وكانت دائرة من يناصب دوسه العداء كبيرة. خاصة لحميته فى الدفاع عن الإسلام؛ حتى من تلك الحركات التى تدعى الإسلام مثل الطائفة الأحمدية القديانية والتى كان يعتبرهم مشكوكا فى إسلامهم. لذا كان فى مواجهات مستمرة معهم فى بريطانيا وفى أميريكا. فحاربوه حربا لا هوادة فيها. وشككوا فى أصله وأمانته العلمية والفكرية. ويرى بعض من تحدثت معهم حول الجماعة الأحمدية أنه من المشهورعنهم مواكبة السلطات والتقرب إليها، حتى يومنا هذا: فى أستراليا أو بريطانيا أو إبان سلطة الحكومة الإستعمارية فى كينيا وجنوب إفريقيا ونايجيريا. فلا يستبعدون أن الأحمدية كانوا ينفذون نقدهم وهجومهم على دوسة بإيعاز من المخابرات البريطانية. وللأمانة التاريخية أقرر هنا أننى لم يصادفنى شئ مكتوب حول هذا الأمر بالذات، ولكنها آراء مؤرخين ثقاة. وهو أمر سأسعى فى تمحيصه.
وهناك سبب آخر أعتقد أنه أضر بإتساق الإهتمام بدوسة. وهو ترحاله الدائم وتشعب إهتماماته مما يجعل الناظر إلى تاريخه ونشاطه يلهث. فهو عابر، دائم الترحال، يؤسس صحيفتين، يلقى محاضرات، يكون شركات، ينشئ بنوكا، يجمع أتحادات، ويكتب مقالات، ينشر فى عدد كبيرمن الصحف. وكل ذلك فى إتقان وعجلة وترابط فكرى فى ذهنه؛ دون أن يكون هناك توثيق لكل تلك الأنشطة فى متابعة لصيقة مدونة. ومن المؤكد أنه فى كثير من الحالات التى لا يكون للشخص إستمرارية فى مكان إقامة واحد، فإنه يصعب تتبع تاريخه. خاصة إذا ما نظرنا إلى الظروف فى أيامه تلك وصعوبة المواصلات والتغطية الصحافية. وذلك للبعد بين الولايات المتحدة وبريطانيا ونايجيريا، والمضايقات التى كان يتعرض لها.
كذلك لا أستبعد أبدا دور الحسد ومحاولة سرقة أفكاره بواسطة ماركوس قارفى مثلا حول قضايا تحرر السود، إلى مقترحاته ومشاريعه التجارية و الإقتصادية وإنشاء خطوط الملاحة والبنوك الإفريقية وإتحادات المنتجين الأفارقة. وكلها مبادرات نبعت من أفكاره ومجهوداته ولكنها نسبت إلى ماركوس قارفى، الذى إستغل تنظيمه فى الولايات المتحدة وآلته الإعلامية وشخصيته الإستعراضية المحبة للظهور فأضفى على تلك الإنجازات مسحة من شخصيته فنسبت إليه. لذا لا أستبعد أبدا دور أنصار قارفى فى التعتيم على دوسه وعلى دوره، حتى لا يخطف الأضواء من قارفى أو يفرغ إنجازاته من محتواها.
وهناك جانب آخر ذكرناه قبل أن يسوقنا الكلام إلى مانحن بصدده الآن. وهو التوجه المتعمد من قبل المصريين بمحاولاتهم الدائمة المستمرة فى التقليل من إنجاز السودانيين عموما والنوبيين خصوصا، وتزوير تاريخهم بحيث لا يكون لديهم أى إحساس بالعظمة أو الإنجاز، مما يعلى تقديرهم لذواتهم وعزتهم لأنفسهم فيصعب ترويضهم وإستغلالهم وإنقيادهم الأعمى. خاصة وأن محمد على دوسه بعد إعلانه لمصريته بحكم ميلاده بالإسكندرية وعمل والده فى الجيش المصرى، عاد وصار يشير إلى نفسه بأنه سودانى. وهو أمر تضخم بعد قدومه إلى الولايات المتحدة ثم إقامته بنايجيريا. ولذا أعتقد جازما بدور المصريين فى التعتيم على شخصية "ذلك الأسود" "البربرى"، وقد رأينا كيف أن محمد فريد عمد على تجاهله عند زيارته لبريطانيا. وهذا ما جعلنى أربط بين جزائه على وفائه لمصر تماما كجزاء وفاء عرفات محمد عبدالله حينما حاول المصريون تلفيق تهمة مقتل السردار عليه، وهو الذى كان يمجدهم، تماما كما فعل دوسه، مما أشرت إليه سابقا. ولنا عودة لهذا الأمر بعد أن نكمل إستشهادنا بالتاريخ لكشف التزوير الذى مارسه المصريون فى التاريخين النوبى والسودانى القديم والحديث. هذا أمر هام إذا ما أردنا رؤية الأحداث التاريخية فى إطارها وسياقها وملابساتها المنطقية.
