|
Re: مناديل زينب (Re: ابنوس)
|
بيني وبينها انهدت الاسوار ، البريد اشجار الطريق ، والزهرات التي تخترق الاسلاك الشائكة كنت اول من اشمها ،الطريق في وحدته تلك يعطرني بالخمرة ، وبرائحة الليمون ، يغسل يدي من التبغ ، ومن سلامي العابر لها ، ويلغي شبهة اغتراف الفعل المحروم فكل ادلة الاثبات لدي استاذ العربي هي حاسة الشم ، والليمون ليس حراما وكذلك رائحة زهور الرمثة يجيئ حبنا دوما ماشيا على الطرقات الصباحية ، ممزوجا بأشعة الشمس والابتسامات ، يقرأ حامد رسالته مرات يحفظها ، ثم يلحنها بطريقة تشبه تلاوة القرآن ، يكتب بعض كلماتها ببقايا الطباشير على السبورة ، ووحدي اعرف ان هذه الكلمات العنيفة لتهاني ، قلت له هذه البنت تمتلك من التحايا ما يصلح الى ازاحة حصة العربي نهائيا من مقرر الدراسة قال ان قوة العبارة من قوة العاطفة فقلت ربما بهذه التحايا نستطيع ان نحول ابوة الفصل لاستاذ الجغرافيا ، فتحايا قادرة على ان توقف الميتين في طابور صباحي ، بل تجعلهم يرددون نشيد الحياة ، بالتأكيد تستطيع ان تقلب جدول الحصص ، وتعيد ترتيبة لصالح الجغرافيا ، او التاريخ انتهت فترة خريف المرحلة الثانوية ، جائت الامتحانات على خيول خوفنا من الفشل ، كل منا حاصرته الساعات المتبقية لمصيرنا النهائ ، زينب تطلق تشجيعاتها ووعودها ، وتحلف بكل المقدسات انها تهيئ فمها لقبلة لم يتزوق اي احد طعمها من قبل ، رائحة زهورها تختلط برائحة الحبر السائل ، وبدخان الكيروسين المنبعث من فانوس المذاكرة ، كل هذا يختلط بسجارة حامد المشتعلة فقد زاد المصروف المدرسي ، بل بدأت تصل الى معسكر المذاكرة مساعدات من ابناء الحي وتجاره ، بعض الذين فشلوا في نيل الشهادة الثانوية يريدون افقادنا اي فرصة للتعلل بالظروف غير المساعدة على النجاح ، مثل ان كيروسين الفانوس ينتهي بعد الساعة الحادية عشر والدكاكين جميعها مغلقة بقرار حظر التجول ، مثل اننا لا يمكن ان نعتمد على وجبة البيت الفقيرة ونحن نتنافس مع ناس يأكلون البيتزة والجاتوه ، ويشربون النسكافيه في معسكرات مذاكرتهم ، مثل اننا لا يمكننا تجاوز هذه العقبة دون ان يكون لدينا سجائر لايف كافي ، وكذلك قهوة في تيرمس جاهزة ، كل هذه الاشياء قرر ابناء الحي توفيرها عدى النسكافيه ، لانهم قالوا انهم ارسلوا في طلبه لكنه سيصل بعد الامتحانات ، نسبة للامطار التي اغلقت الطريق ، وكذلك ندرة الحصول عليه في الدكاكين العادية حتى في تلك المدن البعيدة ، لم يكن هنالك تلفون للأطمئنان على موقف زينب وتهاني ، كل ما هو متوفر طفلة في عمر التاسعة اسمها منى ، تحمل الرسائل والوعود التي تتكرر كل يوم من زينب ، حتى اصبحت تلك القبلة الآف الشفاه المنتظرة ، وحتى بات الخوف من اقتراب تعليق جدول الامتحانات يتحول الى انتظار ثقيل ، يصاحبه سأم من المذاكرة ، وتأمل في صورة زينب بين دفتي الكراس بينما حامد ايضا يغرق في تأملات خاصة ولا يحادث اي منا الاخر حتى لا نتلاوم عندما يتحقق فشلنا الاكيد ، التزم كل منا بجدول المذاكرة مسقطين العربي نهائيا من مذاكرتنا مرّ اسبوع الامتحان دون تبادل اي رسالة ، كنا نخرج نهاية كل امتحان ونتناقش ، ونمر ببوابة المدرسة الثانوية بنات ، نسال زينب وتهاني عن الاجابات الصحيحة ، ونؤكد لهن اننا كتبنا نفس الاجابات ، وان الموقف مطمئن جدا ، وان الوعود ستتحقق جميعها ، وسنسافر معا للمدن البعيدة ، نركب اللواري التجارية ذات عصر ، وحقائبنا على ظهورنا ، ننظر لجمهرة المودعين بموقف اللواري ، من يعرفنا ومن لا يعرفنا سيأتي ليودع طلبة الجامعة ، وقتها فقط يا زينب سيسمحون لنا ان نركب في مؤخرة العربة النيسان الكبيرة ، تختلط رائحتك مع رائحة البصل ، والديزل ، وصيحات الكماسرة ، وسيدس الاهل صرر القروش على جيوبنا