الأستاذ محمود محمد طه: لوتعلمت حواءتنا لرشد آدمونا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-18-2024, 04:54 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.حيدر بدوي صادق( Haydar Badawi Sadig)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-09-2004, 03:33 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأستاذ محمود محمد طه: لوتعلمت حواءتنا لرشد آدمونا


    لوتعلمت حواءاتنا لرشد آدمونا

    الأستاذ محمود محمد طه
    جريدة الجمهورية، إفتتاحية "باب المرأة" 15-1-1954

    هذا باب المرأة .. وهو باب يجب أن يدخله الداخلون سجداً. ذلك لأنه يعالج شأناً هو أخطر شؤون الأرض على الإطلاق، وهو المرأة .. والمرأة في الأرض كالقلب في الجسد، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائره .. إن المرأة في حقيقة النظام الاجتماعي المتمدين أولى بالعناية من الرجل، إن صح أن هناك أولوية بينهما. ذلك بأنه يتأثر بها أكثر مما يوثر فيها، وإن خيل له غروره غير ذلك.
    وحين تعرف المرأة سبيل المكارم تنشئ على سمتها الرجل طفلاً ، وتحمله على جادتها زوجاً، وتعزيه في جميع مسالك الحياة، وهو أجنبي عنها. إن حواء حين أغوت آدم أغوته ثم لم يستعصم. وهي لم تغره إلا وهي تبغي به الخير. ولكن جهلها كان وبالاً عليه وعليها .. وهو لم يستعصم عن غوايتها لأنها رسولة حياة، تدعو إليها في إلحاح متصل، حتى لكأن كل جارحة من جسدها لسان يلهج بالدعوة .. فآدم طالب حياة في المكان الأول. وكل الناس طلاب حياة، فمن لم يستجب للحياة لا يستجيب لشئ ..
    ولو أن حواء عرفت سبيل الحياة لكانت دعوتها لآدم دعوة صالحة، لا غواية فيها، ولا عصيان .. ولوتعلمت حواءتنا لرشد آدمونا .. فإنك إن تعلم إمراة تعلم أمة، وإن تعلم رجلاً تصلح فرداً. أنصار المرأة وخصومها، إن صح أن للمرأة خصوماً بالمعنى الصحيح، مدعوون للكتابة في هذا الباب على أن تكون كتابتهم صادرة عن علمٍ يقين، وعقلٍ سديد، وجدٍ لا عبث فيه ولا فضول.

(عدل بواسطة Haydar Badawi Sadig on 03-09-2004, 03:35 AM)

                  

03-09-2004, 08:57 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22483

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: لوتعلمت حواءتنا لرشد آدمونا (Re: Haydar Badawi Sadig)

    عزيزي الدكتور حيدر
    تحية أخوية عارمة

    دأب الناس على إلصاق تهمة خروج آدم من الجنة ،، ألصقوها بأمنا حواء و هي بريئة براءة تامة من تلك التهمة.
    أمر الله سبحانه و تعالى آدم ليسكن هو و زوجه الجنة ،، و يأكلا رغدا من حيث يشاءان ،، و لكنه حذرهما من شجرة واحدة ،، فإن أكلا منها سيكونان من الظالمين.
    إختلف المفسرون في كلمة ( الجنة ) التي سكنها آدم.
    البعض يقول أنها جنة المأوى التي في السماء ( إلا أن هذا التفسير خاطيء لأن جنة المأوى حرمها الله على إبليس و لا يجوز فيها عصيان ).
    البعض يقول أنها جنة خاصة بآدم و حواء خلقها الله لهما خصيصا.
    و البعض الآخر يقول أنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع.
    و البعض يؤمن بالتسليم في أمرها و أنها تدخل في علم الغيب .
    ثم وسوس إبليس لآدم ( ألا أدلك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى ؟ )
    و ما زال إبليس يعد الناس بأشجار الخلد و بالملك الذي لا يبلى.
    و آدم إنسان ،، نزعته البشرية يمكنها أن تجعله ينسى .

    مد يده إلى الشجرة و قطف منها إحدى ثمارها المحرمة و قدمها لحواء ، و أكل الإثنان من الثمرة التي حرمها الله عليهما.
    قال تعالى ( و عصى آدم ربه فغوى ).

