االامين العام لحزب البعث السودانى يكتب دراسة هامة عن التنوع الثقافى والوحدة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 01:56 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة ضياء الدين ميرغنى الطاهر(altahir_2&ضياء الدين ميرغني)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-29-2003, 05:54 PM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
االامين العام لحزب البعث السودانى يكتب دراسة هامة عن التنوع الثقافى والوحدة

    التنوع الثقافي والوحدة الوطنية: الهوية القومية في السودان بين العروبة والافريقية: هل هناك أسس للتكامل؟
    2003/09/29

    محمد علي جادين
    هناك الان اتفاق عام وسط النخبة السياسية السودانية حول التعدد والتنوع الاثني والثقافي والديني في السودان. ويتجسد ذلك بشكل خاص في مقررات مؤتمر اسمرا 1995 التي تمثل موقف التجمع الوطني الديمقراطي بأطرافه الشمالية والجنوبية المختلفة واتفاقية الخرطوم للسلام 1997 التي تمثل موقف حكومة الانقاذ وحزب الجبهة الاسلامية القومية وبعض القوي الجنوبية المتحالفة معها. ويتضمن ذلك بالضرورة اعادة النظر في المكونات الاساسية المعتمدة في تحديد الهوية القومية للسودان وعملية الاندماج الوطني الجارية داخل الكيان السوداني الموحد بارتباطاته العربية والافريقية في ارتباطها بتسوية وطنية تاريخية ترتكز علي الديمقراطية والمساواة في حقوق المواطنة وواجباتها.. الخ. ويجد هذا التوجه مساندة ودعما اقليميا ودوليا ممثلا في مبادرة الايقاد وشركاء الايقاد والمبادرة المصرية الليبية المشتركة.
    ولكن رغم كل ذلك فان الموقف من هذه المسألة لا يزال يتسم بعدم الوضوح والتردد في تعيين حدود هذا التعدد والتنوع واستحقاقاته المباشرة ودوره العملي في الحياة الوطنية وبناء الدولة الوطنية الموحدة. وهذا الجانب يشكل اهم عوامل استمرار الحرب الاهلية وامتدادها للشمال وكذلك تدويل الازمة السودانية بشكل عام كما هو حادث الان، ودفعها في اتجاه تفكيك وحدة البلاد وتمزيقها علي اسس دينية وعرقية. ومع غياب الديمقراطية واتساع الازمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد، ادت تعقيدات الصراع السياسي الي تحويل قضايا الهوية من مجالها الثقافي الي المجال السياسي واستخدامها في الاثارة والتحريض والاستقطاب وتصوير السودان كمجموعات قبلية واثنية متصارعة، وبالتالي تهديد وحدة الكيان السوداني.. فهل يعكس ذلك صراعا اثنيا وثقافيا لا فكاك منه الا بتفكيك وحدة البلاد علي اسس عرقية ودينية؟ هل هو توجه لاثنية السياسة السودانية كما يقول د. حيدر ابراهيم؟ ام هو مجرد انعكاس متضخم للازمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد؟ وبجانب كل ذلك.. اين موقع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقضايا بناء الدولة الوطنية؟ هل اصبحت تابعة لقضايا الهوية؟ ام ان العكس هو الصحيح؟ بالطبع لا يمكن التقليل من شأن مشكلة الهوية وموقعها في مجمل قضايا التطور الوطني.. ولكنها بالتأكيد ليست القضية الاساسية ولذلك فان مواجهتها لا يمكن ان تتم بمعزل عن قضايا التطور الوطني الاخري.
    وبهذا الفهم تتناول هذه الدراسة تطور مفهوم الهوية القومية لدي الحركة الوطنية في مراحلها الاولي واشكاليتها الراهنة، بتركيز علي الجنوب وامكانية اندماجه ومشاركته في بناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والافريقي والدولي، وضمن ذلك تتطرق الدراسة لبعض افكار الاكاديمي والمثقف السوداني الجنوبي القيادي د. فرانسيس دينق حول هذه المسألة والعوامل المؤثرة في المحافظة علي وحدة السودان او تفككه.

