مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 05:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الاديب محسن خالد(محسن خالد)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-19-2005, 03:54 AM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره

    مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره



    كنت قد اتفقت مع زميلي احمد يونس على اعداد ملف عن الاديب محسن خالد عبر الملف الثقافي الذي يصدر كل جمعة ولاسباب قاهره لم اتمكن من تسليم مادتي في الموعد المحدد واعتذر احمد يونس عن الكتابة لاسباب اوردها الاستاذ عيسى الحلو في المقال الوحيد الذي كتبه عن انتاج محسن خالد

    وفي الاسبوع التالي قمت بتسليم احمد يونس المادة التي كانت تعقيبا على حديث عيسىالحلو ومطالبة برفع الرقابة عن حرية النشر في البلاد بأعتبار ان محسن خالد الذي احتفى به عيشسى الحلو له قصص قصيره منعت الرقابة نشرها وطباعتها في السودان وكلن هذا المقال لم ينشر في الملف الثقافي فاتصل بي احمد يونس قائلاً ان المقال سوف ينشر في العدد القادم وهذا ما أكده لي أيضا الاستاذ عيسى الحلو وجاءت الجمعة التالية ولم ير المقال النور
                  

06-19-2005, 03:56 AM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: Napta king)

    وهذه خلفية للمشهد الصحافي في البلاد على لسان الاستاذ محجوب محمد صالح رئيس تحرير الايام

    لا توجد حرية صحافة في السودان الان... اخرج في المساء من دار الصحيفة فليأتي من بعدي رجال الامن لينتزعوا اخبارا ومقالات ومواد أخرى.... في الفترة الماضية تراجعت الرقابة على الصحف ولكن منذ صدور القرار 1593 من مجلس الامن والخاص بمحاكمة مجرمي دارفور في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي اتخذت الحكومة موقفا حادا من القرار ومن الصحافة ولا ادري ما هي العلاقة بين الاثنين؟ هدف الحكومة من الرقابة المباشرة والمشددة على الصحف هذه الايام منع نشر اي حديث يدعم اتجاه محاكمة المتهمين في جرائم دارفور وهم غير معروفين حتى الان خارج البلاد، ولكن الرقابة من يوم لاخر تمددت لتشمل قضايا اخرى، والمؤسف ان هذا يحدث في وقت تفصل بيننا والدستور الجديد الذي يحقق التحول الديمقراطي في البلاد ايام فقط، السؤال: لمصلحة من هذه الرقابة؟ إما ان الحكومة غير جادة في موضوع التحول الديمقراطي، او ان جهات بداخلها لا ترغب، وفي كل الاحوال فان ما يحدث مؤسف ومتناقض مع واقع الاحداث في السودان.
                  

06-19-2005, 04:27 AM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: Napta king)

    الأخ ملك نبتة حبيبتنا

    تحياتي
    سياسة المنع والحجب ومن ثم السماح، وفي بعض الأحيان إلاغلاق الصحف وإستدعاء ورئيس او مدير التحرير، وإستمرارية هذه السياسة تستدعي وجود منفذين، وهؤلاء تحولت المسالة لهم وظيفة، وراتب ومخصصات، ورؤساء ومرؤوسين، وتقريع وإشادة، وهؤلاء واولئك كل يسعى لإرضاء رؤسائه، ولو تتبعت السلم الهرمي تصاعدياً ستصل للسلطة العليا.
    محسن خالد يعود إلى حالة عادية لأول مرة في مسيرته الإبداعية، بعد أن ظل حالة إستثنائية أو فوق العادة، من حيث إنتاجه الأدبي المميز، والعادية هنا هي ما أسبغته عليه الجهات الرسمية، بممارسة فعل عادي وهي المنع.
    ولتجاوز هذا المنع، وحتى تتعلم مثل هؤلاء المسؤولين أن النشر لم يعد لهم عليه سلطان، وغير خاضع لسطوته، أطلب منك نشر هذا المقال عبر هذا المنبر وكل المنابر المتاحة.

    وواصل سعيك
    وفي صدفالك يا إنسان
    نسمة تقولك في الإمكان
    أحسن مما كان
    واصل سيرك واصل
                  

06-21-2005, 12:04 PM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره (Re: nadus2000)

    الاخ nadus2000

    اتفق معك فيما ذكرته وقمت بنشر المقال والغريبة أن أهل الرأي العام كانوا يراوحون ما بين القبول والرفض في نشره وماأردت ان اقوله ايضا اكثر من عادي دعوه تتناسب مع مناخ السلام والتحول الديمقراطي في بلادنا
    Quote: وفي صدفالك يا إنسان
    نسمة تقولك في الإمكان
    أحسن مما كان
    واصل سيرك واصل


    وبالمقابل هناك من يذكرك بالمقولة الخالده
    لا تحلموا بعالم سعيد
    فخلف كل قيصر (يفوت)
    ذات القيصر يبدل جلده من جديد
                  

06-19-2005, 04:19 AM

الجندرية
<aالجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: Napta king)

    هون عليك يا اخي
    فنهاية الليلة اشد ظلمة
    سنعد بحريتنا في الفجر المرتجى
                  

06-20-2005, 09:19 AM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره (Re: الجندرية)

    شكرا لك الذين عقبوا على الحديث ولي عوده ولكن انشر المقال المحجوب اولا
    واعتذر عن عدم نشره بالامس بسبب انقطاع الكهرباء
                  

06-19-2005, 05:10 AM

هميمة

تاريخ التسجيل: 12-19-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: Napta king)



    سلام يا ملك نبتا !!!! والف سلام للاديب محسن خالد

    اكثر حاجه ادهشتنى .... عاينت فى البروفايل بتاع محسن لقيتو

    مواليد 73 !!!!!! كنت متخيلاه راجل لااااااازم !!!!


    بس يا نبتا حقو تنزل لينا مقالك المنعوه دا هنا ........

    انت ما سمعت الذى قال ::::


    كتبت على سحابة / فلتسقط الرقابة / فصادروا السماء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    لكن ذى ما قال بن لادن والذى رفع السموات بغير عمد

    ان اجلهم قد دنا اصبرو فقد صبرنا الاكثر ........
                  

06-20-2005, 09:23 AM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره (Re: Napta king)


    محسن خالد.. لا كرامة لأديب في وطنة



    دعوة لإلغاء مفهوم الوصاية الثقافية وتسريح حراس النوايا !!!


    ناصف صلاح الدين



    هل الكتاب الأدبي الذي لا يتجاوز عدد نسخه ثلاثة آلاف نسخة في عالمنا العربي أكثر خطورة من برنامج سياسي أو ديني تعرضه إحدى الفضائيات ويشاهده ملايين البشر أو موقع على شبكة الإنترنت يقدم ذات المواضيع وغيرها دون رقيب ويتصفحه عشرات الآلاف ؟؟؟ لاشك أن أي إنسان عاقل سيجيب على هذا السؤال الساذج بالنفي ومادام الأمر كذلك فلماذا تعمد أجهزة الرقابة وبعض المؤسسات الدينية في جميع الدول العربية على منع طباعة بعض الكتب أو دخولها أو عرضها في معارض الكتاب تحت ذرائع أخلاقية ودينية وأمنية وسياسية في حين أن الدساتير تكفل حرية الفكر والتعبير .
    دارت بذهني كل هذه الأفكار وأنا أقرأ إحتفائية الأستاذ الكبير عيسى الحلو بأعمال الاديب محسن خالد وخاصة روايته الأخيرة (تيموليت) المنشورة على الانترنت والتي شغلت الساحة الروائية العربية فقد إعتبرها عيسى الحلو تجدد روح الرواية في كشوفاتها الجمالية وتصل بها إلى أماكن بعيدة من الرفعة والسمو بالكتابة ، بوصفها كتابة تكون نفسها وتتخلق شكلا ومضموناً من الداخل دون أن تعتمد في نجاحها لأية مرجعية خارجية وقال عنه بعض النقاد إنه أهم روائي جاء بعد الطيب صالح
    فالمحزن حقاً أن القراء لن يتعرفوا على هذا الأديب إلا من خلال النقد الفني الذي يكتبه عيسى الحلو وغيره لأن أعماله على قوائم الحظر الأدبي وممنوعة من دخول البلاد. فقد منعت السلطات المختصة قبل سنوات طباعة روايتة (كلب السجان) فهاجرت الرواية إلى القاهرة لتجد سبيلها من الرواج والكاتب حظه كأديب باذخ ينتظره المستقبل كما قال عيسى الحلو، ومن قبل صادرت ذات السلطات رواية (وطن خلف القضبان) للأديب والصحفي الشاب خالد عويس. وحدث ذات الشي مع رواية الدكتور مروان حامد الرشيد (مندوكرو ) .
    رواية (كلب السجَّان) صدرت عن الدار العالمية للطباعة والنشر بالقاهرة وهي مجموعة قصصية تقع في "64" صفحة من القطع الصغير وتحتوي على أربع قصص هي : عيد المراكب ، الوجود والوجود الآخر ، كلب السجان ، وذهب بني شنقول وجدير بالذكر أن هذه المجموعة هي أول عمل يصدر للكاتب بعد روايتيه : إحداثيات الإنسان ، والحياة السرية للأشياء . وكان قد أصدرهما الكاتب في العام 2002 بعد إقامته بالإمارات.
    كان مجلس الصحافة والمطبوعات بالسودان قد رفض نشر رواية محسن خالد لأسباب بيَّنها تقريران ُرفعا من قبل المُحَكِّمَيْن اللَّذين فوضهما المجلس المحترم للحكم على الرواية وسأورد هنا التقريرين ليعلم الجميع كيف يتم الحكم على الأعمال التي تقدم لذلك المجلس ومن بعد ذلك سأعلق عليهما
    التقرير الأول مرفوع من قبل الكاتب إسحق أحمد فضل الله .
    والآخر رفعه: الأستاذ: علي يسن "الحكم الثاني"
    بسم الله الرحمن الرحيم
    التاريخ 15/2/2000
    سيادة الأخ / سكرتير مجلس الصحافة والمطبوعات
    السلام عليكم
    الموضوع/ تقرير حول رواية السيد/ محسن خالد
    نستطيع ابتداء أن نشير إلى أن هذه الرواية تتميز بكل ما تتميز به الخمر الجيدة ، فهي تثير الطرب والدوار والدهشة والسكر والقيء وسخط المولى عز وجل ..ولغة الرواية وحدها وليس أي شيء آخر فيها هو ما يحمل هذه الصفة .
    - وتجريد الرواية من لغتها يلقي بها باهتة تافهة فهي رواية ترسم الصورة الداخلية لأشخاص ومشاهد .. ترسم الأحاسيس الشهوانية ببراعة وجدة جديدة.
    - والجنس الذي تعتبره الرواية موطناً وتجوس فيه هو بطبيعته نار لا توضع على اي عمل أدبي إلا اشتعل ، لكن الأدب الحقيقي هو استخدام للنيران البارعة للوصول إلى هدف وراء ذلك وليس مجرد الاحتراق.
    - الكاتب كذلك يتحدث بلسان عنصري مبين فهو يتخذ رؤية للمسألة السودانية والعلاقة بين الجنوبي والشمالي هي بدقة رؤية الجنوبي الذي لا يرى في الشمالي إلا الشيطان.
    - والكاتب كذلك يتحدث حتى عن الذات الإلاهية بعدم احترام ورفض جدلي للمسلمات الإلاهية الإسلامية.
    - الرواية هذه سوف تنتهي بها لغتها إلى نهاية معروفة ، لكن يفضل عندنا أن تنتهي هذه النهاية المحتومة بيد جهة أخرى غير يد مجلس الصحافة والمطبوعات.
    - حسب ما جاء في خطابكم ، بحثنا طويلاً عن سبيل يجعل الرواية هذه تقدم للنشر مع قليل من التعديلات عن الثاني كذلك . ثم جاء الجزء الثالث الذي يأخذ الطريق إلى كل محاولة للإصلاح.
    - وهكذا نجد أنفسنا = آسفين = ونحن نرى عدم صلاحية الرواية للنشر . (علامة = كما في الأصل(
    - نتمنى أن تتمكن اللجنة من إقناع الكاتب باستغلال أسلوبه الرائع في روايات أخرى تتخذ لها وطناً غير الجنس والعنصرية ..
    وشكراً ،،،
    إسحق أحمد فضل الله
    ---------------------------
    بسم الله الرحمن الرحيم
    لجنة النشر – المجلس القومي للصحافة
    الموضوع:- المخطوطة بعنوان " إحداثيات لطينة آدم" – رواية
    • تتألف المخطوطة من حوالي 300 صفحة ، في أربع كراسات بخط اليد في ثمانية فصول.
    • يتمتع الكاتب بقدرة جيدة على التعامل باللغة ، وهو متمكن من عناصر الكتابة القصصية ، بناء شخوصه وأحداثه وأماكنه وأزمانه وهو يمتاز فوق ذلك بقدرة كبيرة على استيلاء المعاني وقيادة الحوار . والرواية عموماً جيدة جداً من حيث الجانب الفني ، ولكن تناول موضوعات الجنس والعلاقة بالمرأة فيها تناول أجرأ مما ألفه القاريء السوداني والمجتمع السوداني عموماً .. أوصي بتحويل الرواية إلى قاريء آخر . كما أثبت الملاحظات التالية :
    1- في الورقة السابعة (ص14) في السطر 4 وما بعده يجب حذف الجملة البادئة بـ(على العموم الإنسان السوداني نزعته إلى المرأة الخ ...حتى "ولنجاوب على ذلك " ) ففي هذه الجملة إساءة وقذف على أمة بحالها.
    2- القصائد التي ينثرها الكاتب في أثناء روايته ، رغم تساوقها مع ما حولها ، إلا أنها تحتوي أو معظمها على شيء من ركاكة يفسد استمتاع القاريء باللغة الرفيعة التي كتبت بها الرواية ، وهي كذلك الأشعار المنسوبة إلى "بشرى" و"كمال" وغيرهما والتي يبدو أنها من نسج الكاتب نفسه – أقل تماسكاً وأقل "شعرية" مما حولها من النثر . هذه الملاحظة لا توجب إجراء بعينة بل يترك الأمر للكاتب .
    3- ثمة أخطاء في الإملاء ، وفي النحو ، وفي تصريف بعض الأخطاء في الكلمات، في كثير من المواضع لابد من مراجعتها وتصويبها عند – أو قبل الطبع – وفوق هذا ، ما أثبتناه أول هذا التقرير من جراءة لم يعتد عليها القاريء السوداني ، وهي عندنا ليست سبباً لمنع النشر ، ولكن نرى الاستئناس حولها برأي محكم آخر.
    علي يسن


    إن إسحق يقول انه قد بحث طويلاً عن سبيل يجعل الرواية هذه تقدم للنشر مع قليل من التعديلات ولكنه يجد نفسه آسفاً لعدم صلاحية الرواية للنشر لأن الجنس الذي تعتبره الرواية موطناً وتجوس فيه هو بطبيعته نار لا توضع على اي عمل أدبي إلا اشتعل والرواية ترسم الأحاسيس الشهوانية ببراعة وجدة جديدة.
    رغم أن الجنس في رواية محسن خالد موجود بكثافة فقط في قصة ''ذهب بني شنقول'' وهو ليس مقصوداً لذاته فالقصة تروي جسد الوطن من خلال جسد امرأة، فالأُسس التي تدفع الإنسان للحصول على الذهب واللَّذة واحدة، والباقي مجرد أقنعة لأساس واحد،فالكل وبدون استثناء، تعاملوا مع ذلك البلد الجميل والقديم كغزاة، حتى أبناؤه ، وهكذا دواليك، بلد قديم ولعنة قديمة وممثلين جدد لتواضعات هي ذاتها، نشدان اللَّذة والذهب.
    يقول إسحق انه كان يفضل أن تنتهي هذه النهاية (المحتومة) للرواية بيد جهة أخرى غير يد مجلس الصحافة والمطبوعات !!!!.وهنا مربط الفرس فهناك أسباباً خفية عند (حراس النوايا) تجعل المصادرة انجازاً امام هذا العمل ،لأن ''كلب السجَّان'' هي شكلٌ لأُسس معاناة السودانيين من نظامهم السياسي، فالمشكلة ليست السجَّان وحده، وإنَّما كلاب السجّان أسوأ، (فالمسافة بين السجَّان والمسجون ليست إلا طول حَبْل أو سُمْك القضبان، ''المشكلة الكلب''، فالمسافة بينه وبين المسجون تمرُّ بالنوع وممالك الحيوان وثأرات الأصل !!! فالاسباب السياسية والنظرة الامنية هما التقييم الحقيقي للاعمال الأدبية .مثلما حدث لرواية خالد عويس (وطن خلف القضبان) والتي صدرت عن دار الساقي بلندن وتم منعها أيضاً من دخول البلاد، رغم أن دار الساقي عدلت اسم الرواية واقترحت هذا الاسم البديل لدواع رقابية بحتة !!!.فإن الأمر لم يشفع لها رغم أن كل يقرأ الرواية بتمعن سيكتشف بسهولة أن الترميز السياسي لم يكن مقصودا بحد ذاته وإنما كان في خدمة القيم الجمالية.
    أما المحكم الثاني علي يس فقد كان أميناً مع نفسه وأوصي بتحويل الرواية إلى قاريء آخر غيره. رغم أنه يعتبر الرواية (جيدة جداً من حيث الجانب الفني) ، ولكن تناول موضوعات الجنس والعلاقة بالمرأة فيها تناول أجرأ مما ألفه القاريء السوداني والمجتمع السوداني عموماً ..
    ومن الظلم بمكان أن يكون الجنس هو المعيار الوحيد لتقييم الرواية مثلما حدث من قبل مع الطيب صالح في رواية " موسم الهجرة إلى الشمال " قبل أن تجد مكانتها كأفضل وأهم 500 عمل أدبي عالمي فقد دافع عنها رجاء النقاش قائلاً ان الجنس في هذه الرواية عنصر من عناصرها ، يخدم العمل الفني ، وتظهر المواقف الجنسية طبيعية في موضعهـا من الرواية وفي تعبيرها عن ضرورة فنية وموضوعية ، ومن واجـب حياتنا الأدبية أن تقابل هذا الموقف بجرأة وشجاعة ، ولا يجوز أن نخفي رؤوسنا في الرمال .. فنجعل حراماً على أدبائنا ما ليس حراماً على غيرهم ونمنعهم من أن يقتربوا من موضوع الجنس إذا دعاهم إلى ذلك فنهم وفكرهم وصدقهم مع الفن والحياة ، والواجب – هنا أن تتحقق حريتنا الفكرية والفنية بمواجهة الحقيقة لا بالهروب منها ، ولو استطاعت حياتنا الفنية أن تهضم الفقرات الجنسية من رواية الطيب صالح بدون مضض أو امتعاض ، فإنها بذلك تكون قد خطت مائة سنة أدبية إلى الأمام.
    إن مصادرة العديد من الروايات السودانية في الماضي لم يأت منفصلاً عن ممارسات شوّهت الثقافة السودانية وطردت المبدعين إلى خارج الوطن وطاردتهم وقمعتهم أيّما قمع في ظل انتكاسات مريعة عاشتها الثقافة السودانية كمّمت خلالها الأفواه وتمّ التضييق على المثقفين وحوصرت المناشط الإبداعية ولم يكن من سبيل سوى أن يسعى المثقفون الى توسيع دائرة الوعي والحفاظ على المشهد الثقافي السوداني بشتى الوسائل .
    فمفهوم الوصاية الثقافية وضخ ما يتماشى مع أهواء ورغبات القائمين على الرقابة ينبغي أن يعاد فيه النظر والبلاد تشهد مرحلة السلام والتحوّل الديمقراطي الذي يتطلب تصحيح الأوضاع، والمشاركة الفاعلة في جعل التحوّل الديمقراطي تحوّلا مؤسسا على الوعي لا الاتفاقات، ومشيدا على القناعات العميقة بالحرية والعدل والمساواة لا المساومات السياسية متواضعة الأهداف.
    ولابد من بتقليص دور الرقابة على الاعمال الادبية الى أقل مستوى هذا إذا لم تلغ أساسا في ظل العولمة ووسائل الاتصال الذي جعلها مفهوما تصادميا بحتا مع الثقافة والمثقفين ومؤسسة تمارس وصاية على العقول ولا تستجيب لشروط العيش في عصر التكنلوجيا.
    إن (حراس النوايا) يتناسون أن كل كتاب يُحرق يشعل ضوءاً في مكان ما من العالم ، كما يقول فولتير ، وأن كل كتاب يمنع يحقق شهرة لمؤلفه ، ويصبح مطلوباً جماهيرياً فيغتني من ورائه المشتغلون في مهنة الإستنساخ.
    إن السلطة الوحيدة التي ينبغي أن يحتكم إليها ويحق لها "محاكمة " و"تقويم " أي عمل إبداعي هي سلطة القراء.مثلما إرتضى الساسة عندنا أن يحتكموا إلى صناديق الإقتراع بدلاً عن صناديق الذخيرة والقاعدة العامة أن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس فسيمكث في الأرض ولو كان عملاً ادبيا .
                  

06-20-2005, 11:04 AM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره (Re: Napta king)

    عزيزي ناصف

    يدور بخلدي أن أبروز عبارات إسحق فضل الله وأحتفظ بها كاحتفاظي دائما بصورة "مانديلا" في شاشة جهاز الكمبيوتر خاصتي في العمل، وصورة الطفل السوداني الزاحف باتجاه معسكر للنازحين يتعقبه نسر ينتظر موته، في مكتبي أيام كنت أعمل لفائدة جريدة الزمان في الرياض.
    [[نستطيع ابتداء أن نشير إلى أن هذه الرواية تتميز بكل ما تتميز به الخمر الجيدة ، فهي تثير الطرب والدوار والدهشة والسكر والقيء وسخط المولى عز وجل ..ولغة الرواية وحدها وليس أي شيء آخر فيها هو ما يحمل هذه الصفة .
    - وتجريد الرواية من لغتها يلقي بها باهتة تافهة فهي رواية ترسم الصورة الداخلية لأشخاص ومشاهد .. ترسم الأحاسيس الشهوانية ببراعة وجدة جديدة.
    - والجنس الذي تعتبره الرواية موطناً وتجوس فيه هو بطبيعته نار لا توضع على اي عمل أدبي إلا اشتعل ، لكن الأدب الحقيقي هو استخدام للنيران البارعة للوصول إلى هدف وراء ذلك وليس مجرد الاحتراق.
    - الكاتب كذلك يتحدث بلسان عنصري مبين فهو يتخذ رؤية للمسألة السودانية والعلاقة بين الجنوبي والشمالي هي بدقة رؤية الجنوبي الذي لا يرى في الشمالي إلا الشيطان.
    - والكاتب كذلك يتحدث حتى عن الذات الإلاهية بعدم احترام ورفض جدلي للمسلمات الإلاهية الإسلامية.
    - الرواية هذه سوف تنتهي بها لغتها إلى نهاية معروفة ، لكن يفضل عندنا أن تنتهي هذه النهاية المحتومة بيد جهة أخرى غير يد مجلس الصحافة والمطبوعات.
    - حسب ما جاء في خطابكم ، بحثنا طويلاً عن سبيل يجعل الرواية هذه تقدم للنشر مع قليل من التعديلات عن الثاني كذلك . ثم جاء الجزء الثالث الذي يأخذ الطريق إلى كل محاولة للإصلاح.
    - وهكذا نجد أنفسنا = آسفين = ونحن نرى عدم صلاحية الرواية للنشر . (علامة = كما في الأصل(
    - نتمنى أن تتمكن اللجنة من إقناع الكاتب باستغلال أسلوبه الرائع في روايات أخرى تتخذ لها وطناً غير الجنس والعنصرية ..]]
    والله لا أجد الكلمات المناسبة أبدا للتعبير عما يعتورني من "غثيان" ورغبة في "القيء" مما سطره فضل الله.
    عموما، محسن خالد كأي مبدع حقيقي لا يهتم أبدا لمنظور مثقفي السلطة تجاهه، ولا يصوب عنايته باتجاه رضائهم "السلطاني" ورغبتهم في أن يبدع "داخل النسق" وحسبما يريدون، وهاهو رغم المنع والقمع وصل إلى القراء في كل مكان وأصبح علما روائيا على رأسه نار. وليمارسوا ما بدا لهم من نقد ومنع وتصويب، فهم يظنون ألا سبيل لأي مبدع في النشر إلا من خلال دساتيرهم المريضة.
    تحيتي لمقالك الرائع، ولكل مبدع سوداني قادر على الاستمرار رغم هذه الظروف كلها.
                  

06-21-2005, 01:51 PM

Bushra Elfadil
<aBushra Elfadil
تاريخ التسجيل: 06-05-2002
مجموع المشاركات: 5252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره (Re: خالد عويس)


    هذا المنع هو ما عناه الشاعر بالمذمة التي تاتي من ناقص. في عام 90 منعوا الطيب صالح حين دعته الدامر لتظاهرة ثقافية بها وحجبوه عن حقول الدرس الاكاديمي في جامعاتنا وفي عام الفين وخمسة دعوه وكرموه .ليته لم يقبل وإتحادنا محلول وأيدينا مغلولة وروايات شبابنا محجوبة.
    المهم عندي يا محسن ويا خالد هو استمرار هذا الألق لديكما فالعالم واسع وسيفتح آفاقه لكما ولعدد من المبدعين الرائعين الشباب بما لا تتصورون وستهبطون في سودان يكرمكما شعبه.أنتم تعلمون ذلك فما فائدة هذه الكلمة غير رفع البوست؟
                  

06-22-2005, 08:55 AM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره (Re: Bushra Elfadil)

    Quote: أنتم تعلمون ذلك فما فائدة هذه الكلمة غير رفع البوست؟

    ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!

    لا فائده فالقلم لا يزيل بلم
                  

06-22-2005, 10:02 AM

عادل فضل المولى
<aعادل فضل المولى
تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 2165

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره (Re: Napta king)

    ناصف يا ملك نبتة
    تحية شديدة
    هل هناك رابط ما بين ملاحظة اسحق احمد فضل الله على الكتاب وما أورده الاخ الاستاذ الصادق الرضي في بوست الاسبوع قبل الماضي حول ديوان (الجزار بتاع العجيزة) الذي تكرمت امانة الخرطوم عاصمة للثقافة العربية بنشره ضمن مطبوعاتها ..؟
    قد تكون الاجابة البديهية الا علاقة جدلية بين القرارين - قرار المنع وقرار النشر..
    ولكن ما هو معلوم بالضرورة ان المركزية الثقافية هي التي تقرر ما تنشر وما تحجب ..ان التقرير الوارد بقلم اسحق لا ينم عن ملاحظة كاتب وقاص وناقد ايضاً متمكن وله باع طويل في القصة القصيرة في السودان , بل هو رأي احد سدنة هذه المركزية - القرار طبعاً ليس بيد اسحق ..القرار كان - مؤكد- جاهزاً قبل ان يقرأ اسحق الرواية ويبدئ تلك الملاحظة الذكية
    Quote: (لكن يفضل عندنا أن تنتهي هذه النهاية المحتومة بيد جهة أخرى غير يد مجلس الصحافة والمطبوعات).

    فالاستاذ اسحق - حسب معرفتي به- يمتع بحاسة تذوق عالية - تسكره الاشارة ويذوب في العبارة وقد استخدم لفظة الخمر - العرقي - صراحة في ما اعتقد اكثر من نص قصصي صدر عنه - اسحق يعلم ان الرواية لا تقوم على ثيمة الجنس - لكنه لا يستطيع ان يقنع الآخرين ان قال بغير ذلك طالما ان كاتب الرواية من الآخر المقصي..
    وما قال به الاستاذ على يس فيه محاولة (تخريجة) لتفادى التعارض مع رأي استاذه اسحق لذلك لمس على جانب (الجنس) لمساً خفيفاً
    Quote: (فيها تناول أجرأ مما ألفه القاريء السوداني والمجتمع السوداني عموماً )

    وعودة الى بداية فإن مركزية الثقافة كانت جزءً كما يعلم المتابع من مركزيات اخرى قابضة تنطلق جميعها من فكرة اعادة صياغة الانسان السوداني وفق منظور احادي متطرف ..لذلك كان السقوط متتابعاً لكل المركزيات والثقافة ليست الاخيرة التي سقطت.. لكن اختيار الخرطوم عاصمة للثقافة العربية كشف منظور الانقاذ للثقافة وان جريرة الحجب التي ارتكبتها ضد محسن خالد عادت اليها بأسوأ مما تتوقع حينما نشرت ديوان الفحل الباحث عن العجيزة.

    (عدل بواسطة عادل فضل المولى on 06-28-2005, 09:05 AM)

                  

06-26-2005, 10:07 AM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره (Re: عادل فضل المولى)

    أخي عادل فضل المولى تحيات واشتياقات أين أنت ؟؟؟؟ لا نراك إلا سايبريا فقط !!!!!
    أتفق معك أن ان المركزية الثقافية هي التي تقرر ما تنشر وما تحجب فقط أضيف أن هناك علاقة جدلية بين ديوان (الجزار بتاع العجيزة) ورواية محسن خالد ان هذه المركزية تنشر (مالا تقرأ)

    ما أردت أن أقول أن صحفنا تبشر كل يوم بثقافة السلام وإحتمال الآخر إستشرافاً لمرحلة جديده تواضع فيها الكل على نبذ ثقافة الحرب فمن باب أولى أن نقرن القول بالعمل لأان السلام ليس كلمات بل أفعال
    فهي دعوة لتنقية المناخ الثقافي
    Quote: فالاستاذ اسحق - حسب معرفتي به- يمتع بحاسة تذوق عالية - تسكره القصة ويذوب في العبارة وقد استخدم لفظة الخمر - العرقي - صراحة في ما اعتقد اكثر من نص قصصي صدر عنه

    بينما يقول في خطابه لمجلس الصحافة
    Quote: نتمنى أن تتمكن اللجنة من إقناع الكاتب باستغلال أسلوبه الرائع في روايات أخرى تتخذ لها وطناً غير الجنس والعنصرية

    فعلا أسحق يتحدث عن الجنس حتى في كتاباته السياسية بينما يمارس المنع والاقصاء على الآخرين
    المركزية الثقافية ينبغي ان تنتهي مع تباشير عهد السلام ومعها ايضا (حراس النوايا)
                  

06-26-2005, 12:55 PM

عادل فضل المولى
<aعادل فضل المولى
تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 2165

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره (Re: Napta king)

    هانت يا ناصف ..
    والبركة في البورد يا لورد
    اخوك لابد
    الا انت ما تكب الزوغة
    الحضور والتواصل ضروري
    وسلم على الباقين
    عادل
                  

06-26-2005, 05:07 PM

حيدر حماد

تاريخ التسجيل: 06-03-2005
مجموع المشاركات: 1187

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره (Re: عادل فضل المولى)

    صحيفة تمنع مقالا أدبيا .... كيف تنشر مقالا عن ثورة دارفور إن لم يكن أصلا

    إنقاذى التوجه و الملامح ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
                  

06-27-2005, 01:21 AM

عبد الله إبراهيم الطاهر
<aعبد الله إبراهيم الطاهر
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 616

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: Napta king)

    إلى كل المتداخلين ...
    من Napta king
    وعادل فضل المولى ...
    ونادوس 2000
    وخالد عويس
    د. بشرى الفاضل
    والعزيز ناصف صلاح الدين
    وهذا الصديق الذي أكتوى بنار الوطن (ظلموك ظلموك يا محسن) ..
    وكل الذين يمتهنون الكتابة في زمن اللاكتابة ... زمن الموات ... زمان الذين يدعون المعرفة ويبيعونها بثمن بخس ...
    وكنت أسأل نفسي ومن هما هذين الحكمين؟؟؟؟ (علي يس واسحق فضل الله) ليقررا ما يصح وما لا يصح في الكتابة ... كيف وبأي منهج ؟؟؟، ثم ليس هذا زمان المنع والمنح ... وليس هذا زمان الرقابة على الكتب والمطبوعات لقد إنتهى هذا الأمر منذ زمن ومنذ أن أصبح فضاء الوسائل مفتوحاً على آخره ... الآن أكثر الكتب توزيعاً هي الممنوعة ... أكثرها تواجداً وتصلك إذا أردتها بطرق كثيرة ومختلفة ... فقط أطلبها ... ومن المفترض أن تفهم ذلك كل الأنظمة العربية ... أجهزة الأمن السودانية تحتاج إلى أن تغير إستراتيجيتها في علاقتها بالآخر وفي نظرتها للأمور وقراءتها للواقع ... الأجهزة المتصلة بالمطبوعات تحتاج أن تراجع مفاهيمها في كل ما ذكرنا ... هذه كتب محسن خالد التي منعت في السودان طبعت في الخارج للأسف الشديد محسن خالد معروف لدى كافة الكتاب والمثقفين والمفكرين العرب إلاً أنه غير معروف في السودان والسبب علي يس واسحق أحمد فضل الله وستكون هذه سبة لهما مدى الحياة من كل من يقرأ محسن خالد ... والواقع أن المثقفين السودانيين بدءوا يعرفوا هذا الكاتب المبدع ... وهو الآن أشهر منهما (علي وإسحق) من المحيط إلى الخليج ... رجل بقامة وطن ... وإستخدامه للجنس هو واقع موجود في المجتمع السوداني ... والرواية في تمثلاتها جزء من الواقع ...
    يا عالم أطلقوا سراح الأقلام كي تكتب ما تشاء ولا تحنطوها في مقبرة أسستها عقولكم المريضة ....

