|
هل ما زال فينا من يوصل الناس إلى المهدية؟
|
كنت عائداً البارحة من مكتبى فى شمال جدة إلى المنزل ، ومقر مكتبى يقع فى أقصى شمال المدينة (شارع حراء) وأمر عبر شارع الثمانين حتى منزلى فى الشرفية وهى مسافة بعيدة تعدل المسافة من المهدية إلى برى تقريبا ، وفى إحدى الإشارات وقف بجانبى سودانى يسأل عن الطريق إلى باب مكة ، وكان ذلك فى شارع الثمانين إلى الشمال من مدينة جدة ، وباب مكة الذى يسأل عنه بعيدا جدا من هذا المكان ، فطلبت إليه أن يتبعنى ، وبالفعل تبعنى طويلا حتى أدخلته شارع الستين ، فوقف بجانبى فى الإشارة التالية وأوضحت له الطريق ، وإشارات جدة عادة طويلة ، تضطر إلى الإنتظار فيها كثيرا ، فاستغلينا هذه السانحة للتعارف ، فقال لى أنه مقيم بمكة المكرمة ولا يفقه عن جدة وشوارعها شئيا ، فقلت له أهل مكة أدرى بشعابها ، فضحك ، ثم طلبت إليه الدعاء فى تلكم البقعة الطاهرة ، فوعدنى أن يفعل ، ثم إنصرف كلانا دون أن تكون هنالك سابق معرفة غير سودانيتنا وقد عرف طريقه إلى باب مكة ، فتذكرت ساعتها المرحوم الطيار الشاب عبدالله سعيد جيلانى ، أحد أصدقاء خالى المرحوم طيار محمد عثمان همرور ، فقد كنت أجلس يومها فى منزل الخال بالخرطوم ، وكان هو فى إنتظار صديق عمره عبدالله الذى ذهب فى مشوار بسيط إلى بحرى ، إلا أنه تأخر كثيرا فى العودة حتى بدأ على الخال الضيق والضجر ، وبعد هنيهة أتى عبدالله ، فما كان من خالى إلا أن سأله عن أسباب تأخيره ، فقال له ، تعرف يا همرور وأنا فى بحرى وقد أنهيت مشوارى الذى ذهبت بسببه هنالك ، وعندما هممت بالعودة ، إذا بإمرأة كبيرة تطلب منى أن أوصلها إلى منزلها لعدم وجود المواصلات وأنها قد تأخرت على أولادها ، فلم يتردد عبدالله وطلب إليها أن ترافقه فى السيارة ، وبالفعل ركبت المرأة الكبيرة السيارة ، فسألها عبدالله (ماشة وين يا حاجة) فقالت له (ماشة بيتنا فى المهدية) ، لا حولالالالالا فالمهدية بعيدة جدا عن الخرطوم وهى على عكس إتجاهه تماما ، فلم يتكدر ولم يتحوقل ولم يضجر ولم يزعل ، بل قال لها (حاضر يا حاجة) ، وغير إتجاهه ، وقام بتوصيل الحاجة حتى منزلها فى المهدية ، ثم عاد أدراجه إلى الخرطوم وتأخر على أصدقائه ، وقد قص هذه الحكاية وهو مبتسم فرحان ، ونظرا لصغر سننا عند سماع هذه الحكاية ، فقد تعجبنا غاية العجب من هذه الشهامة ،
وقد سمعت الكثير من مثل هذه الحكايات ، حتى إن واحدة من هذه الحكايات قصة رواها لى شخص كان بطلها صلاح إدريس الذى كان متوجها من بحرى إلى الخرطوم ، فوجد عائلة تقف فى الشارع فطلب إليهم أن يركبوا معه لتوصيلهم الخرطوم ، حيث أنها فى طريقه ، وعندما ركبوا معه عرف أن وجهتهم هى إلى الحلفايا وليس الخرطوم ، إلا أنهم وقفوا فى الإتجاه المضاد أملا فى الذهاب إلى الموقف الرئيسى للحلفايا ولا يقصدون الخرطوم ، فحكى لى صاحبى أن الأرباب قد غير إتجاهه وأوصلهم حتى منزلهم فى الحلفايا وعاد أدراجه إلى الخرطوم دون ضيق ولا منة ولا كدر.
وهنالك الكثير الكثير من مثل هذه الحكايات المليئة بالشهامة والأصالة والجسارة والإيثار ،
فهل ما زال فينا من يوصل الناس إلى المهدية فى هذا الزمن الردىء؟
|
|
|
|
|
|
|
|
|