    القرآن ليس به نص يذكر حواء ، لكنه ذكر آدم و حمله المسئولية كاملة.

    لم يكن هبوط آدم للأرض هبوطا مهينا ، و لكنه هبوط فيه الكرامة ( كما يقول الصوفيون ).
    ان الله يعلم بأن إبليس سيوسوس لهما و يغويهما.

    و كانت هذه التجربة ضرورية لآدم و حواء ، فهو إثبات لعداء إبليس لبني البشر ، و أن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله و عداء إبليس.

    إذن الإنسان ليس بمسير مجبور ، و الوقوع في المعصية لا تنفي حرية الإنسان و إختياره لطريقه.
    فآدم أخطأ و تحمل تبعة الخطأ الذي إرتكبه.
    ثم إستغفرا ربهما ، فعفا عنهما.

    أرجو مواصلة الحوار في هذا الموضوع لنصل إلى قناعة تامة لهذه النقطة ( الغواية )

    تسلم أخي العزيز

    (عدل بواسطة ابو جهينة on 03-09-2004, 11:00 AM)

                  

03-10-2004, 06:38 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: لوتعلمت حواءتنا لرشد آدمونا (Re: ابو جهينة)

    الأخ الكريم أبو جهينة،
    شكراً للمداخلة القيمة. وأرجو أن تجد في ما سأثبته ههنا من كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" ما قد يحفزك على الاستزادة بقرائته كاملاً، فقد ناقش الأستاذ محمود فيه قصة الخلق، وصلتها بموضوع الجبر والاختيار باستفاضة. وستجد هذا الكتاب في مكتبة الفكرة الجمهورية بموقعنا www.alfikra.org فإلى بعض ما ورد في ذلك الكتاب الهام:



    المغفرة لآدم وحواء

    كيف غفر لآدم؟ إن الله أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فأطاعوا، وأمر إبليس أن يسجد لآدم فعصا، فأما الملائكة فقد أطاعوا الأمر التشريعي، وهم (( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)) وأما إبليس فقد عصا الأمر التشريعي، ولكنه بالمعصية، أطاع الأمر التكويني، وليس له من ذلك بد. والسجود يعني تسخير الملائكة لآدم، وتسخير إبليس، على تفاوت في التسخيرين. فتسخير الملائكة إعانة على الخير، وهداية إلى الحق، وتسخير إبليس دلالة على الشر، وإضلال عن الحق، وآدم متنازع بين الخير من أعلى، والشر من أسفل، وهو في الحالتين ساير إلى الله. (( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)) فالنعم الظاهرة هي العوافي، والنعم الباطنة هي المصائب.. وكلها رحمة، وإن كانت النفوس تنفر من المصائب، وترتاح إلى العوافي، ولكن الله تبارك وتعالى يقول (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم، وأنتم لا تعلمون))، وكل المصيبة في نقص العلم.

    فإذا تصورت أول مخلوق بشري قائم على الخط الفاصل بين الحيوانية والإنسانية، وتصورته رأس سهم التطور، فقد تصورت آدم الخليفة في الأرض، وهو في مرحلة من مراحل تطوره من بدايات سحيقة، ولكنها مرحلة تحولية، دخلها بقفزة فريدة، نتجت عن استجماع فضائل شتى، اختزنها أثناء تطوره الطويل، المرير، من تلك البدايات السحيقة، وتلك القفزة هي المعبر عنها بقوله تعالى (( ثم أنشأناه خلقا آخر)) من الآيات الكريمات (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين)).

    وهي بعينها المعبر عنها بقوله تعالى (( ونفخت فيه من روحي)) من الآيتين الكريمتين (( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته، ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين)). (( فإذا سويته)) هذه، تشير، بإجمال معجز، إلى سلسلة التطور التي بدأت من بخار الماء، حيث كانت السموات والأرض سحابة واحدة، والى أن استعد المكان لنفخ الروح الإلهي فيه. ولقد قلنا أن الروح الإلهي هو (( إرادة الحرية)) التي توجت (( إرادة الحياة)) فارتفع بها الإنسان فجأة فوق الحيوانات العليا. ولم توجد إرادة الحرية فجأة بعد عدم، وإنما برزت بعد كمون طويل فهي بمثابة الزبدة التي مخضها العراك من لبن الحياة، ولقد تحدثنا عنها آنفا وقلنا أنها دخلت في عراك مع إرادة الحياة، وأن العقل نتيجة هذا اللقاء.

