|
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله (Re: صلاح عباس فقير)
|
الأخ صلاح عباس فقير تحيّاتي
تقول: ولكن المسألة الواقعية التي تطرح نفسها علينا منطقيّاً، هي: أنني أنا الإنسان المعاصر، هل يستجيب القرآنُ لحاجاتي وهمومي ومتطلباتي، أم لا؟ فهذا السؤال فيه حجة قوية لصالح الدكتور شحرور: الإنسان لا يمكن أن يعيش بوعيه في عصر آخر، لكن في عصره هو، وبحسب مستوى المعرفة العلمية فيه! وبالتالي فإنّ اقتحامه لدائرة الكتاب المقدس واستنطاقه ومحاولة فهمه، وتوظيفه لحل مشكلاته، هو نزوع إنسانيّ فطري، فلا إشكال هنا في مسلك شحرور. وإنما إشكاليّته الحقيقية، تتمثل في أنه وقد اندفع بوعيه كإنسان معاصر، كان عليه أن يضبط حركته بضوابط المنهج العلمي في قراءة النصوص. وذلك يقتضي منه أن يكون ملتزماً بقراءة هذا الكتاب، وفهمه في إطار اللغة التي كُتب فيها، وبحسب سياق النصوص، وبحسب دلالات الألفاظ المعجمية والاشتقاقيّة هنا بالتحديد مُعضلة التفريق بين اللغة والنص والتي تحدثتُ عنها في مُداخلتي السابقة. القرآن نص عزيزي صلاح وليس لغة، وهذا يعني أنَّه (ثابت) وليس (مُتغيرًا)، ومُتجددًا. ومُحاولات التعامل مع النص باعتبار أصله اللغوي يخلق قطيعة بين النص ومصدره، تمامًا كما حصل في منهج نصر حامد أبو زيد الذي أدى في نهايته أنَّ القرآن نص بشري بحسب فهمه وليس بحسب مصدره، فأصبحت مصدريَّة القرآن مصدريَّة رمزيَّة، في حين أن فاعليَّة النص فاعلية بشريَّة، تخضع لفهم الإنسان المُتغيّر بحسب المكان والزمان. واقع الأمر أنَّه لا يُمكن لأي نصٍ مهما كان أن يكون صالحًا لكل زمان ومكان، وإشكاليَّة الفِكر الإسلاميَّة تكمن هنا تحديدًا، أي أنَّ الفِكر الإسلامي واقع بين مطرقة مصدريَّة النص التي لا يُمكن تجاوزها، وبين سندان الواقع المُتجاوز للنص، ما خلق لنا –في النهاية- أفهام تُحاول المُقاربة مع الواقع، كحاجة أساسيَّة مُلحة لاستمراريَّة الدين، على حساب الابتعاد من النص نفسه. إنَّ المفتاح الأساسي في حل هذه المُعضلة يكمن –في رأيي- في الفهم الجيد والصحيح لفكرة (الوحي) نفسه. هذه المُعضلة لا نجدها مع النصوص المسيحيَّة مثلًا. لماذا؟ لأنَّ فكرة الوحي مُختلفة تمامًا عنها في الإسلام. الفهم المسيحي للوحي أنَّه اجتهاد بشري مدعوم بقوة الروح القدس. أي أنَّ الروح القدس دعم كتبة الوحي (البشر) والذي قاموا بصياغة الوحي بحسب ما فهموه، وبحسب ما يتناسب مع واقعهم، فكان النص الأنجيلي نصًا بشريًا بامتياز، ولم يعد النص عاملًا أساسيًا في عملية إنتاج السلوك القويم؛ حتَّى مع بقاء الإيمان بمصدريَّة النص، وبأنَّه مُوحى به من الله. ولكن في الفِكر والعقيدة الإسلاميَّة، يُعتبر الوحي نقطة محوريَّة جدًا، ومع الإيمان بأنَّ النص القرآني هو نص إلهي، تُصبح فكرة الاجتهاد مشكوكًا فيها. لأنَّ الاجتهاد في المسائل الحياتيَّة (مع وجود نص) يعني ضمنيًا التشكيك في صالحيَّة النص، ولهذا قال الفقهاء إنَّه لا اجتهاد فيما فيه نصٌ، وحصروا مسائل الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص. فمثلًا هنالك آيات تتكلَّم عن الميراث، ومع وجود هذه الآيات فإنَّ أي مُحاولات لعصرنة الميراث، يُعتبر رفضًا للنص الإلهي الذي تدخل بشكلٍ مُباشر بتحديد مقدار الميراث، وحدَّد مصادر صرف الميراث. وهنالك آيةٌ تُحدد عقوبة الزناة بالجلد مائة جلدة، فأي مُحاولة لإلغاء هذه العقوبة يعني رفضًا للنص الإلهي الواضح الذي حدَّد العقوبة بشكلٍ لا يقبل الجدال. هنا يكون إلغاء العقوبة أو (التنظير) فيها، لصالح مفهوم العصرنة، ولكنه –في الوقت ذاته- يكون خصمًا من رصيد موثوقيَّة النص، وصالحيته لكل زمان ومكان. وهذا هو التحدي الذي يُجابه الفِكر الإسلامي التجديدي بكل مذاهبه. فكرة أنَّنا بحاجة إلى نصوص تتماشى مع الواقع هذه حتميَّة تاريخيَّة، ولكن هل النصوص مُعدة للخضوع لهذا القانون التاريخي البشري أم أنَّ القرآني نص إلهي مُتعالي على الفهم التاريخي والزماني والثقافي؟ مثلًا القرآن تدخل فعلًا بإلغاء وفرض ما لم يكن من عادات العرب، فالقرآن أمر بالحجاب رغم أنَّه لم يكن من عادات العرب {ولا يتبّرجن تبرج الجاهليَّة الأولى} لم يلتفت القرآن إلى العنصر الثقافي والمكاني أبدًا. لماذا؟ لأنَّ الأصل هو أن يُصبح النص بديلًا للثقافة. أن يُصبح النص حاكمًا على الثقافة وليس العكس. كان التبني أمرًا اعتياديًا في الثقافة العربيَّة، ولكن جاء القرآن ورفض هذه الفكرة الثقافيَّة، وألغاها. إنَّ الاعتماد على العامل الثقافي في تحديد ما صحيح وما هو خطأ، يجعل النص بلا قيمة. وهذا هو السؤال الذي طرحته في مُداخلتي السابقة: لماذا نحن مُضطرون إلى تقديم العنصر الثقافي؛ في حين أنَّ أهل ذلك الزمان كان عليهم أن يلتزموا بالنص القرآني حتى مع مُخالفته لثقافتهم في بعض الأحيان؟ ولماذا جاء النص إذا كانت الثقافة هي العنصر الأساس الذي يتحكَّم في تشكيل المعيار الأخلاقي والمعيار السلوكي؟ هذه الإشكاليَّات ناتجة في أساسها من فكرة الوحي في الدين الرسالي، وستظل كذلك حتَّى يتعامل المُسلمون مع القرآن باعتباره نصًا تاريخيًا، لا باعتباره نصًا مُقدسًا مُتجاوزًا للتاريخ ومُتعاليًا عليه. وإن لم يحدث هذا، فسيظل هذا التناقض قائمًا؛ بحيث تظل قدسيَّة القرآن إيمانيَّة، في حين أنَّ المُنتج الفِكري مُتعارض مع هذا الإيمان، دون أن يتمكن أحدٌ من اكتشاف هذا التناقض.
مودتي
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | آدم صيام | 04-16-18, 06:22 PM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | آدم صيام | 04-16-18, 06:28 PM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | آدم صيام | 04-16-18, 06:36 PM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | هشام آدم | 04-16-18, 07:24 PM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | صلاح عباس فقير | 04-16-18, 08:49 PM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | هشام آدم | 04-16-18, 11:00 PM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | Abureesh | 04-17-18, 01:53 AM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | آدم صيام | 04-17-18, 02:57 AM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | صلاح عباس فقير | 04-17-18, 08:52 AM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | Osman Mahmoud | 04-17-18, 08:12 AM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | Abdlaziz Eisa | 04-17-18, 03:41 PM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | آدم صيام | 04-18-18, 06:28 AM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | آدم صيام | 04-18-18, 06:34 AM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | آدم صيام | 04-24-18, 12:56 PM |
Re: لقد جاءكـــــم شحرور ونصر الله | آدم صيام | 04-24-18, 02:10 PM |
|
|
|