03-24-2014, 09:14 AM
محمد عوض السيد محمد عوض السيد
تاريخ التسجيل: 06-17-2011
مجموع المشاركات: 966
قرات البوست التوثيقي بتمهل حتي لا يفوتني شئ فكثيرون هم من قدموا الكثير و اهملهم التاريخ ونتسأل بدورنا معك :
Quote:
لماذا لم يـعرف العالم عنه بالتفصيل على قدر أهميته وعطائه؟ ولماذا لم يـعرفه السودانيون؟ ولــماذا لم يــذكـرة الأفــارقـة؟ على الرغــم مـن أنه كان أعــظــم رجـل فى تاريـخ التـحرر والوعـى الـفـكرى والثـقافى والأدبى والشــعرى والإقتصادى والســياسى والصـحافى والنفســى والأكاديمـى. و تتلمـذ عــلى يده أعـظم قادة التـحرر فى أفريقيا والكاريبى وأسـيا وأمريكا
03-29-2014, 04:45 AM
عبدالرحمن إبراهيم محمد عبدالرحمن إبراهيم محمد
تاريخ التسجيل: 10-02-2009
مجموع المشاركات: 2591
قرات البوست التوثيقي بتمهل حتي لا يفوتني شئ فكثيرون هم من قدموا الكثير و اهملهم التاريخ ونتسأل بدورنا معك : Quote: لماذا لم يـعرف العالم عنه بالتفصيل على قدر أهميته وعطائه؟ ولماذا لم يـعرفه السودانيون؟ ولــماذا لم يــذكـرة الأفــارقـة؟ على الرغــم مـن أنه كان أعــظــم رجـل فى تاريـخ التـحرر والوعـى الـفـكرى والثـقافى والأدبى والشــعرى والإقتصادى والســياسى والصـحافى والنفســى والأكاديمـى. و تتلمـذ عــلى يده أعـظم قادة التـحرر فى أفريقيا والكاريبى وأسـيا وأمريكا
تعرف يا أخى أن الجهل أو التجاهل كما بدأت توضيحه فى المداخلات السابقة، ناجم عن إحتمالات عددت بعضها أعلاه. أما لماذا لم يعرفه السودانيون؟ فهذه هى الطامة الكبرى. فمع الأسف نجد أن أغلب أكاديميينا يسلكون الطريق السهل فى الحصول على درجاتهم الأكاديمية بدون حمية أو حماسة؛ وبدون رغبة فى الغوص فى مجالات مجهولة فيكتفون بالنقل والتعليل للمنقول أو الإضافة إليه بمنقولات أخر. وقد حرصت على تقصى كثير مما كتب كثير من علماء سودانيين ملء السمع والبصر. فساءنى ما رأيت من نقل أعمى بدون نقد أو إعمال للفكر. ويظل الواحد منهم يلف ويدور ويعيد تدوير مقالاته المستخرجة من رسالته أو أطروحته ويقضى جل عمره الأكاديمى يعيد تسميتها وتقديمها للنشر أو المؤتمرات. فلا يقدم ولا يؤخر فى زيادة المعارف أو طرق مواضيع جديدة أو تلك التى تحتاج إلى السبر والتمحيص. ومع الأسف زاد من هذا الكسل الأكاديمى الروح السائدة اليوم فى القناعة بالجاهز. وقد حزنت وأنا أرى بعضا من الجيل الجديد من الأكاديميين يجهلون حتى أبجديات البحث والتقصى والكتابة، وعجبت كيف تأتى لهم أن ينالوا درجاتهم العلمية وبإمتياز! وهم فى واقع الأمر أقل قدرة على المعرفة والعلم من طلاب السنة الأولى فى جامعة الخرطوم على أيامنا فى الستينات والسبعينات. فكفى خداعا وكسلا وتدويرا لآراء المستعمرين القديمين والحديثين ممن يروجون لتخلفنا العقلى والفكرى ويدسون سموم الغرض فى بحوثهم ومنشوراتهم الأكاديمية؛ ليجئ أكاديميونا يرددون تزويرهم ويروجون له عن جهل وكسل، دون فحص أو تمعن.