    (عدل بواسطة عبد الله إبراهيم الطاهر on 06-27-2005, 01:23 AM)
    (عدل بواسطة عبد الله إبراهيم الطاهر on 06-27-2005, 01:24 AM)

                  

06-27-2005, 02:40 AM

Shinteer
<aShinteer
تاريخ التسجيل: 09-04-2002
مجموع المشاركات: 2525

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: عبد الله إبراهيم الطاهر)

    Quote: المهم عندي يا محسن ويا خالد هو استمرار هذا الألق لديكما فالعالم واسع وسيفتح آفاقه لكما ولعدد من المبدعين الرائعين الشباب بما لا تتصورون وستهبطون في سودان يكرمكما شعبه

    وكفى .. ولا نامت أعين الرقباء.
                  

06-27-2005, 05:54 AM

أحمد يونس مكنات

تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: عبد الله إبراهيم الطاهر)

    أسئلة للصديق ناصف:
    أولا: يقولون أنك صحفي نابه، ولآ أدري كيف لا يفرق النابهون بين عدم النشر ومنع النشر، فالرأي العام ياصديقي النابه يمكنها رفض نشر مقالك، لكنها لا تستطيع منع نشره، والدليل أنه منشور الآن في هذا الموقع، ويمكن أن ينشر في أية وسيط نشر آخر!
    ثانيا: من قال أن الرأي العام نشر مقالك لأنه سوف يحل مشكلة الحريات، وهي لا تريد ذلك؟
    ومن قال لك أن عدم النشر له علاقة بالحريات، فلو كانت الصحف تعد ضد الحريات بما لا تنشره، فأرجو أن تطالب بإيقاف كل الصحف، لأن ما تنشره أقل كثيراً مما تنشره.
    ثالثاً: أيها الصحفي النابه بماذا ستجيب الصحيفة إذا سألت قانوناً عن صحة الوثائق التي نسبتها لإسحاق أحمد فضل الله، وعلي يس؟ أتظن أنه من النباهة الصحفيةأن تنشر صحيفةكلاماً لا تستطيع إسناده إلي مرجع موثوق "مصدر"؟
    ثالثاً: منذ متي يا ناصف أنت معني بالحريات والنشر وحرية الكلمة، أهذه موضة جديدة تماهياً مع السائد، أو إعداداً للسرج للحصان القادم؟ فأنت يا أيها النابه، عملت في صحيفة "...."، وصحيفة"...."، وصحيفة"....."، وكلها صحف معروف موقفها من حرية الكلمة، ولم يسمع لك حساً عن الحريات طوال فترة عملك، بل ولم يسمع أصلا أن الرقيب الداخلي أو الرقيب الكبير أن أوقف لك مادة أو جزء منها، فأنت تلعب علي "المضمون" ياسيدي وفي الوقت "المضمون"، شطارة دي يا ..
    رابعا: إذا كانت القضية محسن خالد وحرمانه من نشر كتبه في السودان، فقد أوفتها الرأي العام حقه كاملاً.
    خامسا: يبدو أنك كنت تريد مناسبة للظهور علي حساب الآخرين، كمدافع عن الحريات، لكن أظن أنها مناسبة بايتة.
    سادساً: لم يدع أحد أن هنالك حريات صحفية كاملة، ولم يدع أحد أن الرقابة غير موجودة، لكن ضمن هذه الظروف تعمل الصحافة، ويعمل الصحافيون حتي لا يموتون وتموت المهنة.
    سابعاً: يا صديقي الرأي العام ليست ملزمة بنشر ما تكتب لأنك لست صحفيا فيها، ولست هيكل، أو السر سيد أحمد، ومحاولة مباصرة النشر التي وعدناك بها، كانت محاولة شخصية مناّ وكنما سنفعلها لو لم تستعجل الوصول للشهرة.
    سابعاً: إبحث معي عن صحيفة تنشر لك مقالك، وبشكله المنشور في سودانيز أون لا ين، ولو لقيت قول لينا، نمشي نشتغل فيها فهي حتما ستكون صحيفة بلا قيود، وكل يريد الحرية!!
                  

06-27-2005, 11:24 PM

بدري الياس

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 904

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: أحمد يونس مكنات)



    الأخ Napta king

    تحية طيبة

    في البدء أحييك على محاولتك فتح جرح النشر في بلادنا وما يلاقيه الكاتب من عنت الرقابة وهو موضوع يجب على كل المهتمين تناوله وإضاءة معتمه ليعرف كل العالم - عبر الوسائط المختلفة - مشقة أن تكون كاتباً في بلاد كالتي أهديت لنا.
    *
    وكنت أتمنى أن يكون عنوان مقالك -ومن بعد عنوان البوست- يفيد دورانه في محور أزمة النشر مع اتخاذ الكاتب محسن خالد كنموذج لضحايا ذلك العسف الرقابي وهم كثر ويختلف محسن عنهم في أن أقماره قد وجدت لها فضاءاً تتراقص فيه دون خوفٍ من "ألفة" أو رقيب. فأنت هنا لا تتحدث عن محسن خالد أو عن منتوجه الأدبي ولكن تتحدث عن محنة تخص بلدنا - السودان- الوارث كل علل الجانب المظلم من العالم العربي الذي ننتمي إليه إلى حين إشعارٍ آخر.
    **
    واسمح لي ببعض التساؤلات البسيطة بخصوص عدم نشر مقالك المذكور، وهو تساؤل يتعلق بفتحك لهذا البوست، بهذا العنوان:"مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي العام نشره"، وتساؤلي هو هل تحريت جيداً لتعرف لماذا لم يتم نشر مقالك، خاصة وأنه يتضح من كتابتك أنك على علاقة بالقائمين على أمر الملحق الثقافي للجريدة المذكورة؟
    وهل تأكدت – بالتالي- أنه لم ينشر لأنه يدعو لحرية الصحافة ويعرِّض ببعض القائمين على أمور الرقابة وحراسة النوايا هناك، وليس لأي أسباب فنية تتعلق بالمادة المطلوب نشرها أو تتعلق بأولويات النشر أو غيرها مما هو معروف لكل من يعمل في الحقل الصحفي أو له تعامل مع الصحافة؟

    ***
    قصدي من التحري أعلاه هو التأكيد على عدم أخذ الأمور بظاهرها وقراءة الجانب المضاء فقط من المسائل من قبل أحد الأطراف ومن ثم الحكم عليها هكذا دون أخذ ما يقتضيه هذا الحكم من تمحيص لازم ومفروض. وكذلك قصدت أن نبتعد – في مجال الكتابة- عن الأخذ بأساليب الدعاية السياسية من أجل الكسب، مما يؤدي إلى سقوطنا في الذي نكره عند أهل السياسة. فالكتابة الإبداعية – تحديداً- تسعى إلى التأسيس الفاعل للجمالي والخلاق باستخدام أدوات تختلف كثيراً عن تلك التي تتطلبها براجماتية الفعل السياسي.

    ****
    والغريب أن من تداخلوا معك في هذا البوست هم من المشتغلين بحقل الكتابة، المفروض فيهم الاهتمام بمسألة مسؤولية الكلمة، وضرورة التأكد مما يكتب والتنقيب فيما وراءه، قبل الانحياز المباشر لبريق الشعارات المرفوعة، فكثيراً ما ضلّلت الشعارات وكم من كلمات حقٍ أريد بها غير ذلك.
    ولكن يبدو أن التشويش الذي يفرضه الواقع المرير للثقافة في بلادنا يجعل الجميع في حالة حماس دائم لأي إشارةٍ مُعارِضَة – أياً كان الغرض منها- خاصة إذا كانت تندد بمنع أو حجر أو كبت أو غيره مما هو واقع بالفعل على كل المبدعين هناك، فلم يبد أحد ملاحظة بأنك تتحدث عن تيموليلت كرواية منشورة وعن "مجموعة كلب السجان القصصية" كرواية كذلك وعدم ذكرك لروايتي محسن المنشورتين بالفعل، وبالذات روايته "إحداثيات الإنسان" التي هي محور تقريري "إسحق فضل الله" و "علي يسن".

    *****
    نعم نقف ضد الكبت والرقابة غير المسؤولة، وضد الحجر على الأفكار والآراء، وضد اضطهاد وإرهاب الكتَّاب بأي شكل من الأشكال، ولكن ذلك لا يعني أبداً أن نتغاضى عن كل ما نراه يمس مسؤولية الكتابة بأي شكل من الأشكال أو التهاون في الأمر "خذ الكتاب بقوة".

    ******
    لقد بدأت مقالك بالحديث عن حرية النشر وعدم جدوى الرقابة في زمان التقنيات الرقمية ووسائط النشر غير القابلة للخنق وهو حديث اتفق معك فيه ويتفق معنا كل من يحب الحرية وتنفس الهواء المعافى، ولكنك حين بدأت الحديث عن الروائي محسن خالد تبيَّن التسرُّع في تناولك وعدم ترويك في إعطاء أمر الكتابة ما يكفي من وقت وجهد تتطلبه هذه العملية، وهذا بلا شك مرفوض في مجال الكتابة في حال كونها مسؤولية جسيمة ولا يجب التعامل معها باعتبارها باباً مختصراً أو طريقاً سهلاً، فحقل الكتابة ملغوم وكثير الشراك والفخاخ فمن لا يعامله بالجدية المطلوبة لا ينجو من كمائنه أخي ناصف.

    وسأحاول هنا إيراد بعض النماذج التي تبرهن على ما ذهبت إليه هنا، فمثلاً أجدك قد كتبت:

    Quote: دارت بذهني كل هذه الأفكار وأنا أقرأ إحتفائية الأستاذ الكبير عيسى الحلو بأعمال الاديب محسن خالد وخاصة روايته الأخيرة (تيموليت) المنشورة على الانترنت والتي شغلت الساحة الروائية العربية


    وأخص هنا ما تحته خط، فلو أنك فقط راجعت بوست محسن خالد الذي يدور حول "تيموليلت" لعرفت أن "تيموليلت" مشروع رواية وليست رواية، أي أن الكاتب سيشتغل على هذه الكتابة المنشورة هنا لتخرج للقراء كرواية مرضي عنها وعن تسميتها من قبل الكاتب نفسه أولاً، وقد تحدث محسن عن ذلك أكثر من مرة في ثنايا البوست المعني.
    وكنت أتمنى أن يكون عيسى الحلو نفسه أكثر إنصافاً فلا يكتب عن الجزء المنشور هنا من "تيموليلت" باعتباره رواية أو عملاً فنياً مكتملاً قابلاً لخوض النقاد ومحاسبتهم له على هذا الأساس، لأن في ذلك -كما تعلم- ظلم كبير.

    كما كنت أنتظر أن يقرأ الأستاذ الحلو روايتي محسن المنشورتين ومعهما مجموعته القصصية المنشورة مؤخراً "كلب السجَّان" ومن ثم الاشتغال عليها نقدياً أو استعراضاً قبل الحديث عن "تيموليلت" التي ما زالت داخل مختبر الكاتب- إن جازت التسمية- ولكن يبدو أن الجميع "يساير السوق" ومتطلباته.
    ثم تقول:

    Quote: فقد منعت السلطات المختصة قبل سنوات طباعة روايتة (كلب السجان) فهاجرت الرواية إلى القاهرة لتجد سبيلها من الرواج والكاتب حظه كأديب باذخ ينتظره المستقبل كما قال عيسى الحلو.


    فلو أنك فقط قرأت جيداً الكلام الذي تفضلت "بلصقه" هنا، حتى دون الإشارة إلى أنه كان موضوعاً لبوست آخر نشر في هذا الموقع بعنوان:

    "كلب السجان" ... محسن خالد

    لعرفت أن "كلب السجان" مجموعة قصص وليست رواية، فكيف تخصص مقالاً لكاتب لم تقرأ له جيداً ولم تتعرف حتى على محتوى كتبه ؟

    ******
    جاء في بوست "كلب السجان" المذكور أعلاه الآتي:

    Quote: صدرت عن الدار العالمية للطباعة والنشر المجموعة القصصية الأولى للروائي والقاص الشاب/ محسن خالد ، وتحمل المجموعة اسم (كلب السجَّان) وجاءت في "64" صفحة من القطع الصغير وتحتوي على أربع قصص هي : عيد المراكب ، الوجود والوجود الآخر ، كلب السجان ، وذهب بني شنقول.
    وقام بتصميم الغلاف لهذه المجموعة الفنان/ ناصر بخيت "هلبوس".


    ولكنك أخي ناصف أوردتها هكذا:

    Quote: رواية (كلب السجَّان) صدرت عن الدار العالمية للطباعة والنشر بالقاهرة وهي مجموعة قصصية تقع في "64" صفحة من القطع الصغير وتحتوي على أربع قصص هي : عيد المراكب ، الوجود والوجود الآخر ، كلب السجان ، وذهب بني شنقول.


    والمحيِّر هنا إصرارك على أن "كلب السجان" رواية، لدرجة أنك غيَّرت كلمة "مجموعة" الواردة فيما نقلته من البوست المذكور إلى كلمة "رواية"، وهنا عليك أن تشرح لقرائك الغرض من ذلك الإصرار المؤدي إلى تغيير الحقائق، حيث يستمر هذا الإصرار حتى وأنت تستلف جزءاً من كلام الكاتب نفسه "محسن خالد" هنا:

    Quote: رغم أن الجنس في رواية محسن خالد موجود بكثافة فقط في قصة ''ذهب بني شنقول'' وهو ليس مقصوداً لذاته فالقصة تروي جسد الوطن من خلال جسد امرأة، فالأُسس التي تدفع الإنسان للحصول على الذهب واللَّذة واحدة، والباقي مجرد أقنعة لأساس

    واحد، فالكل وبدون استثناء، تعاملوا مع ذلك البلد الجميل والقديم كغزاة، حتى أبناؤه ، وهكذا دواليك، بلد قديم ولعنة قديمة وممثلين جدد لتواضعات هي ذاتها، نشدان اللَّذة والذهب.


    وكان هذا جزءاً من إجابة على أحد أسئلة الحوار الذي أجراه الشاعر/ نوري الجراح مع محسن خالد بمجلة المشاهد السياسي اللندنية ونشرته عنها صحيفة الاتحاد الإماراتية وتفضلت الزميلة zola 123 بإعادة نشره في سودانيز أونلاين
    http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=...8171&func=flatview،

    حيث يقول:

    Quote: و''ذهب بني شنقول'' القصة التي تروي جسد الوطن من خلال جسد امرأة، فالأُسس التي تدفع الإنسان للحصول على الذهب واللَّذة واحدة، ما يجعل شكل الأُسس الخارجي مجرد أقنعة لأساس واحد، منذ حملة إسماعيل بن محمد علي باشا على السودان، بهدف الذهب وجسد القيان والعبيد (وقد أحرقه ''المك نمر'' بمدينة شندي)، وحتى تتار الإسلام الجدد، كلهم، وبدون استثناء، تعاملوا مع ذلك البلد الجميل والقديم كغزاة، حتى أبناؤه. وهو لا يملك إلا لعنة معابده القديمة يطلقها على الجميع، حتى على أبنائه، وهكذا دواليك، بلد قديم ولعنة قديمة وممثلين جدد لتواضعات هي ذاتها، نشدان اللَّذة والذهب•



    ويلاحظ كذلك أنك قد أوردت ذلك الجزء دون أي إشارة إلى أن الكلام قد ورد على لسان محسن خالد، ودون تثبيت لأي حق من حقوق الجهات أو الأشخاص الواردة أسماؤهم أعلاه، مما يعطي انطباعاً لغير المتابع أن الكلام لك، وأتمنى أخي ناصف ألا يكون ذلك متعمداً حيث تكرر أيضاً في معظم مقالك، بل إننا لو أخذنا ماهو للغير بهذا المقال فلن يتبقى منه أي شيء.

    ثم أوردت هذا:

    Quote: كان مجلس الصحافة والمطبوعات بالسودان قد رفض نشر رواية محسن خالد لأسباب بيَّنها تقريران ُرفعا من قبل المُحَكِّمَيْن اللَّذين فوضهما المجلس المحترم للحكم على الرواية وسأورد هنا التقريرين ليعلم الجميع كيف يتم الحكم على الأعمال التي تقدم لذلك المجلس ومن بعد ذلك سأعلق عليهما


    وهنا كان عليك أن تحذف هذا الوعد (ومن بعد ذلك سأعلق عليهما) لأنه يخصني ويخص البوست الذي جاءت فيه، وإن كنت أيضاً غيرتَ فيه بدون أي مبررات لأنه جاء هكذا في ذلك المقام:

    Quote: ولن أقوم حالياً بأي تعليق على ذلك حتى لا أشوّش على ذهنية القاريء واترك الحكم له ، ولكن لابد أن أعود لأشارك في النقاش والتعليق عليه لاحقا


    *******
    وأخيراً عزيزي ناصف،
    فلنكن جميعاً هنا وفي كل مكان مضاداً لكل آليات الكبت والقهر والتخويف والمطاردة. ولنعمل جميعاً لإعلاء قيمة الحرف والتأسيس لمسؤولية الكتابة.
    وأكرر لا للكبت، لا للقهر، لا للمنع، لا للاضهاد والتعذيب والإرهاب، لا للوصاية على العقول، لا لتغييب الوعي، لا للتزييف، لا لإغلاق الصحف، لا لمطاردة الصحفيين، ولا لحراس النوايا والألفوات المتربصين بمخرجات العقول النيرة.
    وأيضاً: لا للاستسهال، لا للاستهانة بمسؤولية الكتابة.
    :
    :
    :
    مع احترامي وتقديري،

    إشارة: حين كتبت هذا الرد لم أكن قد اطلعت على كتابة الأخ أحمد يونس حيث كتبته بتاريخ 26/6/2005 ولم استطع إنزاله وقتها لأسباب فنية.

                  

06-28-2005, 04:58 AM

بدري الياس

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 904

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: بدري الياس)

    الكاتب السوري جمال ملحم يكتب عن رواية محسن خالد "الحياة السرية للأشياء":

    حياة محسن خالد السرية ... بقراءة سورية

    وأهدي للأخ أحمد يونس هذه الصور الضوئية لتقريري "إسحق فضل الله" و" علي يسن"






    وهي كما تلاحظ بخط اليد.

    ::::
    :::
    ::
    :
    تقديري واحترامي.
                  

06-28-2005, 05:49 AM

جمال ادريس
<aجمال ادريس
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 817

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: بدري الياس)

    العزيز
    نــــــــــاصف
    تحياتي واشواقي
    استفذني مقالك الرائع للدخول والتعليق بعد طول انقطاع عن البورد
    ويا صديقي العزيز لا فض فاك , فمقالك جاء عميقا , مرتباً , وموضوعياً وهو يتناول واحدة من اكبر المشاكل التي تواجهها صحافتنا المقلوب علي امرها , صحافتنا التي اعتادت علي سيف الرقابة المسلط علي رقابها ليل نهار حتي انها تاخت معه واستلطفته لدرجة انه عندما يغيب وهذا يحدث نادرا تسال عنه وتشتاقه, فبعضي صحافيينا صاروا ملكيين اكثر من الملك نفسه ويا للعجب!! والتحية هنا لاخر الصحفيين المحترمين الاستاذ محجوب محمد صالح 0
    هون عليك يا صديقي العزيز واحمد الله كثيرا ان الرقابة لا تصل يدها العاجزة الي هذا الفضاء السيبيري , وتاكد ان القارئ السوداني لديه من الحصافة ما يميز به الحقائق من التزييف والتطبيل , ودع صحافة النظام تكتب ما تشاء وتمنع ما تشاء , ولا تحلم بصحافة وردية في ظل السودان الجديد القادم , فالوجوه نفس الوجوه , والصحف نفس الصحف والتمسك بالكراسي - اي كراسي - هو نفسه
    اخيرا لك تحياتي
    وامنياتي بان تكون بخير
                  

06-28-2005, 07:03 AM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: جمال ادريس)

    الاخ بدري الياس سلامات
    سعدت لاحقا باطلالتك ولي عودة للتعليق عما كتبت
    أولا لا أخفي عليك أنك اول من عرفتني بأدب الأستاذ محسن خالد عندما نشرت مقال منع السلطات المختصة طباعة روايتة (كلب السجان)
    وكنت حينها بالقاهرة فقمت بشراء رواية الحياة السرية للأشياء وكلب السجان ( او المجموعة القصصية).

    فكرة المقال مبنية على نص التقرير المنشور بالانترنت الذي اوردته انت وكان هذا محور سجال مع الاستاذ احمد يونس الذي يعتقد ان الامر برمته قد يكون مجرد تلفيق
    فقط اود الاشارة إلى أن هناك تعديلا في النص الذي ذهب للرأي العام يشير إلى ذلك

    لم أكن استهدف تقديم صورة نقدية لكتابات محسن خالد لأنني ببساطة لست بناقد فأنا مجرد متذوق ولم يكن هدفي التعليق على كتاباته رغم أنني قرات كلب السجان ولي عليها مآخذ ولكنها دعوة لاطلاق سراح حرية التفكير والتعبير في ظل المتغيرات التي تشهدها البلاد ونشرا لثقافة السلام
    ولي عودة للتعليق على كل ما كتبت
    ولك الشكر

    (عدل بواسطة Napta king on 06-28-2005, 07:13 AM)

                  

06-28-2005, 08:51 AM

أحمد يونس مكنات

تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: Napta king)

    Quote: فكرة المقال مبنية على نص التقرير المنشور بالانترنت الذي اوردته انت وكان هذا محور سجال مع الاستاذ احمد يونس الذي يعتقد ان الامر برمته قد يكون مجرد تلفيق

    ياناصف
    هاأنتذا تقع في خطأ نقل آخر، لأني لم أصف التقرير بالتلفيق، ولكني تحفظت علي الوثائق التي إعتمدت كتابتك عليها، وقلت لا يمكنني إعتمادها، وهذا كما تري يختلف، فنقلك يحملني مسؤولية إتهام أحد الزملاء بالتلفيق، بينما الثاني صحيح وحق!
    ياناصف لا تجعل من الحبة قبة.. لو أنك لم تستعجل قليلاً لما حدث ما حدث ولنشر المقال بعد تعديله ،و عطفاً علي مقالك الذي نشرته في الموقع لأن نشرهفي ذات الموقع ليس ذا فائدة، فكل محتوياته، بل كل معلوماته نشرت من قبل في سودانيز أون لاين، بهذا الإعتراف قل لي ماذا فعلت حقاً؟
    كررت القول، ولم تضف شيئاً.
    لماذا، كل هذه الشفقة والضجة في " قعر فنجان "؟
                  

06-29-2005, 08:32 AM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: أحمد يونس مكنات)

    اخي وصديقي مكنات لاتستعجل
    فسوف أرد على كل أسئلتك كاملة حتى اكون عند حسن ظنك (نبيها)
    فقد أثرت غبارا كثيفا حول الامر وحمّلت المقال فوق ما يحتمل
                  

07-01-2005, 04:22 PM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: أحمد يونس مكنات)


    صديقي (احمد مكنات) والهروب للأمام!!!!




    أظنك لم تكن تبحث عن أجوبة لأسئلتك التي طرحتها عبر هذا البوست لأنه يبدو من طابعها أنها أسئلة (تجريمية) وليست إستفهامية .

    ولكن رغم هذا فسوف أجيب عليها لكي أزيل أي لبس أو سوء ظن ربما يكون قد إعتراك وجعلك تبحث ما بين سطور المقال و(ما وراء النوايا) لأن المقال (مجرد دعوة ) لتنقية العمل الثقافي من عقليات مازالت موجودة ،تجرم صاحب كل رأي وتبحث عن ماضيه ودوافعه، وتجعلها سببا لمصادرة حقه في التعبير ، فليس كل من كتب عن الجنس يدعو للإباحية وليس كل من دعا لإطلاق حرية العمل الثقافي يبحث له عن موطيء قدم في العهد الجديد.


    لم اقصد من الكتابة عن المقال في هذا البوست تحميلك مسؤولية عدم نشره في صحيفتكم الموقرة لأنني ادرك تماماً أن الصحف اليوم صارت تحت الرقابة المباشرة لأجهزة الأمن يأتي إليها الرقيب ليلاً وينتزع ما يشاء من المواد .

    ولهذا نشرت حديث الأستاذ محجوب محمد صالح وقلت أنه بمثابة خلفية صادقة للمشهد الصحافي ، لاجد العذر لأصدقاء وزملاء المهنة فالامر ليس بيدهم في كثير من الأحيان ولم أقل أن عدم النشر يعني أن الصحف ضد الحريات كما زعمت في حديثك.
    اخبرتك أنني سوف أنشر المقال في أي مكان أخر إن لم يجد حظه لديكم فلم تكن في حوجة لشرح الفرق بين عدم النشر ومنعه فهذا من البديهيات فالرأي العام (منعت) نشره فقط على صفحاتها !!!

    لأ أنكر سعيك وحرصك حتى يرى المقال النور فقد كنت واضحا معي عندما أخبرتني أن (رقيبكم الداخلي ) بالصحيفة كان يقف مترددا بين منزلتي النشر وعدمه حتى اتصالك وتحديد مواعيد لنشره ولكن حديثك الاخير على شاكلة (منذ متى وانت معني بالحريات، وأنك تريد الظهور على حساب الآخرين ، والرأي العام ليست ملزمة بنشر ما تكتب لانك لست صحفيا فيها فأنت لست هيكل و....و....) يجعلني اعيد النظر في كثير من الأشياء فحديثك هذا كان يمكنني أن أتقبله ببساطة اذا قلته عند تسلمك المقال انت ياناصف آخر من يتحدث عن الحريات فأنت تريد تهيء لك سرجا على حصان الحريات القادم وتلعب على المضمون وتريد ان تجعل من صحيفتنا مطية لطموحاتك وهذا ما لا نقبله فلهذا نعتذر عن نشر المقال )
    كنت سأحترمك جداً حينها ولكن أن تورد مثل هذه الآراء بعد أن حددت موعدا لصدور المقال وتأكيد الأستاذ عيسى الحلو على ذلك الموعد يجعلني أقول أن سبب النشر لم يكن من خارج الصحيفة بل تجيب عليه أسئلتك والتي تعبر عن موقفك الحقيقي من مسألة نشر المقال.

    لقد عملت في صحف تركت انت اسمها فارغاً بين الاقواس ، لغرض لا ادريه ولكني اقول لك إنني لأ (أبصق) على تاريخي فليس لدي ما يشين أو ما أخجل منه ، و اعتز بتجربتي في كل الصحف التي عملت بها بدءأ بأخبار اليوم والوان والدستور وانتهاءاً بالوطن فليس مهماً عندي(أين تكتب بل ماذا تكتب) فطوال تجربتي المتواضعة في عالم الصحافة حافظت على مواقفي فلم أهادن أو أداهن احداً ولم أمارس الوأد الفكري أو أدفن الكلمة الصادقة من أجل حفنة دنانير .

    وعندما أحسست أنني لا استطيع أن اكتب بحرية في ظل هذا المناخ تركت عالم (الصحافة) بكل بريق الشهرة الذي زعمت أنني اسعى لتحقيقه عبر المقال.

    لقد قلت في استفهاماتك (لم يسمع لك حسأ عن الحريات طوال فترة عملك ، بل ولم يسمع أصلا أن الرقيب الداخلي أو الخارجي أوقف لك مادة أو جزء منها )

    ولنفترض (جدلاً) أن ما قلته صحيح أنه لم تكن لي أي مواقف سابقة من قضية الحريات ، والآن غيرت رأيي .. ، فهل هذه محمدة تستحق أن أشجع عليها أم مذمة!!؟؟ وهناك قاعدة في الدين تقول (التوبة تجب ما قبلها) والتطور للأمام ظاهرة صحية وليس الهروب للأمام ياصديقي مكنات.

    ولكن للأسف صديقي مكنات اطلق التهم جزافاً دون أن يتحقق منها وهو الصحفي الذي ينبغي أن يتحرى وجه الصدق في كل ما يكتب ، كان يمكنه ببساطة أن يعود لأرشيف الرأي العام التي يعمل فيها ليعلم أنني كنت ثالث ثلاثة صحفيين أعتقلوا أثناء تغطيتهم لمؤتمر صحفي كان سيتحدث فيه قرنق عبر الهاتف وهذا الخبر منشور في عدد 19 نوفمبر 1999 وفي الصفحة الأولى وبالبنط العريض .
    لاحظ قبل أكثر من 5 سنوات عندما كانت الحريات الصحفية ترفاً وكان قرنق حينها يصور في صحافتنا ( شيطاناً رجيماً) قبل أن يصير اليوم (شريكا رحيماً)
    ومواقفي من مسألة الحريات موثقة على هذا الفضاء السايبري فبضغطة زر على أي محرك بحث سيأتيك باكثر من ذلك (وتكفي تجربتنا في الوطن وموقعي الاخباري على الأنترنت الذي كنت احث كل الزملاء الذين تحجب مقالاتهم واخبارهم على نشرها فيه ) هذا إذا تعذر عليك الوصول لأرشيف صحيفتك الموقرة أو سؤالك لكل الذين عملت معهم من الزملاء الأفاضل ، لم أكن اود أن ينحو الموضوع هذا المنحى الشخصي ولكنك أجبرتني على ذلك فكل الصحفيين الذين يحترمون مهنتهم وقلمهم مع الحرية وليس في الامر بطولات كما تتوهم يا صديقي مكنات.

    وخيول الحرية قد وصلت لنهاية السباق، فلم يعد الحديث عن الحريات والمطالبة بها بطولة يُسعى لها أو تحقق شهرة لمن ينادي بها لأن الكل صار مع الحريات إما (مؤمناً بها) أو ( مرغماً عليها)!! وفعلاً إنها مناسبة بايته .

    ولكن الحريات تحتاج إلى تثبيت فهي في حالة حركة ما بين المد والجزر حتى في أكثر الدول ديمقراطية وبالذات في النواحي الثقافية وهنا تأتي مهمة الأدباء والكتاب والصحفيين .

    ذكرت أن الرأي العام قد أوفت محسن خالد حقه كاملاً وتلك لعمري نكته كبيرة ، فهل تظن أن (اليتميتين) اللتين نشرتهما الرأي العام ، مقال عيسى الحلو النقدي وما كتبته أنت عن مجموعة (كلب السجان) التي أعطيتك لها كافية لكي توفيه حقه؟؟؟
    هل ساهمتم في التقصي عن أسباب منع أعماله من دخول البلاد!؟؟ !أو حتى نشرتم أحد أعماله كأضعف الأيمان . وكذلك منع دخول رواية خالد عويس وطن خلف القضبان؟!
    وانت الذي شككت في صحة الوثائق التي أوردها بدري الياس على موقع سودانيز أون لاين ، هل ذهبت إلى مجلس الصحافة وتأكدت من صحتها وأجريت معهم حواراً عن المعايير التي تحكم تقييم أي عمل أدبي ؟؟ فالرأي العام لا تدفع لك من أجل مقالاتك ولكن لانك صحفي مهمتك البحث والتقصي والتاكد من صحة المعلومات.

    أما حديثك أنني لم أصبر واستعجلت الوصول للشهرة فهو أمر غريب حقاً ، فعندما لم تنشر المادة في ملحق الجمعة الثقافي اتصلت بي وقلت انها سوف تنشر في العدد الذي يليه وهذا ما أكده عيسى الحلو في حضورك وعندما لم تصدر الماده في الموعد المحدد أرسلت لك متسائلاً عن السبب ولكنني لم أجد منك إجابة .فماذا كنت تريدني أن افعل بعد ذلك؟!!

    لم اقل أنني طالبتك بنشر المقال بشكله الحالي بل تعلم جيداً أنني أبديت مرونة كاملة وفوضتك لإجراء أي تعديلات تراها مناسبة على النص بشرط أن لا تخل بالمعنى لأنني اعلم أن كتاباتي قد يكون بها شي من الحدة قد لا يتحملها سقف الحريات الموجود الآن بالصحف .


    صديقي مكنات لقد كنت أظن (وبعض الظن اثم) أن معركة تهيئة المناخ الثقافي لاستقبال التحولات التي تشهدها البلاد بعد تحقيق السلام تتمثل فقط في تسريح حراس (النوايا) ولكن تبين لي انه لا بد أيضا أن يضاف ليهم (سدنة) المعبد القديم وتابعي تابعي الحراس الذين صاروا ملكيين أكثر من الملك .

    (عدل بواسطة Napta king on 07-07-2005, 04:47 AM)
    (عدل بواسطة Napta king on 07-07-2005, 05:48 AM)

                  

07-07-2005, 05:41 AM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: جمال ادريس)

    اخي جمال

    اين انت وشكرا على كلماتك الطيبات ولكن مالي أراك تصادر حتى الاحلام بالقادم الجديد
    Quote: ولا تحلم بصحافة وردية في ظل السودان الجديد القادم , فالوجوه نفس الوجوه , والصحف نفس الصحف والتمسك بالكراسي - اي كراسي - هو نفسه


    !!! دعنا نحلم ربما.......وربما................
    Quote: فبعضي صحافيينا صاروا ملكيين اكثر من الملك نفسه ويا للعجب!!

    هنا مربط الفرس
                  

07-28-2005, 04:13 AM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: Napta king)

    الجمال لا يحتمله حيزٌ لِيَحِلْ
    ولا يسعه مستمر التمدد
    أو بياض الحَمْل المخصص بالفراغ
    الجمال صفو الجمال في أبهائه
    الجمال ما ينير
    لروح مدىً من الشجر يتنفَّس
    وللخالص من جمال الحق
    فالفراغ إطارُ ما لا حق فيه
    الفراغ لما يَقِلُّ عن حيز معناه
    والصور مجاهل ما تبدَّى
    الصور نحو الحق وكل الإشارة
    لفراغها المتكون اشتهاء

    من نص لمحسن خالد
                  

10-09-2005, 05:53 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: nadus2000)

    ...