    وإرادة الحياة نبتت من الأرض، وعوامل السماء فيها موجودة، ولكنها أضعف من عوامل الأرض. وإرادة الحرية نشـأت من الأرض، ولكن عوامل السماء فيها قوية، فبها القامة البشرية قامت على الرجلين، وخصصتهما للمشي، وفرغت بذلك اليدين لمزاولة أعمال ذات صلة بالعقل أكبر، وكذلك استطاعت أن تدير رأسها، بسهولة، ويسر، على ما حولها، وما فوقها، فترى الشمس والقمر والنجوم، وأن تمشي سوية، تهتدي في مسالك الأرض، وفي طرائق السماء (( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى، أم من يمشي سويا على سراط مستقيم؟))

    وآدم، في الوجود، متنازع بين الملائكة من أعلى، والأبالسة من أسفل، فهو برزخ الوجود كله، وهو في ذلك عقل الوجود أيضا، والله تبارك وتعالى يعنيه حين قال، جل من قائل (( مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان)) والبحران هنا هما: بحر الأرواح العلوية، التي أشرقت بالطاعة، وبحر الأرواح السفلية التي انكدرت بالمعصية.

    وعقل آدم، في آدم، متنازع بين (( إرادة الحياة)) وهي النفس، من أسفل، و (( إرادة الحرية))، وهي الروح، من أعلى، وهو أيضا برزخ، والله تعالى يعنيه، في الآيتين الكريمتين السالفتين، وهو معناهما الباطن، وآدم معناهما الظاهر.

    والنفس قانونها ابتغاء اللذة بكل سبيل، واجتناب الألم بكل سبيل أيضا. ولذلك فهي تطيع الأمر التكويني، وتثقل عليها طاعة الأمر التشريعي، لأنه يضع لها الحدود، وهي في ذلك أشبهت إبليس.

    والروح قانونها الحرام والحلال، وهي تبتغي من النفس أن تستعصم عن اللذة العاجلة إذا كانت حراما، وذلك ابتغاء اللذة الآجلة الحلال، وفرارا من الألم المترتب على تعاطي اللذة الحرام، سواء كان هذا الألم معجلا أو مؤجلا. ولذلك فهي ترتفع من طاعة الأمر التكويني، إلى طاعة الأمر التشريعي. وهي في ذلك أشبهت الملائكة.

    وآدم، في هذه المرحلة البدائية من تطوره، قيل له كل من هذا، ولا تأكل من هذا.. أي قيل له هذا حرام وهذا حلال، فإن هو قوي على مراغمة النفس، وعصا أمرها بالسوء، واجتنب الحرام، فقد أحسن التصرف في حريته، واستحق أن يزاد له فيها، والله تعالى يقول (( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟)) وجزاء الإحسان مضاعف، وذلك محض فضل. اسمعه يقول، (( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها، وهم لا يظلمون)). وقد تضاعف أضعافا كثيرة، وقد تضاعف بغير حساب.. اسمعه تبارك وتعالى يقول (( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم)) فههنا الحبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، فذلك سبعمائة ضعف، ثم قال، فوق ذلك، ((والله يضاعف لمن يشاء)) كأن يكون سبعة آلاف ضعف، أو سبعين ألف ضعف، فإذا قال (( والله واسع عليم)) فقد خرج عن العدد، إلى السعة المطلقة.

    وإن هو لم يقو على مراغمتها، وضعف أمام إغرائها، واسترسل في تحصيل شهوتها الحرام، فقد أساء التصرف في حريته، وعرضها، من ثم، للمصادرة. فإن كان سوء تصرفه هذا فيه اعتداء على حق من حقوق الجماعة، صودرت حريته وفق قانون المعاوضة في الشريعة، وآيته من كتاب الله قوله تبارك وتعالى: (( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)).

    وإن كان سوء تصرفه إنما يقع وباله على نفسه وحدها، دون غيرها من الأنفس، صودرت حريته وفق قانون المعاوضة في الحقيقة، وآيتاه من كتاب الله قوله تبارك وتعالى (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)). هذا ولا يظنن أحد ان قانون المعاوضة في الشريعة، دائما، كان في هذا الإحكام الذي وردت به التوراة، ثم أقره الإنجيل من بعدها، ثم جاء القرآن بتأييده وإقراره. ذلك بأنه قانون يتطور مع تطور المجتمع البشري، ويتأثر بمستوى دقة العقل البشري ومقدرته على مضاهاة قانون الحقيقة الذي هو أصله، والذي كان، ولا يزال، في منتهى الإحكام، وهو لم يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها.

    والدقة التي هي حظ قانون المعاوضة في الحقيقة، والتي فاتت كثير من صورها على قانون المعاوضة في الشريعة، تجد ضبطها في أن القانونين يعملان معا في مصادرة حرية من عجز عن الوفاء بحق الحرية، من غير أن تكون هناك عقوبتان على خطيئة واحدة، وفي مستوى واحد من مستويات العقاب. وأقرب قوانين المعاوضة في الشريعة دقة من قوانين المعاوضة في الحقيقة الحدود، وهي أربعة.. الزنا والقذف والسرقة وقطع الطريق.. وترجع إلى أصلين هما حفظ العرض، وحفظ المال، وهما أول قانونين نشآ في المجتمع البشري البدائي، وإليهما يرجع الفضل في جعل المجتمع ممكنا. ويلي هذه الحدود حد السكر، ثم تجئ قوانين القصاص الأخرى في النفس بالنفس، والعين بالعين.

    ومعاوضة فعل الشر إنما تكون بوضع الألم في مقابلة اللذة من النفس، والمراد من ذلك وزن قواها حتى تعتدل، ولا تحيف، فتتهالك على اللذة بغير كتاب منير.

    كيف غفر لآدم؟

    الجواب غفر له بإعطائه حق الخطأ. وهذا يعني أن حريته لم تصادر مصادرة أبدية فيقام عليه وصي إلى نهاية ذلك الأبد، كما فعل بإبليس، وإنما أذن له في استردادها، وبدأ بممارسة ما يطيق منها، فهو يعمل في ذلك بين الخطأ والصواب، فكلما أحسن التصرف في الحرية التي لديه أوتي مزيدا منها، وإن بدرت منه إساءة في التصرف تحمل نتيجة سوء تصرفه بعقوبة معاوضة، ومقابلة للخطيئة، يراد بها إلى شحذ قوى نفسه، حتى تتأهل، أكثر من ذي قبل، لتحمل واجب الحرية في ذلك المستوى الذي بدر منها العجز عنه.. ثم إن هذه العقوبة يتجلى فيها اللطف الإلهي كما يليق به، فهو يجازي بالحسنة عشر أمثالها، وقد يضاعفها حتى تخرج عن الحصر، وهو لا يجازي بالسيئة إلا مثلها، وقد يعفو عنها، وقد يبدلها حسنة، وقد يضاعفها، بعد ذلك، أضعافا لا حد لها، فهو تبارك وتعالى يقول (( والذين لا يدعون مع الله الها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق آثاما، يضاعف له العذاب، يوم القيامة، ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب، وآمن، وعمل عملا صالحا، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفورا رحيما)) ولقد ألهم آدم كلمات فتلهمها، فكانت سببا إلى التوبة، فالمغفرة، (( فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم)) ولقد كانت تلك الكلمات هي (( ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكونن من الخاسرين)).

    هذه هي المغفرة لآدم بعد أن أصبح بشرا عاقلا، ولقد أنفق آدم دهرا دهيرا قبل أن يبلغ هذه المرتبة الرفيعة.. قال تعالى في ذلك، (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)) يعني قد أتى على آدم عهد سحيق، لم يكن فيه مكلفا، ولا مسئولا، لأنه لم يبلغ مبلغ العقل، ولقد تحدثنا عن هذا آنفا، وقلنا أن الله سير الحياة، من لدن ظهورها بين الماء والطين، والى أن بلغت مبلغ العقل، تسييرا شبه مباشر، وقانونها يومئذ هو قانون المعاوضة في الحقيقة، وآيتاه من كتاب الله، كما سبق بذلك التقرير، هما الآيتان الكريمتان (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) وهو قانون يعمل دائما على تنمية الخير، ومحو الشر، وذلك بسوق الحياة إلى كنف الله الرحيم.

    هذا التسيير في مراقي القرب هو المغفرة لآدم، من لدن النطفة الأمشاج، وإلى أن أصبح بشرا مكلفا، فماذا كان آدم قبل هذا؟ وكيف غفر له؟ اسمع (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين)) فقبل أن يصبح آدم نطفة مختلطة بالطين - نطفة أمشاجا - قد كان ذرة من بخار الماء، الذي هو أصل الحياة، كما يخبرنا تبارك وتعالى (( أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شئ حي، أفلا يؤمنون؟)) وهذه الذرة هي أصل سلالة الطين. وإنما غفر له في هذه المرحلة بهذا التسيير المباشر، بالقهر الإرادي، الذي حفز الحياة إلى الله وأزعجها إلى قربه، فارتقت المراقي، وبلغت المبالغ. وقانون هذه الإرادة الإلهية، هو قانون المعاوضة في الحقيقة أيضا.

    وهذه المغفرة لآدم في مستوياتها المختلفة هي بعينها التسيير، فالناس مسيرون، من مرتبة العناصر إلى مرتبة الحياة ومن مرتبة الحياة البدائية إلى مرتبة الحياة المتقدمة الراقية المعقدة، ومن هذه إلى مرتبة الحرية الجماعية بدخول العقل في المسرح، ومن مرتبة الحرية الجماعية، إلى مرتبة الحرية الفردية المطلقة، والتسيير يطرد في هذه إلى غير نهاية، لأنه سير إلى الله في إطلاقه.

    التسيير خير مطلق

    بدخول العقل في المسرح نشأ قانون المعاوضة في الشريعة، وهو قانون فج، إذا ما قيس إلى قانون المعاوضة في الحقيقة، ولكنه يدق، وينضبط، كلما قوي العقل واستحصد. وهو القانون الحادث، ويحكي الإرادة البشرية، المحدثة. وهو إنما يستهدف إتمام الانطباق على القانون القديم، الذي يحكي الإرادة الإلهية القديمة.. وهيهات!!

    والإنسان مسير من البعد إلى القرب، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن التعدد إلى الجمعية، ومن الشر إلى الخير، ومن المحدود إلى المطلق، ومن القيد إلى الحرية.

    والتسيير، من بدايته، هو رحمة في صورة عدل، وهو أكبر من العدل - (( فالرحمة فوق العدل))- وقد أسلفنا القول في ذلك.

    والتسيير حرية، لأنه يقوم على ممارسة العمل بحرية (( مدركة)) في مستوى معين، فإذا أحسن المتصرف التصرف زيد له في حريته، فارتفع مستواه بالتجربة والمرانة، وإن لم يحسن التصرف تحمل مسئوليته بقانون حكيم يستهدف زيادة مقدرته على حسن التصرف، وهكذا، فكأن الإنسان مسير من التسيير إلى التخيير، لأن الإنسان مخير فيما يحسن التصرف فيه، مسير فيما لا يحسن التصرف فيه، من مستويات الفكر، والقول، والعمل.

    هناك حديث قدسي جرى من الله تعالى لنبيه داوود: (( يا داؤود! إنك تريد، وأريد، وإنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد)) ولقد قرر الأمر من الوهلة الأولى حين قال، في صدر الحديث، (( وإنما يكون ما أريد،)) فدل بذلك على أن إرادة الله هي النافذة.