ولكنى أقول الحق أن هناك حفنة قليلة ممن يجودون علمهم ويتقنون بحوثهم ويستنبطون معارف جديدة وعطاءا قيما؛ شهدت بعضه فى مؤتمرات الدراسات السودانية، على الرغم من صغر سنهم. ولكن مع الأسف أعدادهم قليلة والمطلوب بحثه وتنقيبه كثير شاسع واسع. وما أدل على ذلك فى مجال التاريخ فقط أكثر من الكذب الصراح المحيط بأغلب آثار مصر من تزوير للتاريخ وتعمية مقصودة، يستمرئ "علماؤنا" الإحتفاء بها وترويجها فى إنتقاص من قدر الذات مهين.
ولا مخرج لنا إلا بالمداومة على طرح مثل تلك الأسئلة التى سقت ياصديق.
ودمت يا أخى منبها للحق داعيا للوعى.
11-18-2014, 05:06 AM
عبدالرحمن إبراهيم محمد عبدالرحمن إبراهيم محمد
تاريخ التسجيل: 10-02-2009
مجموع المشاركات: 2591
أعود إلى سؤال الرجل الفنان الحصيف الأخ الكريم محمد عوض السيد حول جهل الناس أو تجاهلهم لمحمد على دوسه الذى ترك آثارا لا تمحى كما شهدنا أعلاه. خاصة حينما بدأ المثقفون السود فى تبنى إسمه كرمز للفخر وعزة النفس والإحتفاء بالذات الإفريقية المنجزة. وقد ظل هذا التقليد إلى يومنا هذا. فقد قابلت قبل أيام قليلة شابا فى متجر المرحوم الحاج عبدالخالق الذى أشرنا من قبل إلى أهميته كأفريقى أميركى وكان يشيع بأن قومه أتو من السودان لذا سمى متجره بـ "اللمحة النوبية".
فقد قال لى ذلك الشاب، الذى يدرس لإكمال درجة البكالاريوس فى إدارة الأعمال بجامعة ييل، فى فخر أنه قبل الإسلام دينا وتسمى بإسم محمد على. فسألته لماذا محمد على بالذات قال لى بدأ ذى بدء لعظمة الرجل المبدع الشجاع ذو المبادئ الملاكم محمد على (الذى كان إسمه كاسيوس كلاى). وثانيا لأن أعظم المثقين الأفروأميركيين من شعراء وكتاب وموسيقيين وأساتذة جامعات تسموا بإسم محمد على بعد إسلامهم. فسألته أتدرى لماذا؟ قال لا علم له سوى أن الأسم يشير إلى العظمة. فأخذت أحكى له قصة بطلنا محمد على دوسه. فقال لى مشدوها: "هذا سبب إضافى يجعلنى أتمسك بهذا الأسم".
وكما كان أثر حوارنا على ذلك الشباب الطموح الفخور، شعرت بالأثر سلبا على نفسى نتيجة لتقصيرى تجاه محمد على دوسه وتجاه من ظلوا يتابعون هذا السفر. فقررت تقديرا لروح ذلك الشاب وجبرا لنفسى على المواصلة بعد إنقطاع فرضه أحيانا المرض وكثيرا الأسفار وزحمة العمل.
ولنبدأ فى سرد أهمية ذلك العملاق وأثره الذى خلفه فى تلاميذه الذين غيروا وجه التاريخ ومصير أممهم.
11-18-2014, 06:24 AM
حسن طه محمد حسن طه محمد
تاريخ التسجيل: 03-01-2007
مجموع المشاركات: 3653
أخي العزيز الصديق بروف عبد الرحمن لك التحية ممزوجة ودا ومحبة لازلت أذكر تلك الأيام الجميلة معكم التي سعدنا فيها جميعا بصحبتكم عند زيارتكم " القصيرة " للدوحة وصباح اليوم وانا اتصفح سودانيز اونلاين التي اصبحت بديلا لنا عن الجرائد اليومية وجدت هذا البوست الذي أجزم معه حوجتنا للتفرغ لمتابعته بما فيه من علم ومعرفة وتاريخ غائب عن الكثيرين
فشكرا لكم
أخي ابو العبد ما زلنا في انتظار وعدكم بتكرار الزيارة لكم وللاسلرة الكريمة خالص التحايا
Quote: فما زلنا في هذا المنبر نفتح البوستات استناداً الى مكانة كاتبها في نفوسنا
اخي واستاذي البروفسير
هذا حضور متاخر من شيخ مثلي تضاءلت قدراته وتسببت غياباته عن المنبر عن العثور عليكم وعلي صديقي ابوبكر سيد احمد وكلاكما مصدر معرفة انصب له الشراك والشباك لاتلقف منه ما يحرك نهمي وشوقي للمعرفه والتعلم
وجلست اقرأ دوسه .. كما اسميته .. بمداخلاته المائتين فلم اجد لدي قدرة لتجاوز اي منها ..فالبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه .. ولم اجد عندي سوي حياء التلميذ وعجزه عن ابداء الاعجاب باستاذه ..