وسندخن عند اول لفة في الوادي سجائرنا دون ان نداري الدخان ، وسأهيئ لك مكانا فسيحا واركب على حافة اللوري ، واذا حدث ان مال ساسقط نحوك لا نحو الارض ، ففكرة الخروج سورة تلوناها في كل رسائلنا وكان الباب الوحيد للسفر اما هروبا نحو التحول الى الجندية ، او سفرا تحتفي به المدينة كلها وتتبادل اخباره ، وتجهز مساهمتها فيه ، كل يقتطع جنيهات من مصروفه ليقدمها لعابري جبال المدن المنسية ، نحو مدن بعيدة ، لا يضطر فيها احدا لحفر بريده على جزع شجرة ، ودائما للعائدين منها رائحة جديدة ، ولغة جديدة ، وقمصان تثير شهوة فتيات الثانوي ، بفساتينهن ذات اللون الواحد فتحنا علبه اللايت ، ولم ننتبه الى ان حرفا قد تغير في اسمها ، رغم ان النكهة واحدة ، واللون هو ذاته ، والقصدير الداخلي بنفس تركيبته الهشة التي تسمح بنزع الورقة البيضاء واستخدامها بدلا للبرنسيس ، لم نتقاسمها كما تعودنا ، خمسة سجارات لكل منا ، فأنا وحامد اصبحنا نعيش معا في معسكرنا ، ونتقاسم الضوء الشحيح ، ورائحة التلوث ، والاسرار عندما انتبهنا ، وجدنا ان حرف ال F تغير الى حرف ال T مما جعل حامد يزداد شراهة في التدخين ، وانقلبت حياتي الى تعب حقيقي ، كتبت لزينب رسالة رغم ان هنالك امتحان اخير يوم غد ، قلت فيها اكتب لك اليوم رسالة على قصدير جديد لسجائر اخرى غير التي كنت ادخنها ، هذه السجارة التي كانت تسمى الحياة والتي حمل قصديرها قصة حياتنا لم تعد تنتج في مصانع البلاد البعيدة اشياء كثيرة ربما عندما نصل هناك نجدها قد تغيرت ، لكن كوني دوما زينب التي عرفت ارسلت الرسالة مع الطفلة ذات التسعة اعوام وقبل ان ترد زينب ، كان راديوا امدرمان يزيع خبرا بكشف الامتحانات في مدن الجنوب ، والغاء كل الامتحانات السابقة وسيعلن موعدا جديدا للامتحانات القادمة كتبت رسالة اخرى الى زينب الان وقد انتهت الامتحانات الى اللا نجاح واللافشل ما مصير وعدك ?
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مناديل زينب | ابنوس | 08-29-04, 02:22 PM |
Re: مناديل زينب | مصطفى عجب | 08-30-04, 00:24 AM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 08-30-04, 02:37 PM |
Re: مناديل زينب | الجندرية | 08-30-04, 01:07 AM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 08-30-04, 02:43 PM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 08-30-04, 02:46 PM |
Re: مناديل زينب | Giwey | 08-31-04, 00:14 AM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 08-31-04, 05:03 PM |
Re: مناديل زينب | Zoal Wahid | 08-31-04, 03:55 AM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 08-31-04, 05:06 PM |
Re: مناديل زينب | gessan | 08-31-04, 05:46 AM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 08-31-04, 05:12 PM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 09-01-04, 02:59 PM |
Re: مناديل زينب | Husam Hilali | 09-02-04, 00:52 AM |
Re: مناديل زينب | عوض الله الفولانى | 09-02-04, 02:51 AM |
Re: مناديل زينب | Abdalla Gaafar | 09-02-04, 11:47 AM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 09-03-04, 01:24 PM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 09-03-04, 04:15 PM |
Re: مناديل زينب | Husam Hilali | 09-04-04, 11:10 AM |
Re: مناديل زينب | Mohamed Adam | 09-04-04, 01:59 PM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 09-11-04, 07:26 PM |
Re: مناديل زينب | mohammed alfadla | 09-13-04, 08:50 AM |
Re: مناديل زينب | الجندرية | 09-13-04, 10:15 PM |
Re: مناديل زينب | ابنوس | 10-11-04, 08:08 AM |
|
|
|