    تحايا قديمة،

    العزيزان أحمد وناصف،...
    حبّيت يكون البوست دا قريب، وفي متناول الاستخدام، أنا نايم ليهو بالخيرة، بعدين أبلغني أحد الأصدقاء عن البوست الذي طالبتما فيه بالرجل الكلورفيل وتيموليلت،..
    قلنا رمضان حبيب، وبجي راجع للبوست دا، لأكتب ما أود قوله،....





    ..
                  

10-09-2005, 06:40 AM

ADIL FAIT
<aADIL FAIT
تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1134

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: محسن خالد)

    محسن خالد .. ازيييييييييييييك
    ورمضان كريم..
    وكل سنة وانت بتدفق فينا ابداع
    وبالمناسبة في ناس بسألوا عنك بشده (زملاء دراسة):
    - الطاهر ابراهيم بشير
    - خالد عباس مصطفي

    مع أكيد حبي وتقديري،،،

    عادل فايت
                  

10-09-2005, 07:30 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: ADIL FAIT)

    مرحب يا عادل، وأريتك طيّب وأريتك بالسلام وبيوتو،..
    وكل عام وإنت بخير،..
    وتحياتي للعزيزين -الطاهر إبراهيم وخالد عباس،..
    أبلغهما عني الشوق والحب،..
    ولك أنت السلام والمودة،..
    وكن بخير، أبداً بخير،..
                  

10-11-2005, 06:32 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: محسن خالد)

    ..




    يا أصدقاء، مكنات وناصف،..


    أولاً شايف مقالك يا ملك نبتة (الرأي العام) نشرتو،....

    أها نديكما هنا الوثائق الخاصة بموضوعة (علي يس) و(إسحق فضل الله)،..




    هنا الايصال الذي تم تسليم المادة به للمجلس،..
















    ..



    أما الأهم فهو أنني سأقوم بتلبية طلبكما، وبنشر تيموليلت والرجل الكلوروفيل تامات هنا،...


    فكونا بخير، وسلامي الأكيد لكما، ولأستاذنا الجميل والعبقري النابه (عيسى الحلو)،...





    .

    (عدل بواسطة محسن خالد on 10-11-2005, 06:38 AM)

                  

10-11-2005, 07:37 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: محسن خالد)

    ..

    ودي هنا صحيفة الصحافة سبقتكم من قبل لنشر الموضوع سنة 2000م











    ...
                  

10-11-2005, 08:02 AM

nashaat elemam
<anashaat elemam
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1108

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: محسن خالد)

    والدي العزيز محسن
    كل سنه وانت طيب ورمضان كريم

    الاخوة ناصف ومكنات.. امد الله في ايام وئامكما.. وكلنا في الهم شرق
    قال حريه قال..
                  

10-11-2005, 08:10 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: محسن خالد)

    ...
    .





    .
    ...


    محسن خالد













    Quote:

    الكتاب ماعونٌ للمحو، مثلما هو ماعونٌ للكتابة،...
    هاهنا، سنمحو ونكتب سيرة تيموليلت، في رهان مع محو وكتابة سيرتي، وسأكف وإيّاكم عن الخوض في حالها وحالي،...
    ما ضرّ الشجر لو جلس حين أحبّ، ولكني لم أجلس،...
    - كي داير لاباس؟
    لم أتوقع طولها تحديداً، فقد رسمتها في خيالي بعلو "الروضة" السحاقية السودانية وبائعة البروش، المرأة التي كتبتُ عنها في روايتي: (إحداثيات الإنسان) –الكتاب الثاني، تداعي الفليل.
    "لاباس، هانية؟"، تساءلت من ناحيتي، صوتها مخشوشن قليلاً، ليكون شبه بحّة ساحرة، قريباً من التي تميّز صوت المغنية عابدة الشيخ.
    تلفّتُ بمحركة مقصودة، حتى خُيّل للجالسين في البار أنني لن أجد كُرسياً، (بوحردة) صديقي كاد أن يهرب.
    - را إنت آلسي خالد، بغيتِ تضيعنا، آويلي آويلي؟
    بوحردة يظنني مجنوناً، كنّا نجلس في مبنى خارجي حينما مرّت هي لأول مرة رأيتها فيها، صحبة فتاة أخرى فاتكة الجمال. بوحردة وأخته منى وأنا وزوجتي حسناء، جذبني بعيداً عن أخته وزوجتي،..
    - تشوف آلسي خالد؟
    "آ ويلي آ ويلي، آلغزال، آلزوين، آلفسر، صحت أنا خافضاً صوتي كي لا تطالنا عقوبة حُرّاسنا".
    - راها بغيت تحويها آلسي خالد؟ يقهقه بوحردة، كانت قانوناً للجمال في حدّ ذاتها من نوعية القوانين التي لا يطالها الدهر بشيء، ولم أكن أعرف أنها سحاقية، وأنّ تلك الفتاة التي تتطأبطها بإلحاح يشارف على أن يكون عناقاً، صيدها.
    قلت له، تعرفها؟
    - آشنو بغيتِ منها؟ يقهقه من جديد.
    قلت له لا أُريد منها شيئاً، را أنا سيد مزيان، ومعقول، ومجوج! أسبقه على الضحك، فيضحك بوحردة أيضاً، بوحردة لا شيء معه من كل هذه الحياة سوى الضحك، والآن هو يظنني سأتماكر ولا بد أنني أُخبئ نوايا ما.
    - را السيد المزيان ما يهتم بالقحاب واللي بحال هدي الشيطان. را هدي السيدة تحوي البنات، والله ما تطال منها شيء آلسي خالد.
    سألته أنا: سحاقية؟
    - طبعاً.
    ضحكت أنا، من فتنتها، وفتنة بلد فيها مثل هذه الفاتنة (بتطبق كمان)، آويلي آويلي.
    قلت له: قد ندورو معاها. بمعنى سأمنحها مالاً.
    - لالا، هدي نفسها تدوّر. بمعنى أنها من حالي، تدفع للبنات المال أيضاً كي تُغريهن بمزايا الرجل.
    كل ما أرغب فيه هو صحبتها، أُريد أن أعرف عن هذا العالم، فالموضوع مغيّم في رأسي منذ زمن بعيد، حين كنت في 3 متوسط، وذهبت لقرية بعيدة من ريف سنار لزيارة أختي، التي كان زوجها يعمل مفتشاً زراعياً بتلك المناطق. وتعوّدتُ دائماً على حب الحقول، كانت تثيرني جنسياً لدرجة السقوط على ظهري، متمرّغاً كجحش، أو كجمل استفحلت عليه الصحراء.
    وفي مرة بعينها ذهبت وابتعدت في قلب الحواشات الواسعة، فبدا لي كأنني أسمع نهيتاً خافتاً ينبعث من بين الحشائش والشجيرات، نهنهة يافعة ومراهقة بحقل القصب، هذا شعر يا ربي. أول ما يخطر على البال صبي وصبية بالطبع، وإن تشوّش قلبي لحظتها، وجاءني خاطر غامض غير مفسّر.
    وأخذت أسحب تراكم القصب خلسة خلسة، بينما أتقدّم بحذر تجاه الصوت، والولولة التي تستغيث باللّذة وتحت وطأتها،...
    الجميلة منهما كانت في الأعلى، بُهتُّ وراعني ما رأيت، لم أكن أعرف شيئاً عن الليسبيان وعالمهم الوردي، المصنوع من ردف وردف، والخافي بين حاشية وحاشية. دائماً تكون الجميلة في الأعلى، كما سنعرّج على حادثة أخرى من جامعة الجزيرة، لماذا وما الحكمة؟ ستجيب تيموليلت بأجوبة لن تخطر على بال إبليس.
    اضطربت قليلاً، مع أنني كنت شيطاناً جداً كما يصفني أولاد الحلّة، صحت فيهما،..
    "هووي أنا داير أتصارع معاكم!".
    انتفضت الفتاتان كلمح البرق، إحداهما تفتش سفنجتها، الثانية تريد خداعي وشغلي: شفتَ طرحة البت دي، تزيل اللعاب عن فمها، تواصل تلاعبها،..
    - قصدي هنا في (كركية)، ونحن جينا ماشين،..
    طبعاً تريد أن تقول إنهما كانتا تسيران في أمان الله وسقطتا، حسمتها على الفور: هووي ما تعملي لي فيها كركية وما كركية، حشرتُ يدي في ملابسها، ياها الكركية دي بس.
    يخصي عليك، ووب لان، ناس القش بجوا بشوفونا،..
    - هووي أوع توريني جنك، نهرتُها.
    في ذلك الزمن لم أهتم بالأمر، بل انشغلت بما كان يمكن أن أحصل عليه من غنيمة لحظتها، وللغرابة لم أهتم بالتي كانت في الأعلى، بل بالتي كانت عند دورها الطبيعي، وحتى جامعة الجزيرة كنت غبياناً وأفلتت مني "الفحلاية"، وربما هذا كله ما ركّز توقي لسبر الموضوع، خصوصاً وأنّ تيموليلت كانت مثقفة بارعة وتكتب الشعر، ولنا مع شعرها وقفات دونها صديقي الصادق الرضي وعاطف خيري.
    تيموليلت تعني "الأبيض" بلغة الأمازيغ، مازحتني في مرّة:
    "نحن نحبك يا الدراوي/ الأسود".
    قلت لها سأكتب عنك علناً يا تموليلت،...
    كانت تدخّن/ القارو، طفأت سيجارتها قريباً من يدي كنوع من التحدي:
    - ننيكك، ونيك كل الرجال. قالتها ورمت بيدها البضَّة في درب.


    تيموليلت: (ريحانة الشوك)



    تمشّينا يومها، أربعتنا، وعرفت اسم البار الذي تديره تيموليلت من بوحردة، البار تمتلكه امرأة يونانية وسيمة هي الأخرى، تيموليلت أخبرتني بأنها شريكة اليونانية في البار، واليونانية لا تُرَوِّج لذلك جهاراً ولا تُنكر، تبقى هذه النقطة معلّقة وغامضة كحال العلاقة بينهما.
    أنا لم أمكث في الرباط طويلاً، بعد زيارتي القصيرة لها مع زوجتي، فقد أخذتها ورحلت إلى سهوب تادلا،..
    كنت أحب منطقة الفقيه بن صالح جداً، وكانت لي فيها صديقات وأحباب جميلين،.. عندما بلغنا "بني ملال" مدينة حسناء زوجتي، شعرت بالضيق، فأمها امرأة مزعجة ومملّة، تحدّق فيّ أحياناً وبعد تَلَمُّظ بالعيون كتلمُّظ الشفاه للويسكي تقول،..
    "ديرتيها آلدراوي"، بمعني: سوّيتها يا الأسود! كانت تعتبرني على الدوام قد أخذتُ منها شيئاً ما كان يجب أن آخذه،..
    أما ما يغيظها أكثر فهو أنّ ابنتها قد تسودنت مائة بالمائة، الذين عرفوها يحتارون في كونها سودانية بعيون بنيّة وبيضاء كأنها "نصرانية". لأنها تتحدث عامّيتنا مثلي مثلك وأكثر، وطبخنا وثوبها ويا حليل وسجمي وكُر.
    لقد أحبطتْ فرحتي بعنصر الغرابة فيها، الآخرون كانوا يحسدونني عليها، أما أنا فلم أنخدع لهم، هذه المرأة تُخَرِّب الجغرافيا، وتجعلني أدفع ثمن تذاكر طيران غالية دون جديد، ما الجميل والمُغوي في الأمر، إن تحوّلت جبال الأطلسي لجبل (جاري) متنكّر.
    دخلت عليها يوماً، بعد يوم لئيم في العمل، فقابلتني مهرولة عند الباب،.
    "أقيف أقيف".
    "في شنو؟ مالك؟".
    "في واحدة صاحبتي بندّخَّن".
    استغربت، أهذا وقتٌ تزورنا فيه سودانية، فأوضحت لي بأنها جارتنا اليمنية في الشقة المواجهة لنا،..
    وكمان!؟ أصبحت النبي بوليس لتبشّر بالطلح والكليت والشاف ومثل هذه التقاليد.
    تسودنت، أو كما يقول ود المكي مع بعض التحريف إنّا طلّقناها وكنا مذنبين.
    أمّا أعجب الأعاجيب منها، فهي صداقة لي كانت مع رجل دانمركي وحرمه،...
    قابلني صدفة في المصعد، وظنّني هندياً لشُبهة شَعَري، فقال لي،..
    - هالو غاندي،..
    "بل قُل هالو الأزهري".
    ضحكنا وشرحت له من هو الأزهري، وكان يعرف "الطيب صالح" و"علي المك" كما توقعت الأوّل وفاجأني هو بالثاني،..
    استفزّني بمقطع من فيلم، كنت لحسن الحظ قد شاهدته،..
    الفيلم يتحدث عن ابن لملك الدانمارك يتخفّى في شخصية طالب عادي يذهب للدراسة في أمريكا ويقع في حب طالبة أمريكية، باختصار يزور الأمير أهل الفتاة فيستفزّه إخوتها بـ:
    "أنت وبلدك مجهولان، عرّف عن نفسك"،.. فيهزمهما الأمير في مشهد عميق ومؤثّر بذكره لـ: سورين كير كيغارد مبتدع الوجودية، ونيلز بور الفيزيائي المعروف،... وووو
    لأنني شاهدت الفيلم طبعاً، ذكرتُ له "الطيب صالح" على الفور،... وأضاف هو علي المك، فلاحقتُه باسمي الشخصي من بعد، ضاحكاً، ففهم النكتة وكان ميلاد صداقتنا.
    العجيبة أنني دخلت إلى البيت في مرّة ثانية، فكادت زوجة صديقي الدانمركي تصدمني عند الباب، متلفلفة بالشملة الـ"مابتغباني"، لا حول ولا قوّة،..
    كان منظراً عجيباً، ودُرامياً بشكل لا يُوصف، الخُمرة والدلكة يقطران من شعر أشقر هذه المرّة، ومعاها ظرافة الخواجية، لا خجل ولا يحزنون،..
    Hi Mr. Muhsin It's so nice, my husband admire this and so so
    دخلت إلى الصالون والضحك يفج جنباتي ليفقعني، تذكرت قول ابن عمي لي:
    "ها زول ما أحسن ليك الناس الغُلف ديل تختاهن".
    (هووي يا مَرَة إنت جنيتِ، كل يوم ما سكاليك مرَة مدخناها ومدلكاها، ما تشوفي شغلتك،..).
    فتضحك هي وتُمعن في السودانية بسؤالها لجارتها التي تحادثها على التلفون،..
    - لو دايرة أعمل ليك حاجة حلوة تعالي بكرة؟ تغريها بزجاجة خُمرتنا اللعينة، لتغيظني.
    تقول لها جارتها اللبنانية،..
    - صرتِ سودانية يا حسنا؟
    ترد حسناء: عليك الله؟ بحسبانها تحليفتنا الشهيرة.
    تُنهي مكالمتها لتقول لي ضاحكة،..
    - نوزّع الفرح نحن، ياك؟
    وبحق لم تستطب لا الغناء السوداني، ولا الموسيقى السودانية، سوى أغنية واحدة، كانت ترددها النهار بطوله حتى تُضجرني،..
    يا عازّة الفراق بي طال، وسال سال مني الدمع وشّال،.. مع لكنة،..
    إذ لديّ تسجيل للأغنية بصوت فرفور ومحمود وآخرين لا أعرفهم،..
    وكنتُ أقول لها مكاوياً، لو اطلّقنا تمشي تطلعي جبل عين أسردون، حيث نبع أو "عين أسردون" التي تعني البغل في لغة الأمازيغ، والتي كنّا نجلس عندها معاً كل يوم تقريباً، ثم تذّكري يا حسناء "الدراوي" فتبكين حتّى ينسى الناس الأسردون ويقولوا "عين حسناء"، فتصدّقني وتبكي بجِدّها -مقدّماً، كانت "حنينة"، وكنت قد ابتكرت لنفسي ولمعارفي أن نناديها بذلك.
    ما زلت أذكر انعكاس الشخص الدراوي والحزين، أنا، في عينيها البنيّتين، لا أدري كيف طلّقتها، كانت بنيّة رائعة لي، فعمرها لم يعتّب الـ19 بعد، ولم تكن تتحدّث عن الناس بسوء أبداً،.. هيّا، أنا ذنوبي كثيرة يا ربي، ومَلَكا التدوين خاصتي، أسلما يديهما لتُوضعا على رأسيهما تمحّناً، وسقط قلماهما منذ زمن بعيد، ليخلو الجو لقلمي وحده،..
    أنا رجل خرجت في الكتابة، فالله وأهلي ومعارفي ومن تتزَوَّجني، عليهم أن يعرفوا ذلك،.. فلا فائدة مني إلا بصدد كتاب.


    تيموليلت



    حينما ذهبت لبار تيموليلت لأول مرّة، ومعي بوحردة، وحين خُيّل للجميع أنني لن أجد كُرسياً أجلس عليه، لعدم رغبتي في الانصراف من أمام عيني تيموليلت، بادرتني:
    "زِيد آسيدي زِيد"،.. خُش،...

    خلا إن مشيت عَلِي القِدَّام
    والخليتو وراك حق الرجعة لما تلوح
    كان اتخافى كان انفزع هدَّام
    فرداني وطشاش القاصدو لحقو الفوت
    وبراك لمَّا القبور شابت عليك مجروح
    والموت اتلبش في موت

    وجدَتْني ما أزال حيث لا يمكن لصوت أن يبلغني ليناديني، وحيث الصمت مطبقٌ ومخيف كما هو في حقيقته بقلب المجرّات،..
    - كاتب ياك؟
    "نعم، ياني".
    المغاربة يتصوّرون أنّ كل غريب يزور بلادهم هو كاتب، لأنّ هذا التصوّر فيه قدر كبير من الحقيقة، فمعظم كتّاب الدنيا يذهبون إلى هناك، بل الفنانون بشكل عام وخصوصاً صانعو الأفلام بأفلامهم وكوادرها.
    قلت لها: محسن خالد،.........
    – عزيزة، أجابت هي،.. وهذا اسمها الحقيقي، أمّا تيموليلت فهو اسمها المنحوت من شكلها الأبيض جداً، والشِبْه أشقر.
    أنا لا أستطيع فرز تاريخ هذه الحادثة بالضبط، عن حوادث وتواريخ كثيرة تتشابك في ذكرياتٍ مثقلة بأحزانها وبظلال بشر وأشياء كثيرة، عبرتُ من خلال عيشهم، وعيشها،...
    فمثلاً ما زلت أذكر لقائي المهم بـ"عبد الواحد كمبال"، الذي التقيته أوّل مرة بالمحفل الخاص بتوزيع جائزة "ابن بطوطة" لأدب الرحلة، التي يقدّمها المركز الذي أعمل فيه،...
    كنتُ صحبة كاتب يمني وآخر سوري وثالث عمّاني، فلمحت الشخص الطويل والدراوي، العمّاني منا "الشاعر محمد الحارثي"، والذي كان قد حصل في نفس العام على جائزة أدب الرحلة الحديث، وكنتُ أحد أعضاء لجنة تحكيم منح الجائزة، لكوني روائياً غالباً. نادى محمد الحارث برنّة صوت محظوظ،..
    - وحدة يا وحدة، فتلفّتُ ووجدتُه يقصد الرجل الدراوي،..
    فعبد الواحد كمبال هو علم السودان في المغرب، وهو القصة التي "حندَكت" كل كاتب ذهب إلى هناك بكتابتها المستحيلة.
    فكان تعرّفي به، والرجل يحفظ صحافة العالم كلّها، مؤسسيها، أعلامها، صعاليكها، زبانيتها،...وووو فهو مثقف فذ وصندوق كتب صلد، ورجل كريم.
    تزوارنا بعدها، وجاءني في فندق "سوفيتل ديوان" كذا مرّة، ثم دعاني لتناول وجبة الإفطار الرمضاني في بيتهم، رجل يُعتّقُ أُنْسُه الجلسات.
    في مرّة أخرى –من عمري المُرَكَّز مغربئذ، شغله عني شاغل، فتأخر في قدومه إليّ، كنّا نجلس في بهو الفندق، نُنصت لفرقة العزف الموريسكي، والبهو ممتلئ بكتّاب من جميع أنحاء ما يُعرف بالبلاد العربية ومن بلاد أجنبية. قَدِم عليّ صديقي كريم الجويطي الكاتب المغربي، وقال لي (آجي آجي آلسي خالد) لأُعرّفك بإدمون المليح، الذي كنتُ قد قرأته حميماً دون أن أراه، الكاتب الشهير واليهودي (المتمغرب). وهو رجل طاعن في السن استقبلني بترحاب جميل، وإن بدا متعباً ويُحزنه إعياء،..
    ثم اقترح علينا أن نذهب لبيته، كريم الجويطي، وحسّان بورقية "وهما صديقاه الأقربان"، وبنيَّة مشحوذة الفتنة ترافق حسّان وأنا.
    انطلقنا في سيارتين، واحدة لصديقي كريم، والأخرى للبنيّة ياها.
    عندما بلغنا بيته لم يكن بوسع إدمون أن يصعد السلّم، فانتظر هو المصعد يسانده حسّان، وارتقينا الدرج أنا وكريم والبنيّة وانتظرناهم بجوار الباب، هو يعيش وحده، تأملت هذه المسألة وتوقعتها بنسبة 80% تحدث لي، هذا مصير السالكين هذا الطريق ولا بُد.
    جاء إدمون ودخلنا ومضت مراسم مثل هذه الحالات، وانتقلنا لمرحلة العفوية والاستئناس، جال الحوار هنا وهناك، ثم سألني إدمون:
    لا أظنك قد رأيت عبد الخالق محجوب؟
    ضحكت وقلت له لماذا؟
    "تبدو صغيراً،..".
    يتدخل كريم الجويطي ضاحكاً: السي خالد كاتب كبير ومزيان.
    ضحك إدمون وأضاف: مع هذه السن قد يكون كاتباً، ولكني لن أسمح له بأن يكون كبيراً، هو يعرف ذلك، صحيح آلسي خالد؟
    ضحكتُ وقلت له صحيح، حتى إنهم في هذا المؤتمر احتاروا مع أي مجموعة محاضرين يضعوني، فقد كان الحد الأدنى للأعمار 47 سنة، وضحكت..
    ضحك الرجل بكرم: آويلي آويلي وإيش درت آلسي خالد،... بمعنى وماذا فعلت؟
    طالبتُهم بوضعي في قائمة د. حسام العبادي، فهو النشاز الوحيد مثلي لأنّه مزداد 1970م وأنا مزداد 1973م؟
    سألني: وإيشكون السي حسام؟
    قلت له: ابن مختار العبادي.
    آه آه، ابن العالم المصري الكبير،.. تدارك هو. وأضاف كريم:
    "العبّادي نفسه كان موجوداً وقدّم محاضرة".
    المضحك أنّهم وضعوني مع قائمة العلماء التي تتآلف من "الحسن بن شاهد" و"عبد العزيز بنعبد الله"، و"محمد ولد عبدي"، وأدار الندوة "قاسم وهب". كنت محرجاً لأنني لا آخذ الأمور مع نفسي بهذا القدر من الجدية، فكل ما أريده هو أن أكتب لي قصة قصتين لأموت بعدها "في بلداً دامشيقو مُرّاً يشق"، كما يجب أن يكون الحال مع "منطلق وسعلوق" مثلي.
    ضحكنا ودعاني للجلوس قريباً منه كنوع من المودّة والحفاوة، فأصبحتْ مدعوّة حسّان بذلك في مواجهتي،.. أنا أسميتها كذلك "مدعوّة حسّان" لأنه لا يعرفها جيداً، وليس في حاجة لذلك، هو كل الناس أصدقاء له. كانت متحرّرة في لبسها ولا غبار على ذلك، أمّا مع تحرّر حركة رجليها فيصبح الموضوع "يا ديني"،.. فخذاها متورّدان كخد ملاك، النوع المستدير في إحكام وامتلاء، وموزون في منتهى الوزنة والهندسة،.. (قلت في سري، ماله لو تركني في مكاني؟ كنت مؤدباً).
    عاد إدمون ليقول:
    "لقد أعدمتوه لتفتقر سياستكم؟"، يعني عبد الخالق محجوب.
    سألته أنا ضاحكاً: ألم تقل بأنني لم أره، أنا إذن لم أعدمه.
    لم يهتم بإجابتي، بل واصل قائلاً بنقمة،..
    "أنا لم أرَ مثلكم في العالم، مَنْ يقتل مثل عبد الخالق لا بدّ أنّه يعيش خارج العالم،...".
    قلت له، نميري كان يخطّط لمجازر كثيرة على كل حال.
    "لا لا، لا تقل لي أنا مثل هذا الكلام. عبد الخالق يعرف ما كان يفعله، ولكن منكم من أفسد كل شيء".
    زعمه- يعني، أما كان يجب مقاومة النميري؟ سألته أنا،..
    نميري يُقاوم، لا أحد يقول بغير ذلك. ولكن لا يُضحّى برجل مثل عبد الخالق مقابل علج تافه مثل نميري. أنتم السودانيون فوضويون ولذلك قتلتم عبد الخالق، كلكم وليس النميري وحده، عبد الخالق كان يجب أن لا يموت هذا هو قولي جملةً وتفصيلاً.
    سَكَت قليلاً، كان متعباً،..
    قلت له: النميري وجدها فرصة ليقتل الكثيرين معه، الشفيع أحمد الشيخ،..
    قاطعني: نعم نعم ذاك رجل فَقْد هو الآخر. وإن كان عبد الخالق المفكّر،..
    أضاف بتعجّل مع نبرة هادئة: هذا طبيعي، هذا طبيعي، مثل ذلك الخطأ لا بد أن تنجم عنه كارثة بذلك الحجم،..
    أضفت أنا لعامل التشبيع التاريخي وليس المأساوي، فالرجل يبدو أنه محب كبير لعبد الخالق ولفكره،..
    "ولا تنسَ الشهداء هاشم العطا وبابكر النور وفاروق حمد الله".
    "هاشم هذا أعرفه أمّا الأخيران فلا بد أنني نسيتهما، كنت أعرف القضية كاملة في حينها".
    قلت له هؤلاء عسكر، أجاب: هممم، لم يتحمّس للموضوع، همهم بفتور.
    "أصحاب الانقلاب؟"، سألني.
    قلت له نعم.
    "الآن تذكرت، واحد منهم سلّمه القذافي"،...
    – نعم، حمد الله.
    سألني: أنت شيوعي؟
    "أنا؟ لا لا، أنا محب للروح الثورية والاشتراكية عندهم فحسب". فأخذ الرجل راحته أكثر في الحديث.
    قال لي لقد حزنتُ على هؤلاء العسكر بنوازع الإنسانية وتعاطفها، لا بد أنّ لديهم أُسَر، ولأنّ بواعثهم كانت وطنية في الأساس. ولكنهم قتلوا عبد الخالق بانقلابهم الغبي ذلك.
    لم يعطني فرصة للحديث، أضاف: الرجل لم يكن موافقاً على الانقلاب، صحيح أم أنا مخطئ؟
    قلت له صحيح، ضحك بلطف وثقة: هذا لأنه مفكّر وليس بعسكري، الفكر هدفه هو تحجيم هؤلاء جميعاً، النميري وحميد الله -هكذا قالها- على حد السواء. الانقلاب يجر إلى ثأر انقلاب آخر، ومن يُعطه الناس السلطة برضاهم، يعيدها هو مرة أخرى كي لا يخسر رضاهم.
    قال حسّان بورقية: لو كان الرجل عائشاً لتحوّل الحزب الشيوعي السوداني لشيء آخر، يناسب هذه الأيام.
    يُثَنِّي كريم الجويطي: صحيح، ورفيقة حسّان التي لا أظنّها تستطيب تحوّل الحوار لمناقشة أمور السودانيين السياسية. قمت بتبديل مكاني فالحوار أصبح لا يحتمل إجابات مشتَّتة من قِبَلي "عشان خاطر" فَخْذَيْ تلك الفتاة. كانا يأخذان سَمعَ الزول من أضنينو، وشوفو من عيونو.
    إدمون المليح هو ما هو، وكريم كاتب معروف وحائز على جائزتهم الوطنية في الكتابة، وحسَّان بورقية رسّام "عالمي" كما نقول، ومترجم متمكّن نقل أعمالاً كثيرة للعربية من ضمنها كذا مؤلَّف لفريدريك نيتشه أبرزها "العلم المرح"، محسن خالد كاتب شاب وإنْ معه سمعة لا بأس بها عند العرب، تريد أن نعزمها ونهدر معها حول كَتَب يكتب هذه الدريّة، لعامل يفاعتها طبعاً. ربما تتخيَّل أنّ الكُتّاب أنسهم يدور من "سُرَّة الكتابة ولتحت".
    واضح طبعاً، أنّه بالنسبة لمفكر مثل إدمون المليح، أنّ الموقف الفكري فوق الموقف السياسي، بل ربما فوق الموقف الأخلاقي نفسه، كما أتمدّد أنا على نحو شخصي بالموضوع.
    على كل حال، ندمت على تغيير مكاني، فالحوار انصرف من عند السودانيين وانتقل للحديث عن "خوان غوتسلو" و"محمد شكري"،.. وما تشتهي الصبيّة.
    سألني إدمون: هل زرتهما آلسي خالد؟
    يقصد "خوان" و"شكري"، قلت له لا، ولكنني أُخطِّط لذلك، أضاف كريم:
    "سنذهب لهناك، لقد اتفقت مع "خوان غوتسلو" على ذلك، سنزوره قبل أن يسافر إلى إسبانيا".
    "مزيان مزيان"، أجاب إدمون،...
    كنتُ أعرف، أنّ طلحة جبريل، قد قام بكتابة سيرة محمد شكري، أو أنّ شكري خصّه بذلك، وغالباً أنني رغبت في رؤية ما قام به طلحة جبريل، وربما رغبت أيضاً في مقارنته بما كتبه "البيير ديشي" في حق سيرة "جان جونيه" وآخرين، ولكنني لم ألتقِ بطلحة حتّى تاريخ اليوم.
    بعد ذلك جلسنا طويلاً ودارت الحوارات هنا وهناك حتى استأذنا في الخروج، وتفرّقنا، فخلوتُ لنفسي ودارت أفكار كثيرة في رأسي بينا أنا في طريقي إلى بار تيموليلت.