هل تواصل ؟ .. ليس في بحر دوسه ولكن في ما تكنز من معرفة يحتاجها العقل السوداني الذي سربوا اليه جهالة لا تليق به فلا يزيلها الا تاصيل الكثير مما طمره قصر النظر وفقدان حاسية المعرفة .. وانت فيما علمت تكنز ما لو اخرجته للناس لاسهم في صوغ المثقف واخراجه من صندوقه المغلق
احترامي لما تقدم ووقوفي بالصف متلهفا وفي يدي اناء يتوق للاستزاده ..
عمر علي حسن
11-21-2014, 03:39 AM
عبدالرحمن إبراهيم محمد عبدالرحمن إبراهيم محمد
تاريخ التسجيل: 10-02-2009
مجموع المشاركات: 2591
لقد قلتها يا أخى. فوالله وبالله وتالله، لقد إستعدت إنسانيتى فى صحبتكم، كما ذكرت سابقا أعلاه. وجاشت نفسى بذكريات الطفولة والصبا والشباب ولعب البلى والدافورى والمدارس والليالى السياسية والمظاهرات وكل الأبعاد الإنسانية للوجود فى سودان ظلمه فئة من أبنائه عاقون ظالمون مجحفون. والله لقد بلغ كرمكم وودكم ما حرمت منه طوال خمسة وثلاثين عاما قضيتها فى هذه الأرض القاحلة إنسانيتها، المكبوته عواطفها المغمورة بضغوط للحياة كثر، وجرى عجيب لا ينقطع.
كنتم خير الأصدقاء الأخلاء، وكنتم خزائن فكر وعطاء، وكنتم حاتمى الضيافة والوداد. فلن أنسى تلك الأيام وكل ذلك النفر الجميل من خيرة الأصدقاء الذين فرقت بيننا وبينهم الأيام فكان لقاؤنا فى الدوحة فرحا وإجترارا لأجمل أيام العمر. ولا أكتمك سرا أن قلت لك أن قصيدتى فى حبيبة العمر إكتملت جوانبها فى الدوحة. ولذا فأنا قادم بإذن الله قريبا لو يسر الله لأشرككم فيما تعرفون وفيما لا تعرفون مما خفى وغاب. فترقبوها قريبا بعنوان "إعـترافات عاشــق مـجـروح"
وكان بعض الأصدقاء قد وعدونى بتدبير فترة سبتية فى أحدى مؤسسات الدوحة الأكاديمية حتى أستطيع تنقيح مخطوطاتى ونشرها. ولكن يبدوا أن مشاغل الحياة أنستهم كما باعدت عن ذهنى تلك الإحتمالات. والغد قريب بإذن الله حيث نعد لمؤتمر هام سوف يعقد بالدوحة، وعندها سأستطلع تلك الإمكانيات. فتأكد من حضورى بإذن المولى عز وعلا أن شاء. وسوف نخصص أمسية كاملة لسيرة بطلنا هذا محمد على، بإذن العلى القدير.
هذا حضور متاخر من شيخ مثلي تضاءلت قدراته وتسببت غياباته عن المنبر عن العثور عليكم وعلي صديقي ابوبكر سيد احمد وكلاكما مصدر معرفة انصب له الشراك والشباك لاتلقف منه ما يحرك نهمي وشوقي للمعرفه والتعلم
وجلست اقرأ دوسه .. كما اسميته .. بمداخلاته المائتين فلم اجد لدي قدرة لتجاوز اي منها ..فالبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه .. ولم اجد عندي سوي حياء التلميذ وعجزه عن ابداء الاعجاب باستاذه ..