    حركة الاستقلال الوطني ومشكلة الهوية

    الاعتراف بواقع التعدد والتنوع الاثني والثقافي والديني يعني ان السودان ليس امة او قومية موحدة، حسب التعريف العلمي لمفهوم الامة والقومية، اي ان هويته مركبة من عدة قوميات بعضها مكتمل النمو وبعضها الاخر لا يزال في طوره القبلي لم يتبلور قوميا بعد.
    ومن هذا الفهم جاءت انتقادات البعض لمفهوم الهوية القومية في السودان لدي الحركة الوطنية في مرحلة النضال من اجل الاستقلال واتهامها بالتركيز علي العروبة والسلام والهوية العربية الشمالية وتجاهل المكونات الاخري، خاصة المكون الافريقي، وتجاهل حقائق التعدد والتنوع الاثني والثقافي والديني في البلاد. وفي العادة تربط هذه الانتقادات بخصائص استعلاء عرقي وثقافي كامنة في الثقافة العربية الاسلامية والهوية الشمالية بشكل عام ومنطقة الوسط بشكل خاص (راجع كتاب صراع الرؤي لفرانسيس دينق) فهل يمكن ان نلصق مثل هذه الاتهامات بخصائص ثابتة في اي ثقافة كانت؟ ام هي نتاج ظروف اقتصادية اجتماعية محددة وسيطرة فئات اجتماعية بعينها علي مجري الحركة الوطنية في تلك الفترة؟ وهل مفهوم الهوية والتعدد والتنوع هو مفهوم ثابت وسرمدي لا يتبدل ولا يتغير؟ ام انه خاضع للتطور مثله مثل كل المفاهيم الاخري؟
    لقد ظهر مفهوم الوطنية والهوية الوطنية بمعناه الحديث مع بدايات الحركة الوطنية الحديثة (الاتحاد السوداني واللواء الابيض) في ظروف مواجهة الاستعمار البريطاني والنضال من اجل الاستقلال، ووقتها كان السودان دولة تعاني من ضعف عمليات الاندماج الوطني وفي بدايات احتكاكها بالحضارة الغربية وعملية التحديث. ولذلك جاء التركيز علي اللغة العربية والاسلام بحكم دورهما الاساسي في بناء الكيان السوداني وتعزيز وحدته الوطنية طوال الفترات السابقة للحكم الثنائي (راجع كتاب حوارات الهوية لعبد العزيز الصاوي) وذلك في ظروف كان هذا الكيان يعاني فيها من سيطرة القبيلة والطائفية. ويكفي هنا الاشارة الي موقف القوي المهيمنة التقليدية من ثورة 1924 بكل ما كانت تحمله من مفاهيم جديدة حول الهوية الوطنية وغيرها وتطور هذا المفهوم بعد ذلك في نشاط الجمعيات الادبية والفكرية بعد هزيمة الثورة وفي المدارس الفكرية التي تأسست في بداية الثلاثينات (ابو رو، ودمدني، الموردة.. الخ).. ومن ثم تبلورت السمات العامة لهذا المفهوم في حركة مؤتمر الخريجين، خاصة مذكرته للحاكم العام 1942 حول تقرير المصير والحكم الذاتي التي ركزت علي التعليم والتجارة والغاء السياسة الجنوبية وتوحيد شطري القطر.. الخ، وظهرت هذه السمات بعد ذلك في برامج وشعارات الاحزاب السياسية المختلفة، وكانت كلها تعادي القبلية والطائفية وتعتبرها مهددة للوحدة الوطنية والوعي الجديد وتدافع عن الوطنية السودانية بركائزها العربية الاسلامية. واستند هذا التوجه في خطوطه العامة علي العوامل الاساسية المؤثرة في بناء الكيان السوداني وتعزيز وحدته الوطنية، خاصة في المناطق الشمالية، كما حددها المجري العام لعمليات الاندماج الوطني الجارية في تلك المناطق منذ صعود السلطنات العربية الاسلامية في القرن الخامس عشر مرورا بالحكم التركي المصري ودولة المهدية حتي مجيء الحكم الثنائي. فالسودان بحدوده الراهنة، لم ينشأ مع الحكم