التجاني يوسف بشير والاخطاء الاملايه ( الغردونييون )

Quote: وكان لنا الشرف بان يصحبنا الوالد والباش الي الجزيره ابا في مقاباتهم للامام الهادي عليه رحمة الله واذكر قولت الامام : (اخوني اولاد خالي ديل خليهم يعزلو من الخرفان ديك ) فرد الباشا : اعزلو الصغار , الكبار زمنهم فات )

صورة الامام الهادي من غلاف الصباح الجديد

مذكرة الإمام الهادي المهدي إلي الرئيس جمال عبد الناصر
في 27 /12/1969م لرفض إتفاقية طرابلس
بسم الله الرحمن الرحيم
سيادة الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة
السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته ..وبعد
هذه كلمات فرضت علينا مسئوليتنا تجاه وطننا وقومنا أن نكتبها إليكم راجين أن تمنحوها من الاهتمام بقدر ما يستحقه السودان لديكم من احترام وبقدر ما تودون له من خير وعزة في حاضره ومستقبله .
سيادة الرئيس
إن العلاقة بين بلدينا كان يمكن بالعقل والعدل والحكمة أن تكون أفضل مما هي عليه الآن طوال تاريخ الجوار وعلي عمق لأخوة الإسلام وبإملاء المصالح القومية للشعب السوداني والشعب المصري فما من أحد راشد يمكن أو يعمل علي إهدار حرمة الإخاء الإسلامي أو يمزق صلات الجوار أو يضيع المصالح القومية لقومه إلا أن أخطاء خطيرة وقعت في تاريخنا الحديث وأصابت هذه العلاقة بمساوئ وأضرار كثيرة وعميقة تخطت جراحات المشاعر إلي إنزال الضرر بالمقومات القومية والمصالح الحيوية لوطننا...فالتسلط التركي المصري ..ثم الحكم الثنائي الانكليزي المصري ومما أدي كل ذلك إلي قتال طاحن مع السودانيين وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء ( عشرة الآف شهيد من الأنصار في معركة كرري وحدها ) وسياسة القمع والتعالي علي السودانيين التي إتسمت بها تلك الفترة المظلمة . وردة الفعل السودانية ضد كل هذه السياسات وهي ردة فعل إستمرت حتي غستقلال السودان ..هذه السلسلة من المآسي المحزنة ألحقت بالعلاقات بيننا هزات آثارها علي جيل واحد من السودانيين وكان يمكن بعد ذلك كله أن يتدارك العقلاء الأمر ويضعوا العلاقات في إطار أسلم من مراعاة المصالح والإحترام المتبادل وهنا أسمح لنا يا سيادة الرئيس بأن نكون أكثر صراحةً وأدق تحديداً لما نقول ...إن العلاقة بين بلدينا بعد الاستقلال لم تكن كما ينبغي لها من المتانة والثقة وكما لم نكن مسئولين عن الأخطاء التي حدثت من قبل فإننا اليوم لسنا مسئولين عن الأخطاء التي حدثت بعد الإستقلال ..
بعد الاستقلال أخذ مبعوثكم إلي السودان والمكلف من قبلكم بالاشراف علي العلاقة مع السودان وهو السيد صلاح سالم أخذ يعاملنا بروح الماضي الأليم حتي أن كثيراً من السودانيين الحادبين علي حسن الجوارومستقبل العلاقات تساءلوا لماذا يعاملنا إخواننا في مصر بروح الحكم الثنائي ولمصلحة أي من الطرفين منا يجري هذا؟؟وكانت نتيجة لهذه التصرفات أن توترت العلاقات م جديد وحوادث الحدود عند حلايب كانت بإستفزاز من جانبكم وهي حوادث كانت ستقود إلي حرب حقيقية بين البلدين ولكن الله سلّم في عام 1958م ألغي إنقلاب عسكري الحياة الدستورية في بلادنا وصادر حريات المواطنين فلم تلبثوا أن أعلنتم إعترافكم وتأييدكم وتشجيعكم لذلك الانقلاب وكانت الخطوة من جانبكم صدمة ومفاجأة للوطنيين الأحرار وأصحاب الوزن الحقيقي في البلاد وفي تلك الفترة غير الشرعية سارعتم بتعديل اتفاقية مياه النيل ووقعتم اتفاقية جديدة مجحفة بالسودان سواء من حيث الأموال وأوقات سدادها الطويلة ..أو من حيث كميات المياه المتدفقة إلي الشمال علي حساب المزارع السوداني وأرضه ووقعتم تلك الإتفاقية وأنتم تعلمون أن الحكم الإنقلابي غير مفوض من قبل الشعب لإبرام تلك الإتفاقية التي أدت إلي جانب ذلك الإجحاف إلي تشريد الألوف من المواطنين السودانيين من وادي حلفا ...وطوحت ثورة شعبية ( أكتوبر 1964م)بالحكم العسكري وردت أمور البلاد إلي الشعب ليدفع إلي الحكم من يريد بإرادته الخالصة عن طريق إنتخابات حرة...