هل تواصل ؟ .. ليس في بحر دوسه ولكن في ما تكنز من معرفة يحتاجها العقل السوداني الذي سربوا اليه جهالة لا تليق به فلا يزيلها الا تاصيل الكثير مما طمره قصر النظر وفقدان حاسية المعرفة .. وانت فيما علمت تكنز ما لو اخرجته للناس لاسهم في صوغ المثقف واخراجه من صندوقه المغلق
احترامي لما تقدم ووقوفي بالصف متلهفا وفي يدي اناء يتوق للاستزاده ..
والله أنت أحد أساتذتى فى هذا المنبر.
أيها الرجل النبيل، الملم بأوجه من الحياة مختلفة مترامية، يصوغها إحساس عميق بالجمال والإبداع الفنى والأدبى، فيسهل مزجها بتجارب فى أطراف الأرض، وإلمام بدخائل النفوس وتوجهاتها، لتؤطر لإنسانية الناس فى أدائهم وعطائهم الفكرى والبدنى. وهذه والله خصال لا يتمع بها إلأ نفر قليل ممن حباهم الله بتوفيقه. وهى عندى بلا شك أهم الأسباب فى نجاحك الباهر فى حقول الشرطة والدبلوماسية والرياضة، وهى مجالات تحتاج للإنضباط والدقة فى الإدارة والحكم والتسيير. وقد لمست هذا، ولم أتشرف بمعرفتك إلا فى هذا الموقع الإسفيرى وعبره ومن خلاله. فكان لقاءا مع عقل موسوعى، صادق النفس بسيط الحديث العميق المتعمق؛ متواضع رغم المكانة والمقام؛ منضبط النصوص فى دقة تعكس الموقف والمشهد والتفاصيل فى سلاسة محببة، فتجبر المرء على الإندياح عقليا مع طرحها. فيكون التعلم والمتعة والأستمتاع. ووالله قد سعدت بمتابعة تحليلاتك ومقترحاتك وطربك ودعاباتك، وحب الناس لك وتزاحمهم للتداخل معك. أسعدك الله كما أسعدت قلوبا كثر.
تعرف يا سعادة اللواء الصديق، لقد ظل همى أغلب حياتى أن أقدم للوطن كل ما أدخر وكامل ما أتحصل عليه من معارف وتجارب. فنحن الذين تفتحت أعينهم على بذل أولئك الصادقين من قيادات العمل الجماهيرى والعمالى أبان النضال ضد الإستعمار؛ وتابعنا الثراء الفكرى والأدبى والفنى الذى وهبوه لنا. فكان محتوما علينا أن نسعى لرد ولو القليل من الجميل إلى شعبنا النبيل. فعملنا فى حملات محو الأمية وبناء المشافى والمراكز الثقافية فى أرجاء الوطن؛ وكنا ضميرا للأمة أبان حياتنا الطلابية وإتحاداتها، وكانت فترتى فى دار جامعة الخرطوم للنشر أعظم تجاربى فى الحياة حيث إبتكرت مشروع المعرفة والثقافة الجماهيرية، فى تنوع الإصدارات ومناسبتها لكل مستويات أفراد الشعب وأعمارهم وإيصالها للجماهير فى كل جزء من أرض الوطن وفى كل محفل وكل مناسبة، لتعم المعرفة الجميع. فتعلمت التواضع من ما خبرته من معارف وتجارب من عامة أهلنا الطيبين الذين غرسوا فى أعماقى معنى الإنسانية والبراءة والصدق والأمل. ولولا تآمر بعض ضعاف النفوس على لما مكثت بعيدا عن السودان، فقد كنت أعددت، فى رسالتى للماجستير، مشروعا طموحا لنشر الوعى والمعرفة فى كل ركن من أركان حياة السواد الأعظم من الذين حرموا، لا لنقص فيهم، من نعمة العلم والمعرفة، ليعم الوعى كل سودانية وسودانى.
وعلم الله أننى الآن، رغم ظروفى المزدحمة والمتوقفة أحيانا لعلل مزمنة، أسعى كل ما أجد الوقت لأن أكتب وأسترجع لأوثق ما أتاح لى شعبنا النبيل أن أحصل علية من معارف وتجارب فى أصقاع الدنيا، ووهبنى فرصا لا تتأتى لكل الناس من مخالطة العظام والعوام والسوقة والأثرياء والمعدمين إلا من إنسانيتهم، والقابضين على مصائر البلاد والعباد، والمشكلين للفكر وللوعى والفن والإبداع. وقد كانت تلك أهم الحوافز لى للمشاركة فى المواقع الإسفيرية، خاصة هذا الموقع، حينما ألح على الكريمون من الأصدقاء والخلصاء. ولكننى بشر تحدنى إمكاناتى والمتوفر من الوقت. فأعذرنى يا صديق؛ وليعذرنى القراء الكرام أن كنت مقلا، يتقاصر عطائى عن مدى طموحاتى ومقاصدى.
