|
Re: دراسة تحليلية عن الفدرالية والفساد في افريقيا: أسماء حسين محمد آدم (Re: أسامة العوض)
|
ثانياً: التحليل النظري : لماذا لم تسهم الفدرالية الأفريقية في تخفيف حدة الفساد السياسي؟
لا تعمل المؤسسات السياسية والإدارية في الدولة من فراغ , بل تعمل في سياق البيئة الإجتماعية والثقافية والإقتصادية للمجتمع. لذا من الطبيعي أن تختلف فدرالية أفريقيا عن الفدرالية المطبقة في أوروبا. فعلى رغم أن المجتمعات الأفريقية قد جرى عليها تغيير حقيقي بسبب تعرضها للإستعمار إلا أن البنية الثقافية التقليدية ما زالت قوية ومؤثرة , الأمر الذي خلق ثنائية متناقضة ما بين الشكل الحديث للمؤسسات وروح إدارة العمل بشكل تقليدي أميَل إلى الفوضى وعدم الإلتزام بقيم العمل الحديثة . أضف إلى ذلك انتشار الفقر والأمية والقابلية الشديدة للإختراق والهيمنة الخارجية.
يُعتقد أيضاً أنه تحت ظروف التعقيد الذي تعيش فيها المجتمعات الحديثة , فقد أصبحت الدولة لا تملك ديانة واحدة ولا قيم متفقاً عليها أو أيديولوجيا مشتركة [12]. لذا لجأت الحكومات إلى البحث عن "وهم" مشترك تعتمد عليه بغرض التوفيق بين "الأوهام" الأخرى المتصارعة , فهل لنا أن نعتقد أن الفدرالية الأفريقية هي أيضاً "وهم" يتم بيعه لشعوب الدول التي تطبق النظام الفدرالي؟
من يعتقد أن الإجابة "نعم" , يعدد بعض المنافع التي يمكن أن تجنيها الحكومات الأفريقية من بيع هذا الوهم ومنها: - من السهل على قادة أفريقيا السياسيين استخدام حجة اللامركزية لاستقطاب الدعم الداخلي من جهة , واستقطاب معونات أجنبية من المنظمات الداعمة من جهة أخرى , بينما هم مستمرون في تركيز سلطاتهم المركزية [13]. - عبر النظام الفدرالي يمكن القوى المهيمنة على أنظمة الحكم "التلاعب بمشاعر توسيع أطر المشاركة السياسية بدون إحداث تغيير جوهري على قيم الحكم"[14] - الإنتخابات المحلية وتقسيم البلاد إلى عدة حكومات محلية يزيد من مساحة نفوذ السلطة , وبالتالي يمكنها من متابعة محاولات تمرد المجتمعات المحلية ضدها بشكل أفضل. - تعطي الفدرالية فرصة ذهبية للقوى الحاكمة في نشر كوادرها , مضاعفين بذلك من آفة التوزيع غير المتساوي في الفرص بين المواطنين في تلك الدول. - يتيح النظام الفدرالي وجود أكثر من لاعب على المستوى الحكومي المحلي , وبالرغم من أن ذلك قد يعتبر ميزة ديمقراطية , إلا أن درازين يؤكد أن ذلك الوضع يعطي فرصة أوسع لهؤلاء اللاعبين في التعامل مع الموارد باعتبارها "شراكة عامة"[15] , فيجتهد كل منهم في التنافس من أجل الحصول على أكبر قسم من المنافع وتحويلها إلى مصالحهم الخاصة . ففي غياب الإجراءات المؤسسية الصارمة التي تضع الحدود وتنظم السلوك , فإن هذا التنافس سيخلق عجزاً متضخماً في الميزانية . ويؤكد المقولة السابقة البحث الذي أجراه ترايسمان والذي أكد فيه أن توقعات الفساد تكون أعلى كلما ارتفع عدد الحكومات المحلية [16].
إن توسيع قاعدة الحكومة مع تدني قيم وأخلاقيات العمل العام وضعف أجهزة المراقبة , يسمح لعدد إضافي من الموظفين بسرقة الأموال العامة دون محاسبة. لذا يعتقد غولدسميث أن المحاسبة والشفافية تتوافران أكثر في البنية المركزية مقارنة بالأنظمة اللامركزية [17]. , فالنخب المهيمنة في الدول التسلطية عادة ما ينحصر همها في استغلال السلطة للحفاظ على الوضع الراهن. لذلك فإن اللامركزية توفر فرصاً أوسع للمجموعات النافذة بالمزيد من التمكين , وبالتالي من زيادة حدة الفساد. يدعم ذلك الرأي أيضاً أن أياً من الدول الأفريقية الفدرالية لم تسجل تقارير مشرفة في مجال الحرية السياسية بحسب ما جاء في تقرير "الحرية في العالم 2012" [18] , كما هو موضح في الجدول الرقم (2):
|
|
|
|
|
|