أثناء فترة مابعد أكتوبر ..حدث في بلادنا محاولات شتي لإرجاع شعبنا إلي قبضة الحكم الديكتاتوري ولكنها جميعاً فشلت ..والذي يهمنا هنا أن المسئولين عن السلطة التنفيذية في الوطن تأكد لديهم أن مخابراتكم كانت وراء تلك الانقلابات.
إن بلادنا ياسيادة الرئيس لم يقتصر نشاطها السياسي تجاههكم وبعد الذي حدث علي الجانب السلبي وحده ( التغاضي عن الأخطاء والإساءات والمظالم ) ولكنها كانت إيجابية في مواصلة جهودها لتهيئة جوانب لدعم العلاقات وتحسينها وتقويتها ففي أثناء حرب السويس 1956م وضعت بلادنا نفسها تحت تصرفكم مشاركةً في المعركة وقياماً بالواجب وتعبيراً عن الخلق السوداني الأصيل.,,وفي حرب يونيو 1967م سارعت بلادنا إلي الوقوف إلي جانبكم بكل ما تملك من إمكانات قطعت العلاقات مع أمريكا وبريطانيا حسب ما أعلنته من مشاركة هاتين الدولتين الفعلية في المعركة لصالح إسرائيل وأرسلت بلادنا رجالها المقاتلين إلي الجبهة وإستقبلت طائراتكم بعد الإنقضاض الإسرائيلي علي سلاحكم الجوي ورصدت ثروتها الحيوانية لتغذية الجند وإطعام المتشردين ..وفي ذيول المعركة أدركت بلادنا مدي الأضرار التي لحقت ببلادكم من جراء العدوان فرأت أن لابد من القيام بواجبها للحد من تلك الأضرار وسع الطاقة ومن ثم نشطت في الدعوة إلي مؤتمر قمة عربي يعقد في الخرطوم .وتعلم يا سيادة الرئيس أكثر من غيرك ان السودان هو الذي أقنع الدول العربية بمساعدتكم وهو الذي قام بالدور الأساسي في عقد المؤتمـر وفي إنجـاح المؤتمـر المتمثل بصفةٍ خاصة في الدعم المالي لكم والذي بلغ حتي الآن نحو (400 ) أربعمائة مليون جنيه استرليني ..والسودان هو الذي أنهي في نفس المؤتمر المشكلة الدامية التي أهدرت جهود مصر البشرية والمادية بضع سنين وهي مشكلة اليمن ..
ولا نريد أن نحصي أعمالنا ...ولا نمن علي مصر بما قدمنا فإن أياً من هذه الأمور لايتفق والخلق السوداني ..إننا نذكر ذلك لنوضح مدي المفارقات الكبيرة والمحزنة بين ما يقدمه السودان من خير وبر وما يتلقاه من شر وعقوق ولنؤكد لكم أن العلاقة يستحيل أن تستمر بهذا المستوي المحرج لكرامتنا ولا أن تسير بهذا الأسلوب المستفز لكل شئ فينا..