دمت لنا نبراسا هاديا ومحفزا يدفعنا لإعمال الفكر وبذل المعارف والثقة بالنفس.
12-02-2014, 07:35 AM
الطيب شيقوق الطيب شيقوق
تاريخ التسجيل: 01-31-2005
مجموع المشاركات: 28804
الف سلامة بالعودة الينا والله سعدت جدا جدا هذا الصباح عندما صادفت عيناي هذا البوست - اولا للاطمئنان بانك بخير وعافية وثانيا لمواضيعك التثقيفية المميزة
ربنا يجمع لينا بالخال عمر على حسن لتكتمل الفرحة يا بروف
واصل يا الحبيب
اطيب امنياتي
ود شيقوق
تسلم أبوى. إنت عارف خالك دا ضنين؛ فما عارفه بيتعزز ولا مشغول. يغتس كدى وبعدين يجيك مقلع! عليك الله يا مولانا ما تلز لى تلفونو. والله قسم الراجل دا أنا أحبه فى الله. ياخى دا نوع فريد من البشر؛ الله يخليهو لينا.
أن شاء الله من المداخلة الجاية ماشى أواصل عشان أكمل موضوع أسباب تجاهل عبقرينا العظيم دا. لأنو الأيام الفاتت دى بديت أكتب فى مدخل لمذكراتى بمقال وقصيدة لبحرى:
Quote: بوست توثيقي وتحليلي مدهش حد الإبهار!. شكرا بروفيسور عبدالرحمن. مرور أولي على سبيل التحية والمتابعة. ربنا يحفظك. محبتي
شرفتنا بقدومك وأثلجت صدرى بتقريظك لما أكتب وأنت الخبير فى الكتابة ممتد القامة تطاول أكتافك أكتاف قادة الفكر والرأى والقرار.
إيمانى بالمشاركة فى المعرفة يحتم على أن أستفيد من ميزة توفرها مثل هذه المشاركات. إذ أنها تثبت المعلومات فى الذهن وتفتح أبواب تأمل أخرى، وتؤدى إلى إستنباطات ما كان من الممكن أن تتأتى لو إنغلق الإنسان على نفسه.
وبما أنك تمارس وتطالع التحاليل، أحيلك إلى بوست بدأته الربع الفائت أطبق فيه أساليب ومناهج التحاليل المختلفة من منطلق علم التواصل الإدراكى. فأتمنى أن تدلى لى برأيك فى هذا المنهج الذى طورته أثناء إعداد رسالتى للدكتوراه فى برنامج جامعة بوسطن للبروفيسورات متعدد المساقات. ورغما عن أننى قصدت منه إيجاد منهج يستطيع أن يحلل العوامل والأطر المتداخلة فى واقع الدول النامية، إلا أنه أثبت فوائد جمه؛ خاصة حينما إستخدمه طلابى فى الدراسات العليا لدراسة واقع عدد كبير من الدول النامية، والدول الصناعية المتقدمة. ومما أحمده له أنه مكننى من التنبوء بسقوط دول المعسكر الشرقى الإشتراكى، وتعمق أزمة الإستقطاب والإستقطاب التجزوئى فى الولايات المتحدة الأميريكية؛ وفشل أهداف الغزو الأميريكى لأفغانستان والعراق. بل وسبق وحذرت السيناتور كيرى وقتها فى ندوة عامة عن مستتبعات غزو العراق حينما كان يسعى لدخول معركة إنتخابات الرئاسة ضد بوش. وأهتم كثيرا بإمكانيات تطبيق المنهج فى مجالات مختلفة. فعشمى أن أسمع منك عن رأيك فيه:
ونواصل اليوم فى تعداد الأسباب التى حالت دون سطوع نجم دوسه فى التاريخ المعاصر، رغم لمعانه فى كل أطراف العالم منذ مطالع القرن الماضى وحتى منتصفه. وكنت قد سقت سابقا أن دوسه عانى من تجاهل متعمد من الماركسى البرجوازى الدكتور دوبويز (كما كان يصر على نطق إسمه). بل أنه قد تعرض لبعض التعريض منه لعلاقة دوسه مع ماركوس قارفى والذى كان تلميذا لدوسه، كما ذكرنا من قبل. وكما قلنا فإن دوبويز كان يكره ماركوس قارفى كرها جما. فأسقط تلك النظرة على محمد على دوسه لإرتباطه بماركوس قارفى.