    تيموليلت



    في الطريق رأيتُ الغمام، السماء المغبّشة بعيداً، في منحنيات وفي أُلفة، لونها الكابي والمُقَرْمَز،.. البنّي الخفيف وتداخلات الأزرق الشفيفة،...
    سيقتلني هذا الحنين، فكّرت بأنني يجب أن أعيش هنا، تذكرت الصديق "نزار عثمان" الذي تعارفت معه في دعوة الإفطار التي أقامها لي "عبد الواحد كمبال"، نزار متزوج من هنا ويعيش في بلد هذا الغمام، يتاجر ويقرأ الكتب ويحب عيشه ما أمكن، ياله من رجل! وغيره الكثير ممّن نَقَل حياته كلها إلى هنا.
    ما هو الوطن؟
    أهوَ سلام العيش أم أرض لذكريات قديمة؟
    أنا لا أخوض في مثل هذه الأسئلة، أنا لا أسأل عن الحال،...
    أخطأتُ طريقي إلى البار عدّة مرّات، مع كونها الزيارة الثالثة للمكان، وتلفنت لصديقي "بوحردة" ليصحّح لي وجهتي،.. أعمل في مركز للبحث الجغرافي الحديث، ولكن البوصلة لم تدخل إلى دماغي بعد، أنا مبحر ومبحر، وهاهنا حيث الاسم القديم للمحيط الأطلسي، "بحر الظُلمات"، فلا أسطرلاب ولا مزولة تُعين في حلكته، بموجبات رجل بدائي مثلي.
    فلم أعِ نفسي إلا وقد توقّفت لدى بنطال الجينز مباشرة، بالانشحاذ نفسه وفي تمام مواعيد الأنوثة والفتنة، كانت تصرف توجيهاتها لصبيَّة خارج البار:
    لمحتني وضحكتْ: زِيد آسيدي زِيد،.. اتوحشّناك،..
    خاصرتني وخاصرتُها، في طريقنا إلى الداخل، نهبتنا العيون، فهي إمراة شرسة ونادراً ما ينزُّ عنها مثل ذلك الاستلطاف والتوادد،..
    وإيش تشرب؟
    البيرّة المغربية نفسها،.. قلتُ مشدّداً حرف الراء كما ينطقون هم الكلمة،..
    علاش؟ تسألني، وتُكمل:
    "ما الذي يعجبك فيها؟"،..
    يعجبني فيها انعكاسكم،.. هكذا تقول أسطورتي القديمة والتي أخترعها الآن،..
    حين تنظر في كأس الشراب ترى انعكاس أهله، وتغيب صورتك، مرايا الشراب الناس يقصدونها للتفاهم مع الذاكرة وأساس الصور في قضايا كهذه،... جلستْ لجواري والقناني بيديها، ما أجمل انعكاس صورة النديم في كأسك، حين يكون هي،..
    تذوّقت البيرة المنكّهة والراقية وقلت لها،..
    لم يصادفني طعمٌ كهذا، إلا مع نبيذ امرأة أخرى، وقد كنتُ عابراً من خلال مطار "ميلانو"، فاضطررت للانتظار يومين بصالة المطار، المقلب الذي وقعت فيه هو نفس المقلب الذي أنا واقع فيه منذ ميلادي، كنت بلا مال.
    تحَمَّلت جوع الليلة الأولى واليوم الثاني بجَلَد باسل، ولكن مع الليلة الثانية والبرد، قلت أنا "سانتينو" الجنوبي الذي تحدّثت عنه في روايتي "إحداثيات الإنسان"، ولن أُبالي بمصير "روبرت" الشخصية التي تحدّثت عنها في روايتي "الحياة السرية للأشياء" وكلاهما واجَه الجوع ببسالة، لن أموت لهم في قلب أوروبا جوعاً، البرد بلغ حَدّاً رهيباً يتجمّد معه البول في مثانته.
    ذهبت إلى كاونتر الكافتيريا الخاص بالمطار، فوجدتُ رومانية بدينة جداً، تسوّلتها بلغة راقية فهشّتني كالذباب،..
    ألححت عليها، فزادت صرامتها ولؤمها: go away fucker
    تلفّتُ فوجدتها تقصدني، تلك المترهّلة من الشبع،...
    لا بدّ أنها حفيدة النساء اللائي أخذن ما بداخل جيوب "سبارتاكوس" حين صلبه، سالبات الموتى ذكرياتهم وآخر ما معهم،...
    طَرّقتُ إنجليزيتي تمام، وقلت سأعيد أيام الجامعة هنا، سأقوم بركن نقاش، في قلب أوروباهم البخيلة والقاسية هذه،... وبدأت الكولينغ،... شيء بالنثر الإنجليزي، وآخر بما أحفظه من مقاطع شعر إنجليزي، وانطلق صوتي يلعلع، أحياناً بالدوبيت، "ود ضحوية" تحديداً:
    بالك فاضي في رُوبة الغصون بتقلّم
    وأنا متملّي يا الساحر عليك متكلّم
    الزول العلي كمش النقود متعلّم
    نهجم ديرتو في الكُبسة الضياها مضلّم
    وانذهل الخواجات،... أي مجنون هذا؟ مع كونهم فهموا، إذ شرحت قصتي من خلال سباب فاحش ومقذع لأوربا ولحضارتها وديموقراطيتها وكل ما صادف لساني حششتُه حشّاً، بلسان من الحَلْفا،...
    فتقدّم نحوي المتبرعون، فيما يشبه منظمات إغاثاتهم وما لا يشبهها،..
    جذبتني إمراة رائعة نحوها بقوة، ولفحتني رائحة المرأة الباحثة عمّا هو استثنائي وليس جديداً، لقد كنتُ بطلاً دون شك، ولم تفلح معي كلّ محاولات رجال الأمن والمنظمون بداخل المطار،...
    ح يودّوني وين يعني؟ جُوَّه إيطاليا! يا سلام، هذا ما أريده بالضبط،.. مامعاي شينغينغ فيزا ولا دين، وجعان، أموت ليهم يعني؟ أولاد الحايلة!
    يا ألله، يا آمين أفلحت الخواجية في جعلي أتوقف، تضمّني بقوة، وأنا أتفلّت، حتى انتبهتُ إلى حيث تضمني، فسكنت ليتسلّقني العطر الفاتر كاللويس، بعضهم قام بشتم رجال الأمن أو بتهدئتهم، لقد غسلتُ أرواح ذلك الصباح من الوجوم والأتيكيت والخنوع التافه الذي تسير به، ومن روتينها البغيض.
    صفّت المرأة أمامي ما لذّ وطاب، وبدأ خنوعي يعود لأخجل من كرمها،...
    قالت بأنها لم تستطع تخمين البلد الذي ربما أكون منه. سألتها،..
    "ومن أي بلد تظنينني؟".
    قالت، لا أعرف. لونك إفريقي، وشعرك يضللني بنكهة آسيوية،.. سيريلانكي؟
    ابتسمتْ وأضافت: تشبه من يعرضونهم في نشرات الأخبار.
    قلت لها متماكراً: يعرضونهم في نشرات الأخبار هذه وصفة غامضة وساخرة، تقصدين المتمردين؟ أم خَرَج المفقود والمدعو فلان وهذه صورته.
    ضحكتْ، كانت ذكية وإبليسة،..
    قلت لها شكراً،..
    قالت ببساطة: لا لا، أنت المشكور، لقد أحييتني وكل هذا المطار،..
    قلت لها أنا سوداني.
    قالت: أنت مثقف، أو شاعر ربما، قرأتَ شعراً لديريك والكوت على ما أظن،...
    قلت لها ضاحكاً، ولكي أدفع فاتورة مثقف هذه ما أمكن،..
    "الشعراء التأصيليون من أمثال وليم بليك وطاغور ووليم باتلر ييتس وبابلو نيرودا، لن يخدموا قضيتي".
    "شاعر أنت إذن؟".
    لا، أنا كاتب، روائي تحديداً.
    "أتشرب؟".
    نعم.
    وأخرجت المرأة زجاجة معتّقة وقديمة من النبيذ، رائحتها تخرج وهي تتلوّى في بخار: وأخوك مريوق وناشف ريق.
    تُعَلِّق هي: "أنت ستشربه اليوم، في عصر الكمبيوتر، ولكنه ربما يكون من أيام مونتسكيو ويحمل عبقه".
    ضحكنا،...
    وكان النبيذ الأشهى في حياة حلقي الشرِّيبة تمام.
    لسوء حظي كانت طائرتها المتجهة لأمريكا اللاتينية ستقلع بعد ساعة، وإلا لكنتُ مع استعدادها ذلك قد فعلت بها ما لم يفعله وحشي بهند بنت عتبة.
    أعطتني عنوانها وكذا وكذا، ولكنني لا أهتم بمثل هذه الأمور، فالحياة الحقيقية عندي هي مصادفة هذه الواقعة فحسب، أمّا أي استتباع أو استطراد لاحق فهو يتم في خانة التمثيل والتخطيط، ولا حاجة بي للأمرين.
    على كلٍّ، فقد ذهب نصف الليل دون أن يسأل الليل عن حالنا، الليل متصوّف كبير ولا يسأل عن الحال،..
    قالت تيموليلت: أعرف أنّك تريدنا أن نتحدث، ولكن ليس الليلة، ستحتفل صديقاتي معي، ويمكنني دعوتك لو رغبت،... ستكون الرجل الوحيد، وضحكتْ،..
    قلت لها: لماذا؟
    "ما هو اللماذا؟"، ترواغني هي.
    الضحك لماذا؟
    "إمكن تحشم،.."،...
    لا، لن أحشم ولن أخجل، بل سأعتبر ذلك تحقق ربع أمنية تعيش بداخلي، منذ لمحت من طرف الباب في "داخلية مدرسة شندي الثانوية للبنات"، ما يمكن أن يحدث لمحب جمال مثلي، لو قُدِّر له أن يعيش بداخل هذه الجنّة المتقدّمة يوم قيامتها بثقة.
    خاصرتني وخاصرتُها، ودخلتْ بي إلى حيث (لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب دراوي)،...
    أكثر من 15 بنت، بكل صفة عصيّة على البال والتوقّع، عيد ميلاد تيموليلت،..
    انذهلوا، وتوقّفوا عن التعابث والرقص لفترة،..
    حييتهن، وبعد تحديقة من تيموليلت تقاطرن لمصافحتي،..
    بعدها انتحت بي جانباً، وجاءتني بنبيذ أحمر، لتقول ضاحكة،..
    "اغتسل من ذكرى الرومانية وحضن سيدة المطار"،.. هي شخصية كريمة جداً، وودودة حين تشاء،..
    وبدأ التصفيق المتغنّج، وأخذت الصبيات "تشطح" كما يُسَمّون الرقص، الصفقة والصوت الأنثوي المتوحّد:
    ماجولي ماجولي، حبيبتي ماجولي
    وإيش حال نغير عليها،..
    وأجسادهن المُبهرة، أخذت تتلاوع مع صوت "الداؤودي" وتتملّص من عظامها، وبدأت كل واحدة منهن في التشكّل من جديد، تبني جسدها هذه المرة، من الجنس كله، ومن الغواية كلها،...
    لا أفهمهن مع كل كلمة، ولكن فارغتي جاهزة:
    وسوووحي، تريلل لا، وبالجنبة موحي، تريرل لا،..
    أتحزّم آزول، والنيّة تتراوح مراقد القلبو ني،....
    والقزاز يطّقش، الدنيا حلوة وبهيجة، لمّا تشوفها من فَرَق القزاز المسروف، ومن فَرَق أجساد البنات الشفّافة، غايتو، يا حليلنا منها، الفارغة بت الفارغة، أم عجيناً فطير،..
    وأقوم أدودر الدريّات يمين وشمال دودير القمري علي القلابة،..
    أهو دي السفاهة البعدها نار الله بتبقه نيشان،.. مادام عمري كلو عدّيتو مدني مسروقة حيكومتو، ناركم دي يا ناس جبريل أجدعوني فيها جنرال، إمكن أسرق حيكومتكم،...
    غايتو، أستغفر الغفران، أستغفر الله،.. أستغفر الناس،.. أستغفر أُمي،.. وأستغفر الفيافي، هذا عواءُ قلبٍ خالٍ وفي الخلاء،..


    تيموليلت (الجمال غول الجمال)



    وكما ينادي صوتٌ عربي في فيلم الـgladiator، وسط إنجليزية القرون الأولى: يا ابن الحرااام.
    نادى صوت، بالخارج، في الشارع:
    "الاتحاد الاشتراكي،... الاتحاد الاشتراكي،..".
    ها قد عدنا لعالم الصحف من جديد، بدؤوا يوماً آخر، كلّما أسمع بائع صحف ينادي، وكالعادة يبدؤون منذ الـساعة 12 ليلاً/ أمس، أسمع في دماغي، "فِرْيك،، فِرْيك"،،...
    صوت الفُلَّة عندما تطير من فم الزجاجة، فتحوا يوماً جديداً، اللعناء، يلا، كُبّوا صباحكم دا في داهية، يلا، لنمسك بتلابيب يوم غبي جديد وندخله في قبر.
    شعرت بالرهق العميق، الذي يغازل الراحة في نخاعها، جسدي يبوّخ صبايا البارحة مثل جنيّات تطير في سوتيانات مزركشة، يتّرّع، عااااع، لولا أنّ الجنس جشاؤه توسيعٌ للمزيد.
    لمحتُ تيموليلت، تقف في النافذة، تدخّن،...
    رداؤها القصير، مثل صِبْية المدارس، والأفخاذ الممتلئة ومحكمة الاستدارة، في تمام مواعيد عقدتي،...
    الأرداف النافرة بهدوء، هدوء حكيم مثل سقراط،...
    ويحلف صوت "مغني شعبي من مناطق شندي" له بحّة قاسية مثل صوت "النعام" بالتقطّعوا كل بحور الدنيا، فيأتي ويدندن في كل خلجة مني:
    "جااااهل، ومقسّم هِيِن فوق هِيِن، يااااخي عليّ ضنين؟".
    هذا ليس الجمال، هذا ما لا يغفر ولا يرحم،...
    "مقسّم هِيِن فوق هِيِن" هذا أبلغ تعبير يمكن إيراده، ولو أنّه استُخدم أي تركيب آخر، لفارق الشعر ترميز لوعته ووقع في القصدية الناجزة، ولاستحال عليه أن يُشابه تيموليلت "ولو حشر اللغة كلها في حَنَكاتو".
    منذ زمن، وأنا لا أؤمن بوصف الإنسان من الخارج، ولكن مع هذه المرأة هذا ليس الخارج، بل أصعب امتحان إلهي يمكن توجيهه لأخيلة الداخل، لصُنع أندر توليفة فتنة عميقة، عصيّة على العرض، تستخدم الخارج كرفوف فحسب،...
    هذا هو الحال، الحال في حِسْبَة المغزى، ولن يكون أبداً في حِسْبة القاعدة والقانون، من يخالف القوانين ومن يتّبع،.. كلاهما مجلى لنَفْس دوامّة المغزى،...
    أستغفر الله عن قولي:
    والصور مجاهل ما تبدَّى
    الصور نحو الحق وكل الإشارة
    لفراغها المتكوّن اشتهاء
    ولوجهها الفاغر سية القوس
    وجنون ذهابه في طُلْبَةِ الأمل

    لكم أنا مخطئ، فالذَّهابُ في الأمل، هو الذَّهابُ في الله،...
    فما من أكفرَ من شخص بلا رغائب وبلا أمل،...
    "علاش تطالعيني؟ ما شبعتِ ياك؟"، تسأل تيموليلت ضاحكة، ومؤنِّثة للّغة والأشياء من حولها.
    أنا لا أذكر شيئاً من ليلة الأمس، إلا عيوناً وسيمة بنزواتها تلمع في كل اتجاه، أفواه وأصابع تذرع جسدي، تأكلني، والتنميل بهار اللّذة، دوريات شرسة وكثيرة، لحارة فيها قتيل، أسفلاً وأعاليا، رؤوس الشوارع، الأزقة والصهريج،... (يبتّقن) البنات نحوه من كل جهة عطش، وهو باسلٌ في وقفته، يُحَمِّم الصبيّات بـ"المح"،...
    سنعرف من رائحة الخيل، أيُّ يومٍ كان لرايتنا، وأيُّ يومٍ رنّ في خُرج دنانيرهن،...
    تلك هي الأسباب وليست الأحوال،...
    "لم تجبني!؟"، تُلح بسؤالها تيموليلت، وتركّز عينيها في مدى عينيّ،..
    هي تسعى في مقاربات لغوية كي أفهمها، وأنا أسعى في مقارباتي بزحزحة كرسيّ لتفهمني، والرجل منها ومني، يقف ضد المقاربات كلها.
    تُؤشر لها صبيّة قريباً من الباب: بالإذن آلشريف! وتتجه نحوها بتعجّل باش.
    آآه، الآن أذكر هذه الصبيّة، هي الأحلى بإخراج تيموليلت خارج الحسبة، ولكنها أكثرهن أنوثة وميوعة متدلّلة بدون منازعة، تذكّرتها لكونها تحاشتني ليلة البارحة كذا مرة،...
    أكبر كمّية من حشد التأنيث- أعراضه الميوعة والدلع، لتتزن نقطة هناااك و(ما) بعمق تيموليلت،..
    لماذا أنا متحسّر؟ هذا الإنسان عجيب، أوَ كنتُ لا أعلم، لماذا لا أُريد إلا هذه المرأة التي وجدت لحياتها المجرى الذي يطرّز زهوها على مقاييس وجودها الإنساني البسيط،...
    ربما لتتزن نقطة بعيييدة و(ما) في عمق السي خالد.
    أراهما من مكاني، بينما تيموليلت تتحرك قليلاً ليسترها ظهرها مني،...
    حديثهما لا يبلغني، اليد البضّة لتيموليلت، ترفع للصبيّة حامل سوتيانها، تنفض شيئاً بحنان، بدفع كلّ نهد في اتجاه، وبعفوية حبيب يتشاغل أثناء الحديث، يفتح زراراً أو يُغلقه، تزيح لها خصلاتٍ تتطاير على وجهها، أو ما يشبه أن تنظّف لها شيئاً عالقاً على خَدّها،...
    أجن أنا وأحجّ الجن، من الشامة (الفُل ستوب) الماهرة –والإلهية- على خد تيموليلت، بعد اكتمال فرادتها بالطبع، وضع الله نقطته الخاتمة هنا، فتيموليلت من مكانها ذلك تُعطيني صفحة وجهها،...
    هذه شَرْبكة صاعقة لا حلّ لها،...
    شيء ما يتحدّى رجولتي، أطفّر من مكاني دا يا ربي وألوحن اللتنين؟،...
    أتذكر قول جَدّي لي:
    "والله الليلة أخليك تترّع بصطونة آلمسخوت"، لا حول ولا قوة، دي جلدة طيري دي. وأضحك.
    "أقوم أخلّيهن، اللتنين، يتّرّعن شنبورة يا ربي؟ وبرضك "جَلْدة" طيري، فالشاعر الجاهلي، يوصي بممارسة الجنس مع الذات، بجلد الأخيلة:
    إذا حللت بوادٍ لا أنيس له .............. فاجلد عُميرة لا عارٌ ولا حرجُ
    "عُميرة" في أيامهم كانت كُنية لعضو الرجل، لكن برضك ألعن الشيطان، والجاهلي -مهماً كان- يظلُّ جاهلياً واسمه "أبوجهل وأبو لهب وعكرمة، ومهما عاصر الإسلام"، للمرأة في ذمتي الكثير من النبيذ والمبيت مع صويحباتها،...
    تغادر الصبية، وتصنع تيموليلت حركة حلوة لقفاها، ضربة نَخْس دافعة ومستبقية في آن، بلطف من هو متأكد كيف يجب أن تكون، تشبه ضربة لعيبة الكرة لبعضهم بعد الهدف -في إطار بعيد،...
    تبلغني تيموليلت فأضحك، أصبحتْ تأخذ راحتها معي، نظام (ولّفناك، فردة) وكدا،..
    "فقط، أردت أن...."، أبدأُ جملةً تبترها لي ضحكةُ تيموليلت الممزوجة بخَفَر، خَفَر؟... يا الله،.. واللاوصف يبدأ يرصُّ أرادبه، أرطاله، أواقيه ووزناته،..
    "تحب الكعوات ياك؟"، "الكعوات" ترادف "الجعبات" عندنا،... وتضحك حتى تختفي الفُل ستوب من وجهها ليتخلّق لحظتها الوجه من جديد، مِن الذي غاب عن البال وغاب عن الإدراك، نظام مُهلة للاستيعاب، فأيّما إنسان ليس بوسعه إدراك كل جمال تلك المرأة، من أوّل لقاء أو أوّل تعارف أو أوّل نظرة،.... أو باختصار من كل فكرة الأوّل التلخيصية/ المبتزة/ والمُفْلسة هذه،...
    سألتها: وأنت؟ أي شيء تحبينه أكثر؟
    تضحك، يعود الخَفَر والتورّد من جديد، شفتاها تقتلعان نفسيهما –تصبحان عنوان الوجه- في ارتجافة بسمة ناضجة وتطفح باللوعة القانية،...
    كنتُ أتصوّر أن تكون وقحة، ولكن هكذا هو حالها،...
    بدأتُ أحترمها، هذا الشيء في نفسها ما هو بتهتّك، وإنما قدَر يجب تقبّله من جملة (مُرَاح) الأقدار، القدر الأبرق، والقدر المحُومر، وأب غُرّة، وكيت وكيت،...
    رنّ تليفوني، الحاسد، والمشّاء بنميم،...
    فينك آلسي خالد، من البارحة نحن ندورو عليك!
    ضحكت متلمّساً الخفوت ما وسعتني الحيلة: إنتو بس البتدورو؟ عليكم الله كان لقيتوني قولوا عووك!
    "دابا الهدرة احلوّت"، تحندكني اللعينة،...
    فتّشتُ الأشياء التي يمكن تفتيشها، الأوراق، السيجار، النعلات، السروال،... "بس لو راجل أعرف قلبك ملصتو وين!"،...
    استعددتُ بسرعة، ينتظرني مشوار المخطوطات والمكتبة الوطنية "الخزانة الحسنية"، التفتيش اللعين والآخر،... هو أحمد، ولكن "الهَمْداني"، بسكون الميم، لقبيلة يمنية، "الهَمَداني"، بفتح الميم، لقرى بفارس، "نكوس نكوس، "الأصوات في اكتمالها، ومع انحرافات النَبْر"، لمتين؟ زهجت أنا من الكواسة دي!... فيما له قِوام، وما هو انحراف،..
    "ولّفناك آسيدي"،... تشترط عليّ تيموليلت العودة بسرعة، بالزربة بالزربة،...
    "أرجيني في حموك، ويا نار ما تغلّطي علي البليلة"،...
    أقترب منها لتقبيلها، لا تصدّني، ولكن ترتبك، ترتبك بدافع غريزي، يمانع تذَكّر حكمتها الثانية،...
    "أحتضنها بمودّة غاصبة، آويلي آويلي،.. تصيح متفلّتة، كأنها ستُحرج من دخول امرأتها في تلك الساعة،.. تتملّص من حضني بصدق، ولكن تتلاقطها كم بوسة ودغدغة مني، خطفاً، ذاك فم بمهارة محجان الجن"،...
    "تضحك ويتشتت تدبيرها، تتصدّى بيديها، وتحشم".
    "أزقا يا –روق ياخ،... را نقول عليك مزيان"،...
    "وأدروك-الآن؟، إيش وجدتيني يا؟"،.. أتضاحك،..
    تدفعني وهي تكزّ على أسنانها، بما يطلق العبث والزعل الخفيف في وجهة صرير واحدة،..
    "باللاتي،.. باللاتي"، لحظة لحظة،... أتفكّك عن رائحتها وتتفكّك عن رائحتي، لأودّعها لدى الباب،...
    ورائحتي هذه، هي الشيء الوحيد الذي كافأني به الله على صعيد المحسوس، بشهادة ألسنة نساء كثيرة مضغتُها،... وهرّبت الأغاني من فوقها لفوق لساني،..
    لم تأتِ تيموليلت بذلك التملّص تمثيلاً، صِدْقاً فقد شعرتُ بنهنة احتجاجها وتمتماتها ذات عمق، وإن لم تود إحراجي،..
    قلت في نفسي: لا بد أنّه لا تُوجد في كل تلك المكتبات التي "سأكوسها"، وريثة الأندلس العريضة أيّامها، كُتبٌ تعلّم الناس كيف لا يخسرون كنزاً،...
    ولكن أنا مؤلّف وعلي أن أُؤلِّف ذلك، إذ لا بدّ من لجم نفسي، نفسي هذه غنماية ويجب لجمها، وإلا خسرتُ هذا العالم "المفارِق" بتمام حضوره الفاره،...
    حزنت،... فحرمان ما كان وما سيأتي يُولّد الحزن، وإن لم يُطَبَّق بحذافيره ووَفْق نظرية صارمة، فلا بدّ أنّه سيسبّب حرمان الحرمان،...
    وما لَذَّةُ الوجود سوى تحاشي حرمان الحرمان؟
    خرجت، والدنيا ما يزال بفمها طعم قهوة صباحها، الوقت في تحضّره للضحى، والظلال تغزل حنانها لصق الحيطان.
    عندما بلغتُ فندق سوفتيل ديوان، واستعددت لمهمتي، النهار كان يتهافت، الاتحاد الاشتراكي،... الاتحاد الاشتراكي،... تتهافت هي الأخرى، ولا يكترث لها أحد،..
    اليوم أصبح أكيداً، والناس انشغلت في أخبارها الخاصّة/ الحميمة، وإن كانت، للأسف، الظرفية،...
    عمر بأكمله انصرم وتبعزق مني، وما زلت لا أستطيع النظر إلى العيش إلا كمسألة ظرفية،... الدواب وحدها التي تنظر إلى العيش كمسألة حاسمة ومصيرية،... أنا مصيري برغم تفاهته إلا أنني أستكثره على رغيفة، صابونة، لباس داخلي، فرشاة أسنان، وبنطلون ليس له زيق، وآخر فنّيته تتجلّى تحديداً في التفافة هذا الزيق،.. أنا رجل جرّبت نفسي في غاية المَحَل والاختصار، وانعدام هذه الأشياء لن يجدّفَ نهرَ وجودي محتّلاً، لن يغزوني من قِبَله أي دفتردار أو كتشنر، عاطل، ليس لديه ما يفعله في بلاده،...
    لاتهتم بي، أنا واحد وهم، أصارع منذ أمد بعيد "كتاب التوهّم" لـ" الحارث بن أسد المحاسبي" من مواليد 782م، وانظر إلى جنون عبقري كهذا وسَبْق في تسمية الكتاب، أمّا مضامينه فمشيخة قاهرة، أوّل الجالسين في ظلها "الجنيد".
    أنا واحد وهم، لا أستطيع أن أتداخل وأتقاطع مع هذا الوجود إلا من خلال نظريتي: حياة الشخص لن تكون الخرافة التي يموت بها، إلا على حسب نوعية الشخص، فأيضاً يمكنها أن تكون الخرافة التي يعيش بها.


    تيموليلت (الوردة في دور شوك)




    الكِتَاب ماعونٌ للمحو، مثلما هو ماعونٌ للكتابة،...
    أقول لتيموليلت،..
    يا إيد القوي قلمي،..
    الكُتّاب الطوب لقوالب غيرهم،... الكتّاب محلولات الكُتّاب
    الكُتّاب وإنْ كانوا وبتمامهم،..
    والكتّاب محلولات الكُتّاب، بجركاناتهم،...
    من يتوتي في ضُلّ الحيط الدواش، وقُبْلَة خشيمو علي الرمل،..
    يا فراش توتي الحريق، وبَصِّم الفم الجمر،..
    ما قرأتُكم إلا وواطأتني الرغبة..
    لأكتبكم بنفسي من جديد،...
    جوطتكم تتوالد، وتُفَاقَد السماء في جوطتها، ما يهمّني،...
    أنا أُفتّش لكم عن عِيّالٍ من رَوّاق القلب لا من شِبَاك السروال،..
    فالجسد ليس بوسعه احتباس الظل أكثر، إن عصرت مثانته الشمس،..
    لترفع رأسك، نحو تكاليف الشمس،...
    فالسماء هباءٌ فوق هباء،...
    والأرض مهما ترفع حجراً من حجارتها لتختبئ
    يسبقك "فاشي" ويلدغك،...
    انتظروا حتّى ينبت شجر السُّموم،..
    فالكيزان شوكاتهم في جذر الحجارة كلها،..
    انتظروا، فإنّ الحجارة في منام الأرض لا يضمنها أحد،...
    قد تنام، فتهلوس، فترجم نفسها،..
    وتهدئني تيموليلت أيضاً، بعد أوجاع رجال التنقيب، من يظنّون أنّ "الشخص في الوجود" عناصرَ يُدْخَل إليها من باب اللحام، زول خارصين وزول صافي ذهب الخزانة وزول رملة ساي، عناصرَ، يُفكّكونها ليعرفوا أسعار جدودهم بعيداً عن مضاربات العقل والروح،.. أأخ يا تيموليلت من النخّاسين الجُدد، والمتدينين الجُدد، والبلاد البدد، يااا تيموليلت لو تجنّسيني حضنك فأنجو من بلاد تتقصّفها حركات الازدوال اليوم، كأنّ الزول يصحو توّاً في بلاد لا يعرف اسمها،..
    لو تجنّسيني حضنك، ويبقى شمالي نهد وجنوبي نهد! وارضع شمال وجنوب،..
    تهدئني تيموليلت، من أوجاع الرجال القرمصيص،..
    عيناها تشتغلان بروفين عندي، ولكل وجعة منّي، إلا أم الوجعات،..
    لا يسعني مثل هذا الكلام البجَرِّم يا تيموليلت، وليس بوسعي التودّد إليك،..
    "أأخ يا تيموليلت، بس لو ما كانوا قُباح ودقونن سِدْرَاً ترعى فيهو الجُمال، كان أشتريلك تذكرة يا تيموليلت، وأخليك تضوقي مُوديَّة سودانير، المخيّرة زي ربها، البِتْرِك علي كيفها وبرضو ما بتطير إلا إذا حَكَمت معاها زهْجَة الطيور، أودّيك السودان يا تيموليلت، وتِّمي مزاجك الغريب دا فيهم"،..
    فالرجال هناك يا تيموليلت، عجزوا عن نيكهم،...
    آآآخ، يا جبل الهُرار الما بنطلع، وبحر الزُراق الما بنقطع.
    يقفز نداءٌ في الليل، مجرد صوت منفلت، لا مغزى له إلا حيث انطلق، إن لم يصادف شيئاً من ذاكرة نداء لديّ ولدى المكان،..
    "الله يرحم الوالدين، آآآلشريفة،.."،..
    فيشتد الحال بي، مع البرد الذي أخذ يرصّع النوافذ، ندف الثلج الصغيرة.. صغيرة.. صُغر، تصبح كلمعٍ لعيون نمور وفهود تترصَّد بالناس والمكان، فينادي الشعر ويُغلظ في عوائه:
    الليل برد وكلّو زول طَبَق بُرِّيبتو
    وخلو المتلي راقد في السَقَط.. وا صيبتو،..
    الشعر إن لم ينادِ،.. سابع سماء وسابع أرض فيك،.. فدعه وتكلّم بالموبايل، فقد استوى الحال إذن،...
    القدماء كانوا بدائيين، وضاعوا بين أعالي السماوات كلها، وأسافل الأراضين كلها، وبين أعالي وأسافل خرافاتهم الخاصة، لذلك نادوا ونادوا، أو تساكنوا هم والنداء، الجوّة بالجوّة،..
    وبما أنّ المرأة أقدم كائن من بلد الخرافة والضرورة، فغناؤها بالنداء الأكثر عمقاً، بئرُ عَنَجٍ لا تَقَط،..
    شَلْ شَلْ كُب لي جالون
    ولا لا لا، أنا ما بديك،..
    وهَيْ هَيْ المحطة قريب،..
    ولا لا لا، المحطة هديك،..
    بالطبع، لن يفرح أي بائع بنزين في محطة أو متجوّل، بميلاد فتاة إعلانات لهم،..
    المحطة هديك، توصيف يقيس بُعد اللّمس،..
    وإن لم تفرز الحال وسرتَ في جهة "المحطة قريب"،.. فكُب بنزين عربيتك ودوِّر،..
    وإن قمتَ بمماحكات لتعيين جهة "أنا ما بديك" عن جهة الطلمبة، فهذا عين ترقية التوصيف إلى رتبة،...
    وشَلْ شَلْ شَلْ، كب لي جالون.. ولا لا لا أنا ما بديك،...
    الهجيج يحمى، والناس تنملص منها شباطتتها وشيء طِرَح وشيء خجل، الغناء عيونو حُمر،...
    المفطومون في الوراء ينادون أيضاً، بينما الأصابع المعلومة منهم وغير المعلومة بصَلَبة البنات، تجتهد في العِبَار: اللبن اللبن أبوا لي بي، اللبن اللبن الرسول كُبّي،..
    وهكذا يعود بي الحال، مع كلّ النداءات، كنّا صغاراً، نكتب ونمحو على ألواح الخلوة، وما زلنا، وفي المساءات نُحضّر أرواحنا وأجسادنا، لنتساكن نحن والخرافة وذاكرة النداء، فلا نغيب عن جيرة الجوّة بالجوّة،..
    وكان "بعاتي" النداء، يناسب عمرنا، بتنكّره في اللعب،..
    هولبلب،.. ويا الحارس، كم في الخط،... 17، كضباً كاضب،..
    هولبلب، ويا الحارس، كم في الخط،... 15، كضباً كاضب،.. هولبلب،..
    "هولبلب" تركيبة لنداء يتبنّى (هو لبَّ لبَّاً) أمّا تفصيلته فهي "فاعلٌ ما احتضن مفعولاً به من الخلف احتضاناً يسمح بطرب النتوءات في النتوءات". ننادي "هولبلب" وإن وقع نِردُ اللسان، على رقم النداء المطلوب، يكون النداء –الآخر- المُطْلَق من الحارس: شِدْ واركب،...
    نحن وتوأماة الأيام، كنّا ندق الباب، نُراهق تُراهق، تبلغ نبلغ، نحاذيها العورة بالعورة، حتى نصطّف أمام سامية الفاتنة والشرسة، لنلقّبها "الحلو مر" لموجب مساختها، كانت من حلاتها، تصل إلى بيتهم فتتحمّم من النداءات قبل أن تنام،...
    بين الطاحونة والصهريج، فضاء ومَقْنَصَة، ألحق بها لأُشاغل وعمري المستهبل قريباً من شنبات النداء،..
    ويا قصب السكر، كم في القلب؟
    فتلتفت إليّ بالحاجب المقرون وعنجاوي: واااحد وغيرك، ولو قلت كضباً كاضب، بجي بأكّلك السفنجة دي"،...
    فأُحبط وأنال: قاه قاه قاه، ثم ينادي الأولاد فيّ: أفرشْ وصَدِّقْ،..
    وإن لم تتذكّر معي كل ذلك، فذنبك وذنبي يكفياني، الشخص في الوجود وفي السيئات يُكَفِّر عنه وعن أخيه، وينادي ويذنب عنه وعن مطمورين فيه بلا عدد،..
    "فتح السيد"، موظّف البلدية، كلما تمر من باب مكتبه تسمعه في نداء، هذا قبل "كَفْ" سهام المهندسة المدنية طبعاً،..
    فآخر نداء له كان: إنتِ أوّوول حاجة مهندسة حلاوة بس، وترووقي علي كدا، للخريف الجاي الحيط ملحوقة،..
    يرن جرس الباب، تفتح تيموليلت،.. آه، آويلي آويلي المتغنّجة جاءت، عيناها من الباب تسألان عمّا أفعله في تلك الساعة من سكون الوجود، مع تَرِكَتِها بالطبع وأوسم رجل يمكن الحصول عليه في الدنيا، تُقبّلها تيموليلت "بتفوحل" على فمها، وتجذبها بتحريك دائري، فيما يمسح الحضن أب لارنجة بالحضن أب قريد،..
    يقفز صوت جدّي، شاشة العرض المحايدة، فقد خلط ذلك الرجل كسرته بالماء وبالحكمة والتقبّل، تُعينني شاشته من جانب اللغة،.. فأي نوع فكرة له نوع لغة،..
    "دامَراً" لا جدوة لا عنجاوي! تتبطّح الجُمَال في سوقها،.. وهو لا ينتقد الناس، بل المدينة،.. أو المدنيّة كما يمكن التمدّد على نحو شخصي بالموضوع،..
    ود الحرتي "الرجل المتخلّف، بمعنى غير المتقبّل للجديد بداخلي"، وهذا لقبي الوهمي لشخصه الوهمي بداخلي، أُعيّنه كي أستطيع محاربته،.. تراني في الشارع، وفي سيري الوحيد أقول: قلت لك يا ود الحرتي ما تكاجرني، يا ود الحرتي صياعة شنو بالله، أها قلت كيف؟ لا دي تهمة يا ود الحرتي"، يقول لي وأقول له مدوِّرة طول النهار،..
    تعرّفني تيموليت بالدريّة لأول مرّة،.. "سيمو"، اسمها سميرة ندلّعها هكذا،...
    فيقفز نداء آخر في ليلي، "هناكَ: في ضياء وظلمة النفس والآخر"، يا لجنون الأقدار معي، دائماً سعيت لأن يكون قدَري ومصيري لا يطابقان أحد، المصادفات تخدمني،..
    "سيمو" + حرف واحد من نداء مطمور بداخلي "نون"، تصبح "سيمون"، وما أربَط تلك السيرة بما نحن فيه من عصائد العذاب،..
    سيمون إمرأة الشاعرة السورية الشهيرة، والفحلة، "إيتل عدنان" رفيقة تيموليلت في درب الموت عُذريةً، وكلتاهما من سوريا، "إيتل عدنان" الفحلة، و"سيمون" المتمددة تحتها،..
    إيتل عدنان، صاحبة الإيعاز بـ"دامر" أخرى، لا يسوسونها بالجدوة والعنجاوي:
    مدينة ثُمانيَّة الأضلاع
    فقاعة تحمل ذكورة الجسد
    وأنوثة الدلالة
    ......... (قصائد الزيزفون – إيتل عدنان، ترجمة فايز ملص)

    أُكرّر، جدّي لا يقصد الناس بل المدينة، لذا لن يستدل بالأنثى هكذا فحسب، جدّي خلط كسرته بالماء وحكمة خصوصيته، بتقبّله للرقيق والحلب والبدو والخمسي ضكر وكل شخص في الوجود، وكان مَكّاً كبيراً،..
    البلاد التي تُبنى من مسيرة الجوَّة بالجوَّة، ومن تقسيمها لشوراع "ود حرتي" وشوارع أخرى غير ذلك، فلتتحاور:
    إيتل عدنان:
    ها عذابي يُفعمني في فجرِ ولادتِه
    ولا يبحثُ أن يُشْبِعَ رغباتِه
    إنّ حبي كنه وجودي،
    وأنتِ النبع الحقيقي للضوء
    أنا العنصرُ السيولة
    والمرايا وماءُ المرايا،
    أنا الموضعُ الذي من خلاله تُعْجَبُ بوجهك
    وتتكاثر،
    لأنّ الحب هو النظام الأقصى،
    تتقدم أمواجُ اليم، حركةً بلا توقف
    حركة تجرؤ أن تُسَمِّيَ الاياب ولا التروّي
    لكنها تمضي نحو المستقبل، شيئاً مجرّداً
    إن الواقع الخفي كله يكمن في هذه الأنهار
    ("كتاب البحر، كتاب الليل، كتاب الموت، كتاب النهاية" -إيتل عدنان، ترجمة عابد عازريه)
    "ود الحرتي" لا قِبَل له بمحاججة هذا الكلام الهواوي والفوقاني كله،..
    تتكاثر، يخطُّ "ود الحرتي" تحتها خَطّاً، ليقول: رُبَط برسيم إنتِ بتتكاثري من أختك وألا زرّيعة!؟ جَمَل فوق جَمَل بمشوا وكمان بصلوا! عاد بصلوا وين؟
    إيتل عدنان، لن تسعى لجعل أحد يُدرك، هذا غباء، الإدراك إمّا أن يتمّ بآلية نفسه، وإلا فلن يتم، تقول:
    أين نحن؟ أين؟ هناك ثمَّة أين
    لأننا بكلّ عناد، موجودون
    وكان لنا وجود،
    فمن نحن إن لم نكن أنا وأنتِ
    أين نحن؟ خارج التاريخ، خارج قصته أو قصتها
    وعوْداً إليها، خارجاً في الفضاء، وعوداً إلى الأرض
    خارج الرحم وبعدها إلى التراب، من نحن؟
    أين الأنين، أين الرعب، الحب، الألم؟
    أين الكراهية؟
    أين حياتِك، وحياتي؟
    ... .. (هناكَ: في ضياء وظلمة النفس والآخر – إيتل عدنان... ترجمة سركون بولص)

    طغيان الخطاب الأعمق في استولاد الوجود يستظلُّ إصراره، ومشاغبته مع حركة أهداب تيموليلت:
    رحى الطاحون مخيّلتي
    تواجه هذا الزيغ
    الآتي من وراء الحدود.. ليحرق الكون
    بحيث لا يبقى منه شيء
    سوى ذرة وحيدة
    تساوي الكون كله

    *

    "كل إمرأة عذراء إلى الأبد"،..

