في يوم المسرح العالمي : ياسر عبداللطيف فوق عتبات احتراف الإخراج المسرحي له

Quote: دمشق ـ القدس العربي : يعمل الفنان السوداني ياسر عبد اللطيف التيجاني مدرساً مساعداً لمادة فن التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق.. وشارك في الأعمال المسرحية التالية النو، روميو وجولييت، الليلة الثانية عشرة، مركب بلا صياد، ليالي شهريار، تقاسيم علي العنبر، تهويمات في عاصفة ليل، سرير ديزدمونة، هاملت بلا هاملت، أوه، والزنوج .. أما في التلفزيون فقد شارك مع المخرج السوري نجدت أنزور في تل الرماد، العوسج، صلاح الدين، رمح النار ، وآخرها كان مسلسل الحور العين .. ومع المخرج حاتم علي في الزير سالم، وصلاح الدين ، ومع الليث حجو في بقعة ضوء، ومرايا ، ومع المخرج هيثم حقي في ذكريات الزمن القادم ، كما شارك في فيلم سينمائي وحيد إنتاج إيراني سوري غصن الزيتون عن اجتياح مخيم جنين في عام 2003 ، وقام بإخراج مسرحية الغرماء مؤخرا. عن عمله المسرحي وأعماله التلفزيونية والمشهد الفني في السودان كان لـنا هذا الحوار: ما هو سبب اختيارك لنص مسرحي للكاتب السويدي أوغست سترندبرغ ؟ أنا مغرم جداً بسترندبرغ ككاتب درامي من جهة وربما مغرم في سيرته الشخصية وحياته التي بها سمات وخصائص شخصية جداً، هو رجل مجنون ومبدع بذات اللحظة حياته غنية بشكل من الأشكال من جهة، ويعود سبب اختياري لنص لأنه عند تقديم عمل لصالح فرقة المعهد بداهة أكون حريصاً علي الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المؤسسة الأكاديمية كمعهد، وأطرح علي ذاتي ما هي الأعمال التي تفيد هذه المؤسسة علي الأقل ضمن إطار الطالب الخريج أو الذي يدرس في المعهد، والجمهور الذي يحضر عروض فرقة المعهد والتعرف ولو من بعيد بتاريخ الكتابة الدرامية كنت حريصا علي أن أساهم بشكل ضئيل بشيء منهجي يتعلق بالمعهد وجمهور المعهد، والأمر الآخر متعلق بخصوصية المادة النصية وتوقعاتنا لأفقه المسرحي من هكذا مادة، ولدي قناعة خاصة تقول العرض المسرحي ينتج نصه أحياناً لكن هناك نصا مسرحيا يفرض نفسه بقوة من خلال السمات الدرامية الموجودة في الممثل.. ومسرحيات الفصل الواحد تتوفر فيه بنية درامية خاصة جداً ومغرية، هذا ما جعل النص محبباً إلي لتقديمه للمسرح، ونتيجة الصراع الداخلي بأن الزمن لا يتناسب مع هذا النص وعلي الطريقة الشامية موهلق وقته ما أضحكني كثيراً.. ماذا يعني أن الزمن غير مناسب؟ هل يجب في المسرحية تقديم قضية دارفور أو الاحتلال الأمريكي لبغداد رغم أنني مأزوم جداً من كل هذه القضايا وعلاقتها بالسياسة والانهيار.. الخ، لكن القضية الإنسانية تدخل إلي مجاهل النسيان أثناء الهم السياسي الضاغط والنص يتمتع بموضوعية إنسانية موجودة في حياتنا وبيوتنا وحتي في اضطراباتنا الفكرية أحياناً. لماذا اخترت نصاً أجنبياً وليس عربياً؟ ليست لدي إجابة قطعية وواضحة لأنه بنفس اللحظة ممكن أن يكون نصاً عربياً، لنعترف أن مكتبتنا العربية المسرحية ضعيفة وان كتابنا المسرحيين الجيدين هم قلائل وكتابتنا المسرحية العربية فيها الكثير من العيوب، وبذات اللحظة هناك كتابات عربية للمسرحي السوري سعد الله ونوس وأنا مغرم بنصه طقوس الإشارات والتحولات، ورحلة في مجاهل موت عابر ، لكن بين الرغبة وإمكانية تحقيق هذه الرغبة مسافات شاسعة وشاء القدر أن يكون نص لـ سترندبرغ يمكن لأنني مغرم به منذ أيام الدراسة. بما أنك فنان من السودان لماذا لم يكن نصاً سودانياً؟ لدي خيارات سودانية في مكتبتي الخاصة، ويمكن إذا شاءت الأقدار أن يكون نصاً سودانياً وفي هذه المرحلة بالذات تعنيني الحالة الإنسانية العامة أكثر من الجغرافيا سواءً كان النص سودانيا أو مصريا أو سوريا.. ما يعنيني الآن هو البحث عن المشترك الإنساني والإنسان.. وأعجبت بإجابات سترندبرغ عندما سأل نفسه: ما هي الموهبة التي تتمني أن تكون لك فكانت إجابته أجد المفتاح اللغز لحل معني الحياة. بشكل من الأشكال يمكن أن يكون سودانياً أو سورياً أو عربياً، ولكن شاء القدر أن أتوجه إلي سترندبرغ وهذا النص. ظهر ممثلاك بشكل جيد علي المسرح. أتمني أن توضح لنا آلية عملك علي الممثل؟ تجربتي في التدريس في المعهد كمدرس مساعد، والعمل علي الطلاب أعطتني خبرة مفيدة جداً، وذلك يرجع لعملي بالإشراف علي دورات خاصة كانت حديثة فالدورة الأولي كانت في معهد المأمون لطلاب هواة جدد، والثانية في معهد أورنينا وكنت من أوائل المدرسين والمؤسسين لهذا المعهد، واستفدت من خلال تجربة إعداد الممثل في الوصول إلي اكتشاف معني التمثيل كما أسماه ستنسلافسكي أن تكون حقيقياً في ظروف غير حقيقية، وماذا علي الممثل أن يعمل؟ عليه أن ينتج الفعل السايكوفيزيولوجي بمنطق الحياة وبعيداً عن ثرثرة الحياة كنت أجتهد مع الممثل.. والشباب كانوا جيدين وثقافتهم وموهبتهم ساعدت في الوصول إلي هذه النتيجة القائمة علي الحالة النحتية جسدياً وصوتياً والإدراك الذهني بالدرجة الأولي للمادة النصية وطبيعة الشخصية بعلاقتها التي تحمل أكثر من بعد فكري ذهني، والبعد العاطفي النفسي الجواني الإنساني الباطني.. وبحثنا كان كيف نقدم الحياة علي المسرح بدون ثرثرة الحياة لإبراز المعني بنحتية تحمله هذا المعني.. وبهذه المناسبة أشكر جهود الممثلين اللذين شاركا معي الزميلة الفنانة مريم علي والصديق الشاب شادي مقرش ، حيث بذلا جهودا جبارة وعاشا أرقا خاصا جداً للوصول لهذه النتائج الايجابية والممتازة جداً، ولدينا ممثلون يتمتعون بمواهب رفيعة وثقافة عالية جداً. كيف وظفت الديكور والإضاءة والموسيقي في عملك المسرحي؟ تجربتنا مع مدرس مادة الديكور الأستاذ ايغور كاراموزا الروسي الذي بدأ العمل بمستوي عالٍ جداً، وأعجبت بطبيعة عمله في البحث عن نص سترندبرغ حيث لخص قراءته للنص بوجود حالة الضباب التي تقاطعت مع فهمي للنص، بالإضافة إلي أنني تحدثت إليه مع الممثلين أن هناك فيروساً ـ جرثومة في العلاقات بين شخصيات النص، وعندما تقاطعت هذه المفاهيم الضباب، الفيروس، والكابوس انطلقنا في دراسة المكان المسرحي من توصيف المكان الكلاسيكي في النص، وقادنا البحث إلي أنه يجب أن يكون مكانا مناخيا أكثر منه واقعيا والنص قدم لنا مثلث علاقات، وبنية النص فصل واحد بثلاثة مشاهد وبثلاث علاقات الزوجة والزوج ، و الزوجة والزوج السابق والزوجين الغرماء ، وأفق علاقة أخري غير محددة وحتي في الحياة هناك مثلث علاقات الله، الشيطان، والإنسان وكذلك الرجل، المرأة، والتفاحة واستفدنا من وجود ثلاثة أضلاع للمثلث بحالة تفاعل مما ينتج حالة تشظ ما، معرفة ما، كشف ما، وتوصلنا إلي المكان الجليدي لكنه بذات اللحظة يعطي حالة جحيمية ملتهبة من الداخل عبر الإضاءة والمكان الثلجي القذر المتراكم وهذا ما طرح سؤالا واضحا.. كيف يكون الثلج الأبيض وسخاً؟ وهذه الشخصيات التي تسير في المجاز علي أرض هشة، والطاولة والكراسي يجب أن تعطي انطباعاً بعدم الراحة والجلوس في مكان ما بضوء حالة الالتهاب الداخلي والعلاقات النفسانية تحتاج إلي نوع من الكراسي والطاولات والعرض المسرحي، وبذات المستوي البحث عن الإضاءة التي تقدم الحالة الجحيمية والنقيض في البياض والنقاء والأزرق الحالم.. والأزياء. كان السؤال ما الذي يجمع هذه الشخصيات التي تحمل ذات الهم الفيروسي الجرثومي، وبالموسيقي حاولنا البحث عن ذات الأجواء وكنت أبحث عن موسيقي لا تصويرية كما جرت العادة في الأعمال المسرحية، صوتي غير أوبرالي بشري فيه النغمة والحس الجواني لأنه كما لاحظنا الشخصيات تحمل شيئا ثقافيا معرفيا.. وبذات اللحظة تحمل شيئا غريزيا وحسيا داخليا، والسؤال كيف يمكن أن يعبر عن ذلك من خلاله ويتموضع داخل المكان وأزياء وإضاءة تقول هذا الشيء. ما هي أحب الأدوار إليك فيما قدمت من أعمال درامية؟ أحببت جداً دور ياقوت في الزير سالم عن نص الشاعر ممدوح عدوان والشخصية كتبت بطريقة ذكية وغنية وتوجيهات الإخراج موحية، وفي بقعة ضوء مع المخرج الليث حجو وهو من المخرجين الذين استطاعوا أن يعطوا الكوميديا روحا جميلة.. ومع المخرج نجدت أنزور في تل الرماد وكان دوراً جميلاً خصوصاً مع الفنان أيمن زيدان ، ومع المخرج هيثم حقي في ذكريات الزمن القادم دور قصير لكنه جميل والعمل مع الفنان جمال سليمان له متعته الخاصة. قدمت الدراما المصرية الفنان السوداني بنمط محدد خصيصاً في السينما.. ما رأيك بهذا التنميط للفنان السوداني؟ التنميط دائماً يتمتع بقصر نظر، وهذا النمط ليس خاصاً بالفنان السوداني وإنما بالإنسان الفنان النوبي.. وهذه المنطقة في الجغرافيا متداخلة شمال السودان جنوب مصر.. وأعاني أحياناً في الدراما التلفزيونية شيئا من التنميط ذا بعد موضوعي، وبطبيعة الحال لدي أدوار محددة فيما نعتبره دراما بيئية شامية، وهذا أدركه حيث لا يمكن أن أكون في يوم من الأيام أخ وائل رمضان أو ابن سليم كلاس .. نعم هناك تنميط وخير مثال علي ذلك في أحد الأعمال اعتذرت عن الدور.. وأنت تعني البواب في السينما المصرية والذي كرسه فنان محدد هذا التنميط يزعجني وأحياناً يضحكني لأنه يتمتع بقصر نظر عند المعنيين، والتنميط هو ظاهرة من مظاهر الحياة الثقافية إجمالاً. هل تعاني من هذا التنميط في الأعمال التي تقدم إليك في سورية؟ المخرجون السوريون تربطني بهم علاقة جيدة.. والبعض منهم أوحي لي أنه يتمني أن يجد لي دوراً لكي أعمل معه، وكما تحدثت التنميط يشكل ظاهرة في الثقافة بشكل دائم، في سورية هناك موضوعية واضحة وحاضرة جداً مع ذلك ، أدرك أن طبيعة دوري كطالب عربي أو أجنبي أو كوفي عنان، والمقهي العربي ونيلسون مانديلا هذا موضوع وارد، وأتصور سواء في سورية أو في مصر يجب الانتباه إلي ظاهرة التنميط الثقافي إجمالاً.. وهذا في السينما والدراما والمسرح موجود، ويمكننا الحديث عن التنميط كظاهرة عامة في كل أشكال الحياة والنشاط وصولاً إلي أماكن السهر والمقاهي. لم يشاهد الجمهور السوري نشاطاً مسرحياً أو سينمائياً أو درامياً تلفزيونياً سودانيا منذ أكثر من عشر سنوات ، سوي عرض مسرحي واحد في مهرجان دمشق المسرحي الأخير، وكانت الخرطوم عاصمة للثقافة العربية في العام الفائت.. ألا يثير ذلك أسئلة الثقافة السودانية؟ وما رأيك بالنشاط السوداني الإعلامي الخارجي؟ إجمالاً حزني كبير علي المشهد الثقافي السوداني سواءً كان في المسرح أو التلفزيون والسينما والأدب والرواية، ولسبب آخر أنه يوجد كوادر مؤهلة في كل المجالات لكن هناك الكثير من الأسماء هي خارج السودان لأسباب معيشية من جهة، وأزمة الثقافة في الحياة السودانية كما هي أزمة الحياة الثقافية العربية إجمالاً أزمة إنتاج وسياسة إنتاجية، وأطلق عليها اقتصاديات الثقافة. لا يوجد إدراك حقيقي للذهنية الناظمة للحياة إجمالاً لاقتصاديات الثقافة.. أعتقد أنه لا يوجد مشكلة في النص المسرحي والقصصي والروائي لكن المشكلة أساساً في اقتصاديات الثقافة رغم عشقي الكبير للروائي الطيب صالح فالقراء والمشاهد العربي لا يعرف في السودان غير الطيب صالح .. وهناك شعراء كثيرون، والسينمائيون موجودون وخير دليل علي ذلك المخرج السوداني سعيد حامد في القاهرة هو الذي قدم محمد هنيدي كنموذج كوميدي خاص.. وعلي القائمين والمهتمين بشأن الثقافة السودانية الاهتمام بطرائق الإنتاج الثقافي واقتصاديات الثقافة والإعلام والفنون بشكل عام، وحالياً يتنامي في أوروبا إعادة إنتاج أغاني التراث السوداني ويحقق حضوراً كبيراً، لذلك أتمني الانتباه إلي هاتين المسألتين. ورغم الاتفاقيات التي وقعت أخيراً بشأن الجنوب، ودارفور فالسياسيون يأخذون السياسي أكثر من الثقافي والاجتماعي والرياضي.. وكأنما الحياة هي سياسة ولكن مناحي الحياة هي أكثر من سياسة ولا بد من اتساع الأفق للوصول إلي حالة مميزة.