وكنت مستغربا فى كيف أن دوبويز قبل حضور محمد على إلى أميركا كان ينشر فى مجلته بإنجلترا ويراسله كصنو مثقف. فلما جاء دوسه إلى أميركا قلب له دوبويز ظهر المجن. وقد عزيت ذلك أعلاه إلى عوامل كثيرة لا أريد أن أكررها هنا. ولكننى فاجأت نفسى وأنا أطالع مذكرات كنت قد كتبتها عام 1983.
فقد وجدت نصا كنت قد نقلته من المؤرخ الفذ تونى ما رتن، الذى وثق لحياة وتاريخ وأفكار ومشاريع ماركوس قارفى، يقول فى ذلك النص بلا مواربة: أنه على الرغم من فتور العلاقة بين دوس ودو بويز، فأن دوبويز "كان ينقل أفكار محمد" يقصد دوسة. فالسؤال الذى يطرح نفسه الآن هو هل كان دوبويز يسرق أدبيا من دوسة ولذلك كان يتحاشاه حتى لا ينفضح أمره؟ أم أنها كانت عقدة ذنب بإستيلائه على أفكار دوسة ونسبتها إلى نفسه؟ وهذه فى حد ذاتها معلومة خطيرة تصيب نزاهة دوبويز المتباهى والمتدرع بالتميز الأكاديمى والتفرد الثقافى.
وهذا أمر سأسعى جاهدا فى تقصيه لأنه قد يكون فيه تفسير لموقف دوبويز من دوسه، وفيه أيضا سر يحيط بقامة أكاديمية وثقافية وفكرية وسياسية قيادية ، تلك التى كانها دوبويز.
10-21-2015, 02:46 AM
عبدالرحمن إبراهيم محمد عبدالرحمن إبراهيم محمد
تاريخ التسجيل: 10-02-2009
مجموع المشاركات: 2591
كنت قد إنتويت أن أترك هذا البوست لفترة حتى أتمكن من تنقيح كثير من النصوص التى جمعتها عبر سنوات إهتمامى بهذا المفكر الفاعل العامل المعطاء، المطبق لمبادئه وأفكاره فى التحرر والإنعتاق -- رجل عز أن يأتى الزمان بمثله! ولكن حدث ما لم أكن أحتسب إطلاقا.
فحين كتبت مرثيتى فى شاعرنا المبدع المرحوم محمد مفتاح الفيتورى: "الفيتورى يا ياقوت الشعر" حدثت أمور لم يكن يخطر ببالى أنها ستعيدنى إلى سيرة محمد على دوسة. فقد بدأ البوست بالمرثية والخواطر ودور ذلك الشاعر المعطاء فى تشكيل توجهات أجيالنا ومابعدنا نحو عمق الهوية الإفريقية فى وجداننا.
ولكن من بداية المداخلات التى رفدها عدد مقدر من خيرة كتاب هذا المنبر تكشفت أبعاد كثيرة ظلت تقودنى إلى سيرة دوسة. ولما تعمقت فى ملابسات نشأة بعض من أشعر شعراء العربية من أمثال الفيتورى ورفيقى دربه الجيلى عبدالرحمن ومحى الدين فارس، إنفتحت كوة الإسكندرية فى مصر حيث نشأ وترعرع "الفرسان الثلاثة" (إقتباسا لعنوان رواية الفرنسى الأسود ألكسندر ديماس) وحيث نشأ هذا المفكر المعطاء أيضا. ولم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد.
فقد قادنى الأديب الناقد أحمد الأمين أحمد بحذق نادر لأن أغوص فى ذكريات طال عليها الزمن حول علاقات الصداقة والإخاء بعدد مقدر من عظماء شعراء السودان وأدبائه ومفكريه، وةصائدى فى رثائهم. فقررت أن يكون بوست الفيتورى بداية للتوثيق لأشعارى الكثر فى الرثاء ليكتمل جمعها فى ديوان نصى-شعرى. فتتالت المفاجآت بغزارة فى مداخلات أولئك النفر من خيرة كتاب سودانيز أون لاين ومداخلاتى ردا عليهم. ولكن جاء الهكر وخرب البوست وقضم منه أكثر من ثلاثة أرباعه.