    وحين قال (( فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد)) دل على أن إرادة الإنسان تكون نافذة المفعول إن هو أراد الله. فإن قلت فهل هو يملك أن يريد الله؟ قلنا هو لا يملك من تلك الإرادة إلا ما ملكه الله تعالى إياه، فانه سبحانه وتعالى يقول (( ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء)) وهو يشاء لنا في كل لحظة أن نحيط بشئ من علمه، وإلى ذلك الإشارة بقوله (( كل يوم هو في شأن)) وشأنه هو إبداء ذاته لخلقه ليعرفوه، وليس يومه أربعا وعشرين ساعة، وإنما يومه وحدة زمنية التجلي، وقد تنقسم فيه الثانية إلى جزء من بليون جزء، حتى ليكاد الزمن أن يخرج عن الزمن، كل ذلك وفق ما أودع الله في المكان من قابلية التلقي، ولما كان القيد على قابلية التلقي لا يخضع إلا لحكمة المطلق، فهو قيد في حرية، وضيق في سعة، ومن أجل هذه الرحمة المطلقة فإننا أصبحنا نشعر بأننا نملك إرادة حرة، وهذا الشعور أوجب علينا أن نحسن التصرف في حرية إرادتنا هذه. وحسن التصرف في حرية الإرادة إنما يكون بأن نريد الله، ولا نريد سواه، فان نحن قمنا بذلك عن يقين مكتمل.. فكرا، وقولا، وعملا، فإنه يمدنا بمزيد من حرية الإرادة، وإن نحن أسأنا التصرف في حرية الإرادة، فأردنا سواه، صادر حريتنا بما يعلمنا كيف نحسن التصرف في مستأنف أمرنا، وحسن تصرفنا منه منة، وسوء تصرفنا منه حكمة، وهدف الحكمة أن يستعد المكان لتلقي المنة، وكل ذلك إنما يجري في لطف تأت، لا ينزعج معه لنا خاطر، ولا يمحى معه لنا وجود.

    ونحن لا نختار أنفسنا عن الله إلا لجهلنا، وليس الجهل ضربة لازب علينا، وإنما نحن نخرج عنه إلى العلم كل لحظة. فإن قلت فلماذا لم نخلق علماء، فنكفى بذلك شر الجهل، وسوء التصرف في الحرية، وما يترتب على سوء التصرف من عقوبة؟. قلنا أن العقوبة هي ثمن الحرية، لأن الحرية مسئولية، والمسئولية التزام شخصي في تحمل نتيجة العمل، بين الخطأ والصواب. ولقد خلق الله خلقا علماء لا يخطئون، ولكنهم ليسوا أحراراً، ولقد نتج عن عدم حريتهم نقص كمالهم... أولئك هم الملائكة، فإن الله فضل عليهم البشر، وذلك لمكان خطئهم وصوابهم، أو قل لمكان طاقتهم على التعلم بعد جهل، وإلى ذلك الإشارة بحديث المعصوم (( إن لم تخطئوا وتستغفروا فسيأت الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم)) فكأن الخطائين المستغفرين هم موضع نظر الله من الوجود، لأنهم سيصيرون إلى الحرية، والحرية المطلقة، وهي حظ الله العظيم.. وكل مقيد مصيره إلى الحرية، والحرية المطلقة في ذلك، وكل جاهل مصيره إلى العلم، والعلم المطلق في ذلك أيضا. والله تبارك وتعالى يقول (( يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)) ويقول (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا، وأنكم إلينا لا ترجعون؟)) وملاقاة الله، والرجوع إليه، لا يكون بقطع المسافات، وإنما يكون بتقريب الصفات، من الصفات. ومن أجل ذلك قررنا أن التسيير خير مطلق، وهو في حقيقة أمره خير، في الحال، وخير، في المآل.

    وسيجئ وقت ينتهي فيه الجهل بفضل الله في التسيير، وإلى ذلك أشار المعصوم حين قال (( لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، ولعلمتم العلم الذي لا جهل بعده، وما علم ذلك أحد!! قالوا ولا أنت؟ قال ولا أنا!!)) قالوا ما كنا نظن الأنبياء تقصر عن شئ!! قال (( إن الله أجل وأعظم من أن ينال ما عنده أحد!!)) وكلما قل الجهل، وزاد العلم، قل الشر، ورفعت العقوبة، عن المعاقبين، في تلك المنطقة التي وقعت تحت علمهم.

    فالعقاب ليس أصلا في الدين، وإنما هو لازمة مرحلية، تصحب النشأة القاصرة، وتحفزها في مراقي التقدم، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب، فيوضع عنها إصره، وتبرز نفس إلى مقام عزها.

    وما من نفس إلا خارجة من العذاب في النار، وداخلة الجنة، حين تستوفي كتابها في النار، وقد يطول هذا الكتاب، وقد يقصر، حسب حاجة كل نفس إلى التجربة، ولكن، لكل قدر أجل، وكل أجل إلى نفاد.

    والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقا، فجعل بذلك الشر أصلا من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمديا يصبح انتقام نفس حاقدة، لا مكان فيها للحكمة، وعن ذلك تعالى الله علوا كبيرا.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de