    ... (قصائد الزيزفون – إيتل عدنان، ترجمة فايز ملص)

    محسن خالد، نصف "ود الحرتي" الآخر، الأظرف قليلاً: الأبد دا يا ربي أتوبيسو واقف وين؟ العذراء زجاجة نبيذ بفلّتها،..
    ولكنني أنقلبُ لهامش كبير، ونافلة تُولم للجعليين كلهم، تجلس "سيمو" حيث موقعها، وترجع تيموليلت ندّاً لي، تتمرعف،..
    (العُشَر قام ليهو شوك)،..
    يا نور يا نور، تتبدّى تيموليلت، (الوردة في دور شوك)، وما زلتُ باسلاً، فنيازكها في قصفها لي، شموسٌ أحصل عليها، تتبدّى تيموليلت، شرسة ووقحة، كحال الفحل في حضرة حوضه، جلافة الأنهار تحطتب الدربْ،...
    هلكت مفاحة الياسمين، هلكت،.. هاهي الجنس تحت الطبيعي، الجنس بخصيتين من عالم الشيطان، يا نور يا نور، يا اللولية يا اللولية،..
    بنات حبش، بنات أمازيغ، بنات باريا، بنات حَمَر، بنات مورسكيين،... ودَقْ دَقْ دَقْ، اللول اللووول اللولية..
    وخُشّي الدارة أخمجيّا – يتكرّر النداء،...
    ... تتمَّة...
    يا بت يا ضابطة وحربية
    تتمَّة ثانية، تترَجَّل عن ظهورنا الكائنات كلها بساق الصلف،...
    رَجُلان، تركيبتهما "حلومر"، وإمرأة واحدة وبيننا الشراب وعلب القارو،.. فتصبح رغبتي حينها في تيموليلت الرجل، وتيموليلت المرأة بعامل التذكّر فقط ترغب في "سيمو" المرأة الوحيدة والمتوفّرة حالياً، يغرقنا بحر الجسد بتمامنا، يأخذنا التيار بين موج وموج، ونطفّح كلنا في جزيرة شواذ،..
    أزيح لتيموليلت وسادة المقعد لتجلس بعد قُبلة فحل جديدة وأكثر تفنّناً، تأخذها تيموليلت من المتغنّجة بعد أن تناولها علبة القارو، والجنس يتقطّع تُرَع، الحُفَر في وجه الحُفَر، استفذّتهما حركة دفعي للوسادة، انحشار الكوريق، فحنبّكت الأرداف من كليهما، الحارس ومن يحزر الرقم،..
    أمّا أنا فحسدي وحرماني يُقَوِّلان قلبي:
    أيَّما أنثى سَقَتْ ردفها كيما يطول
    تخون النبات،..
    أيَّما أنثى لا تنفلت لمواعيدي من حبال قوس..
    تتأخَّر،..
    ولسّاك في دور الحبيب!؟.. "الحريم ديل بصحّهن؟"،...
    دا صِح الصِّح العميق، ها وليد ما تشوفلك أريكة تطفر بين شخوطها! هنا الشخوط سماء وقوس قزح.
    نجلس، وتنقلب تيموليلت لشبه مذيعة سودانية بلهاء، لولا مغفرة حلاتها، تسألني،..
    "حدّثنا عن السودان،... الفنّانون والثقافة، والكُتّاب"،..
    فيقفز نداء جديد، لا أذكر رقم كم، فقد جُرِّدت ليلتها من امتيازات "هولبلب" كلها، حسن ود حلتنا الكضّاب، وهو ليس بكذاب غريب ولا أجنبي، بل نفس حسن ود حلّتكم الكضاب، نفسه نفسه، فالدنيا مخلوقة بتكرار شديد كي لا تعاني من نقص في أي جهة من جهات غبائها، الحكمة وما هو ضد الحكمة واحد، لا تنوُّع ولا ضراط،..
    عوير حلتنا/ عويركم، وهسّه شكلة النسوان الفي خشم الباب دي، ما سببها فاطمة القوّالة بتاعة حلّتكم؟ ونفيسة البوبارة دي، البقدر عليها منو غير نفيستكم،..
    أليس حسنكم الكضّاب أوصافه: يلقى بنائين يتشعبط في سلّمن هواء، أقول ليك كم درجة بتاعة معلّمين مَهَرَة، إلا ينزلوهو ببرشوت،..
    ناس الكهرباء يحاحوهو بالشديد القوي، "يا زول ما تسوينا في رَقَبَة!"، ناس اللجان والجمعيات، شيوخ عجائز بالطبع والتكرار ينجزون أعمالهم كلّها بالشفاهة والمغالَطَة، وما تيسّر ممّا يحتاج الكتابة يعودون به لبناتهم في البيوت فيكتبنه،.. حسن الكضّاب جاءهم بنظرية "فيلهلم" للتعاونيات، شرحتها له أنا عصراً وأراد هو تطبيقها مع "الكينزيين الشيوخ" أولئك مساءً، غايتو ضارباه جنس عَجَلة وشفقة،..
    أمّا ناس الثقافة ديل فهو متخصّص فيهم،...
    كنتُ ضحيته على الدوام، فقط لأنّني امتلكت مكتبة مُرهبة بوسط ذلك الريف الميّت والخانع،..
    يأتيني بشعره لأُصحّحه بسبب –كوني لميض في اللغات، يصف هو-، التصحيح الذي ينقلب في النهاية إلى نهزرة بحتة لي من قِبَله،..
    نقصد صاحباً لنا، في قرية ثانية، فيستوقفني هو في الطريق لقضاء حاجته، ويؤخّرها قليلاً لينقل حالة وجوده لحالة وجودي، أنا لا أكذب ولا أُزيِّف أبداً، ولا حتّى أتجمّل الأكثر غباءً، بل أنا أتفنَّن، ولكم أصابتني الغَيْرَة من الباسل "نصير الدين الطوسي" لأنّ البحّاثة المكين "أبو الفدا إسماعيل بن علي" قد نعته بـ"المُتَفَنِّن"،...
    ياخي ياخي يا محسن، قصيدتي دي ما فيها كلام، ما تقول لي فكرة وبناء ونحو ووجهة وتشيل فوقنا النهار دا كضب ساي!
    أسكت أنا ولا أُخاصمه دفعاً عن صدقي ولا علمي، إذ لا فائدة،...
    يتعورب في لغته ليهين آرائي أشطَر:
    يا زول أنا أمور الجَهَلة المتفلهمين دي چـت عليها خابرها، إنت قايلها هادي برّيكَة ناقتي من الخَلا وألا شنو؟
    أغضب أنا، هذه ليست قصيدة يورّط الشخص فيها نفسه، كما يسعى لتوريط آخرين،...
    خليهو الكضب المشيّلو ضهري زمان، هسّه تعال، جيب القصيدة،... أتخلَّى عن حكمتي لخاطر حكمة الشعر،...
    يُعَلِّي هو صوته قليلاً، بطولته إن لم يسمعها أحد، فما هي؟ فأعرف أنا الذي أُعطي ظهري لبداية الشارع، أنّ رأس الشارع قد غُوزِل ولا بُد، بمرور بنات يقصدن جهة، أو حبيبته سمر تحديداً، التي يتشعبطها غصباً عنها، فما هي إلا سُلّمٌ لبنّائين آخرين يصادفونه، "حنانه" نزولاً عند لغته،...
    تُشارف قامة صوته البيوت، فأكاد أجزم أنّها سمر،...
    يطير صوته قمرية من فوق البيوت، فأتأكد أنا من كونهنّ "حنانه" فحسب،...
    أتوقّف له عند أوّل بيت في القصيدة لأُحاججه، مساعداً له، كي يثبت بطولته في حيث يجب أن يذهب به الحال وينتهي عند حسمه بيد مارزبّة مُشْ شاكوش،...
    يجرُّ هو الورقة من أسفلها، ويدفع بأصبعي إلى جوّة القصيدة، وعيني وإن كانت بالفعل كعين العنكبوت، ولكن لا يمكن الاستفادة من ملكاتها المعروفة، إلا حين صيد حقيقي، كما تخلو من أي نتوء أو حفرة فارغة، تُمَكِّنه من حَشْر إصبعه فيها لأجل جرّها إلى جوّه القصيدة التابوت، يتمحّن وينحك،...
    يستوي "حنانه"، متجاوزاً، فيما يقصدنا من طريق، فيعود مرّة ثانية لبطولة الكلام المرتفع بأعراض أخرى، جدري البقر سُعار الرتيلة، لا أعرف، ولكن الشعر من أعراضه تلك مسافة نمشي دنيا تانية ونغيب:
    يا محسن الفكرة في البيت الأوّل دا خليها، عااارف إنّها قريبة وهينة خالص، وبدون باكورد بجيبها، شوف كلامي التحت دا كيف، أنا داقي فيهو تمانيات جنس ربّك،...
    أقول له أنا لعامل الملل وليس الغضب: دينك ياخ، قصيدتك المخوزقة دي قلنالك ملصتها من جعباتك، ولو داير تكتب قصيدة بالجد، واصل من "تمانيات جنس ربي دي" تحديداً، وقصيدتك البتتوحّم فيها من سنة للتانية وفي زمن الولادة تحسى منّك "خور عنجة" الناشف داك! بتجرّها بمشيمتها من العبارة الناشفة دي، بس لو خَلّيت حَكْ رأسك البرّاني دا، لأنّو سمر فاتت، وُبِقيت تحك رأسك دا من جوّة، ياخي النادي دا... بأدبخانتو، شُور رأيك، تقضى غرضك وألا نمشي؟
    يحدجني بشراسة، فسمر بقلب الراهن تُلهم كذّابين شوارع أخرى، فتنالني أنا مكافأة انفشاشته، يصيح في الشارع:
    خلااااص يا بطل، يا ناس هوووي محسن بطل،..
    محسن ليس "الباقات ولا الخيش ولا الحبال" ليصبح بطلاً هكذا، هو لا يعترف بك ولا بهم، ولا بأبطالكم القدماء والمكرورين أولئكم،..
    المنتخبون لعامل جبنهم، ومن تنجزونهم أبطالاً بمجرد تهديد، كونوا أبطالاً في أعيننا وبمواصفات بطولاتنا، وإلا فأنتم أبطالٌ في نظر من؟
    أنا البطل الذي ينتخب ذاته وفي نظر الخلاء، أنا البطل الساقي والحاصد نفسه في حقل شجاع، ونفسي كلها أبطالٌ، تنازلهم نفسي، في بطولة المرايا..
    وعلى صفحة النهر،..
    يلعنك ويلعن طاريك، أعُد للمذيعة تيموليلت، بعيون تطلب استكناه السؤال وليس إعادته،..
    فين إمشيتِ يا؟ تسألني، والضحك منها مخشوشن قليلاً، لا بُد أنّ دور الرجل الملعوب هذا، وبدون ثعبان يفح في السروال، إن لم تتحرفن فيه جيداً، فسيثبت لها كم من أواقي الحال تساوي في الميزان، بينما الكَفّة الأخرى يصنقر فيها حسن الكضّاب،...
    "نتسولوا عن السودان ودرياته ودراري يا؟ تقول هي، نسأل عن أبناء وبنات تلك البلاد القديمة،..
    "الله ينعل دين السودان الكضّاب زي حسنو دا!"،...
    "الفنّانون والثقافة، والكتّاب"،..
    يُفَلِّي سؤالُها رأسي بالتُهم،..
    كان لنا أفراد يا تيموليلت،..
    أفراد فحسب، حلويييين، فمضغناهم ومضغناهم ومضغناهم،...
    حتّى تركوا حالهم، ودخلوا حال اللبان،..
    تضحك المسخوطة،..
    "علاش، را شفت هاديك التصويرة حلوة بزّاف، ديال.. ديال،.. اللـ..."،..
    تقصد حضورها لمعرض تشكيلي، لفنّان سوداني، وأعجبها، وإن لم تعد تذكر اسم الفنّان، سألتُ عنه الشاعر "أحمد بالمسيح"، فاتضح أنّه "راشد دياب"، ورووا لي أنه تفلهم عليهم كثيراً أوان معرضه، وأنا انبسطتُ لذلك، فبعض منّا يذهبون للخارج مجرورين بحبل الدونيّة والمعيز، عفارم عليك يا راشد،...
    أنا مثلك بالخارج كلّه، أتفلهم علي من يتفلهم عليّ، وأركبهم بكل ما أمتلك، بقلمي ورأسي وشيتي ولغير المهذّبين كَفّي قريييب، ومع الطيّب طَيْبة الرسول بمآذنها وقِبَابها،..
    أنا لستُ الفنّان المسكين، المتروك للجراثيم تتعيّش عليه، المضايَق ومضايَر في أطيَز ركن بالخارج، يا إيد القوي قلمي، ويا إيد القوي إيدي، وعمري سطر واحد، ودغري، يمرق من كتاب ويدخل في التاني،...
    يحكى أنّ رجلاً ذهب محزوناً ويتعثّر في أحزانه إلى القيامة،..
    قيل له مالك يا مالك الحزين؟
    قال يا ربي أحزنني البشر.
    قال له ربّه ولماذا حزنت لهم!؟ كان بوسعك أنّ لا تفعل، أنت خوزقت نفسك،..
    فحزن الرجل الذاهب بحزنه إلى القيامة من جديد.
    وإيّاك أن تسألني، من أين أتيتَ بقصتك هذه؟ إنها قصة، فمن أين يأتون بالقصص!؟
    تتكوّر تيموليلت في جلستها الإذاعية،.. تقول:
    غير الطيب صالح، لا أعرف أي كاتب آخر؟
    نعم الطيب صالح، الطيب صالح،.. أقول أنا هارباً من إزعااااج هذا الرجل، فقط الإزعاج،..
    وغيره، ألم يتبقّ أحد؟ تسألني،..
    أُتمتم في سري، غيره!؟ ومتى سأل الآخرون ليعرفوا غيره، هم فقط يسألون ليثبتوا معرفتهم له هو، ثم توصيفنا، أنتم كُسالى، لم تبلغونا بعد،... ولكني أُجيبها:
    غيره؟ سآتيكم بالصور لغيره، فقد قتلوا وما أبقوا إلا الصور، منها ما يهم، ومنها ما هو لألبومات الصور في المَلَمَّات والمُلِمَّات، الأعراس، والبكيات، ابتداء ديموقراطية، إلغاء ديموقراطية، اتفاق على حرب، إلغاء حرب، انقسام حزب، ترتيق حزب، الألبوم الذي أصبح نيلاً في طوله وجريانه وأبديته،..
    ومن ناحية أخرى للحقيقة ومُعَاكِسَة، الألبوم الذي "يجك" في مكانه،..
    ثم نخوض في سيرة العارف "محمود محمد طه"،...
    الشيخ الذي يهشّ الموت بمسبحته، ليدرس، طَرَقْ طَرَقْ فوق راسو، أقعد آلمبروك، والموت يِمِلّ داير اللعب، طَرَقْ طَرَقْ كَمّل شَرَافَة لوحك آلمبروك،..
    الموت سقفُ البيوتِ الواطئة والرجال الواطئين
    الشوقُ قيامة الموت، هيّا فقُمْ، والغروب عودة مَنْ بالحقل تأخّروا
    ونحن العيال، أبخُرجِك الرحيم فينا "دِفِّيق التمور"؟،..
    ها إنِّي أنتظر لا باب لي، ها إنِّي أنتظر وعِرْقي في الأصيص
    مثلك لن يرميَ عليه جبلٌ ظِلَّه ولن تطأه ريح،...
    أبداً، ضد شلل الجبال المقعدة، ولجة بحر محفوظ الخطو والحافر
    لولا الإنترنت لما صدّقت تيموليلت أنّ البورتريه، للعارف محمود، هو لمفَكِّر حقيقي قُتِل في الثمانينات، فقد ظنّته في البداية نظام "أتفلا –أهظّر" معها، وأخيراً سأقول لها، هييييه، غشّيتك،... هذا أبي،.. وسيأتي لزيارتكم،..
    أهديتُه لها، وما يزال يُزَيِّن صالة شقّتها حتّى بيان هذا الراديو المضاد،..
    الثمانينات،.. كيف؟ كأنها تسأل، أوَ في زمن فيه الدنيا حاضرة!؟ هي مثقّفة طبعاً، وتتوقّع أن يكون تموين القرون الوسطى حينها قد انقطع عن السودان أيضاً،..
    لا أعرف كيف، كنتُ في الابتدائي،..
    الابتدائي "ديالي -تبعي" والقرون الوسطى، يا تيموليلت، كانا يأكلان بفمٍ واحد، ويتغوّطان بدبر واحد، و"أدروك – الآن"، شحموا المغول،..
    عينا سيمو، زرقاوان بمزاجية الحبيبة ونهنهة، لم تصالحاني حتّى هذه اللحظة، متخّصصتان في الدلع على تيموليلت، وتيموليلت لا تبخل على "حنانها" بالتدليع،..
    اصبري يا سيمو عليّ، هنا رواية فحسب، وأنا في النهاية روائي ومنصرف،..
    الصبر الصبر، يُعطي النساء أولادهن، ويُعطي الأرض والأنهار والجبال معانٍ تجعلها شهيرة في الوجود بشيء،..
    يقفز نداءٌ آخر في أطول ليل للنداءات، شقة تيموليلت المكان الأكثر قرباً لمنجم النداءات من باقي الأرض كلها، شقّة المُخْتلِف مُحِبّ المُخْتلِف،..
    ندائي بالصبر في عينيّ "سيمو"، يُدخلني في نداء "الصبر وعلي كنعان والقواميس"،..
    علي كنعان الشاعر السوري، لا يمكن إعرابه في الوجود إلا كحالٍ بين الصبر والقواميس،..
    يقول: يا لعين، عامان ولا تعثر لي على عنوان محي الدين فارس!
    أنا وهو شيخان من زمن المحنّة، وأنت وأمثالك الجفاء في زمن الجفاء،..
    لطالما وقفت معه ضد نزار،..
    لماذا تناصره على نزار قبّاني؟، أسأله أنا،..
    "لأنّ محي الدين فارس الشاعر، ونزار قبّاني العاشق"،..
    أُهدّده مبتزاً، انتظر حتّى أشيل حالك لفاطمة، يسمّي ديوانه الأخير "نخلة اسمها فاطمة"، زوجته. لا أقول له أنت مثل سليمة بائعة اللبن، تَغِشُ كرمك يا رجل، تُهدي العناوين إلى فاطمة، بينما القلب في إهدائه الأبدي إلى الشعر.
    يعرّفني على محي الدين كفارس، بالفعل لا بالاسم، أجهله أنا من زمنه هو، ويمنحني فرصة التعرّف على أصدقائه "عبد الكريم قاصد" الشاعر المتلندن، و"فائز خضّور" الشاعر المجذوب، الذي إذا ما قُرئ الشعر يتحمّم بالشراب، والراحل "ممدوح عَدوان"، الشعر، والدراما، والترجمة، خصوصاً كتاب "تقرير إلى الإغريق"، لنيكوس كازانتزاكيس،... فذاك كتاب من فارط الكتابة،..
    كما هو بصبره أيضاً مساهم في الوجود، على نحو عائلي،..
    بنيّتان، والبنون حدود شخصية، بين حدودنا وجيرة الوطن،..
    شاميّتان من معمار حلوتهم النابغة،..
    يدس فوتوغرافين لهما على الدوام في جيب قلبه،..
    كوداك تغازل غزلها وتنصرف، يحلُّ سفيه،..
    من هذه يا علي كنعان؟
    "هذه رؤى".
    والأخرى؟
    تتلكأ عيناي غمزتين، وتتأخر إجابته في الرد عليّ ثلاث بسمات،..
    أقول: لا لا انتظر، هذه الحسناء أعرفها، أستغرق، وأستغرق أكثر، حتّى ينمو فوق عينيّ قوسا قزح إثر غمامها، وأنا صعيق الغمام إلى الأبد، والشارد من برق السماء في فراغ،..
    يضحك هو ببشاشته، وكان يتّهِمني دائماً بأنّه بلقائي إن لم يكن قد قابل "الفليل" شخصياً، فلا بدّ أنّه قابل الناطق الرسمي باسم "الفليل"،..
    تعرف من؟ يا زنبور خجل السيدات، يسألني هاشّاً لي،..
    هذه،.. أتكون هي؟ أنا رأيتها في مسلسل مع أيمن زيدان،.. لا أذكر اسمه،..
    يستغرق أعمق في الشاعر الصبوح،..
    "يا محسن شو بدّك، هذه الأماني من عمّك كنعان، هذا النشيد"،.. رُبى كنعان،..
    لا حولالااا، يا غتيت، ما كان تقول لينا زمان، عشان نتوصّى فيك أكتر، وما نتغابى العرفة في وسامتك.
    "يا شيخ روح، شو بدّك من ها الصبية؟".
    ما بدّي شيء وحياتك، سلامة الجمال،..
    لتأتيه في زيارات له، تُرتِّق بها صدع القلوب، لأقسمها معه بحنكة فَقَير في جيبه "فتّاحة" قَسْم النبقة بين المتصوفين، بـ"فتّاحة" القلوب مُش البيبسي،..
    رُبى كنعان، النظرية المناهضة لتيموليلت، والدليل مسلسل "جميل وهناء"، فقد لعبت (الوردة في دور "وردة")،...
    لا أدري أيهما الأقدم والأعرق، "الوردة في دور شوك" أم "الوردة في دور وردة"،..
    وفي الأحوال كلها النيل أبلغ من مطر قديم.


    تيموليلت (الجمال غول الجمال)