فإذا بإخينا الهميم الأستاذ أحمد الامين أحمد يفترع بوستا يجمع فيه كثيرا من المداخلات ليرمم بها ما تبفى من شظايا البوست المهكر. فإذا بالبوست الجديد يفتح آفاقا جديدة ومداخلات ثرة كادت أن تطغى على البوست الأصل. وبكريم عون من الأخ الفاضل أسامة العوض أمكن أنقاذ أغلب المداخلات فى بوست الفيتورى الأصل. فأخذت فى أنزالها بصورها الأصلية. وفى نفس الوقت، وفى خط متوازى، أدرنا دفة النقاش فى بوست الأستاذ أحمد إلى هموم وقضايا فكرية وأدبية ثرة. ورغم الرهق والعناء فى مجاراة البوستين فى وقت واحد إلا أن الإهتمام بكليهما أعاننى على تذكر ملاحظات كنت قد جمعتها ومذكرات كنت قد خطتها حتى من قبل أن أتعرف على الشخصية الأسطورية لدوسة، فجاءت كلها لتصب فى إطار شخصية دوسة وإبداعاته وعطاءه الذى لم أتطرق إليه فى هذا البوست من قبل. فشكرا مرة أخرى للأخ الأديب أحمد اللمين على إيقاظ هذه النقاط فى ذاكرتى:
وفى قادم المداخلات، بإذن الله، سوف أتطرق لهذه النقاط التى أضاءت لى أنا شخصيا جوانب هامة من شخصية دوسة وشعراء الغربة والإغتراب وحتى فى قناعاتى حول مفهوم الهوية والإبداع. كما أسهمت فى أستنهاض عطاءآت أخرى إبداعية لدوسة.
فالفيتورى ولد ونشأ وترعرع بالإسكندرية وكذلك بقية الفرسان الثلاثة: الجيلى عبدالرحمن ومحى الدين فارس. فكان الهاجس فى النفس يدور حول تقصى لى فى السابق عن طفولة دوسة كما ورد فى مذكراته حينما شب صبيا فى أحد أحياء الإسكندرية. فظللت أبحث عن مناطق تركز السودانيين والنوبيين بالذات فى أحياء الإسكندرية. وأستدعيت معلومات كنت قد إستقيتها من عمنا المرحوم عبدالرسول حارس بيت الشباب الذى كنت مشرفا عليه لسنوات ثلاث فى أواخر الستينات ومطالع السبعينات من القرن الماضى. وكانت قد قامت منظمتنا منظمة الخدمات الجامعية العالمية ببنائه فى صيف عام 1965 فى معسكر عمل تطوعى عالمى قبالة مدارس سانت فرانسيس وجوار فسم البوليس الشرقى بحى المطار فى الخرطوم. فكانت معلومات عمنا عبدالرسول معينة لى لأربطها بدوسة وبفرسان الأسكندرية الثلاثة الشعراء. فبدأت فى حصر اسماء الأحيا التى كنت أنتوى زيارتها للتحقق من من بقى على قيد الحياة فيها ممن لهم دراية بأسرة دوسة.
وبينما البوست يسير بوتيرة متسارعة ومداخلات قيمة من عدد من خيرة كتاب هذا المنبر، إذا بعضو يفجر مفاجاءة أذهلتنى وقلبت كثيرا من أوراقى ومعلوماتى حول فرسان الإسكندرية الثلاثة. فقد أفادنا العضو معنا هنا الشاعر إدريس محمد إبراهيم أنه أخ فى الرضاع لمحى الدين فارس ومحمد مفتاح الفيتورى. أى أن الفيتورى أخ بالرضاع لمحى الدين فارس، عليهما رحمة الله ورضوانه. فكان الأمر أكثر من صداقة أدبية ومجاراة شعرية وتوافق فى الهوى والتوجهات والهوية وإبتكار مدرسة تجديدية للشعر. فبدأت فى رصد أبعاد المعلومة وأثرها على ما سبق لى وبحثت فيه من الوجود السودانى بأحياء الإسكندرية المختلفة وما كان من ذكريات عمنا الشاويش عبدالرسول عليه رحمة الله.
وعليه فإننى أرى أنه لزام على أن آتى بقصص عمنا عبدالرسول وأستدعى الأخ الشاعرإدريس محمد إبراهيم أن يتكرم برفدنا بمداخلات تضئ لنا بعض الجوانب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالرحمن إبراهيم محمد
محمد عوض السيد
حسن طه محمد
الطيب شيقوق
الفاتح ميرغني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست