات هذا الزمن الردىء فهو ذو حصانة عالية ضد اختراق السالب والتشوهى.ان عادل هو الفقد الكبير فى زمن الأنهيارات الكبيرة وانها لصادمة ان ينسحب عادل بهذه العجالة. فهذا الرحيل يستصعب فهمه للذين عرفوا عادل، فقد كان محبا للحياة بأطلاق ومتنافر مع ايدولوجية الغياب بكل أشكالها،فصعب ان تلفظه الحياة بهذه الكيفيات. أنا موجوع لحد أختلال الروح لهذا الرحيل. ولكن نعزى أنفسنا بأن القيم والمركزيات التى أشتغل عليها عادل واسس لها فى دواخل من عرفوه تبقى كجدل متصاعد مع قيم السماء والسماء وحدها هى فضاء عادل لا الأرض البوار.لأصدقاء عادل ولأهله أحر العزاء وان عادل لفقدنا جميعا، له الرحمة ولهبة وسارة ، بناته الجميلات التساند منا جميعا حتى لا يشعرن ان عادل ليس بيننا.
|
|
|
|
|
|
|
|
|