    لا أذكر في أي بحر تكسّرت مجاديف ذاك اليوم كمُجْمَل الحال مع عمري،...
    ولكن مساءً نزل مطرٌ حنين راقت له أدمغة الأرض والناس، ووجدتْ به الطواقي المثبّتة لقفا جلاليب المغاربة مبرّراً لوجودها في كل الفصول والأحوال،...
    طواقيهم التي أزعجتني تلك "أُتيحت لها الفرصة، أخيراً، وفي تلك السانحة" كما يقول أغبياء التلفزيون السوداني، وإن كانوا عباقرة وأنا كذّاب، فليتيحوا فرصة أو يجدوا سانحة، للجيب المثبّت في قفا جلاليب السودانيين،...
    هذه هي نوعية التأملات التي تستعمر عقل البشري حينما تجعله تيموليلت يُفلس مثلي ويخوض في سيرة الحال،...
    "فمنذ زمن وأنا مرهق منّي ومن حنين، لا أعيش أيامي، بل "أُضايرها"، يوم فوق رف، يوم فوق شوّال بذرة، ويوم لا أجد له مكاناً،... أتأمّله طويلاً ثم أعضّه بأسناني، يومي لا يصرخ ولا يتألم، فقط يفرقع كبالون"،..
    جلست أُراقب الناس ببهو الهوتيل، العزف الموريسكي الملتاع يعتبر الجالسين في ذلك المكان أخيلته، فيجلدها، يمارس معهم عادته السرية، في إبكائهم وإقصائهم، ويقودني أنا على وجه الخصوص من خلال ذكرياتي فحسب، إلى عمق لعبة "مضايرة" الأيام تلك، لتصطف أيامي "المضايرة" كلُّها، في موجز عُمُر واحد، عُمُر أعضه بضجري هذا كلّه، فأخسره بفرقعة واحدة وخاتمة،...
    "يا ربي هذه النادلة مالها؟"،...
    يضحك صديقي كريم، "شرموطة آسي خالد بغيت تحويها؟"،...
    أضحك ولا أقول له:
    "أنا ذاتي خليتو النيك، وداير في رقبتي دي، تنيكني تيموليلت، لا حول ولا قوّة"،...
    أقول في نفسي، متمادياً في السفاهة، لماذا لا أصيدها بلعبة كهذه، أنا ما حلو صحيح، لكن هي حلاتها بتكفّينا اللتنين، أقوليها عندي ليك سر يا تيموليلت، أنا شاذ ومغروض فيك شديد،...
    أضحك، أفو آلجعلي،.. وتراودني نفسي من جديد، ياخ هو بصّح ما شَرَك وبس، وبعدين حديد يلاقي حديد، العندو برمندي يغزو في التاني، أها الخسران منو آلجعلي؟
    أضحك، برضك ما لَفَقَت معاك، المرأة النادرة هذه، فتّش دكان قطّيعها في الحشا وين، وأشتريلك منّو لوريين قَرَض، قرض عَيْنَة المرارة طعمو تخلي حَلْقَك أحوَل، ولمّن تجي تبزقوا تبزق عينك بدلو، كلام زي دا تاني ما تجيبو فوق خشمك تب، لأنو هو ذاتو نتيجته ما مضمونة، وحتّىً كان مضمونة برضك ما بتقولو ولو رغبتك فيها بدل المني منّك اتشتّتتْ رصاص.
    وكونك تفكّر كدا بس، إنتَ مليان محبّة للجمال والرجالة لود عين النيل،...
    بس برضك غَرِّق مراقدك في جَبّانة القَرَض،..
    الله ينعل دينك، ودين شياطين سماحتك يا تيموليلت،..
    نهضتُ أقصرَ من قامة قَرَفي بكتييير، فلكي تنتهي أسطورة تيموليلت هذه، فلا بد أن تبدأ أسطورة الكأس، أسطورة الأعالي والأسافل، الأفعى والنّسر، كما لخّص الموضوع نيتشه،...
    نظرتُ هنا وهناك فلم أجد أحداً، كريم الجويطي لا يشرب،...
    قال لي هو لنذهب إلى "حسن نجمي" في بيته، أُريد أنّ أُسلّمه غرضاً،...
    قلت له أنا عروقي نعست شديييد، وهسي دي شايفك جررر.. جررر.. شلشيل كأس وراء التاني،...
    ولكنه أصرّ عليّ، فذهبنا لـ"حسن نجمي"، وأنا قبلاً أعرفه، ولكن ضجري خَرَّب ما كان يمكن أن ينتج من أُنس جميل –ساعتها- مع شاعر بحجمه ورئيس اتحاد كتّاب المغرب "الحر".
    اعتذرت له كثيراً، وأخذ مني وعداً بأن أزوره في مكتبه أوّلاً، وأن لا أنقطع عنه ما دمت بالمغرب، قال لي تعال، أنت رجل رائع، ابقَ هنا وستعمل معي في الصحيفة، وأنا ندمتُ لاحقاً، كما ندمتُ من قبل مع عرض ضاحك لي من "طلال سلمان" بالذهاب للعمل معه في بيروت، من أنا يا ربي؟ طَوال عمري ندمان، سكران، جَنّان في جَنّان،...
    على كل حال سنعود لفصول "حسن نجمي" وسفير السودان بالمغرب، "حسن نجمي" ووالي أزيلال، وكلّ ذلك لمعاونتي في إجراءات التزوُّج بحسناء التي طلّقناها وكنّا مذنبين، فيا لني من رجل وقح ولا يدري أين وقع منه حياؤه!
    رجعنا إلى الفندق، ولحسن حظي، وجدتُ الشَّرْبَ مجتمعين،...
    في غرفة "جهاد قبّاني" ومع عوده الفهيم،...
    دخلت، ضاحكاً، فالمحفل كان سيركّز شِراكه نحو لهجتي وسحنتي، كما يبدو، وأنا بي توق لتحدّي غريزة الاستغراب لدى الناس،...
    د. لطفي اليوسفي، بصفائه المناضل والمرحاب،..
    "أتمنّى أن أسمعك تتكلّم بدارجة السودان القحّة آخالد!"،... تونسي هو، وواضع جوهرة النقد الحديث، كتابه "فتنة المُتَخيَّل"،...
    يشاكسني "نوري الجرّاح"، ياله من موحّد هذا النوري، إنّه –مُوَطِّن عقله وقلبه وشعره- يقع اختياره على الإله في مثل هذه الأمور وليس العكس، مفَارق دنيا الأوثان منذ زمن طويل، يا نديمي أوّلاً في "كأس سوداء" من سِمّ الشعر،...
    يقول نوري الجرّاح، أكرم "حَلَبي" –كما أُناديه حُبّاً، قابلني في حياتي، مبتدع مجلة الكاتبة والقصيدة:
    "محسن خالد بدّو يقنعنا إنو هيك بحكوا في شوارع الخرطوم"،... يعني شبه الفصيح، أو لغة أوانطة المثقفاتية، الهجين،...
    لا أتلاعَن أنا، ولكن محسن خالد لسانو كأس، شيء شراب، ونتمّو موية،...
    "لا هو يتحدّث مثل المصريين"، يضيف اليوسفي ضاحكاً،...
    "أنت لا تصدّق أنني أتحدّث معك بلساننا، ها؟"، أسأله،...
    "لا أصدّقك يا خالد"،.. يقول وهو يضرب على كتفي ضاحكاً،...
    أندمج معهم، فهم فنّانون وأشخاصٌ في الوجود،...
    نجلس ونتآنس وينفض الشَّرْبُ،...
    ولا تنفض تيموليلت أبداً، مشاجرتها ما تزال تقع وتتقاذف لها الأشياء بداخل رأسي،...
    موبايلي،.. هاهو "أضرب وألا ما أضرب؟".
    يدي تذهب وترتد،..
    يصبح الموبايل، كشيء حي، كحشرة تتحرك لقربك في الظلام، يدي تذهب وترتد: ياخي يا تلفن يا نوم، موبايل هو وألا عقرب؟".
    عقرب "الكَسْفَة"،...
    لا أعي جيداً، ولكنّها السلالم التي تجرّ الكراع صعوداً ونزولاً على أقدَارها وليس على الدرَج،...
    "ألو،.. لا باس؟ ما زال ما نعستِ،.. ياك؟"،...
    هم يستخدمون كلمة النعاس بدل النوم، وأنا أستخدم بدلهما الاثنين الشراب، وحتّى هو أصبح عاجزاً عن إغلاق عينيّ، عن رؤى، وفي الصحو، لتيموليلت،...
    تجيبني بشبه فصيح: أنا مساهرة اليوم، أكتب آلسي خالد، بغيت تجي؟
    تكتبين ماذا؟
    اللّي تكتبو إنت دا،.. يا! تضحك وتضيف: وأفضل شوية،... بإمالة ياء شوية هذه لأعلى قليلاً، مثل لسان المغاربة عموماً، وبمثل لكنة تيموليلت الشهيّة خاصةً،..
    بالأصل كنت لابساً، لم أنتظر المصعد، في طريقي للأسفل، وقريباً من الردهة العامة، قابلني د. شاكر لعيبي، فزحمتُه إلى أضيق الطريق كموقع يليق بالعنصري، د. شاكر لعيبي هذا، مع حذف أن يُكنّى شاعراً، فتلك كنية يُنجزها من هو فقط شخصٌ في الوجود،...
    المتأخر حين فهمت على الشط جيادُ الركب أنّها نابتة من لسان البحر للبحر،...
    المفارَقة العرجاء لتتأخّر عن جيلها من الشاعرين،...
    "نوري الجرّاح"، "سوركن بولص"، "عباس بيضون"، "أمجد ناصر"، "بسّام حجّار" "وديع سعادة"، "هاشم شفيق"،...
    وأنا أعتذر لهم، أصدقائي، عن ذكر أسمائهم في مصادفة هذا الرجل، لتغفروا لله أوّلاً وللصحافة ثانياً ولي ثالثاً، ما كان علينا جميعاً، أن نخلط مصير أيام ذلك الرجل مع مصير أيامكم،...
    كان علينا أن نبحث في سجلات المواليد وخلاصات القيد، بأحكم ممّا فعلنا، لنُجَيّلكم فيمن هو من نبوغكم وحالكم، ولكي نُجيّله في حيث لا نعرف أين يسقط،...
    ذلكم الرجل عنصري كحال زمرةٍ منّا في السودان،..
    الفنان هو الشخص حين لا يعد يذكر حاله، الفنان أنظف من أن يتسخ قلبه بالخوض في الحال،..
    الفنان من هو في شاغل عن التبسيط، التبسيط سقفٌ لرؤوس الأغبياء ولرؤوس نلمحها من فوق سياج الحظيرة،...
    التبسيط إن كان نرداً، لما وقع على طاولته أبداً في مظهر الكُتَّاب،...
    التبسيط للبسطاء أقرب إليهم من ملجة الخضار،...
    أعرف أنّي هكذا أجعله شهيراً، ولكن في أي خُرجٍ جِلْف يرنّ اسمه،...
    ذاك أمر مهم، لمن يعرف أحوال الحال،...
    الرجل رغم ودّي له، ولأيام خلت في أبو ظبي، كانت تضيق أمامه كتب الشعر كلها كما ضاقت منابعه القحط بداخله، فلا يجدني إلا ويجد لي:
    (إنّ "العبد" كالدخان وإن علا ..... لمنحطٌّ إلى الأرض سافل)
    ولأنّ الموضوع لا يعني أحداً على الأرض، خصوصاً أنا، أعف ولا أخبز له في حاله من نفس العجين،... لا أقول له،.. أليس رجلك هو المادح:
    (أتيتُ إنسانَ عين زمانه ..... وتركتُ خلفي بياضاً ومآقيا) لنار نَفْس الدخّان،...
    ولا أنّ سيف عنترة مقابل كلّ السيوف التي تخرج من دُكّانة الحدّاد، لأيادي من تظنّهم مفخّروك في الوجود لمجرد أن تلدك نساؤهم،...
    لا أقول له إنّ آل ياسر كفروا، بينما بلال ساكتٌ في إيمانه أحداً،.. أحداً، أحد،...
    أنا لا أقول ذلك، لأني أؤمن بالحظ لا بالقَدَر الظالم والطائش،...
    لندع الجاهلية، فصاحب القَدَر نَفْسه من نصّب الكافرين من آل ياسر أبطالاً، في كتابه، ولم يأمر لبلال في رمضائه حتّى بجُرعة ماء،...
    الشجاعة كبيرة ولا بدّ لقتلها من خيانة كبيرة،...
    أنا قلّة الأدب نفسها وليس قليلاً للأدب حين أُريد، ولكني أعف،...
    لا أفتح معه باباً حول المفردات "أسود" أو "عبد"، ولا أفتح معه باباً حول موقف المتنبي من الوجود كفنّان،....
    فالمتنبي عندي كفنّان وكموقف من الوجود، عاش عبداً رخيصاً وليس شحّاذاً، الشحاذ رجلٌ شريفٌ لأنّه يشحذ وكفى، ولا يخوض في حال الشعر،...
    أنا سأترك متنبيه هذا، في حركات بهلوانياته تلك، لتلقّي دنانير في طريق إذلالها له بتمريغه على التراب، منافساً أيدي العيال، فرجلك يا شاكر "صبّ" الدنانير من أحرار ذلك الزمن المعني بـ"أسود" و"عبد"، ومن كافور،....
    كافور، المكروه في مصر "بلاده" وتاريخ السود آلهة النيل،...
    كافور، الباسل والمتفوّق رغم عنصرياتٍ ثلاث، لكونه من الشيعة، ولكونه أسودَ، ولكونه من النابغين،...
    كافور هذا بِكري لصبوح رجال أنت لن تستطيع شرابهم،...
    رجال يُقَطّعون القَدَر في الطريق بسيوفهم، ويمشون قَدَراً يفتلونه من حبال لجم الراحلة،...
    يا طريق يا طريق وليس يا دم، يا طريق:
    "عبد الخالق محجوب"، "الرفيق فهد"، "غيفارا"، "مانديلا"، "باتريس لوممبا"، "إستيف بيكو"، "مارتن لوثر"، "ماتيلدا نيوبور"، "فرج الله الحلو"، "الياس مرقص"،... يا طريق المدركين وليس الثوّار،...
    وأأأخ، يا تيموليلت، "الجمال غول الجمال"، الناس تخالف، كما خالفتِ أنت عادة أن يكون الجمال غول القبح،....
    كنّا في أبو ظبي يا تيموليلت، وهذه الواقعة ليست مهمّة بالنسبة لي مطلقاً،...
    تقاطعني تيموليلت بتأثّر:
    "تكون اتقلّقت من دراوي ياك؟"،...
    أعرفُ قلبك يا تيموليلت، أنت فنّانة وشخص في الوجود، أنت تخوضين في الهظار وليس سيرة الحال،...
    قلتُ لك إنّ هذه الواقعة ليست مهمّة بالنسبة لي مطلقاً، و"أسود" و"عبد" هذه، لا دخل لها في حال الموضوع إلا بأقل أواقي الحال، فلو كان يجيئك شخص كل مرّة، وبدون أي فرز لحالة مزاجك، ليكرّر "يا برتعول لول لول"، وهذا صوت بدون معنى، مختلَق،...
    ويتكرّر الصوت، ونَفْس الشخص في صحبته، تخرج "يا برتعول لول لول"، تدخل "يا برتعول لول لول"، تنيكه في محدودية ثقافته "يا برتعول لول لول"، يقارن وَفْق أمراضه الخاصة موهبتك إزاء موهبته "يا برتعول لول لول"،...
    وبأكل الأيام لبعضها ولك، وفي شح المزاج الحسن، سيتخلّق لهذا الصوت معنى، ألا وهو الازعااااااج،.. سيترقّى الصوت من خانة عدم لخانة وجود،...
    وستتواجَه لغة وجود مع لغة وجود آخر،....
    هنا يا شاكر، شخص من وجود جِدّي وباسل، وأمّه ولدته ليكون زريبة حوشها بدل الشوك،...
    هاهو يأتيك، الوجود النائم الذي هززتَه طويلاً، أفاقَ هاويةً ولحد، في عالم اللغة الجديدة الذي ابتكرته له في التوّ:
    غِرتُ فيه صفعاً وركلاً مختصراً للبلاغة، جَلْدة طيري، خلّيتو يترّع ناس شَمالية وجنوبيين وغَرّابة وناس شَرق وهوي وحَلَبة، خلّيتو يترّع سودان،...
    ولم تُفلح محاولات نوري الجراح كلُّها لإنقاذ جُبنِه الخسيس منّي،...
    هاناس إنتو بتعقلوا متين؟ وديمة عليكم متكاتلين في سيرة الحال ليه؟،...
    أهو الجهل؟ أم عقدة القصور، لجسمٍ كان متحرّكاً وسَكَن، للانتماء إلى مكان وناس، لا تنتمي إلا للخلاء وما أجملك نمراً،....
    ألم تسمعوا قول الأُحيمر السعدي:
    عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ..... وصوّت إنسانٌ فكدتُ أطير
    الحنين هو الموطن،...
    مالكَ وحال المكان والناس،..
    يا شخصاً في الوجود، كُن عادلاً أبداً، مهما ظُلمت، فأنت ضد الظلم لا ضد أن تكون أنت المظلوم، وأنت مع العدل لا مع حقوق بسيطة لك، بأي حال لستَ في طريقك لوقوع مظلمة ثانية،... لم أشتم أحداً لشاكر ذلكم مطلقاً، لا والديه ولا قبيلته ولا الأشخاص الآخرين في بلد العراق، ولا ميّزتُ حالي عن حال الأكثر سواداً مني في بلاد السودان، أهل العراق وأهل السودان، قوم في حالهم، وأنا رجل في حالي ولن أدخل حالَه،...
    العنصري يجب تركيز سَحْلِه بنتائج العنصرية، وليس بعنصرية مضادة،...
    حتّى ولو لم تكن لي صحبة نبيلة و"فنّانة" مع عراقيين أمثال المخرج "جوّاد الأسدي" ومع مثقّف وفنّان كبير مثل "منذر العكيلي" مبتدع "الموسوعة الشعرية"، لما تجاوزت عدالتي، ولبقيت في إطار "منهجي الكتابي".
    أوَ لستُ أنا الطالب أعمقاً منك بين يدي مدارس الكوفة والبصرة؟ أوَ لستُ أنا الابن الأكثر نجابةً لأنسابي في النبوغ وليس الدم والحال "بدر شاكر السيّاب"، "سُعدي يوسف"، "صلاح فائق"، "فاضل العزاوي"، "مؤيد الراوي"، "جليل القيسي"، "يوسف الحيدري"، "جان دمو"،...
    فأنا عبدُ الفن ولستُ عبدَ حالِ شاكر السراب،...
    هناك أشخاص يلجؤون في مثل هذه الحالات إلى شتم الدين، هؤلاء ضعفاء فحسب، أنت تدفع عن نفسك الأذى، ولا تنتظر حتّى الله ليدفع عنك العنصريين وعابدي الجهات والدماء،...
    الذي يظن أنّ الإنسان يطابق دينه، هذا أبلد شخص في الوجود،...
    الإنسان هو الإنسان، وليس الدين، وسيظل على الدوام شخصاً في الوجود، وليس بمقدوره أن يكون الدين، مهما خصّمه الله، وخصّمته نصوص الدين،... افهم، الإنسان شخص في الوجود،...
    وحين يعتدي عليك شخصٌ في الوجود، يجب أن تعتدي/ أو تُربّي شخصاً في الوجود، وليس من المنطقي ولا من المقدرة أن تعتدي على الوجود أو أن تُربيه،...
    فما أنت إلا شخصٌ في الوجود، شخصٌ واحد، من الوجود كله في الوجود كله،...
    ينعل دينكم ودين الوجود،...
    لا تجبروني على الخوض في أحاديث الحال،..
    لولا أنّ ذلك الشخص يدّعي فِرية قرابة لعالَمي، أنا الشخص الكاتب "منهج" الكاتب، ابن "منهج" الكاتبين، لولا ذلك، لما خاض لساني بلاد غربة، وأسَفَّ في عالم ذاك الشقي،...
    تهدئني تيموليلت،...
    "ما تتقلّق آلسي خالد، تضحك،... وتكمل: نحن نحبّك آلدراوي، تعرف علاش؟ لأنك ما شيء بحالنا،... بمعنى فأنت مختلف.
    ليحكم الله بيني وبينك يا تيموليلت، لأنك أخطأتِ أن تكوني زوجتي ولكنّا قارّين في دارنا بجذورٍ للجبال، أنت منّي ومن القلب الذي غرامه المختلف والمبتدَع لتوّه،...
    تنهض لتأتيني بنبيذ، في بيجاما هذه المرّة، والأرداف منها لا تزن حالتي إلا بحال، الحركة المُلْغَزَة والفي كل اتّجاه دون أن تُرى، حركة الكدايس بداخل جوّال مكموم الفم والشفاه،...
    الأرداف منها لا تزن حالتي إلا بحال،...
    أقول ذلك وطعم تحاشي حرمان الحرمان، يفرقع كم بالونة يوم جديد، أُغنّي يائساً منّي أو مفتّتاً حموضتي في حموضة الدهر والشعر،...
    (جاااهل، ومقسّم هِيِن فوق هِيِِن، ياااخي عليّ ضنين،...
    وبابورو مشى التن تن ياااخي، وين في وين،...)
    "التن تن" هذه، تشرح –لحرماني- قوانين السرعة والمسافة معاً، بحنكة لسان الشعر الذي لا يمتلكه "ود إنشتاين"، أمّا "وين في وين" فهي مقادير الجاذبية الغامضة بين نجم ونجم، بين كوكب وكوكب،... وإيّاك أن تقول "وين لي وين"،...
    البرت إنشتاين لكي يُغَنّي هذا البيت، غنّاه بمجلدات نظريتين ضخمتين، (النسبية الخاصة: Special Relativity،.. والنسبية العامة: General Relativity)،...
    ود إنشتاين تربال كبير ولا شك، وهو حاله من حال الشاعر، متتربل في حِسّه ووجدانه وفي الأرض، ود إنشتاين والتربال من بلادي يرويان حقولهما بالأفلاك، ويخطّطان لمواسمها البعيدة بمراقبة السماء والأجرام، كما يحدّقان في الأرض كثيراً، والأرض من الإنسان والإنسان من الأرض، فلا بدّ أنّهما يحوزان الكثير من غموض السماء وحكمة الإنسان ومعرفة بَذْر الوجود،...
    أمّا تيموليلت فمطلق جمال متفرِّد "Singularity"، لا نسبية منه. فهو حالة البدء نَفْسها،...
    يُحكى أنّ الشجر بنات كُنّ مشرورات في مواعيد،...
    لذا تيموليلت ليست في انتظار أحد، ولا حتّى النيل،...
    تضع تيموليلت النبيذ على الطاولة وتتحرّك من حولي، بقلق وبين غبار القارو، مع كونها معتذرة عن حال المواعيد،...
    هاهنا ينتظر شخص كتابةً يكتبها ويقلق،...
    تُغريني عبقرية أغنيتي، بالحالين، بما هو تيموليلت النادرة هذه -ولا بد أنّ ذلك الشاعر من ناحيتنا قد حلم بها بطريقة ما، وبما هو عبقريته هو الفذّة التي خلّدها بها كما لا تعرف ميكانيكا الكم Quantum،...
    أضحك فيُطبخ بيننا السؤال،...
    "لا أبدا أبدا، لا شيء، هذه مأساة خاصة"،.. أقول لها.
    مأساتي هي أنّ متوارث تلك الأغنية حالياً، يغنيها ويحرّفها متظارفاً أو متعبقراً، لا أعرف وجهة نظره،...
    يقول بلسان أخضر ومتطحلب، ولا بدّ أنّه في هذه اللحظة يعبر في خاطره حقل برسيم،...
    وبابورو مشى التن تن، ياااخي بِرا الوزين،...
    يفسد الأمر، يفسد الأمر، النيّات المقطوفة من الشجرة الخطأ على الدوام تُفسد الأمور،...
    كانت هناك حفلة قريبة من بيتنا، وكنتُ مخموراً أقوقي، جاءتني بنت مَحَنّة سالفة تركض، تعرف مودّتي مع الأغنية:
    "يا محسن ألحق ألحق، أغنيتك بغنوا فيها".
    فلحقت بالرجل ووزّينه يرعى ساقية ود إنشتاين وساقيتي على حد السواء، لم أتردّد مطلقاً، كما هو الحال، أنا رجل يلتقي بالحياة من ناحية إيمانه دون تردّد، أو لأكن متهوراً وأروشاً، بلغتُه من مكاني ذلك وشياطيني تركض أمامي، عاجلتُه، لم يشعر إلا والميكروفون في يدي، وليده فراغ "العويش"، كما هو الحال مع خيال المآتة "الهنبول" الطارد للعصافير بتلويح الجنائز، يضج الساوند سيستم، طبقات طبقات، تتعالى، بينما أقول به:
    الوزين إن شاء الله اللّي يقلّع بيضاتك من عروقن، يا عنبلوق، الغنا بغنوهو زي ما قالوا الشاعر، والمريسة بشربوها بعبّار ستّها، والله تاني أسمع لي بوزينة منّك في الغُنية دي إلا تبقه أشتر مني!
    الصعاليك الذين يعرفون سكرتي من جركانتهم ومن جنس هذه الأمور،.. يكاونني من بعيد، من الظلام، وبـ"تن تن" لسان الخَمْر...
    "طيّب مااا تم الفاصل مرّة واحدة، تُعوولِم فوقنا ساي".
    بنتمّوا الفاصل، لمّا الشجر يدّلّى من شجرو، والطير يصن،...
    ولمّا تخرجوا من "رسمة" الحياة تلك، إلى فارط الحياة والعُمُر،...
    تحدّوا كلّ شيء،...
    جوع المطارات، الغناء الخمج،..
    وعوج البلد،..
    فكيف سيُخرج أحد زكاته للكيزان؟ وغالب طعام أهل البلدة مبيت القوى،...
    كيف سيغني مغني كما يجب؟ وغالب طعام أهل البلدة قَطْع الجِرّة،...
    كيف سيرشُد أحد؟ وغالب دماء أهل البلدة الجنون،...
    من رائحة الخيل سنعرف، أيُّ يومٍ كان لرايتنا، وأي يوم يرنّ على الأرض من حلق صريعهم،...
    بقلب تلك العاصمة الجاهلة، التي تعدّ قناعها لتتنكّر عاصمةً للثقافة في عام الرمادة،...
    القناع،.. القناع،.. لها ولهم،....
    فالقناع لا يُخفي وجه القاتل من الشرطة، بل وجه القاتل من أن يكون بداية لذكريات الأموات،..
    بداية السكّة إلى.... الخرطوم،...
    المدينة الطرماج، تسير إلى قفاها بأسرع من سيرها في الأمام،....
    عيناها في طيزها، وبصيرتها الفساء،...
    إلى أي خرطوم ذهبتَ يا "ويلفرد ثيسجر"، يا ابن أمي وابن أم منوت،...
    يا من جئت لتراضعنا همجية الحياة وشعلة كهف، يا من قاسمتنا بردف واحد بنبر حبالٍ في الظلام،...
    يا من جئتنا "ويلفرد ثيسجر"، وعدت لقومك زائغ الاسم والقلب، لتُنادى فيهم "مبارك بن لندن"،...
    يا كاتباً بالتوهّم والخطأ "الرمال العربية"، وخائضاً في سيرة البلاد النمل، والناس النمل،...
    أما راجعتَ ابن أمّك "شِنَوا أشيبي" في تحري سيرة البلاد النمل، والناس النمل؟...
    شنوا أشيبي يدلّل اسمه، أو اسم كتابه، لا فرق: "كثبان النمل في السافنا"، والناس من ناحيته، بنيجيريا، يُعدَمون لتسلية مارّة السوق المتبطّلين،...
    ذاك كان يا "شنوا أشيبي" بينما ابن أمّك "المبارك" يكتب عن المدينة الطرماج:
    (ذهبت إلى الخرطوم في مطلع العام 1935م، وكنت يومها في الرابعة والعشرين. لقد قضيت نصف عمري تقريباً في إفريقيا، لكن إفريقيا التي أعرفها تختلف عن هذه. فالخرطوم تبدو كما لو كانت ضاحية في شمال أوكسفورد، مرمية في وسط السودان. كنت أكره الزيارات والبطاقات، وأشعر بالنفور من رؤية الفيلات المنسّقة والطرق المعبّدة والشوارع المرتّبة بدقة في أم درمان، وإشارات المرور ووسائل الراحة العامة، واشتقت إلى الفوضى والروائح والحياة العشوائية في أسواق أديس أبابا. كنت أريد التنوّع والتوحّش والمشقّة والمغامرات، وهو ما كان ممكناً لو كنت توظّفت في واحدة من المدن الصغيرة. لكني بدأت أتذمّر وقرّرت أن أترك السودان في غضون أشهر قليلة)- Quotation of (Arabic Sands) Book
    اليوم، ودون أن نزايد على التاريخ، فأيّما Outsider –لامنتمٍ، يبحث عن الفوضى والروائح والحياة العشوائية، ليلحق بالمدينة الطرماج، سيناله الكثير من الفساء بنكهة اللوبيا والفجل المحلومان بهما،...
    ويا "شنوا" لا تغالطني طويلاً كالنيل، لأني ما فاضي أروِّح عمري معاك رحيح،..
    لأني مشغول يا "شنوا أشيبي"، مشغول جداً، بالعمل على خلق جسم مبتكر في كيان الرواية، بالله يا شنوا كروائي قديم، أنقر معانا صاحبك "ويلفرد ثيسجر" شاف خرطوم المحن ديك وين؟
    خمّن بحدسك الروائي، شاور ستّات الودع، ناس الأرصاد، والطير الخلقو الله عشان يكوس،.. آآخ، مَدَنْكَلة العذاب، يا تيموليلت،...
    سأفرط هذا الوريد عن طريقه، فتبلغك الروح منّي، فجسدي الدراوي هذا شامةٌ من ذاك الحريق، وغُرّةٌ سوداء تصدّ الصلوات عن جبيني كلاعب "الضَقَل"،..
    أنا الهارب من المعركة، كما ليس هو "الهارب" عند فالنتين راسبوتين، أنا ما تكسّر غَرَيناً على صفحة النهر، شائكاً كالنهر، من "صورة الفنان شابّاً" كما لم تملأ بالجبخانة كما يجب مقبرة "جيمس جويس"، من قال إنّ "عطيل أكذوبة؟"،...
    أنا ألف عُطيل غير خفيف العقل،...
    عطيل رجل فارط القلب والحنان، يخرج على الناس من العشش أو أقرب "عَشَرَة بيوت"،...
    الكتاب ماعونٌ للمحو، مثلما هو ماعونٌ للكتابة،...
    هاهنا، سنمحو ونكتب سيرة تيموليلت، في رهان مع محو وكتابة سيرتي، وسأكف وإيّاكم عن الخوض في حالها وحالي،...
    سرحت لزمن طويل، حتّى تكرّفست البيجاما على جسد تيموليلت، لعامل اللدونة، ولعامل أن تزيد النتوءات منها وفي قلبي،...
    قلت لا بد أن أفسد هذه الأسطورة لكي أعيش،...
    إنّها فاتنة من الدنيا بأي حال، وحتّى لو كانت من الخيال، فالخيال نفسه كالرؤى موضوعة دنيوية، ما الذي يمكنك أن تأتي به في خيالك وأساسه ليس من الدنيا، البنت الخيالية جداً مثلاً، أو بنت الخيال، هي ليست فتاة مبتكرة في أساسها، وإنما فتاة سوبر بمقارنتها مع فتيات من فَريق حِلّة فوق وطبيعيات،...
    فاطمة بنت الجيران –في طريقها إلى المدرسة، حلوة، لولا آفة القِصر،....
    سميرة تمدّ يديها فوق طاولة دكّان منصور لتتناول الدقيق، فارعة وحلوة، إن لم يكن صدرها يكاد يسقي منصور بطول تبهُّله،....
    سلمى يا الله، "أتجمّع أنا لها من كل ناحية مني ومعي أولاد المدرسة"، مكمَّلة، لو ما كانت فيها حبّة عوارة "خفيفة العقل"، وتُكثر في استخدامها لكلمة "هناي"،...
    وما بنت الخيال؟ الطول الغائب عن حال فاطمة + التكوّر الغائب عن حال سميرة + سلمى + رأس لسلمى،....
    ونحن لا نخوض في معيارية الجمال، وكذا باقي الحال،...
    أنا نبي جاهز، فافهموني، افهموني، واملؤوا قِرَاب الماء والسيف، وكونوا جاهزين،...
    فما خلعنا بيضتيّ ذلك المغني السخيف، إلا لإخصاء الجهل والتكرار،...



    سيمو: (تمسح الأُمومة وتكتب تيموليلت)



    أنا المرفعين،..
    أشيل رجولي علي حُجار الجبل، هوب هوب هوب
    والعواء يَنْسَنُّ وينشحذ على حواف الصخر، يُطَرِّق المرفعين صوته في جُملة أصوات المؤذنين،...
    هنا مدينة من "المح"، شفائف مخلّلة بالشري والنبيذ، نمص السَّكَر من عروقو، والفتنة من تُرَعها الراكدة بالدم، الشفاه،...
    يا مدائن "ألن غينسبرغ"، يا مدائن زعيم البتنكس حي الله قُومي،...
    أشيل رجولي علي المدن الطاعون، هوب هوب هوب
    وأوصل مبيتي ومعاي حق المبيت،...
    حيَّ يا لَبَّ الشجر للشجر وقَّافي
    وحيَّ يا شوق الطيور تحت الرفيف متخافي
    الليلة الكلام أجرح من كلامو
    البنات ويقود،
    والمرايس رايبه روب،
    ويا ليلنا الطويل، عوّافي

    وأوصل بيتي قرقور المرفعين، الليل الأملس وممسَّح بالزيت، أنا لن أعيش حياتي كَعَرَض للحياة، ولن يبلغ شَقَّتي شبحٌ ليتأسرن في الأُسرة بدلاً عني،...
    الليل نادل كبير،..
    يقسمنا مننا وفينا في فت كاس، نصف وَنَسْ ونصف شلهتة،..
    تدير تيموليلت كاسيتة أو شريط لـ"ناس الغيوان" والغناء يتلخم فينا وفي الوجيب الفيهو يدخلنا سريح سريح،...
    والغُربة بمَصْرها لنا، لو كانت تشرّنا على درابزين السياج كنّا سنقفز من بلكونتها إلى الطريق، أبداً، كنّا منديل قبضتها،..
    ناس الغيوان: آآآه وا ندامتي، مَالْ كأسي حزين ما بين الكيسان
    الكورس:
    آآآه آآآآلصينية، وآآآه يااا الغربة،....
    نَسْمُوا و نَسْمُوا، نترك بهو الشقّة، أرضيّتها المُرَبّعات مُرَبّعات، أريكة تنطّط فوقها أشباحنا، الشبح قالب لطوب إنسان ما انضرب لسّه، أو قالب لطوب إنسان آخر، ما عجبتو ملامحو على بوخ الحصى، ونصعد نصعد، نخرج من جفيرنا ونصعد، نتعنقل التلاتة في بورتريه تاني يكون قريب من ناصية بورتريه العارف محمود،..
    ملائكة ملائكة، سريح سريح، صينية صينية،..
    وكل كلام في تلك الساعة مدفوع بنسخة ثانية منه، وبنسخة من ملامحٍ لنا أخفت من وظائف للوجه مشرورة على العظام، وأثرى من تفرّعات اللحم،...
    الآن حفريات على الوجه، لا تخص وسيم وحلوة بأي نظرة، لا يهمّها شيء، ولا حتّى إنجاز مرحلة في الاستدلال والتعارف ناهيك عن التوصيف،..
    آآآه آآآآلصينية، وآآآه يااا الغربة،.... الكورس: آآآلصينية...
    يصيح "ناس الغيوان" كلهم، ممكونين،.. (آآآلصينية)... حينما يغشاهم عَبّار الليل،...
    الصينية بمعنى اللّمة للأكل، مع الأسرة بتمامها، الطبلية في مصر، وفي حالة السودان يخذلني قاموس عون الشريف قاسم لأعثر لكم على مرادف، فما بين -الديوان- وبين عورة مخازن النساء يركن أصغر فتى في البيت درّاجته لوردية الخدمة،..
    يخذلني عون، ولكني لا أخذل فتى الدرّاجة، الفتى تفوّزه حَيْرتي في سباق، فمع شُح صحونه يعثر على رديف،..
    الليل نادل كبير، يلمّنا فاضيين، وفي بالو يقفِّل من التعب،..
    ونَحْنُ لَسْنَا منكتّين أغبياء، لنطالبه بواحد طلب من شطّبنا،.. كلا،..
    نحن نُشَطِّب معه، وندّخر النهايات لعروق نهاياتها،..
    ما نعستِ ياك؟
    وقولي نعست! يعني أنا منك لسيمو ناقصني النوم؟
    ربما ترثي لحالي:
    "أكلّم مُنى تجيك؟ تُعزّك هي، صارت تحبك، ماذا فعلت لها؟"، تهشني تيموليلت بعيداً،...
    من بُعدي ذلك أفلقها بحجر: نكتها من وراء،...
    آويلي آويلي، ما تحشمش، مريض ياك؟ تسألني هي، ثم تضحك فيتسمكر الشغف، عيناها تضيئان بلمعة ندى بديع وباقي السَّكَر، ضحكتها تلف هالات هالات، ترفرف على وجهها كله كالفقاعة، ثم تذهب لتغطس في عينيها وتستحم بنداهما، تغرف تغرف ويتطاير الندى، يا ديني هذه الضحكة-البسمة، "جناح عصفور" راعشة ومبتلة ومتشظية ألوان، ملكها، ملكها وحدها، لكم هذه الفتاة ثرية، ولن تخوض يدي في جيب حالي بحثاً عن ثمن تذكرة لرهان ما،...
    أضحك أنا، فيتسمكر حرمان الحرمان،...
    الحرمان يتشتّح مطروحاً على الأرض، ليضاجعه نمل الغُربة اللحوح بتقاطراته كلها، يتناك نملة نملة، فيحمل بي منوي في ضنب منوي،.. ليلدني قويم كائنٍ واحد، خمّنوا ماذا يكون؟
    أقول لها، من منا المريض؟ برضو أنا جُوَّة الخط، الآوت وفاول كمان الله عالمبو!
    الرجال كلهم يتزحزحون الليل بطوله، ليؤبِّروا المرأة من الخلف، أضيف أنا،...
    "ليسوا كلهم"، تحتج تيموليلت،..
    أتحداك، الكذب وحده من يضعهم في نظرية كلهم وبعضهم هذه، لو كانوا بلا أقنعة مثلي لعرفتِ مزاجهم على حقيقته،..
    خيَّبتيييها يا، خيَّبتي الهَدْرَة؟ تقول تيموليلت، بينما تنخفض نحو الأرض لتغرف سيمو من جواري،...
    أضحك بدوري، ولا أسألها: هسي البتعتِّلي فيها دي مودّياها الكَشِف؟
    سيمو من اللين تدفّق وتسيل مثل مولاص السُّكَّر، الشراب كافر يدفّق النسوان مني على الطاولات هَدْر هَدْر، تَبَخُّر تَبَخُّر، وعِبِّي فضاء فوق الكائن الصاحي وممكون،...
    تخمخم تيموليلت البنيّة اللادنة جقمة جقمة،...
    ترفع تيموليلت رأسها وتقول: بغيتِ "مُنى" نعيطلها ياك؟
    لا، شُكراً،..
    بغيتِ شيء واحدة لوخرا؟... أي أُخرى،...
    لا يا تيموليلت،... أُعابثها... أنا إن شاء الله أموت ذاتو، مُش مهم، أهو قاعد هنا يونِّسني النبيذ وأونّسو، والليل يقول لينا نكتة، بس إنتِ وسيمو لو انغرضتو في النيك أب ولادة، والبِقد السدادة، ويأكِّل الواحدة منكن الوسادة، ويحميها تقلب الشهادة، قولوا عووك،..
    والسجع على وزنة عصر ابن العميد هذه، نكاية في إيتل عدنان،..
    تضحك المسخوطة،...
    تغمغم بمرح لا أفهمها معه جيداً، وتأخذ مفتاحين من طبلون المفاتيح المعلَّقة. هناك مفاتيح كثيرة لفتيات الخدمة في البار، تحتفظ بمفتاح وتناولني الآخر -تُلقي نظرة في المرآة الواقفة لجوار طبلون المفاتيح- هي تحتفظ إذن بمفتاح دربها إلى المرآة الثانية، المرآة الآدمية –سيمو، ثم تُسَرِّح شعرها في مرآة الزجاج بأصابعها فحسب، وتذهب لتتبادل الانعكاسات العميقة مع ذاتها الأنثى-سيمو،..
    أنهضُ قليلاً لأتناول المفتاح من يدها، يبرز وجهي في المرآة الزجاجية، أُسَرِّح مصيري وقَدَري، ليس في المقابل، ولا في الموازي للحركة التي قامت بها تيموليلت، بل في غارق جهة لا تبين،...
    أتذكر فتيات الخدمة، بار تيموليلت، الفنادق، الطيران، المؤسسات،...
    الجِدّية المعطونة في الحلاوة واللباقة، المساخة الخفيفة والمحنَّكة لزوم لجم الجامحين من الزبائن،..
    فتيات خدمة البار يُقِمْن في الشقة المواجهة لشقتها، الباب مفتوح، تلمح إحداهن تيموليلت بجوار طبلون المفاتيح فتبدأ استفتاءً ما:
    ... آلشريفة؟،... بغينا؟،..
    تُؤشر لها تيموليلت بالانصراف دون أن تدعها تُكمل،..
    الليل انمحق خلاص، ولم تعد تيموليلت تُميِّز طيزو عن طيز سيمو،..
    خُطا فتاة الخدمة المنكسفة قليلاً تبتعد في الليل، خُطَا ثانية ومسرعة لأُخريات تتوزّع الممر، طَقْ طَق طَقْ، الكعب العالي، القفا العالي ومزاج ومنتهى الشهادات العالية، أعرف من وقع خُطاهن زنة الردف من كل عابرة فيهن، يا لني من مرفعين عاطل،...
    تمضيان ناحية غرفتهما، وكُلُّ واحدة منهما، تشتل جسدها في الأخرى، وأبقى وحيداً، لا بَرَم ولا عُلّيف لي، ولا يُشاتلُني إلا الشراب،...
    أتظاهر بالصلابة والحسرة تطلع من منابعي إلى أقرب باب شارع جُوَّاي، تضع كُرسيها وتصنقر في درب الروح، نداء أهلنا الشوايقة يزيدني من اللؤم المفلس:
    العُمُر لا حَدُّو
    والمَسير لا مَقَدُّو
    البريدنا نريدو
    واليابانا قَدُّو
    الحسرة تصنقر في درب الروح، تُكَفِّر المارَّة بسرحان مشيها:
    معاك سَفَّة،... ولعة يا حبيب،...
    جِنّي يبقه قِبلة ومشهاد صلاة، وعليهو جنس وضوء من الهيمان، لا تشطبه المؤخرات مهما ترنَّمت وزمبرت، لأُكافح في أعماقي النداء الآخر:
    الليل برد وكلو زول طَبَق بُرِّيبتو
    وخَلُّوا المتلي راقد في السَّقَط.. وا صيبتو
    أسمع مشية تيموليلت المستأنسة من جديد، بداخل الغرفة، وَضْع الفينشينغ لتلك الليلة، زلقات الشبط الخفيف، الشبط المخصّص كسمسار بين سرير شخص نعسان، وبين مفاوضات دولابه وتفاصيل آخر الليل، اللمسات الصغيرة والأشياء القريبة، في حدود أن تستبدل لسيمو قميصها بقناع قميص، ستيان متهاون وغير جاد، يبتسم في جهة ويشرد منه الحليب في جهة، تسليم حَلَقهما للدولاب، الغوايش والسلاسل الرفيعة والرقيقة، ما يؤكّد قيمة العنق والزند وليس قيمة الذهب كما هو الحال مع نساء السودان والخليج. شبط خفيف، سمسار، يادوب بووم بووم يسوق قِطار تيموليلت وسيمو للحمام، لأجل كريم أو لتفصيلة نسائية –خاصة بالليسبيان- ليس بوسعي توقعها مهما خمّنت، بووم بووم يجوا راجعين، ترلّة وراء ترلّة،..
    تخت الخمسة وبرضو معاك الخمسة، ينزلق الشبط مختصراً هذا القطار لدى صنفور، زَلْقة مَنْ رفع رجيله على السرير، ليضرع بهما من بعد في دعاء الجسد،..
    فيهلوس بي الشراب، في أسئلة الرجل الأميبي، وليس الشفقة على وجودي ولا الرثاء على المآل،..
    إيه الخلاني ضيعتك يا روح
    وعَمّدك في ريفي الحزين؟
    لو فكرة جابوك من وجود
    ذي حداشر بُعُد
    الباقي من أبعادي وين؟
    ومن قبلك كيف كان طقس الكلام
    وآدم صانِّي طين