الثنائي او حتي الحكم التركي المصري وانما تبلورت تركيبته التقريبية خلال فترة السلطنات الاسلامية في الوسط والشمال والغرب (سنار، الفور، تقلي، المسبعات) وذلك نتيجة تطورات اقتصادية اجتماعية وسياسية عديدة ( راجع كتابي تاريخ السودان الحديث للقدال وحوارات الهوية للصاوي). وسيادة الثقافة العربية الاسلامية في الشمال لم تأت نتيجة دعم ومساندة الحكم الثنائي، كما يقول فرانسيس دينق كتاب ديناميات الهوية وانما نتيجة تطورات داخلية عديدة، ويستند هذا التوجه ايضا الي ظروف كرد فعل لسياسات الادارة البريطانية في احياء القبلية والطائفية في الشمال ولسياساته الخاصة بفصل الجنوب وعزله عن الشمال (قانون المناطق المقفولة، محاربة اللغة العربية والاسلامية وحركة التجار الشماليين والادارة والتعليم في الجنوب.. الخ) وساعدت علي نمو هذا المفهوم وتطوره عوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية عديدة تشمل نشوء طبقة وسطي (التجار، الجلابة، الافندية) في المدن والقري ومنتشرة في كل مناطق البلاد. وهناك ايضا ارتباط هذه الطبقة بالنشاط الحديث في المدارس ومكاتب الدولة والسوق وثقافتها العربية الاسلامية وهويتها الشمالية، ومن خلال كل ذلك لعبت دورها في نشر الوعي الجديد لمفهوم الوطنية السودانية. ولذلك سيطر هذا التوجه في نشاط الادباء والشعراء والمغنيين وبرزت تأثيراته في كل المدارس الفكرية والثقافية السائدة في تلك الفترة، وفي برامج الاحزاب السياسية رغم الخلافات الظاهرة في شعاراتها (السودان للسودانيين، وحدة وادي النيل، الكفاح المشترك) فكها كانت تركز علي وحدة الكيان السوداني وعلي دور اللغة العربية والاسلام في مكونات هويته الوطنية ووحدته وتماسكه، وتتجاهل المكونات الاخري نتيجة ظروف وعيها في تلك الفترة، لكن ذلك لم يمنعها من مقاومة السياسة الجنوبية الخاصة بعزل الجنوب عن الشمال او اهمال المناطق الاخري في الغرب والشرق وغيره رغم ارتباط الاحزاب الاساسية بطائفتي الختمية والانصار وتأثير ذلك سلبيا في توجهاتها الفكرية والسياسية. وفي نهاية الاربعينيات نجحت مقاومتها هذه في الغاء السياسة الجنوبية، عندما تراجعت عنها الادارة البريطانية في مؤتمر جوبا 1947 اعادت ربط الجنوب بالشمال في اطار السودان الموحد. وهذا المؤتمر جاء نتاجا لمقاومة حركة الخريجين لتلك السياسة واسباب اخري خاصة بالسياسة البريطانية بعد الحرب الثانية وبدخولها في ترتيبات الحكم الذاتي واستقلال السودان، وفي هذا الاطار تمثل العامل الحاسم في الموقف البريطاني، حيث اشار السكرتير الاداري الي صعوبات فصل الجنوب عن الشمال وربطه بشرق افريقيا. واكد ان شعب الجنوب شعب افريقي زنجي، لكن عوامل الجغرافيا والاقتصاد تفرض عليه الارتباط في مستقبله بالسودان الشمالي العربي والشرق اوسطي (كتاب ديناميات الهوية لدينق) وفي نفس العام ظهر تردد هذا الموقف في مذكرة رسمية كانت لا تزال تدور حول امكانية فصل الجنوب عن الشمال في النهاية بتحويل المسألة برمتها الي لجنة دولية في وقت مناسب وهكذا فرضت السياسة الجديدة بمشاركة شمالية محدودة ورغم تحفظات الجنوبيين المشاركين في المؤتمر ووافقوا في النهاية استنادا الي ضمانات بريطانية بحماية خصوصية الجنوب ومصالحه في مواجهة الشمال.

