|
Re: معارك ذي المِجَنْ (Re: FRIGON)
|
من الشعراء الذين احبهم على الاطلاق.. الشاعر خليل حاوى.. كتبت امتحان النقد النظرى فى قصيدته العاذر 62.. وأذكر اننى كتبت ثلاثة كراسات...
وتعجبنى قصيدته هذه او بالاحرى عندما يكون الشاعر خليل حاوى فأنا لا استطيع ان افاضل بين قصائده.. التى دائما اجد ضالتى فيها..واحس انه يعبر عنى... قد كان شاعرا كئيبا مكتئبا.. ومات منتحرا. احتجاجا على الاجتياح الاسرائيلى.. من غرائب الصدف ان دكتور خانجى كان قد كتب عنه مقالا وتنبأ بانه سيموت منتحرا...بما انه شاعرى المفضل فاننى ساتى بقصيدتين من قصائده..
فى هذه القصيدة ايضا يستلهم قصص تراثية..او بالاحرى من القصص القرآنى
ويفجرها بمعانى جديد حديثة..فهذه القصيدة جعلتنى أحس كأنه عضو فى سودانيز اون لاين مش قلت ليكم دائما قصائده تماثل حالتى النفسيية.. يا رب ما انتحر ذيو من الاكتئاب
في جوف الحوت
ومتى يُمْهِلُنا الجَلاَّدُ والسَّوطُ المُدَمَّى?
فنموتْ
بين أيدٍ حانياتٍ,
في سكوتٍ, في سكوتْ
ومتى يَخْجَلُ مصباحُ الخفيرْ
من مخازي العارِ
والدمعِ المدوِّي من سريرٍ لسريرْ?
ومتى يُحْتَضَرُ الضوءُ المقيتْ
ويموتْ
عن بقايا خِرَقٍ شوهاءَ,
عنَّا, عن نُفاياتِ المقاهي والبيوتْ?
حُشِرَت في مِصْهَرِ الكبريتِ,
في مستَنْقعِ الحمَّى,
رَسَتْ في جَوفِ حوتْ
مُضْغَةً يجْترُّها الغازُ الجحيميُّ السعيرْ,
حشرجاتٍ تَتَعالى
سُحُبًا صفراءَ في وجه القديرْ
والضميرْ
ذلك الصوت المُرائي
كم يُرائي المستَجيرْ,
ذلك الجوُّ الجحيميُّ السعيرْ
في مداه لا غدٌ يُشرِقُ,
لا أمسٌ يفوت
غيرَ آنٍ ناءَ كالصَّخر على دنيا تموتْ
أتُراهُ كان لي دنيا سِواها,
كانَ لي يومٌ نضيرْ
وعرفتُ الحلمَ والإيمانَ والحبَّ القريرْ:
نَبْضُ قلبينِ, وَزنْدٌ لَيِّنٌ,
وصدًى يهمسُه دفءُ الحريرْ,
وَصليبٌ وَرِعٌ فوق السريرْ
وخيالٌ يتحدَّى
عَتْمَةَ المجهولِ والسرَّ الكبيرْ.
أتُراهُ كانَ لي يومٌ معافًى ونضيرْ
أم حكاياتُ ثلوجٍ مَدَّها
البُحْرانُ في وَهْجِ الهجيرْ?
كل ما أذكرُه أنِّي أسيرْ,
عُمْرُهُ ما كان عُمْرًا,
كان كهفًا في زواياهُ
تدبُّ العنكبوتْ
والخفافيشُ تطير ْ
في أسى الصمتِ المريرْ
وأنا في الكَهف محمومٌ ضريرْ
يتمطَّى الموتُ في أعضائِهِ,
عُضوًا فعُضوًا, ويموتْ
كلُّ ما أعْرفه أنِّي أموتْ
مُضغَةً تافهةً في جوف حوتْ
السجين
أتُرى هلْ جُنَّ حسِّي فانطوى الرعبُ
تُرى عادَ الصدى, عادَ الدُّوارْ?
مَن تُرى زحزح ليلَ السجنِ عن صدري
وكابوسَ الجدار?
اَلكوى العميا يغطّيها
سوادٌ رَطِبٌ, طينٌ عتيقْ
اَلكوى ما للكوى تنشقُّ
عن صبحٍ عميقْ
وصدى يهزج من صوب الطريقْ:
"هِيَ, والشَّمسُ, وضحكات الصغارْ,"
"وبقايا الخِصبِ في الحَقْل البوارْ,"
"كلُّها تذكر ظلِّي, تَعَبي"
"كَفِّي المغَنِّي للبذار"
"كلُّها تُغري وتُغري بالفرار".