    مخلوق صغير وفانٍ هاهنا يا رب، حكمة صغيرة وهالكة لا محالة، تنقر أيامها كعلبة التمباك وتستمخ،..
    هذا أنا يا ربي، محسن خالد، أنت دائماً تقول أيها الناس، وأيها المؤمنون، ويا بني آدم، أو باختصار (أيها المبهمون – أيها الـ"س")،.. ولكن هذا التعميم، أو وجودك الذي خلقته بكامله، هو في الحقيقة الشخص فحسب، أنا محسن خالد، لستُ الناس ولستُ "س" ولا "ص"،..
    زول "محسن خالد" له اسم وليس رقم، كي يتحدّد مصيره وتوابعه بدقة، وكي يجنح به الحال نحو أقدار مُتَعَيِّنة، وكي لا تُسقطه مشغولياتك مع العباد الكثيرين في الرمز وحال الرياضيات، زول بعضَ روحٍ منك، خلقتو سمبرية وسُقدة في فت رقبة ومنقار، تنقد النهار كلو، وتتلفت الليل بطولو، وبعد دا لا حايقة في دنياها لا حايقة في التوهان عليك ومنك،...
    جسدي مزنَّد نار تمددو في كل اتجاه، دبيب غربة وسندالة حلب يطيّعوا عليها شفاف الروح، وتندق عليها الأحزان،..
    روحي تتشقَّق من وجيبها أرواح في تصاريف أرواح
    ليلي أليَل من ليلو، ونهاري أشرَق من إملاء تديها الشمس،..
    وكل حاجة مني داشرَة فوق ما عونها، وأبعاضها تشتر أبعاضها عن قصد وبواقع التكوين،..
    أنا لستُ منحطَّاً كسقراط، إذ يصفه نيتشه، لأعتمد على العقل وحده كمُنجَز لي،..
    أنا فنَّان وأعرف ألعاباً أكثر استكناهاً للوجود ولك من العقل،..
    أنا المفكِّر من النوع الذي يُرصّص الأشياء بفأسه، كما تُحفر القبور وتُشَق الترع وتُزرع الأشجار،..
    يغور المُفَكِّر أب مسطرينة، يملِّس يملِّس، حيط لا تحتمل حجاوي المطر،..
    البيني بينك يا ألله أكثر من طاولة المحاسبين وكُرسي استجواب،...
    وبرضي بعَقَاب الخوف الفيني مستغفرك،..
    وبرضي لا أنجو من عذاب التفكير هنا، لعلّ أقوى عبارة كتبتها في "إحداثيات الإنسان" وفي مجمل حياتي: جهنم ليست حَلَّ الله الوحيد،...
    أمَّا حل الإنسان الوحيد لكي يواجه العذابات الكثيرة وأصناف هذه، فهو استئناس هذه العذابات والاستمتاع بها بدل الهرب منها، إذ لا يُجدي، فما معك سوى أن تجنح لاستئناسها بتحويلها إلى عذابات أليفة وداجنة، مثل "الكُرّكاب –صغير الدجاج"، ككووك كووك، كككوووك، ويا أذّانات السماء ضوقي طعم أذّان الأرض،...
    بغيتِ شيء حاجة آلشريف؟ يُوقظني صوت تيموليلت من ورائي،..
    ما زلتُ أتمدّد على الكنبة، فألمح الرداء القصير لصبية المدارس من جديد،..
    مفَاحة الغواية للأفخاذ المستديرة وبندق، مفَاحة تيموليلت طاخ طاخ طاخ، لآكلها ظرف بارود وراء ظرف بارود، فعلاً بت رصاص، مندفعة، حامية ومولّعة، صدر دوائر محكمة، وكذا الأرداف، الأفخاذ، الوجنات، والرصاص بمشي كيف؟ حلزوني، دوائر دوائر، وفي خط مستقيم وقاتل الوصول،..
    الآخرة التي شاءت أن تنبت تلك، تَحَتِل من جديد، أريتها ما قَلَّعت، أنا ذاتي أحتل أحسن من أقلِّع جنازة بحر، تحتل بمفاهيم ادَّخاراتها وكونها بائتة كلها، هاهي الحياة طازجة، وكاش داون،..
    وكمان، مدعومة بعُطب بنيوي لآلة اسمها البشري، من أعلى درجات الارتباط بالحياة المصمّم بداخلها ذلك، وحتى انفلات اليأس،..
    إيش بغيتِ إنت يا تيمو؟
    أغمغم بمرح لن تفهمه هي: أنا قلت لا دربي ودرب قزازتي دي، سيمو كرعيها يكونو بين أب ريا والتريا، في أعرض دعاء للجسد،..
    تضحك، إيش إتقول إنت يا؟ شيء هدرة خايبة ياك؟
    تأخذ قنينة ماء من الثلاجة، وتمر قريباً مني، أديها رصعة، علي الكدايس،..
    القطط التي لم يُؤذن لي بفتح الجوال حتى الآن، لأعرف عددهن،..
    وهولبلب، يا كعوات تيموليلت كم في الميس؟ وهو-وَيْ وَيْ،..
    (أزقا يا- روق ياخ)،.. وتلتفت مبتسمة مع الرصعة، لتصب عليّ شيئاً من ماء قنينتها،..
    يتمرجح بندول الرجل بين فخذي، كينغ كينغ كينغ، تصحو كنائس الجسد مرتِّلة، يترجل المسائح كلهم من فوق الصليب، ويا كنائس المسبّحنو بالمسام، حي الله قومي،...
    التراتيل،...
    قدوُّسٌ هو واهب الإنسان لأجراس العدم،..
    جنس بنيَّة زي دي، وسريرها سيمو، خدّها ينوم فوق خد المولاص، أنا ما أشوف لي حَلَّة فوق نار أبيت فيها لان، شكيتك علي الله يا تَمْلِي موت،..
    تبتلعها الغرفة السايحة في مولاص سيمو من جديد، من حلاتها لحلاة السَّكَر وكلّ اللوادن وموائع، تغار المياه المصبوبة ناحيتي، التي لا طعم ولا لون ولا رائحة لها كما في درس العلوم، تنزل عليّ قطرة بنزين وراء التانية، وأنا أصلاً كبريت،..
    يطير قلبي من حرائق الروح ويقع على أرض جُوّاي في تشظياته، يقع صَدَفة الودع الكبرى، فيجد أنّ تيموليلت هي "الجودلة". إذ ذاك يعم الرمز طريق الحِلّة والبيوت، وعيون نسوة تنتظر تموين الغيب... الودّاعية/ الربَّالية/ الشُّوفَة... ويقع النداء بكامله في حارة الأغنية، الرمز المختزل،...
    الرمز ماعون ما لا ماعون له،..
    البدولة حبيبتي البدولة، هَيْ يا شامة وشامة شامة، شامَة لا..
    وكان المُغَنّي يزيد من عند رأسه، كما كنتُ أظن:
    هووي البدولة، وهَييي الجُودلة، أموووت الجودلة،..
    وهَي يا شامَة، وشامة أوعَ تقولي لا...
    فيمتلئ طريق الحلّة الضيّق، في رأسي، باستبصاراته المختلفة، إلى النهر، إلى السواقي، إلى السوق، وحتَّى المقبرة، ناس يمشوا ويمشوا، لا يكمل عليهم الدرب لا ينولد ليهم المكان القاصدنو،..
    وأقعد أنا في ضُلي وضُل الشراب، مدنقر –متوحّد- وغير مدعو، والله يفوت مع ناس الشمس وناس تانيين، كشكيش كرعيهن البَشُوش علي الرمل، ريحة ريحتن وقرقرابن، العازمن منو يا ربي؟
    أزمان تمتطي ظهور أزمان أخرى، وتقطعان مخاضة الدهر، الحياة مخاضَة واحدة، وكذلك الإنسان،..
    عَرَضاً، تمرُّ تيموليلت لأفهم أنا نقطة ما وقديمة، كتاب "تشحيذ الأذهان، بسيرة بلاد العرب والسودان" لابن عمر التونسي، مُواطِن أعزّ أصدقائي الروائي التونسي والمترجم القاطع عن الألمانية "علي مصباح"، المتخصِّص في فريدريك نيتشه، وفي حب السودانيين على وجه الخصوص، لدرجة تجعله يهاتفني دوماً –ومن برلين- بآخر نكتة سودانية قبل أن تصدر في الخُرطوم، أحببتُ منه "هذا هو الإنسان" ليس لأنَّه كتاب نيتشه، وليس لأنَّه ترجمة صديقي، ولكن لأنه أشجع سيرة حياة مُفَكّرة ومصادمة، الذي يُريد أن يكتب والذي يُريد أن يهندس على نحو جديد، وحتَّى الذي يُريد أن يُعَرِّس ويعثر على عروسة له بالفعل، وينجو من مجرّد التحالف مع إمرأة لإنشاء (ميز سكني) وليس بيت مُحِبِّين، أو الذي يُريد أن يتعرَّف على الـ(CNS) ليُطَبِّب بأسس فاهمة وتضع الجنون في اعتبارها، فلا بُدّ له أن يقرأ نيتشه لدى هذا الكتاب،..
    أزمان تمتطي ظهور أزمان أخرى، وتقطعان مخاضة الدهر، الحياة مخاضَة واحدة، وكذلك أنا،..
    أكون بالجزائر العاصمة، دون مواقيت، أنا حياتي كلها، ورواياتي كلها، تزهد في الزمكانية، أريد لها أن تكون متوحّدة، بَريّة ومُرضعة وحش، وشريدة أبداً، لأجل أن تبحث عليك لهفة ما، اللهفة نَقَّاع الوحشة،..
    - أين هو؟ أين هو؟
    يُسلِّم علي مصباح على الناس دون أن يعيهم،..
    يسأل زميلنا "علاء البيوك -فلسطيني"، أين عُطيل؟
    بدّك الأزرق؟ الأزرق بمعناها الفصيح والسوداني هذا يُعَلِّمها لعلاء التشكيلي السوداني "ناصر بخيت"،..
    علي مصباح وجَوَّاد الأسدي، لا يعرفان لي اسم عدا عُطيل،..
    ولكي تتراكم الصُدَف جيداً لدرجة تُضَرِّي الوهم والحقيقة في جِهَة محاصيل واحدة،..
    أمرُّ أنا مع فتاة جزائرية صغيرة، 16 سنة وغاية الفتنة الطفولية، الصورة والتكوين بالضبط لسلوى، فتاة قصتي "الوجود والوجود الآخر"، الربشة الخفيفة مع ذكاء خام وفطري لبصيرة متقدة، الدروشة، كنتُ أراجع مهاراتي أو إخفاقاتي بمذاكرة البنيَّة مع قصتي، ولَمَّا أحسست بلاوعيها وصِغَر سنّها يكادان التعلّق بي، أخذتُ أتهرّب منها كي لا تُضارّ،..
    تآلفتْ هي أيضاً مع صديقي الكاتب والباحث د. عبد النبي ذاكر -مغربي، استبدلت به أباها المُتَوفى، ولكم هو ذاكر عزاء جميل وهكتارات من الآباء، وربما هو من عَزّز لها فكرة تطوير علاقتها معي، إذ لم يلاحظها جيداً في البداية،..
    نزوجك أحلى روائي، إيش قلتِ يا؟
    وبنفس سُهوم وعفوية رَبْط قيطان الحذاء، تُجيب: كحلوش؟ حلو كحلوش، بس أنا بخاف من الطيّارات،..
    أنزل أنا من الضحك تحت الطاولة،..
    هسي دي يعرّسوها من وين؟ غرقانة كأجمل ما يكون، دايرة تعرّسني! وألا تعرّس رقبتها المسافرة! وألا زول تاني! شِنْ خَبَّرها،..
    بوقاره الشديد يضحك ذاكر هامساً لي: ود الكلب، ما قلت بتكتب الاندراوة وعاجباك، أمشي أمسح القصة الأسمح وأرجل منك دي،..
    عَرَضاً، من العَرَض العميق كوجودنا نفسه، نمرُّ أنا وهي، تتعلّق هي بشنطة أوراقي الصغيرة إذ تخجل من مَسْك يدي،..
    لدى المدخل، يلمحني الروائي التونسي "حَسّونة المصباحي"، يصيح من مكانه، فين رايح بالطفلة آذبي؟.. ثم يقهقه،..
    الظنون السيئة هنا مشروعة طبعاً، لأنَّ مسرح الأحداث، الهول العريض بفندق الأوراسي،..
    آجي آجي آخالد، ينادي هو، وأتطارش أنا،..
    حَسّونة المصباحي لا يتفوّه بمفردة مطلقاً إلا ومسبوقة أو متبوعة بمفردة "ذِبي"، هي عادة تونسية في المزاح،..
    ألفُّ بعيداً عن طاولتهم، فينادي صوتان بتوقيت أمكر ما يكون،..
    "ينعل عَرْضك، يا ملعون، عُطيل"، ينادي بها جَوَّاد الأسدي، الذي جاء لإقامة أحد عروضه المسرحية هناك، الرجل عبقري والمغرب الكبير كله يحبّه،..
    "عُطيل آشقي، من الصباح ندورو عليك نحن آذبي"، علي مصباح،..
    يلتفت الممثّل المصري "محمد رياض"، لدى الكاونتر، يضحك بروحه الحلوة،.. الله! إيه الحكاية يا جماعة؟ دا أنا كنت فاكر عطيل دا حدوتة،..
    يطير قلبي من حرائق الروح، قلنا، ويقع على أرض جُوّاي في تشظياته، يقع صَدَفة الودع الكبرى، فيستلهم تيموليلت كلعبة عميقة في أقيام "الجودلة".
    كتاب "محمد بن عمر التونسي"، الذي يُقَدَّر لي مراجعته وتحريره ووضع كَشَّاف حضاري له، يخوض في سيرة "علم الرَّمل السوداني"، كما يُسميه ابن عمر. فتنشرح لي تلك الأغنية القديمة،..
    هووي البدولة، وهَييي الجُودلة، أموووت الجودلة،..
    وهاهي رسمة الجودلة –الرمز، في الكتاب:





    ويشرحها ابن عمر: (الجودلة، وهو شكلٌ سعيد، يدلُّ على الفرح والسرور، وأنَّ الحامل تلد أنثى، وأنَّ الأمر يأتي على أحسن حال).
    يعني الجودلة، هي الطوطم أو الفيتيش –للكُس،...
    رموز "الرمل" كلها 53 رمزاً، أها آذبي! لو صدقت قراءتي للجودلة، فأين تلبد أنت؟ منذ افترعكما ربي وأنتما توأم، لا تفترقان أبداً، سكّين وجفيرها،..

    وهذا اسمه "العتبة الداخلة"،.. عتبة وداخلة،




    ومحسن خالد ما بفسِّر وإنت ما تقصِّر، يقول ابن عمر: (وهو شكلٌ سعيد في جميع الأحوال. فمن كان أوَّل خَطِّه هذا الشكل أو ثانيه، إن كان مغموماً زال غَمُّه، وإن كان مُتَرَقِّباً لمجيء غائب، قَدِم عليه سريعاً، وإن كان مُعْسِراً زال عُسْرُه).
    ولاحظ أنّها أشكال سعيدة فحسب، دون أن يستثني منها كما هو الحال مع بعض الأشكال السعيدة الأخرى، إذ يحذف من سعادتها كأن يقول، إلا في حالة المرض، المريض يموت، أو إلا في قبض الدراهم، يطلع شيك طائر، وهكذا،...
    أجي يا يمّة، أريد الله، محمّداني العتبة،..
    محمّداك، أمشي ولِّعي حُفرة دخانك ساي وأنبسطي وأبسطي رفيقك، تقول علوية الربَّالية والوداعية في آن، فتجيبها المُحمَّدة بالعتبة مقرقرة:
    عاد يا يُمَّة إنت لسانك لسان حَلَبة وفالت، ..
    من ناحية أخرى، ومحزنة، تدافع علوية "البائرة" عن قصة وحدتها،..
    "عاد يا يُمّة إخير أنا، اللساني وحيدو فالت، إنتن هووي، أسمعن يا نسوان،.."،..
    تخفت الرجَّة قليلاً، والمنتكية منهن تزيح فنجان قهوتها من أمامها بظهر يدها، وتُمَيِّل ناحية علوية الضحّاكة ومضحكة، تواصل هي:
    هووي آنسوان، بركة أنا الفالت لساني وحيدو، نعمنكن كلكن، القاعدات هنا ديل، جُملاتكن فالتات،..
    وينطلق القرقراب والمَقَارَصَة،..
    "شكيت محنك، أم سبيع دِقَق،.."،..
    "عاد علوية اللّيلا جنسو برا"،..
    آمنة إمرأة مؤدّبة وتقية، ذهب بها ابنها العشريني إلى الحج، تعارض النميمة والفُحش منذ رأت قبر الساكن أم صيني:
    كدي آبت أفتحي الشي دا، -الراديو-، إمكن تجينا مدحة، علوية شدّاها عاد،..
    مافيهو حُجار آخالتي آمنة، تزوّر البنت، فهي شابة ومراهقة، طاعم لسان علوية الفالت وألا المديح؟
    حاجة آمنة إبليسة: عاد إنت آلممحوقة! عاجباك طمسة المطموسة دي، تمدح آمنة، للشيخ علي المبارك "الصوت الجارف والوحشي"، فَذّ الجمال:
    شوووقك شاويني
    طاااهِا يا الساكن أم صيني
    وشوووقك شاويني
    ***
    آآهييي...
    لاحن لي بروقاً من جيهة البلد الفيهو يقيني
    ويا ألله تحلحل قيدي توديني
    وشووقك شاويني،..

    مدحة آمنة تحمّسها، تُغبِّش لها جيداً غواية علوية، فتقول: هووي آعلوية، كان كدي قولينّا قوموا ساي، خربتيهو الكلام يا بت أمي،..
    (خيبتيييها الهدرة!)
    تطالبها النعمة، صَرفاً للغلاط، هَيْ يا يمّة ختّلينا الودع، والله (الربل) المسيخ وأب ريحةً رجال دا بمرق لي الجبنة من نفسي،..
    لا عَجَب، فالغيب ضرب من ضروب أمزجة الناس،...
    تدلق علوية جُراب الودع الصغير، على خطوط الرمل في ضارب الأرض والقَدَر، ثم تستعدل كَشَرها، تُضايره، كي تتكلم، أصابع يدها المعروقة تنغرز بين خطوط وحَبَّات مصيرها، صَدَف الودع، وظيفتها أن تُفَلِّي مصيرها ومصائر الآخرين إلى الأبد، إذن لن تجامل أحداً مهماً كان في الطريقة التي تقضي بها يومها، أو تُعَبِّر بها عن حالها، والوحدة تساعد الإنسان على استنباط السخرية، وملاحظة الوجود بمشرط. الذي بوسط القطيع لا يلتمس من وجوده سوى أذناب من معه وجشاءهم، والتفاته مع ضراط كل من ضرط،..
    "هووي يا آمنة، أملي بطاطيرك ساي، وخلينا من علم أبو جليقة الليلك دا، الساكن أم صيني فوق عديلو، سمع أضاني دي، قالوا راجلك محمود سروال صلاة الجمعة ما عندو ليهو طَبَيق"،..
    "التاية" قرقارة وكاواية هي الأخرى، كدي يا يُمَّة، عافية منو محمود ود عمتي، باقي الأسبوع أم ميطي ساااي مع حاجّة أمونة، وصارعِني وأنصارعَك؟،..
    النسوان ملاعين، وأفحش وأشطن من الرجال حين خلوتهن، حاجّة أمونة إمّا أن تحرد حجّها، وإمّا أن تحرد تتبع أخبار ولدها المغترب، حيازة علوية،..
    (أملي بطاطيرك ساي) هنا الريف تيكنيكس، الحُلُم،.. الحب،.. الأخبار،.. السينما،.. أفلام البورنو،.. الفياغرا،.. ومجمل حياتهم ينجزونها بتحلّقهم حول صَدَفة الودع الشيطانة هذه، والمأمول لها أن تنفذ عبر السرمد والعوالَم الخبيئة كلها وصيرورتهم القاسية،..
    كنتُ سأجن إن لم أعثر على رواية (شيفرة دافنشي: The Davinci Code) للكاتب (دان براون: Dan Brown)، ولكم خذلني الرجل وكتابه، وهكذا هو الحال معي دوماً، مع مثل كُتب الدعاية والإعلانات هذه، كُتب يؤلّفها الشخص ليكرّس فكرة واحدة ولا يهم إن كانت غبية أو ذكية، لأنها بالأساس تدلُّ على محدودية كاتبها وركاكته، الركاكة نتيجة حتمية لضعف الخيال وغياب بصيرة الإدراك وبطء الدماغ، مثل هذه الكتب تقبلها كمقال عمومي مزعج، أمّا لو خضت معها في البناء الفكري والفني والتفاصيل، إلا تدفع ليها حق المبيت في رأسك من جيبك،..
    خلاصة الرواية، صفحتها الأخيرة، ينتهي المؤلِّف بالعمل كله إلى الرمز،..
    السيف رمز الرجل، بشكله الأقل شيوعاً كما يقول "براون" ليرسمه هكذا:




    وإذا رسمنا الشكل نفسه على نحو مقلوب، نحصل على رمز "القدح"، مُمَثِّل الأنثى:






    وباستدخال الرمز الأول على الثاني عمودياً، الناتج:




    نجمة داؤود، الاتحاد الكامل بين الذكر والأنثى كما تثرثر شخوص المؤلِّف،..
    مجمل الكِتاب (هنا اليهود)، انظر بنفسك خِفَّة العقل والضحالة، الكاتب أو الفنّان بحق لن يُكَرِّس نفسه لقبيلة ولا لدين ولا لأي أحد أو جهة سوى الفنّان فيه، ليس الفن للفن المستهلكة والتافهة هي الأخرى، بل الحرية كميزة أساسية للفنان الحقيقي،..
    في دينكم وذمتكم، رمل علوية الفوق دا، ما مدروج ومكرّب أكتر من الشكل الأقل شيوعاً والكأس، لأنّ رموز علوية نبتت من الطبيعة –الحُرَّة- وليست من فكر انحيازي مُهَرِّج وصغير،..
    أسمع الهمهمة المعزولة لمخلوقين يصطرعان والعدم، صوصوة الأنثى ومنقار الحنان، عَجْن الرائحة برائحة من تدرّجاتها،..
    أنا يا ربي أغمس ريحتي دي وين الليلة، أشرّها في رأس ياتو شجر، كان يشيلها غُراب ويشيلني نوم،..
    وبرضو الشجر يكلكل في كرعيهو الجدول، الضحك ما شَرَطَك عاد،..
    من غرفة تيموليلت، أسمع الهمهمة الخافتة لموسيقى "تريستان"، يوزّعها شاب مغربي كاسر العبقرية، يا راقية وبراك إنتِ يا تيموليلت،..
    فأرى وجه نيتشه، الذي يجلس في الظلام، هذا أنا يا نيتشه، يا عدوَّ سقراط وشكسبير والفلاسفة الألمان إجمالاً، يا عدوّ الأيقونة المجتمعية ومُقَلِّب القيم، ويا صديق ستاندال والموسيقى مثلي، ويا صديق ريتشارد فاغنر بـ"مولد التراجيديا" كلها،..
    اليوم ليس بمقدور الموسيقي أن يصادق كاتباً أو مفكّراً، لقد انتهى زمانكم، زمان العباقرة في كل شيء، الموسيقي الذي بوسعه مجاراة الفيلسوف، ذاك انقرض، اليوم مزيكاتية يجارون الراقصات هَزَّة جعبة تلو ترويب نَهَد،..
    أعرف أنَّ الأرض ستُقَشِّرني ذات يوم لدود مَعَجَّن، طبعو شين، وبتاع ملاين،..
    ورغم ذلك، أُفتَن، وينملص الدين مني بخوفو وكلام ربطيهو زي شبط،...
    حين أسمع الوحوحة وقِرْقِر الخافتة ومتقلِّبة، مرّة أسمعها من جهة فوق، وتانية من جهة تحت، أتلفَّت، الشَّقّة بنكهة طراز الأندلس القديم، هناك فتحات عُلوية للطابوق قريبة من السقف، بتتباصر، بس أتطفل يا ربي وألا بتصبح أتجسس؟..
    يا خوي بتصبح الدنيا، إن لم تطابق دربك ومصيرك كروائي ومفكّر شرس،..
    آه، تذكرت، الممر يتدلى بعيداً في سرداب، السلّم الرشيق مساهر هناك، فتيات الخدمة ينزلن به زجاج الشراب وعلب البيرة من الرفوف،..
    سَكَر الجنائن وشجر الفواكه ناسو خلاص ناموا، أها يا محجان الكنوز دَلّي لينا سَكَر الناس، ناس تيموليلت وسيمو البرمو في الشوك،..
    الليل يحدّثو قلبو معاي، أها.. أها.. عديلة يا ود أبوي، ونجيب سلّمنا، يطقني علي كتفي وأطقو علي كتفو، الخائن الله يخونو، والبنشوفو ندفنو في محلّنا دا،..
    يشاغلني الليل، لكن أنا دفني ما قالوا كراعو برَّه،..
    إخير إنت، أنا كمان جَبّانتي نص الكتب، أقوليهو وتشيل حِسَّنا ضحكة أظرف اتنين قَوّالين،..
    الليلة يا ود الحرتي تشوف الزرّيعة ورُبط البرسيم ببتّقن من براهن كيف!
    الليل يتاوق معاي من جسم مبناه الأساسي، شُرَف وبلكونات، نجلس في همبريبها، نقرمش تسالي الوجيب، ونكتح قُنَّانة المُر والعذاب،...
    قلوبنا البندق،..
    قلوبنا الكرباج،..
    صج صج، جبتك جبتك، يطيع ضهر العذاب نستأنسو، نسكّنو زرائب الطيور ونوّلفو طعم عَليقة الكُرّكاب،...
    ككووك كووك، كككوووك، ويا أذّانات السماء ضوقي طعم أذّان الأرض،...



    يتسلسل: تيموليلت



    أخذتُ....
    من اليم... لا عنوان المياه،
    ومن الليل... ما غاب عن نهاري





    تارتا.. تاتاتا.. تارتا أووووه، أوووووه، تارتا... هاك لون حُزني...
    تارتا.. تاتاتا.. تارتا أووووه، أوووووه، هاك شتول من عُمري،..