    مؤتمر جوبا والهوية المزدوجة

    استقبلت الحركة الوطنية نتائج المؤتمر باعتبارها انتصارا لتوجهاتها الاساسية وبالتجديد لمذكرة مؤتمر الخريجين للحاكم العام ومطالبتها بالغاء السياسات الجارية وتوحيد شطري البلاد. وكانت تري ان مجرد الغاء تلك السياسات واستبدالها بسياسة معاكسة كفيل بحل مشكلة الجنوب واندماجه في الشمال، وذلك من خلال فتح الطريق لتعريبه ونشر الاسلام واللغة العربية في ربوعه.. وهي نظرة تتماشي مع مفهومها لمشكلة الهوية القائمة علي التبسيط والتركيز علي دور هذين العاملين في بناء الكيان السوداني وتعزيز وحدته الوطنية (راجع كتاب السودان: الدولة المضطربة لبروفسور ودوارد). اما النخبة الجنوبية، فقد ركزت علي الدفاع عن خصوصية الجنوب، استنادا الي السلطة البريطانية في البداية وعلي التعامل مع الحكومات المركزية في الفترات اللاحقة، بهدف تعظيم مكاسبها الخاصة والمكاسب الاقليمية للجنوب بشكل عام مع تجاهل كامل لاهمية بناء حركة سياسية فاعلة ومتفاعلة مع رصيفتها الشمالية.
    كان المؤتمر حدثا هاما يفتح الطريق لاعادة ربط الجنوب بالشمال ومشاركته في بناء سودان موحد علي اسس ملائمة. وكان يمكن ان يساعد في تطوير مواقف الحركة الوطنية في الشمال حول قضايا الهوية والوحدة الوطنية في اتجاه توسيع مفهومها التبسيطي ليشمل الجنوب بتمايزاته التاريخية والثقافية والاثنية عن الشمال العربي المسلم في عمومه، ويستوعب تركيبة السودان المعقدة وهويته المزدوجة وخصوصية انتمائه ودوره العربي والافريقي وذلك بالبناء علي ما حققته من انجازات في هذا المجال في الفترات السابقة، خاصة في جوانب تركيز الانتماء الوطني وبناء تنظيمات سياسية وثقافية ونقابية وطنية في مواجهة الانتماءات لانشدادها لتركيبتها الاقليمية الجنوبية وتحولها في معظم الاحيان الي معبر حقيقي لتطلعات الجنوب (كتاب الدولة المضطربة لودوارد).
    الواقع ان القضية ليست في تخيير السودان بين عروبته وافريقيته، بقدر ما هي في التعامل مع حقائق الواقع كما هي، وفي التركيز علي المداخل التي توحد البلاد وتمكنها من القيام بدورها. فالسودان حسب د. فرانسيس يمثل افريقيا مصغرة وجسرا للتواصل بين القارة الافريقية والشرق الاوسط وهذا الوصف يعبر بشكل محدد عن خصوصية انتماء السودان عموما، والشمال بشكل خاص ودوره في محيطه العربي والافريقي. وبذلك يمكن القول بأن العروبة والافريقية اصبحتا مندمجتين بشكل كبير في شمال السودان ولم يعد من الممكن التمييز بينهما. وهو بذلك يكون الاكثر تمثيلا للقارة الافريقية بالمقارنة مع اي منطقة افريقية اخري بما في ذلك جنوب السودان (راجع بروفسور مدثر عبد الرحيم) ود. فرانسيس دينق نفسه يشير الي ان هذه الهوية المزدوجة تشكل عامل تدعيم وتعزيز للوحدة الوطنية ولدور السودان في المحيطين العربي والافريقي (كتابا ديناميات وافارقة عالمين) ويشير ايضا الي تداخل ثقافة الدينكا وديانتها مع ثقافات الشرق الاوســـــط والديانات السماوية الكبري في المنطقة وذلك يعني ان هناك الكثــــــير من المشتركات التي يمكن تنميتها وتطـــــويرها لمصلحة بناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والافريقي. وهنا نشير الي ان احتمال الاصل الشلكاوي للفونج يمثل مدخلا هاما في هذا الاتجاه.

