لوتعلمت حواءاتنا لرشد آدمونا
الأستاذ محمود محمد طه
جريدة الجمهورية، إفتتاحية "باب المرأة" 15-1-1954
هذا باب المرأة .. وهو باب يجب أن يدخله الداخلون سجداً. ذلك لأنه يعالج شأناً هو أخطر شؤون الأرض على الإطلاق، وهو المرأة .. والمرأة في الأرض كالقلب في الجسد، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائره .. إن المرأة في حقيقة النظام الاجتماعي المتمدين أولى بالعناية من الرجل، إن صح أن هناك أولوية بينهما. ذلك بأنه يتأثر بها أكثر مما يوثر فيها، وإن خيل له غروره غير ذلك.
وحين تعرف المرأة سبيل المكارم تنشئ على سمتها الرجل طفلاً ، وتحمله على جادتها زوجاً، وتعزيه في جميع مسالك الحياة، وهو أجنبي عنها. إن حواء حين أغوت آدم أغوته ثم لم يستعصم. وهي لم تغره إلا وهي تبغي به الخير. ولكن جهلها كان وبالاً عليه وعليها .. وهو لم يستعصم عن غوايتها لأنها رسولة حياة، تدعو إليها في إلحاح متصل، حتى لكأن كل جارحة من جسدها لسان يلهج بالدعوة .. فآدم طالب حياة في المكان الأول. وكل الناس طلاب حياة، فمن لم يستجب للحياة لا يستجيب لشئ ..
ولو أن حواء عرفت سبيل الحياة لكانت دعوتها لآدم دعوة صالحة، لا غواية فيها، ولا عصيان .. ولوتعلمت حواءتنا لرشد آدمونا .. فإنك إن تعلم إمراة تعلم أمة، وإن تعلم رجلاً تصلح فرداً. أنصار المرأة وخصومها، إن صح أن للمرأة خصوماً بالمعنى الصحيح، مدعوون للكتابة في هذا الباب على أن تكون كتابتهم صادرة عن علمٍ يقين، وعقلٍ سديد، وجدٍ لا عبث فيه ولا فضول.