|
Re: الركض إلى الشمس و مدائن بعيدة (Re: ابوعسل السيد احمد)
|
(3)هأنذا أتعافى أخيرا من جراحي. رصاصة في الساق و خمسة عشر يوما ثم يجيئون لنقلنا إلى العاصمة بتموضعها البعيد. عذاب لا يطاق كابدته، و انتهى بي الحال إلى أن أسعى بساق أقصر من رفيقتها. ما أيد شفائي السريع زياراتها المتكرة لي في المشفى البغيض. دموعها التي تذرفها عند مرآي كانت دليل محبتها برغم رفضها غير الصريح لي. هل رفضتني حقا ذات يوم؟ في الواقع، هل طرحت عليها فكرة الإقتران بي فعلا؟ كانت لقاءاتنا مزيجا من إمعانها في التهرب كلما تجاسرتُ على إثارة موضوع ثنائية الرجل و المرأة و نظرات مترددة البوح.
كلما أحسستها قريبة مني أشعر بها تفر عن عمد، و هو ما كان يحبط محاولاتي طرح سؤال الإرتباط. في كل مكان قدمتني إلى صويحباتها على أنني قريب أبيها. ألا تعلم أن أباها يعود بجذوره فقط إلى منطقتنا؟ هكذا صرت معروفا في تلك المدينة حيث تقيم و أهلها و حيث ذهبت أعمل بشعور المنفي إلى فصول الجحيم. و هكذا ربطت المدينة المشتغلة بالناس بيني و بينها لدرجة أن زملائي سالوني عن موعد الزواج و أجبت بأنه سيكون قريبا.
اليوم، و قبل رحيلي إلى مدينة أخرى في الأقاصي، أذكر جيدا أنني عندما كنت أرقد في المشفى سألتها إن كانت تقبل بي زوجا و أجابت بأن عليَ أن آخذ الدواء في مواعيده و آكل جيدا حتى أشفى بسرعة و عندها سنتحدث في كل شيئ. كانت محاولة مني لإنتزاع نصر عسير في حالة ضعف بينما تقمصت هي دور طبيبة ناجحة. إن أجمل انتصاراتنا هي التي تتحق و نحن في وضع ضعيف. ثم جاء يوم أشد وقعا في نفسي من الجراح و الشظايا السبع التي تستقر في جسدي. علمت أن آخرا في حياتها. أو هكذا خمن الكثيرون، فقد شاهدوا شابا أنيقا لا يفوقني في شيئ يكثر الظهور معها. ربما ما يحمل من درجة علمية مؤهله الوحيد لإجتذابها، و لكن لي مركزي المتميز. تُرى هل كان يقف طوال الوقت بيني و بينها دون أن أعلم؟ أم قفز إلى حياتها بعد رحيلي من تلك المدينة إلى أحد "المنافي" البعيدة؟ آه لو ألتقيه و استنطقه، أو أعرف منه الحقيقة! لا.. بل سأكتفي بأن أطلق عليه رصاصة واحدة من مسدسي الكبير.
أحس الجالس إلى جواري يتصفح الكثير من الأوراق. فلألق نظرة لن تقتل غزالا على أي حال. يا لطيف الألطاف، نجنا مما نخاف! أرى خطها على الورقة التي بين يديه محدقا فيها لفترة طويلة! نعم.. أجزم أنه خطها. و لكن من هذا الرجل؟ و من أين له هذه الورقة؟ لأكن حذرا و أحاول استراق النظر إلى الورقة. "احتكمت عواطفي إلى أنبل احساس فاخترتك شريكا لروحي توءما لحياتي في الابدية و في هذه الدنيا الفانية." يا للهول! هو أسلوبها عينه. إذن فهو غريمي! الرجل الذي نجح في ما لم أنجح فيه قط. لكن لأستوثق منه. أعرف كيف أجره إلى محادثة عابرة يعقبها تعارف. هيا.. عليَ أن أسرع!
_ الجو حار جدا هذه الأيام.
_ ...........
ما باله يصمت؟ هل هو مستغرق أم متصامم؟ لأجدد المحاولة:
_ الناس في هذه الأيام لا يعرفون الإتيكيت..
_ ..........
هو صامت كأبي الهول يعبث بأوراقه و يطوي الخطاب بعناية و يضعه في مغلفه الذي يحمل، أيضا، خطها الواضح ثم يدخله في المظروف البني الكبير. ها هو يسد النافذة الزجاجية دون أن ينظر إليَ، بعد أن طلبت منه ذلك.
هل سأرضى أن ينتصر مثل هذا الذاهل عليَ؟ لماذا لا أكون واقعيا، فهناك ألف فتاة تتمناني و هي لا تصل عشر معشار إحداهن. إذن، فهنيئا له بها!
|
|
|
|
|
|
|
|
|