طالما أغرى الصدى قلبي وجفني
طالما راوَغَني صوت المُغنِّي
طالما أدْمَتْ يدي جدْرانُ سِجني
طالما ماتَتْ على كيْد الجدارْ
ردَّ باب السِّجنِ في وجه النهارْ
كان قبل اليوم يُغري العفوُ
أو يُغري الفرارْ
قبلَ أن تصدأ في قلبي الثواني
لا صدى تُحصيهِ, لا حمَّى انتظارْ
قبل أن تمتصَّني عتمَةُ سجني
قبْلَ أنْ يأكُلَ جفنيَّ الغبارْ
قبلَ أنْ تنحلَّ أشلاءُ السَّجينْ
رِمَّةً, طينًا, عِظامًا
بعثَرتْها أرجلُ الفيرانِ
رثَّت من سنينْ
كيْفَ تلتمُّ وتحْيا وتلينْ,
كيف تخضرُّ خُيوطُ العنكبوتْ
تتَشهَّى عودَةً للمَوْتِ
في دنيا تموتْ?
ما الذي يَهْذي تُرى?
صوتُ المُغنِّي
لم يعد يخْدع كَفَّيَّ وجفني
لم يعد يخدعني العَفوُ اللَّعينْ
بعد أن رثَّت عظامي من سنينْ
هل أخَلِّيها, أُخلِّيها وأمضي
خاويَ الأعضاءِ وجهًا لا يبينْ
شبحًا تجلده الريحُ
وضوءُ الشمْس يُخزيهِ
وضحكاتُ الصغارْ
يتخَفَّى من جدارٍ لجِدارْ
ردَّ باب السِّجْن في وجه النهارْ
كان قبل اليومِ
يُغري العفو أو يُغري الفرار
سدوم
ماتَتِ البَلوَى ومُتنا مِن سنينْ
سَوفَ تبْقى مثلما كانتْ
ليالى الميِّتينْ
لا اذِّكارٌ يُلهِبُ الحسْرَةَ
من حينٍ لحِينْ
لا فصولٌ,
سوف نَبْقى خلْفَ مرمى
الشمسِ والثلجِ الحزينْ
ليس يُغوينا ابتهالٌ
يَجتدي العاتي يقينًا مطمئنًّا
يَجتَديه بعضَ ما استنزف منًّا
بعضَ إشراقِ الرؤى بعضَ اليقينْ
بعضَ ذكرى
أيُّ ذِكْرى, أيُّ ذكرى
من فراغٍ ميِّتِ الآفاقِ.. صَحْرا
مسحتْ ما قبْلها, ثم اضمحلَّتْ
خَلَّفتْ مطرحَها طعمَ رمادْ
مطرحَ الشمسِ رمادًا وسوادْ,
هيَ ذكرى ذلك الصبحِ اللَّعينْ
كان صبحًا شاحبًا
أتعسَ من ليلٍ حزينْ,
كان في الآفاقِ والأرضِ سكونْ
ثم صاحَتْ بومةٌ, هاجتْ خفافيشٌ
دجا الأفقُ اكْفهرَّا
وَدَوَت جَلجلةُ الرعدِ
فشقَّتْ سحُبًا حمراءَ حرَّى
أمطرتْ جمرًا وكبريتًا وملحًا وسموم
وجرى السيلُ براكينَ الجَحيمْ
أحرقَ القرية, عرّاها,
طوى القتلى ومرَّا
عَبَرَتنا محنةُ النارِ
عَبَرْنا هَوْلَها قبرًا فقبرا
وتلَفَّتْنا إلى مطرحِ ما كانَ لنا
بيتٌ, وسمَّارٌ, وذِكرى
فإِذا أضلُعُنا صمتُ صخورٍ
وفراغٌ مَيِّتُ الآفاقِ.. صَحْرَا
وإذا نحنُ عواميدٌ من الملحِ,
مُسُوخٌ من بلاهاتِ السنينْ
إنْ تُذَكِّرْ عابرَ الدربِ
بحالِ الميِّتينْ
فهي لا تذكرُ, جوفاءَ,
بلا أمسٍ, بلا يومٍ وذكرى
|
|
|
|
|
|