|
Re: محمد سعيد ناود ..جسر التواصل بين السودان واريتريا الذي هوى (Re: عبد الله محمود)
|
Quote: محمد سعيد ناود، الصامت الذي حفزني على كتابة الرواية
عارف علوان الحوار المتمدن - العدد: 3128 - 2010 / 9 / 18
محمد سعيد ناود شخصية إرترية فذة، تعرفت عليه في في بيروت حين كنت أعمل في تصميم الكتب والمجلات بمطبعة الخليل. شاب وجودي متمرد، وثائر في حركة تحرير، جمعت بينهما سنوات الحرية في لبنان 1973، والغربة عن الوطن، وهدف مضمر، إقامة العدالة! ولم تنقطع الصداقة بيننا يوماً رغم أن الزمن عاد ليبعد المسافات بينهما، إذ بقينا نتواصل بالرسائل، وكان آخر اتصال هاتفي بيننا أواسط هذا العام، هو في بلده المغمور إرتريا حيث ينصرف للكتابة، وأنا في موطني الجديد والقلق، أنكلترا، فاكتشفنا، بعد ذاك الشوط الزمني الطويل، أن العدالة في دول العالم الثالث مجرد هراء، وأن التمرد والثورات التي قامت في أواسط القرن العشرين انتهت، جميعها، بيد اللصوص! محمد سعيد ناود هادئ، رزين، دمث، وقنوع، لم أر مثيلاً له في الزهد، وفر له القهوة "الجَبنة" والسجائر وسيعتكف للكتابة. عملت معه حين كان مسؤولاً للإعلام في جبهة التحرير الإرترية (قوات التحرير الشعبية) فكان أحياناً يتسلل إلى الداخل الإرتري، وعندما يعود يجمعنا الحديث الطويل عن إريتريا لساعات طوال، لأنه يلتقط بعين الكاتب الشاردة والواردة في حياة المجتمع الذي يعشقه، سكان المدن والقرى والرحل، ثم يخرج بمؤلف صغير أو كبير، يتناول عادات أو تاريخ أو جغرافية البلد، حتى أنه أسس بمؤلفاته العديدة، إلى جانب الشهيد عثمان صالح سبي، الرف الأول في المكتبة الإرترية. ورغم أنني كنت أجمع بين الجد والهزل في تلك المرحلة من حياتي للتعويض عن فترة معتمة في تاريخ العراق، غير أن محمد سعيد ناود قدم إلى بيروت يحمل على عاتقيه تأسيس أول حركة وطنية لتحرير إرتريا بمنهج تنظيمي ورؤية واضحة، لذلك ظل الجد والمثابرة يلازمانه حتى آخر يوم من حياته. لم تكن من عادات ناود البوح عمّا يكتب. كان يفاجئنا بمؤلف جديد فنذهب به إلى المطبعة. كان يغيب مدة طويلة داخل البيت ليخرج علينا بانتاجه. في إحدى المرات سلمني نص طويل، قال إنها رواية، أضاف: قبل إرسالها للطبع أود أن تقرأ النص لأنها المرة الأولى التي أخوض في هذا المجال. كان "صالح، أو رحلة الشتاء" أول عمل أدبي إرتري، وهو سيرة ذاتية ابتعدت كثيراً عن صاحبها، تسرد قصة عائلة تنتقل بين شمال إرتريا والسودان لجناية القطن أو حصاد الحبوب، ثم تعود إلى وطنها محملة بالذكريات الدرامية التي ينقلها إلى القارئ الصبي "صالح". فرحت بالرواية كون ناود يطرق هذا الباب، وتواتيه الجرأة على الذهاب إلى الأدب للمرة الأولى. ثانيا، كون إرتريا لم تشهد من قبل الرواية بمفهومها القائم على الأحداث المصنفة والمتسلسلة ضمن سرد جزل، يتخلله ذكر العادات والتقاليد الشعبية. ثالثاً، حفزني العمل على التخطيط للرواية لأنني انشغلت بالمسرح والقصة القصيرة آنذاك. عندما نقول إن محمد سعيد ناود شخصية فذة، فهو حقاً كذلك، ونضيف إنها شخصية نادرة، قلما يحضى بها شعب! بوم أمس الأول، الخميس، رحل محمد سعيد ناود عن دنيانا، بعد أن خلف ذخيرة ثقافية مهمة لشعبه، ونشاط سياسي طويل اتسم بالجد والمثابرة والصمت، وهما أثمن ما يقدمه الإنسان الناجح. |
|
|
|
|
|
|
|
|
|