إن الظروف وضعتنا بين موقفين إثنين :- إما أن نسكت علي هذه المظالم ونتجرع المذلة في صمت فنخون بذلك ربنا وإنسانيتنا وقومنا ووطننا وإما نتكلم ونعارض ونرفض بحزم كل محاولة لإذلالنا والسيطرة علينا .ولقد إخترنا الموقف الثاني لأنه هو الموقف الطبيعي والأنسب لتاريخنا وأخلاقيات أهلينا فوق أنه الموقف الحق. وفي 25 مايو ( أيار) 1969م قامت جماعة من الضباط الشيوعيين والناصريين بانقلاب فألغت الدستور وصادرت الحريات وسجنت الناس ولا تزال تمارس طيشها في كل موقف في البلاد وتأكدنا أنكم قد إشتركتم في تدبير الانقلاب سلفاً في اجتماع عقد في القاهرة بين سيادتكم وبابكر عوض الله وعبدالكريم ميرغني كان سفير العهد الديمقراطي في بلادنا وشخص رابع هو نفسه الآن من ضحايا الإنقلاب ..وبمرور الايام تنكشف الحقيقة وتنفضح إذ إنهال عونكم علي الانقلابيين بشكل ملفت خاصة في مجال الأمن والاستخبارات ثم كانت الخطوة الخطيرة التي أقلقت كل سوداني وهددت حاضره ومستقبله ففي هذه الأيام كثر الحديث عن الوحدة ونشط العمل لها من جانبكم ومن الطغمة العسكرية هنا ..وهذا أمر جد خطير ووخيم النتائج وهو السبب المباشر في كتابة هذه المذكرة إليكم و لا نملك في هذا الموقف إلا أن نصارحكم بموقفنا .
ياسيادة الرئيس
إن أحداً منا لا يرفض الوحدة كمبدأ ومعارضتنا ترتكز علي جملة أسباب نذكر أهمها :-
[ 1 ]إن الأنظمة العسكرية وهي أنظمة دكتاتورية وغير شرعية ولا نملك تفويضاً من الشعب يمكننا من الإقدام علي عمل خطير كهذا .
[ 2 ]إن لدينا مشاكل محلية خاصة بوحدة قطرنا فالسودان يعج بأناس شتي ..وصهر هذه الأجناس بشرياً وضبط المناطق التي يعيش فيها جغرافياً يحتاج إلي وقت طويل ونعتقد ان الحديث عن الوحدة اليوم لا يساعد علي هذا الإنصهار و لا علي الوئام القومي في بلادنا بل إنه يثير سودانيين غير عرب خاصة وأن الوحدة التي يتحدثون عنها تنطوي علي نسب عنصري عربي ولقد صدق الواقع ما ذهبنا إليه حيث حمل الجنوبيون السلاح من جديد وعادت المشكلة الحادة التي تهدد الوطن بالفرقة والتمزيق.
[ 3 ] إن الوحدة التي تذهبون إليها تنطوي علي إهدار لمصالح السودان وما هي إلا حل لمشاكل نظامكم الخاصة علي حساب السودان فوحدتكم تعني أول ما تعني تهجير مليون ونصف مليون مصري إلي السودان وهذا العدد هو الذي هاجر من بور سعيد والقنال وسبّب للحكومة المصرية مشاكل في السكن والبطالة إلي جانب التذمر السياسي وتعني وحدتكم تعديل اتفاقية مياه النيل مجدداً لكي تأخذ بلادكم ما تشاء من مياه النيل غير عابئة بمصالح الزراع السودانيين وتعني الاستيلاء علي محاصيلنا بأرخص الأسعار وتبدت في هذه النقطة بالذات في إقدام وزارة تجارتكم علي شراء كميات من قطننا بسعرٍ رخيص كي تبيعه بسعرٍ أعلي مستأثرةً الفروقات بينما مصر مصدرة للقطن وإنتاجها منه مقدار إنتاجنا ثلاث مرات .
[ 4 ]إن الوحدة أمنية لدي الشعوب والإرتجال في تحقيقها إنما هو إجهاض لها وتخييب لآمال الشعوب فيها واي مخلص لوحدة حقيقية لا يظهر إخلاصه إلا في حمايتها من المقامرة والمجازفة والمغامرة أو حسب الناس تجربة ما حدث في وحدة سوريا ومصر واليمن ومصر فإن شعوب هذه البلاد تفضل الإنفصال علي وحدةٍ مزيفة شوهاء ونحن لا نريد لشعبنا أن يكفر بالوحدة إلي الأبد إذ يري هذه التزييف والتشويه .
يا سيادة الرئيس
إنني بإسم المعارضة في بلادنا وهي كل الشعب بإستثناء الشيوعيين والموصومين بعدم الولاء للوطن ..أرفض أي إجراء أو إقرار يخضع السودان لسيطرةٍ غير سيطرة أبنائه تحت أي شعار ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته
المفتقر إليه تعالي الـهـادي عبدالرحـمن أبا في 18 شوال 1389ه الموافق 27ديسمبر 1969م