    وضع الجنوب

    في الجانب الآخر يختلف الوضع في الجنوب وتنطبق عليه التعريفات ذات الطابع السوسيولوجي، المرتبط باوصاف الاثنية والقبلية اكثر من اوصاف القومية وشبه القومية، وذلك يعني انه لا يزال في طور التكوين والتبلور ولم يستكمل مقومات تكوينه القومي بعد (كتاب ازمة المصير للصاوي) ولكن ذلك لا يقلل من قيمته الانسانية وحقيقة خصوصيته واختلافاته التاريخية والثقافية عن الشمال. ورغم كل ذلك يمكن القول انه يتميز بهوية (اقليمية) موحدة (كتاب السودان لودوارد) هوية فوق قبلية، افرزتها عوامل عديدة شملت: السياسة البريطانية تجاه المنطقة حتي عام 1947 (السياسة الجنوبية) ودور المتعلمين في فترة ما بعد الاستقلال، تجربة الحرب الاهلية الاولي (54 ـ 73) والثانية (83 ـ 000)، تجربة الحكم الذاتي الاقليمي 72/1983 الخ بالاضافة الي التطورات السياسية والاجتماعية اللاحقة واتساع الفئات الرأسمالية الجنوبية النامية والتأثيرات السلبية والايجابية للعلاقة مع الشمال وغيرها. ويدخل في ذلك تأثيرات حركة تحرير شعب السودان التي اصبحت في فترات وجيزة تكتسب طابع المعبر الحقيقي عن وحدة وتطلعات الجنوب كهوية اقليمية موحدة رغم شعاراتها حول السودان الجديد وهي حقيقة يشير اليها ايضا فرانسيس دينق، رغم تركيز كتاباته حول الجنوب علي الدينكا بشكل خاص والقبائل النيلية بشكل عام، لكنه لا يتناولها بشكل مباشر مقارنة بالآخرين (المرحوم جوزيف قرنق والاكاديمي قبرائيل بادال الخ) وتماما كما هو الحال في الشمال، لا يمكن الحديث عن التنوع الاثني والثقافي في الجنوب بعمومية او وحدات قبلية معزولة بعضها عن بعضها وتجاهل عملية التفاعل والتمازج الجارية وسطها. وفي هذا الاطار تشير الوقائع الي وجود ثلاث مجموعات جنوبية كبيرة تمثل درجة من الانتماء فوق ـ القبلي. وهذا الوضع يساعد في فتح الطريق لتبلور كيان قومي او اكثر حول كبري القبائل الجنوبية (الدينكا) او حول تحالف بين المجموعة النيلية الكبري (الدينكا، النوير، الشلك) التي تشكل حوالي 60% من سكانه وذلك رغم عوامل الانقسامات القبلية والسياسية والشخصية، وتدعم مثل هذا التوجه تطورات ما بعد الاستقلال التي خلقت الاساس الموضوعي لوحدة المنطقة. ويعتمد ذلك بشكل رئيسي علي تطور مفاهيم طبقة المتعلمين حول هذه المسألة وعلي آفاق علاقة الجنوب بالشمال ومحيطه الافريقي المجاور وهي مفاهيم لا تزال تتراوح بين الانفصال والوحدة الفضفاضة مع الشمال وبين وحدة المنطقة وتجزئتها وبين البحث عن هوية اقليمية جهوية خاصة ومعاداة الثقافة العربية والهوية الشمالية. وهنا يلاحظ ضعف المساهمة الجنوبية في هذا المجال فيما عدا ما توصل المرحوم جوزيف قرنق (قيادي شيوعي اعدمه النميري) حول استحالة اندماج المجموعات (القومية، القبلية الجنوبية) مع القومية العربية الشمالية لتكوين قومية سودانية موحدة، وذلك لأن الاخيرة استكملت نموها وتبلورها القومي ولا يمكن اللحاق بها. لذلك يري ان الطريق الوحيد المفتوح امام هذه المجموعات هو تطور جماعاتها الكبيرة وتبلورها في عدد من (الوحدات القومية) في اطار سودان موحد، اذا ما توفرت ظروف ديمقراطية ملائمة (كتاب أزمة المصير للصاوي) وفي عام 1970 اقترح تحديد لغة او لغتين من لغات الجنوب لتكون لغة قومية للاقليم بكامله (كتاب الماركسية لعبد الله ابراهيم) وهو ينطلق هنا من النظرة الماركسية للمسألة القومية في تلك الفترة وتجربة الاتحاد السوفييتي في هذا المجال ويرجع ظاهرة التفاوت الاقتصادي الاجتماعي بين الجنوب والشمال الي السياسات البريطانية والقوي المهيمنة الشمالية، اي الي جذورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويتعامل مع حقائق التنوع في الجنوب