|
Re: دراسة تحليلية عن الفدرالية والفساد في افريقيا: أسماء حسين محمد آدم (Re: أسامة العوض)
|
ثالثاً: الفدرالية في السودان ونيجيريا : هل ساهمت في تقليص الفساد؟
تتشابه الأوضاع السياسية في كلتا الدولتين إلى حد بعيد , الأمر الذي يجعلهما نموذجين متميزين في تحليل العلاقة بين الفساد والفدرالية في أفريقيا. فالسودان ونيجيريا يتميز كل منهما بغنى في الموارد الطبيعية , وضخامة في المساحة الجغرافية , وتعدد في الإثنيات المكونة للدولة , والحروب الأهلية , وتذبذب أنمطة الحكم ما بين الديمقراطية والحكم العسكري , والإختلاف الذي لم يحسم بعد بين نخب البلدين في قضية تطبيق الشريعة الإسلامية , إضافة إلى تطبيقهما للنظام الفدرالي مع ارتفاع معدلات الفساد في الدولتين كما هو واضح من تقارير منظمة الشفافية السابق ذكره.
اختارت الدولتان , نيجيريا والسودان , النظام الفدرالي بعد أن جربتا نظام الدولة الموحدة المركزية. في التجربة السودانية التي بدأت في عام 1990 فقد تشظت فيها الدولة من 9 أقاليم (في عهد أنظمة الدولة الموحدة) إلى 26 ولاية في 1993 , أما بالنسبة إلى نيجيريا فقد تشظت فيها الدولة من 3 وحدات إدارية إلى 36 وحدة. في كلتا الدولتين لم يكن هذا التشظي لأسباب علمية بقدر ما كان استجابة لترضيات سياسية وضغوطات إثنية.
في كلتا الدولتين تم تبني الصيغة الفدرالية القائمة على أساس ثلاثة مستويات من الحكم (إتحادية , ولائية , محلية ). وقد أوكلت تلك الصيغة للمحليات مهام توفير الخدمات الأساسية للمواطنين. عملياً كان ذلك بمثابة تحميل المحليات مسئوليات فوق ما تستطيع , إذ أن الموارد المتوافرة في تلك المحليات لا تفي بتغطية الحاجة , أضطر ذلك الوضع المحليات والولايات إلى الإعتماد على الحكومة المركزية , الأمر الذي حد كثيراً من فلسفة الحكم الفدرالي المتمثلة باعتماد كل ولاية على ذاتها في إدارة شؤونها [19]. يصف سيبيرو الفدرالية في نيجيريا بالتالي:"إن تركز الثروة والسلطة الحقيقية في المركز , إضافة إلى التنافس للهيمنة على السلطة الفدرالية أدى إلى حدوث انفجار سياسي وإثني يتسم بالفساد والدوران في حلقة مفرغة"[20]. هذا الوضع المشروح آنفاً في دول تتميز بغلبة الانتماءات الضيقة (إثنية كانت أو سياسية) على الإنتماء الوطني , يشجع بلا شك على تفشي الفساد والمحسوبية في محاولة لتقسيم الكعكة المحدودة. كيف ذلك ؟ إن تقريب الظل الإداري عبر تقسيم الحكومة المركزية إلى حكومات مصغرة لم يؤد في الدولتين إلى توفير الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي, بل على العكس من ذلك , فقد أدى توافر الإنتماءات الضيقة فرصاً ذهبية لتغطية أعمال الفساد , هذا ما يفسر تنامي الفساد في الدولتين كل عام (أنظر الجدول الرقم (3) الخاص بنيجيريا والجدول الرقم (4) الخاص بالسودان اللذين يوضحان معدلات الفساد في الدولتين منذ 2008 وحتى 2011)
إن واقع الفقر الذي يعيشه معظم مواطني الدولتين يؤكد أن الفدرالية لم تسهم في تحسين نوعية المعاش لهذا القسم الأكبر من السكان , الأمر الذي ينفي بالضرورة "وهم" تقريب الظل الإداري عبر النظام الفدرالي , ولا يرجع الأمر هنا إلى سيادة الإنتماءات الضيقة فقط على الساحة السياسية والإدارية , فسيادة الثقافة التسلطية الهرمية في تلك المجتمعات قد أباحت ترقي السلم السياسي (والإداري والإقتصادي) لقلة من النخب المحظوظة وفرضت درجة عالية من اللامساواة بينهم وبين باقي الشعب , إضافة إلى ذلك , تتيح الثقافة التسلطية إضعاف الرقابة التشريعية المركزية لأداء الولايات أو غل أيدي تلك الرقابة عن اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف تنامي الفساد. وقد أثبتت العديد من البحوث العلاقة الـوطيدة بين اللامساواة والفساد[21].
وعندما نقول الثقافة التسلطية , فنحن لا نعني بها فقط الحكومات غير الديمقراطية. ففي أفريقيا , وكما هو واقع الحال في كل من نيجيريا والسودان , فإن الثقافة التسلطية هي السائدة حتى مع تطبيق الأنظمة الديمقراطية , وهذا يفسر أنه "وحتى في الحركات الديمقراطية ذاتها فإن هناك بوناً شاسعاً بين التطلعات الشعبية من جهة ومصالح النخب الضيقة المتمثلة بالقيادة والحصول على كرسي السلطة من جهة أخرى"[22]. في هذه الحالة تصبح سياسات مكافحة الفقر جزءاً من "الحلم" الذي لا يتحقق إلا بصعوبة بالغة , وهذا ما أكدته دراسة مستفيضة لعدد من الدول الأفريقية والآسيوية واللاتينية عن علاقة النظم الفدرالية بتبني سياسات مكافحة الفقر , خلصت الدراسة التي قام بها كروك و سفاريسون إلى أن الفدرالية لا تسهم في رفع درجة الفقر التي يعانيها معظم المواطنين في الدول النامية [23]. وقد أثبتا أيضاً أن الإستجابة للفقر - إذا اعتمدت فقط على العلاقات بين المركز والمحليات - تظل نتيجة عارضة.
|
|
|
|
|
|