والشمال بحدودها وحجمها الحقيقي، بعكس ما نشهده حاليا من مبالغة وتضخيم لحقيقة التنوع وحجمه ومن نظرة تربط ظاهرة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بهيمنة (الوسط الشمالي والثقافة الشمالية) واسقاط اي امكانية لتعايش المجموعات المختلفة وتفاعلها وتطورها الطوعي في وحدات ثقافية كبيرة في اطار سودان موحد. وفي نفس الاتجاه يناقش المرحوم عبد الخالق محجوب، سكرتير الحزب الشيوعي السابق في كتابه (حول البرنامج) مقترحات حول تطور (ثقافات المجموعات/القومية ـ القبلية غير العربية) خاصة المجموعات الجنوبية (لاحظ تعبير المجموعات القومية ـ القبلية الذي يجمع بين مرحلتين في تطور المجتمعات) وذلك عن طريق تطوير ثقافاتها ولغاتها والتوسل بها في التعليم والنهضة الثقافية الشاملة باعتبارها جزءا من مكونات الثقافية السودانية العامة ويربط هذه المقترحات باستفتاء لاعادة تجديد وحدة الجنوب والشمال (هل يعني ذلك تقرير المصير؟ والواقع ان اعلان حزيران (يونيو) 1969، واتفاقية اديس ابابا 1972 يتضمنان ايضا اعلانا صريحا للهوية الاقليمية للجنوب مقابل الهوية العربية الشمالية، بسبب اختلافاته الثقافية التاريخية. ويلاحظ هنا عدم اهتمام (حركة تحرير جنوب السودان) وقتها بقضايا اللغة والثقافة المرتبطة بقضية الهوية ولذلك اهملت هذا الجانب في الاتفاقية وفي ممارساتها العملية بعد ذلك رغم ارتفاع صوتها في الدفاع عن خصوصية الجنوب وثقافاته الافريقية في مواجهة نزعات الهيمنة والاستعلاء الكامنة في الثقافة العربية الشمالية. ويبدو ان مفاوضات مشاكوس الجارية الآن لا تركز هي الاخري علي هذه الجوانب. المهم من خلال ذلك يمكن ان يلعب الجنوب، واي مجموعة اخري يفرزها التطور الواقعي، دوره في اعادة النظر في المكونات الاساسية المعتمدة في تحديد الهوية الوطنية وغيرها. ويرتبط ذلك بشرط اساسي يتمثل في توفر الديمقراطية في الدولة والمجتمع واعتبار المواطنة هي اساس الحقوق والواجبات. وضمن هذا الاطار يمكن الوصول الي تسوية وطنية تاريخية تفتح الطريق لبناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والافريقي.
    الخلاصة
    ناقشت الدراسة تطور مفهوم الوطنية عند الحركة الوطنية في مراحلها الاولي حتي السنوات الاولي للاستقلال، ودور هذا المفهوم مع ظروف اخري في وضع العلاقة الشمالية ـ الجنوبية في مجري المواجهة والاقتــــتال لأول مـــرة في تاريخها. وتطـــــرقت الي تطور هذا المفهوم في الفترة اللاحقة، في اتجاه مفهوم يعبر عن حقائق الواقع السوداني.
    وتعرضت الي ان مشكلة الهوية في الوقت الحالي تتمثل في توجهين متطرفين، متناقضين ومتشابهين في نفس الوقت. الأول يضع الدين في مواجهة الهوية الوطنية ويستند الي الاسلام واللغة العربية ومعاداة كـــــل الثقــــافات والاديان الاخري، ويحاول فرض مفهومـــــه هذا بالقوة والاكراه، وتمثله الجبهة الاسلامية القومية وحكومة الانقاذ والثاني يتركز وسط الحركة الجنوبية وبعض الدوائر الشمالية. وهو توجه معاكس للتوجه الأول ويضع الانتماء السوداني والافريقي في تناقض موهوم مع الانتماء العربي الاسلامي في الهوية السودانية.
    وهو ايضا توجه احادي يعمل علي نفي الهوية العربية الشمالية لمصلحة هوية افريقية مزعومة. وتري الدراسة انه لا سبيل الي مواجهة هذه المشكلة خارج اطار مواجهة الأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد، وفي مناقشتها لهذين التوجهين توصلت الي مفهوم واقعي موضوعي محدد للهوية الوطنية، يرتكز الي تكوين قومي مزدوج: هناك هوية عربية اسلامية غالبة في الشمال وهوية اقليمية في الجنوب وتنوع اثني وثقافي في اطار هاتين الهويتين والوطنية السودانية المشتركة.
    وينطلق هذا المفهوم من واقع تطوره خلال سنوات ما بعد الاستقلال، وترجع جذوره الي فترة السلطنات العربية الاسلامية، خاصة سلطنة سنار (4051 ـ 1281)، ففي هذه الفترة كان السودان يسير في اتجاه الوحدة والاندماج الوطني لاستكمال كينونته الوطنية بتكوينها المزدوج وتنوعها الثقافي الحالي تقريبا، اي قبل مجيء الحكم التركي المصري. وذلك يعني ان تكوين السودان بشكله الحديث قد بدأ منذ تلك الفترة. ومع ميلاد الحركة الوطنية الحديثة تطور هذا المفهوم علي اساس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات والمشاركة في تقرير مصير الوطن.
    وتلازم هذا التطور مع انحسار النظرة التي تربطه بالاسلام واللغة العربية فقط ليستوعب الجنوب وتعقيدات التركيبة السودانية وخصوصية انتمائها ودورها العربي والافريقي، وفي اطار هذا المفهوم الواسع يمكن استيعاب وتنمية ثقافاته وهويته الاقليمية ويمكن ايضا اخراج الاسلام والعروبة السودانية من مأزقها الراهن النابع عن السياسات الجارية تجاه الحرب الاهلية وقضايا الهوية والوحدة الوطنية. والمدخل الي ذلك يتمثل في التمييز بين الهوية القومية الشمالية من جهة والقوي السياسية والاجتماعية المهيمنة المرتبطة بهذه الهوية من جهة اخري، ومن ان الاسباب الجوهرية التي ادت الي ادخال البلاد في ازمتها الوطنية الشاملة الراهنة بما في ذلك مفاهيم الاستعلاء الثقافي وممارسة الاستبعاد والتهميش في الحياة الوطنية تتمثل في الطبيعة الفكرية والسياسة لهذه القوي المسيطرة وليس في مفهوم مختل للهوية بشكل محدد.. وامكانية اصلاح الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الناتجة من ذلك ليس في نفي الهوية الشمالية او التقليل من شأنها، وليس في فرض الاخيرة بالقوة والاكراه علي المجموعات الاخري، بل في توفير الشروط الضرورية لتوسيع المشاركة في الحكم وبناء الدولة الوطنية.
    والسبيل الي ذلك يتمـــثل في استعادة الديمقراطية كشرط اساسي والمحـــافظة علي وحدة البلاد وتمكين الجميع من المشـــاركة في اعادة بناءها علي اسس وطيــــــدة وهـــــذا لن يتم خارج اطار تسوية وطنية تاريخية، تشارك فيها كل القوي السياسية والاجتماعية في الشمال والجنوب علي السواء. وفي اطار ذلك يمكن للسودان ان يلعب دورا اساسيا في محيطه العربي والافريقي، وفي العلاقات العربية، الافريقية وفي ضمان امن واستقرار المنطقة وذلك انطلاقا من ان امنها اما ان يكون عربيا وافريقيا مشتركا او لا يكون علي الاطلاق.
    كاتب وسياسي من السودان
    8
                  

العنوان الكاتب Date
االامين العام لحزب البعث السودانى يكتب دراسة هامة عن التنوع الثقافى والوحدة altahir_209-29-03, 05:54 PM
  موقف البعث من الاتفاقية altahir_209-29-03, 05:59 PM
  Re: االامين العام لحزب البعث السودانى يكتب دراسة هامة عن التنوع الثقافى وال bayan09-29-03, 06:03 PM
  Re: االامين العام لحزب البعث السودانى يكتب دراسة هامة عن التنوع الثقافى وال altahir_209-29-03, 06:09 PM
  Re: االامين العام لحزب البعث السودانى يكتب دراسة هامة عن التنوع الثقافى وال altahir_209-30-03, 01:24 PM
  Re: االامين العام لحزب البعث السودانى يكتب دراسة هامة عن التنوع الثقافى وال altahir_210-01-03, 01:16 AM
  حوار فكري وسياسى بين البعث والحركة altahir_210-01-03, 09:50 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de