    تيموليلت، الكائن المبلول بالموسيقى، يمشي و(تارتا.. تاتاتا.. تارتا أووووه، أوووووه، تارتا) تنقِّط وتنقِّط،..
    الجمال لدى منتهاه الحزين، والحرمان خارج حدود الرحمة، حينما يُصِيغان نفسيهما في خلفية موسيقى حزينة تركض من وراء كواليس العمر والروح كلها،..
    أنا هنا في فَرَقَة كبيرة من الوجود، مجقِّماني الغياب ضفة ضفة،..
    فَرَق الأرداف، فَرَق التبُّون، فَرَق النهود، فَرَق أحبار الجسد ونُخالة الرهبنة،..
    الفَرَق يكون حين يغلُب على المفروق حنانُه، فيتصدّع، لينسى للآخر مقاعدَ ومجارٍ لسبك الذات بأختها، سُكنى تكافح تصدّعها بردم التشظي بتشظٍّ مضاد،..
    وآه يا فَرَقة ما بين السقف والجدار، وما بين قامتي مشتولة بين فَرَق السُلَّم للبصيص والفُرْجَة،..
    كي نبلغ الأعالي.. فنرى.. الأجساد من تيمو وسيمو تقفزان في امتلائهما وفراغهما اللامحدود، في بحيرتهما الأزليّة والآبدة،..
    يا نادي الغمام، بلياردو النجوم، تح تح نهدّف بعصي الضو فجاج المجرّات،.. هناك على الأرض، شفت بحيرة نور الشافعة تيموليلت، من نَقَّاع السماء طَقْ طَقْ اتصفَّت شمس فوق شمس،..
    أردافها البيضاء والمصقولة لدرجة الحزن،..
    يا تيموليلت،..
    أوَرِّث عيوني الطير، يطيرك شوف بعد ما أموت،..
    بَعِّدي.. حبيبتي، تقول تيموليلت لسيمو، ممسكة بقدميها البديعتين، ثم تسند لسيمو حوضها بالمخدة،..
    أنا أنط كلي عيون كان أشوف أكتر،..
    توحوح سيمو،..
    أوحوح أنا، وفوقي يوحوح عرش البيت،..
    أنا يا بنقو أسأل مني البنقو،..
    الليلة مراحي النجوم، أدودرها من هَوْ لي هَوْ، وتوووت يا سكّة أطول من بال حدّافات القطار والأجنحة،..
    زول زي محسن خالد من زمن زمان جداً، يطلع فوق رأس قَطَر زي دا، مسافر من هنا لما بعد العُمُر،..
    يلف سيجارتو الخضراء فَتْلَة مزاج بعد التانية، وتبقه المسافة بين الحاجات وبين أعماق روحها تتمشي كَدّاري، وماشيها ماشيها حتى لو ادَّلت روحو من عمرها، أو ادّلى بدنو من بدن القَطَر. بعد كلو ساعة والتانية يعاين في سيجارة البنقو ويقول ليها، أنا يا بنقو أسأل مني البنقو...
    الليلة يا بنقو أسأل مني البنقو،..
    ويا تيموليلت، يا أسلم أمطار الضياء أسلمي،..
    شبابيك السماء مفتوحة.. تاوقي وأرمي منديلك علي التربة، تنكسي الأرض درويش، وحَيْ قيوم،.. حَيْ قُدّوس،.. تبتّق الأرض مساجد وكنائس ومعابد من كلِّ لون،..
    أنا هسي اتكايتَّ كلي في وَكَر الألم، يلقاني جرح كيف؟
    كل محلات جرّيح الحرمان فيني جيوبها ملانة لخشمها، والألم ما باقيلو أي حتة أبعد من هنا يركّبني قَطَر كريمتها،..
    زول أصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة في مشاعرو زيي كدا، يمشي وين؟
    ما من بلاد في المستقبل ستغسل عنه صباه وطفولته،..
    أما بلادنا القديمة فعصبنا معقور كيفما تسلّلنا إليها، ورائحتنا معضوضة كلما شاقتنا حوامة بيوتها،..
    لم يتبقَّ سوى الذكريات،...
    كمؤشِّر محطات الراديو، يتوقّع عشوائياً على المحطات:
    "صرّح رئيس وزراء.........."،..
    "كيفك إنت؟... ومالك إنت؟ كيفك؟ قالوا عم بقولوا صار عندك ولاد...."،..
    "وفيه أنَّ الرسول الكريم... كومبارس متديّنين: صلّى الله عليه وسلّم.. عليه الصلاة والسلام،... الصلاة علي الحبيب"،..
    البحث عبر العواصم عن جُملة كونية في الثلث الأخير من الليل، عن ذكرى كونية، عن حضن واسع تنهصر فيه أضلاع الوجود،..
    كمؤشِّر لمحطات القلب، تبدأ ذاكرتي تتوقّع على الماضي،..
    (المحطة س)
    "جارتنا "نعمة" أوَّل من خَوَّض لي طفولتي في لجة الرجل، ولمَّا أبلغ بعد. تعال يا ود البتولا، أريدك أبوي، أجرِ جيب لي زيت من الدكّان، أمسك الجركانة سمح، وجيبلك حلاوة.. ما تتأخَّر، كويس؟ أعود بالزيت، وتكون شقيقة زوجها قد غادرت، وأنا في سن كانت فيها شهوتي بقامة مكافأتها بالحلوى، رغم ذلك لمحت حركةً بين فخذيها أصعب من أن يأتي بها اللحم الخمري وحده، القُنيلا المنقّطة أحياناً والمخرَّمة في أتمم الأحايين، استيقظتْ في أعماقي فرحة لاهية، نبوغ مُبَكِّر لمصاص دماء صغير، مددت لها الجركانة من عند العتبة، فتناولتني بجركانتي، الرائحة، الرائحة المفرطة للأنثى الناضجة، اغتصبتني، دعكتني برائحتها، أكثر ما ضايقني حشرها لفمها داخل فمي، تقزّزت، حشرها ليدها بداخل الرداء، خجلت،..
    لم يفرحني منها إلا دعكها لي برائحتها، واحتضانها القاسي، لو كان طفلاً آخر لانكسر ظهره، ما جعلني أصمد هو متعتي اللاهية والغريرة بذلك ولكوني كنت سبَّاحاً ماهراً في تلك الطفولة"،..

    (المحطة ص)
    لو تزيأنا بخبرة المراكبية، فهم قبل أن تلامس مركبهم القيف يشكّوا هِلِبن، يصيدون اليابسة صيداً،..
    في أعراف حياتهم المكرَّسة للصيد، الهلب شرك ليابسة ما قبل الوصول، مرسى المستقبل. يطير هِلِب ونذهب أنا وصديقي هاشم حبيب الله للقاء صديقنا المستشرق دينيس جونسون ديفيدز،..
    يقول لي الخواجة العجوز، أتعرف يا مستر خالد؟ أنا لا أؤمن بالله ولم أُحاننه بصلاة قط،..
    نضحك أنا وهاشم،..
    ولكنني يا مستر خالد كسرتُ هذه القاعدة مرَّة واحدة فقط، تنازلت لأُصلِّي وأطلبُ طلباً،..
    سألناه متى وما هو الطلب،..
    قال، حين نوى النميري قتل محمود محمد طه، صلّيت لرب يسوع ومحمد، وقلت له تدخّل، لو كان بوسعك إنقاذ هذا الرجل النادر والعجوز مثلي فافعل، صلاةٌ واحدة ومطلبٌ واحد في حياة رجل تتعثَّر فوق الثمانين عاماً،..
    قلتُ لهاشم أتشهد؟ قال نعم،..
    يسألني دينيس، يشهد لأجل ماذا؟
    أتضاحك أنا، لأجل تيموليلت، هناك قصة مصادفاتها تريدُ قليل جرأة مني لا أكثر لكي أخرج إلى الناس كموفَد كتابة، أو كغول كتابة مَجَبَّر بالقَدَر،..
    فرحتُ بالمصادفة، فالحديث لم تكن له علاقة بمحمود أبداً، بل كما يقطع العنجاوي ظهر الراكز، قَطَعَتْ عبارة دينيس حديثنا، هاتفتُ صديقي بدري اليأس فوراً، ليُعَلِّق هو: والله لو أنا كنت في محل الله، كان أوّل شيء أخدت لي تبَّة فوق الخواجة دا، وبَشْرية، وتاني الدايرو كلو أسويهو ليهو، أفو،..
    أنا استغفرتُ الله، ولم أقل لبدري الياس الله اتلوَّم،..

    (المحطة ع)
    كانت مهنتي قطع جريد النخل وتأبيره،...
    من عُلوِّي ذلك أفضح ثياب البنات وهن يجمعن التمر،..
    يا بت زِحِّي، هسي برمي فيك ذب النخلة دا بتحملي بركاوي،..
    ويصرخن، مع تراكض مبتهج، بالخجل المكّار والمستزيد نفسه، ووب، بِدَع بِدَع، عاد ما بسألك،.. يا بايخ،.. وتصيح فيهن مُفْتية: هووي يا بنات لو ضحكتن ليهو رأسو بكبر،..
    أعابثها أنا من رأس النخلة: رأسي مهما كِبِر، ماشي يفوت رأسك دا؟ وحالي دا قلت لامن أشوفك من رأس النخلة يصغر شوية، الناس البقرقروا شدر التبلدي ديك، عشان يخزّنوا فيهو الموية، لو لمّوا في رأسك دا بخزّن ليهم كم خريف،..
    سد خشمك دا يا أهبل، وأخجل لك خجلة، تجيبني هي -ناظرة إلى أعلى النخلة وبحرقة،..
    أنظر أنا ناحية الأرض لأُكايدها، فأرى قَوَام السُّرَّة ينحني وينهض تلفّعه البسمة الرقراقة والخافتة، متى جاءت حَتُّوتة؟
    بالله! هو السُّرّة معاكن؟ معروفٌ أنَّ لها صدرٌ لو وُضِع مكان الحجر الأسعد لحجَّت الدنيا كلها لتتلمّس بركته بدون فرز بين مسلم ومسيحي وبوزي، أما خصرها فحجّيتكم ما بجّيتكم، أنّ بنتاً اسمها السُّرة كانت تنام على ظهرها، بينما إخوتها الصغار يلعبون عند جانبيها بدحرجة بطيخة كبيرة -جاء بها والدهم من الحقل- من ميمنة جنبتها إلى ميسرتها، وهي ناااائمة،..
    جريد النخلة الكثيف يحجبني بعض الشيء، يا السريرة هووي، يا بت، زِحِّي من مكانك دا شوية، ح أدلِّي الشوال من جيهتك دي،..
    وررر يفقعنَّها ضحكة. تضحكن مش كدي؟ وأضحك أنا أيضاً، حركة استدراجي للسُّرّة لتكون في مرمى بصري طلعت بايظ،..
    أم رأس كبير تقتص مني،..
    يا أخوي بلبصتك دي عارفنّها، دايرة تجي عَدَلك عشان تتمنظر،..
    أبداً يا أم قادوس، دايرة تزح عشان ممكن الحبل دا ينقطع والشوال دا ما أتقل منو إلا لُقَمك الكبّرتيبها رأسك وجعباتك الما بجرّهن هينو ديل،..
    تتلامض أم قادوس: رأسك بالتكسّرو، بلبصة منك وسلبطة بس، نحن مالنا يعني! محوَّطين؟ وألا الشوال من باقي عَقَابنا الفي العيكورة؟
    إنتن ما أصلكن مخفّجات ومكعوجات، والبقع فوقها الشوَّال التقيل دا بلخَّها من جديد، يا ماتت وفَكّت بورتها.. يا كمان لقت ليها أسطى أحرف شوية،..
    تقول السريرة بخجلها الحلو، لتصرف الكلام عن جهتها، هووي أشتغلوا ساي لكن إنتو، الشمس دي ما غابت،..
    مع عبارتها بالضبط يصل صديقي عامر المسخوط، قبل أن يربط حمارته يتناول الكلام، الشمس غابت؟ ودا اسمو كلام يا السريرة، طوالي نناولك لمحسن فوق رأس النخلة دي يختك بدلها،..
    أصفّق له أنا، بمسك جريدتين غليظتين وصفعهما ببعضهما بعضاً، كَرَش كَرَش كَرَش، تهب نسمة ريح، وتصفّق معاي كل مدارس النخيل،...


    ....

    (عدل بواسطة محسن خالد on 10-11-2005, 08:24 AM)
    (عدل بواسطة محسن خالد on 10-11-2005, 08:55 AM)

                  

10-11-2005, 09:15 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: محسن خالد)

    ..


    نشأت الإمام،..
    إزيك يا نشأت الإمام، ولدي الحبيب، رمضانك إن شاء الله كمان حبيب،..
    وكن بخير،..
    وما ناسيك ساعيلك في المادة الطلبتها،..

    ومعليش قبيل ما شفت ردك هنا،..

    بعدين عيني باردة والصلاة علي النبي، إنت الشعر دا بتبربحوا أخضر كدي؟

    زمان أكنا في الساقية، وعندي جدي عندو في ضحكة، خصوصاً لما الجماعة الكبار يشاغلوهو ويقولوا ود خالد دا بشعر، أها مرة لطشلو تور بكرباج تمام، والتور قال كدي نفض حبال كَرَبو، عاين جاي وجاي وعجبتو روحو، قال لي لو شاعر وصّف الشفتو،..

    قلت لو:
    التور البِنِف خَرَت الحبال وادَّلى
    كَرَبو التقيلة محارتو ما بتنقلَّه
    نهشو الكُرباج وفي سريهو اتملّى
    كضّمو الشويش قَطَع الجرير والتَّلَّه






    أها، يا ولدي دايرك تسمح لي أنشر صوري مع ردي عليك دا، عشان الجكس بتاع السودان يشوفها ويزيد حبهم زيادة لمحسن خالد، كيتاً علي الطيب مصطفى والرقيبين،..



    ..

















    ..
                  

10-11-2005, 10:38 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: محسن خالد)

    ..




    Quote: التداعي الثاني
    الرجل الكلوروفيل

    أَبْلَغُ الأرض حين ينطقها معول
    وأَبْلَغُ المرأة حين ينطقها عضو الرجل

    وقفتُ في ذلك الليل؛ أو قل انتصبتُ ذكراً للمدينة النائمة. الأشياء تلمع أمامي من فوق أرض قاسية ومتشدّدة بشهواتها. والعجول؛ هذه المجيدة؛ تنام فوق أعقاب جنسها وعلفها كأحلى كائنات بريئة ومتشرّبة بحكمة أجسادها. والأشجار سافرة؛ مائدة؛ ومهزوزة على جذور متعة تعرفها هي، بطعم الملح وطعم التراب. وقفتُ في ذلك الليل وتعامدتُ مع وحدة كل خيط من ضوء ووحي يقطُرُ من سماء شهيدة. وفي مواعيد ينهض معها كُلُّ ذي معنى وبهيم؛ ويتفتّح؛ ويعبق؛ أقوى وأخضر من أي روح كانت له فيما مضى من عُمُر.
    هاأنذا متشبعٌ جنسياً لحد الشعور بأنني لو بصقت فسأبصق شفاه نساءٍ بالأطنان. ولكنّ عينيّ لا تزالان تصنعان لأقفية العابرين كلهم قافية واحدة من أرداف صبيّة مكتنزة.
    تمطّى ذلك القاضي السفيه والعجوز؛ الذي ألقمني لحلقوم كل هذا الحرمان؛ قبل أن يقول لي،..
    - أنت متهم بجريمة زنا وسُكْر، تُقر أم تُنكر؟
    "وبماذا يفيدني الإنكار؟".
    - أيعني ذلك تأييدك للاتهام!؟.
    "يعني تأييدي للفليل".
    صاح حينها ذو كرشٍ متدلٍّ جاعراً: محكمة.
    وصحت أنا،..
    "سيبقى المطموث كأي سيف حرب لا سلام له إلا بجوف غمد".
    شتمني نقيب الشرطة الذي ضبطني مع زوجته، أمام القاضي، فلم يُهَدِّنه مولانا ولم أقل أنا شيئاً يستفزه. فهو سيظل ضابطاً في كل يوم قادم، وأنا سأظل الفليل نفسه وفي مدى أرحب، كلما أيقظتني الشمس ومرور الناس من دوخة خمر أو رائحة مبيت مع امرأة. كما أنك لا تستطيع أن تقول للضحى اصطبر ما لم تكن الغد.
    لقد عَذَرتُه، فقد ألقى عليَّ القبض وهو يجرني جراً من بين فخذي زوجته. وجدها طافية معي بما يُعَدُّ من مغمورها الحرام. كانت ورطة لا يمكن تفاديها. ولكن رغبة الإنسان الدائمة في تخليص نفسه أيضاً لا يمكن تفاديها. قلت له من دون أي منطق أو سروال: "الحقيقة أنا قصدتك أنت في موضوع و...".
    "قصدتني في موضوع، ها؟ ولمّا لم تجدني قَرّرت أن تبحث عني في سروال زوجتي!؟".
    لا شك أن بلادنا كبيرة لدرجة أنَّ أُمَماً لا تدري ما الذي يجمعها مع أغراب من نفس جنسيتهم. ومع أهلٍ بعيدين جداً، ما عادوا يذكرون منهم سوى أنَّ النيل ربما يسقي أرضهم أيضاً. ففي بعض أركان هذه البلاد المترامية يُطلق الناس على عضو الرجل لقب "المطموث"، الدلو الذي يقصد عمق الأرض ليجلب الحياة، طارداً في طريقه الخفافيش، ومنيراً بلمع الماء كهوف البئر ونسيج العتمة. القيمة المطلقة لمنتهى الرجل. التي ليس بوسع نساء الأرض تجاوزها، وليس بوسعهن جميعاً أن يأتين بمجرد تصور لرجل بلا مطموث. إلا أنَّ صاحبنا النقيب كان ذلك التصور المُرَاهَن عليه لاستحالته.
    فقد كان عِنّيناً ولا شاغل له في هذه الحياة سوى جمع اللوحات والمجسّمات الفنية. وارتضت هي العيش معه بالرغم من جدبه الرجولي، بدافع فقرها الأُسري العريق والمتوارث. ليبحث سيادة النقيب عن عزائه في الفن أو المنشطات الصيدلانية أو كما يشاء. فأعمال نورمان ركويل ولوسيان فرويد وماتييس الفنيّة لا تطردان حكّة دود بمصارين ابن آدم. وتلك المسكينة تريد مطموثاً لا حقنة. تريد أن تتلوّى ورائحتها رجل رجل، مُشْ، أجزخانة أجزخانة.
    كانت "شموم" زوجة الضابط، تمارس بعض التجارات الصغيرة من باب التَلهِّي وتمضية الوقت والتناسي. وتسللتُ إليها أنا عبر هذه الهواية مُدَّعِياً بأنني تاجر صحون أيضاً. قمت بتوسيط إحدى الجارات لديها بكوني أُريد مشاورتها في مشروع مشترك يتعلّق بتجارة الصحون. ولكن الطريقة التي تَمَّ بها التشاور بعد ذلك لا علاقة لها لا بالصحون ولا بالتجارة. لقد دحرجت الحوار بخبرة عملي الطويلة في جبهة النساء، نحو نقطة معينة، ليست بمهمة ولا هامشية، بل نقطة يلتفت عندها الإنسان لما يجري حوله بناءً على صوت أعماقه. الروائح، سطوة الأعين، روح المكان في عين اللحظة، ضياء الأسنان الخبييء، التواءات الدعوة المعدّة بالجسد –منذ الأزل- لاستضافة آخر. مقيل أرواحنا الذي يمكن أن نفرده لأرواح أخرى تلفحها هاجرة شمس لاهبة. قلت لها من عند هذه النقطة وأنا أُرَكِّز في عينيها تحديداً وبعمق،..
    "عيناك أصبحتا غريبتين عليك".
    - لم أفهمك!
    "أقصد أنهما صارتا لكائن لا يشبهكِ قبل قليل".
    - أنت تراوغ.
    "أبداً لا. ربما تُعَبِّران عن شيءٍ دخيل ومستجد، تُزيّفه الملامح في حالاتنا العادية".
    - أيُّ شيء!؟
    "الرغبة. الرغبة هذه مخلوق بكامله ينضاف إلينا. ملامحه تختلف؛ شِيِك، عصبي أكثر من اللازم وربما يُدخّن".
    انطلقت منها ضحكة غواية وسلطنة. ضحكة في آخرها كَمْ إمالة وبكَمْ نبرة بديعة الفحش، كي تجرح أينما الْتَوت وتترك نُدَباً. ضحكة امرأة نسيت نفسها طويلاً. لقد جعلتني أستجيب من جهات كثيرة وأُمطر فَلِيلاً في كل درب يريد أن يسلكه جرح.
    "وأنتَ أيضاً تغيّرت". قالت وهي تطعج قطعة اللبان في فمها بشراهة أكبر، وتدفعها من خد إلى خد. أجبتها ويداي تدسان تنميلهما في حرارة صدرها،..
    "طَيِّب، جعلتيني حامض، ليمون بَسْ".
    انزاحت بعيداً، عني ونحوي، قائلة كهَرَبِ الموج وارتداده: أوعَ تقول أنا السُّكَّر.
    وضحكنا في رشفة كأس طويلة من عصير ابن آدم. غصت فيها وكلي أنصال لامعة ومُشْهَرَة كالحصّادة. كانت لا عظم ولا كوع ولا ساق. الحيلة التي تفرّد بها خلق تلك المرأة: صُلبها اندلق إلى أسفل وكوَّن رجليها، ثم طمح إلى أعلى وكوَّن صدرها. لقد خُلقت بكاملها من لدونة الأرداف وملمس غوايتها.
    شعرت وأنا بين فخذيها كأنني أحفر قبراً لأدفن فيه الأرض برمتها، أو لأُخرج منه الوجود بكامله. المهم أنني كنتُ أفعل أشياءً في أشدِّ تطرف قيامتها المجهولة. تعالت أنفاسها بلهاث حار وحميم، منظوم مع بعضه البعض في تتابع مثير ومترابط كتدلي الشلال من أعلى الجبل. ثم دَخَلتْ عيناها، مخزنا الرغبة، في حَوَر بديع تحت وطأة اللذة. نعم، كنّا بأبهى لحظة تُغَيِّم عندها عيون الإنسان كالسحاب.
    لقد قاومتني كثيراً وحالت بيني وبين منجمها. تحايلتْ عليَّ حتى وجدنا أنفسنا ملفوظَيْن بساحل الوهن، فارغَيْن تماماً، فيما يشبه الاستعداد الكامل للامتلاء بالحياة كلها، من جديد، ودفعة واحدة. لم أسألها عن سبب حرمانها لي من ممارسة جنس كامل معها، بل همستُ لها بأحاديث متفرّقة وعيناي مغمضتان.
    - افتح عينيك، لماذا تغمضهما؟ ومالت على خدها الآخر لأحشر يدي بين ردفيها.
    "لأن أمثالكِ بالنسبة لي كالحلم. ولكي تسمع الأحلام جيداً فلا بد من أشباه النوم هذه".
    - تبدو لطيفاً ومسالماً، أنت في غاية الظرف. لا أظنك تتشاجر مع زوجتك مطلقاً؟
    "الشجار معكن أيضاً أُنْس".
    أضفت بالذي أمكنني تحريكه من أعضاء: ليس لديّ زوجة، والمرأة دائماً عندي مقترح توقيتها، والأجمل الذي لن نحوزه مهما حشدنا له من المأذونين وشهود العقود.
    ضحكتُ وأنا أشفط أنفاسي وهي طبقات إثر طبقات كبعضٍ من عبير لعابها، وقلتُ لها كي تتسلَّى بها الأفكار وليس العكس:
    (الواحدة بعد خصر الليل؛ هنا الفليل؛ وكل ما عداي من إذاعات الدنيا مجهولات. لندن، مونتي كارلو، صوت أميركا، صوت القاهرة، صوت دمشق، صوت أم درمان، كلها دجل الليل. هنا الفليل، في كل مكان وبلا حد، وخلف كل حلم يقظة ومنام. ومنذ افتضاض الأرض).
    لقد تصادقنا من حينها أنا وشموم. وصار يربطنا الذي لا يستخدم الحبال في وثاقه ولا يمكن شرحه. كنتُ في تلك الليلة التي فتحت فيها جسدها على الحياة، كي يتلقّاها وتتلقّاه، مخموراً ومصطولاً لدرجة أنني أشعر بالطريق ينسحب من تحت أقدامي لورائي ولا أشعر بسيري عليه. أسمع وقع أقدامي كصوت غريب ينبعث من معنى المشي نفسه؛ وقطعاً ليس من ترجمته السطحية والتافهة التي تعني اصطدام أرجلٍ بالأرض. أنظر إلى أي واحد من المباني الهناك فأراه يميد يمنة ويسرة وتشوبه حركةٌ ناعسةَ الناس وحييَّةَ الإضاءة.
    طرقتُ بابها بعد أن تأكّدتُ من عدم وجود عربة زوجها أمام البيت. كانت قد وعدتني في المرة الفائتة بأكثر مما هو سطحي وصبياني. لم تصدِّق لوهلة، البحر يطرق بابها ويقول لها: هاكِ عوم!
    وكانت الليلة التي اقتحمتُ فيها قسطنطينيتها. وجدتها بتمامها وعند خيوط ختان طفولتها فاستعذت بالله. لم أكن أدري عِنّة زوجها الضابط. تساءلت في أعماقي: أهذا الرجل متزوجها أمانة؟ ولكنه كَفَرَ نعمتي، فلولاي لكان إلى الآن حبيساً عند كهف علي بابا وسمسه قد مضت به حواصلُ الطير.
    كانت تتملّص مني وتتقَلَّب كالمحموم. أحياناً تُخَلِّص نفسها حتى تكاد تفلت، ثم تعود لتصفع قفاها بالفراش من جديد. النساء، الصيد الحرون؛ والوحيد الذي يتملّص كي تتمَكّن منه شِباك الشَرَك أكثر فأكثر.
    البنقو أمدَّني بهلوسة سمعت من خلالها صوتها يحرضني قائلاً: "غَرَقك ولا عوم الضَحَل. تفرد طيور البجرواية أطول بال جناح عندها وأختارك مشياً".
    لله نعمة مَنْ غَنِم، فإني أشهد أن لا منام يُبَلُّغُ قدرَ راحتها وبلاد طِيبِها. إذ هي بدينة بمقدار أن لا يسقط الرجل من فوقها لا أكثر. أعملت فيها معولي من جديد. فهذا هو المنجم الوحيد الذي بإمكان الفقراء أن يحفروه ويأخذوا ما فيه من ذهب لأنفسهم. قبضتُ على نهديها، الجسد، المادة، فاستحالا لقبضة من مادة بخصيصة الروح، كقبضة يد السامري للتراب من تحت جواد الروح القدس.
    تأمّلتُ ذلك الجرح الذي جُرحت به المرأة وكُتِبَ على الرجل أن يحمل ألمه. جُرح بموضع أسفل المرأة ويخز بأسفل الرجل. حقاً، إنّ حياتنا جرح طويل بطول الأبد، نُولد منه ونحيا له ونُدفن فيه. كانت ختيناً على ملة فرعون. ويا لجبروت هؤلاء الفراعين الذين وصلت حضارتهم إلى كل مكان، حتى إلى إفريقيا المرأة السُفلَى. وصحيح أنّ المرأة كلها آثار ثمينة، فمفاهيم حضارة الفراعنة هذه رحلت من كل مكان إلا هذه الأدغال.
    "الله حَيْ" ولنا في النساء أفانينٌ من جياد وفواكه وحصاد. دفعتُ فيها بشفرة الحصّادة من جديد. وتَخَطّت هي صوتها وحلقها في الصراخ وأخذت تصيح بكل الظمأ الذي تلملم منذ أن ردموا ينبوعها. عويلها الملتهب والفاضح غَطّى الليل وانكشف عالمٌ ماست فيه الجن. وربما هي لم تصرخ على الإطلاق، وكل ما جرى ويجري كان زيطة قبائل ومهرجانات احتفالاً بالمطموث.
    بَدَا للحظة وكأنَّ الزمن، البعد الرابع، لطول الأشياء وعرضها وارتفاعها، يندك من جهة وينبني في جهة أخرى، ووجدت نفسي في متصل عالم عجيب، وانزلقتُ في مكاشفة رهيبة للتاريخ والفنون فيما هو الأزل والأبد في آن. فقد انفجر المكان بالضوضاء وأصوات القدوم والصحو من الموت ومن كل زيف عالمنا البسيط الذي نظنّه عالم الحقيقة والشهادة.
    وهاهم الناس والأشكال وما هو تصوّرات يتدفق من كل فج، ويحضر في لا صفة وخِلْوَ كل ما نعرفه عن الحضور. فقد نزلت كل الشخوص والأشكال المرسومة في اللوحات المعلّقة على جدران بيت صاحبنا الضابط. كل ما كان يمُتُّ للفنون بلمسة ريشة في ذلك المنزل تملّص من موته وصبّ حياته في قدح. لقد مات الموت لأنّ الفنون وجَدَت طريقها ومغزاها أخيراً. الكل أسرع يرتدي نزواته واحتياجاته ليلحق ببعُد تلك الليلة المفارقة من الدهر.
    ذلك العالم، بتمامه، الذي عاش عزلة اللون والظلال والجبص ونفسية الفنانين الغتمة، ألقى بنفسه خارج الإطارات والبراويز والأسوار، مُفَضِّلاً الانتحار على تحنيط الرغبة.
    كانوا حُكّاماً وفقراء وصعاليك وباعة وقساوس وشيوخاً، فرساناً وجميلات، وحتى أشكالاً غير مفهومة وإنْ عند نفسها. يتعلّقون ببراويز اللوحات كأنها حيطان ويقفزون على الأرض. بينما الألوان تتشتت منهم وهي تلصف وتُبرق كقطع الزجاج، ورائحتها الطازجة تمتد إلى أعماقنا كالرياحين. لقد كانت الألوان تحمل خصائص لحظة ميلادها وكأنّ الذي مرّ عليها ليس الزمن، وإنما شأنٌ لا يختلف عن ترديد حركة الريشة لتركيز اللون ساعة رَسْمها.
    صار الناس إذا رغبوا في رؤية الغد يفتحون النافذة فحسب، والأطفال الذين يلعبون الكُرة في حديقة المنزل، لو صادف أن سقطت كرتهم خارج السور يأتون بها من الأمس. لقد كان بُعداً شفيفاً وعُلويّاً من الوجود، أكسبني هلامَ كلّ شيء.
    التجليات التي تزرعك بما تحب أن ينبت فيك وتورق به، وتحصدك من كل ما هو زرعٌ لقوم آخرين. التجليّات المنتخَبة والمُطَهِّرة.
    أول من تململت أضلاعه بالحياة وخرج من زواياه الضيّقة وسخف الحساب، إلى رحابة الوجود، مجسمٌ للعالم فيثاغورث. هاهو جاء ليبتهج معنا بمتوالية أساسها المطموث وليس أعداداً بليدة، ورموزاً ضالَّة عن سوائها لدرجة أن تظن نفسها المنطق كله. هاهنا عالَم وجمهورية لمنطق يتخلّق بفعل الضرورة لا التواضعات. كأسك،.. كأسك،... ليركب رأسك النجم،.. كأسك،.. كأسك،... وكنت أبحث بين الطاولات عن عضو امرأة يكون قد سَهِيَ عنه أحد الناس كي أدسه في جيب فيثاغورث، هكذا سيكتشف لنا الوتر الموسيقي الذي يلعب معزوفة الحياة بأشهر وأطول أصبع سحري لدى الرجل.
    يا فيثاغورث، جيب سين وجتا ص، تطلّع دينك،... صُبّ الهانيكان، الفوستر، وهاك نبيذ،... هاك جِنْ عشان تجن، وكان ما جنّيت أدَّين، أتسلّف ياخي، ولو غلبك تسدّد ديونك أستمر مجنون،... أيوي يوي يوي يويييييي،...
    ندمت لأنني أسأت الظن بفيثاغورث، فقد لاح لي من بين وسط شخوص كثيرة تتزاحم، رأيتُه يدسّ يديه بين فلقتي كل ردف يمر من أمامه، غلمان، جوارٍ، أشكال ذات إيحاءات جنسية، لا تمييز لديه أبداً، اللعين، لتتبارك الأيدي التي لم يكن لها من وحي في ماضي أيامها سوى رسم المثلثات والدوائر، الكروكي واللاكروكي، هاهنا عالم يقع على الحقيقة من أوّل شخبطة.
    أحد الشخوص كان يحمل موعداً مع فتاة في يده، ويعبث به كحاملة المفاتيح، سألته ما حكايته،..
    - هو ليس لي، بل لواحد فنّان. ضحك متحاذقاً ليكمل،..
    "التافه.. لقد نسيه معي وذهب لفتاته من غير مواعيد، هؤلاء الملاعين دائماً ينسون لدينا أشياء عجيبة، تصوّر؟ كان بإمكاني أن أذهب لفتاته بدلاً عنه"، وقهقه الشخص.
    ليكن أي شخص ما يشاء وعلى أي موعد يشاء، إنها ليلة خصّيصة لأجل ذلك.
    القساوس والأئمة يشبهون ضوّينا في وسامته، وقفوا يناولون الناس هدايا قيّمة من السماء، حتى إنني رغبتُ في أن أذهب إليهم وآخذ واحدة.
    الباعة كانوا يبيعون أشياءهم على طرف طاولة العشاء، الطلح، والكليت، والشاف، ولم يأتِ أحدٌ مطلقاً على ذكر الحرجل والمحريب، ينصر دينكم، اليوم يتنكّر الموت وحده، أخذتُ أُمرحب الجميع،..
    "مرحب قَفَا التاريخ، مرحب صدر الحاضر، مرحب مغيّب بالسَكَر يا غد. مرحب يا ريشة خُلقت من رمش امرأة وبُلِّلت برضاب شفتيها نزولاً نحو رسمتها التحت والأسحر".
    لاحظت أنّه عندما تصرخ "شموم" تأتي الشخوص والأشكال لتتجوّل بالقرب منّا، وتتطفّل علينا، بينما هي تُترجم كالمتصوفة المجذوبين، وتصدر همهماتٍ كالتي تصدر من منتزه ليلاً أو من أطواء غبار لسوق قديم. وعندما تكف "شموم" عن الصراخ، تبتعد قليلاً وتتجاهلنا، تساءلت مُخفياً دهشتي عن شموم،..
    "الصراخ،.. الصراخ،.. الصراخ،... في الميلاد وببطن اللذة وساعة الموت. ما الذي نشر التاريخ والموت والفنون على حبل صرخة؟". توهّمتُ أنّ شموم ستجيبني، ولكنها تساهتْ فتمتمتُ بلوعة،..
    "لو أنّ المعاول ادّخنت وحامت في أحلام الأرض طيف عروس، كان تحتلم كل المناجم الراقدة تحت الأرض وتقذف ذهبها، فلا عَرَق ولا بارود ولا حروب".
    كدنا أن ننام في الأعالي منّا لفرط اللّذة، ونمنا في قرارتنا بأن أغمضت "شموم" جفني عين واحدة على المستيقظ مني، عين تبصر الأشياء بسقوط الرغبة وانعكاسها وليس الأشعة.
    لقد تشتّتتُ عليها كالبذور بوسط بيدر عريض، حتى أعجزتني لملمة حالي، فلو فاجأتني ريح ليلتها لقامت قيامة الكلح في كل أرض تقع فيها ذرّة مني. ومضى الزمن بسرعة من عند تلك الليلة، أو قُل انتفض كملسوع، ليقف عند تلك الحادثة، حادثة مبيتي الثلاثين ربما مع "شموم"، التي سألني القاضي في إثرها،..
    "أيعني ذلك تأييدك للاتهام!؟".
    وأجبته أنا: يعني تأييدي للفليل. سيبقى المطموث كأي سيف حرب لا سلام له إلا في غمد.
    دعا الضابط ليلتها، أصدقاءه وحوشيته ممّن كانوا معه من العسكر، وهم تملّقوه بضربي، فقد انكالوا عليّ ضرباً وشتماً بعنفٍ عُقِدت عليه آمال. للحقيقة هو نهاهم عن ضربي، ولكن ماذا يفعل لهم؟ فمنهم من ينوي أن يأتي للكثير من الطوابير العسكرية متأخراً ومتسخاً ومخموراً وزانياً مثلي، عليه أن يشطب كل ذلك بتملّق قائده وادعاء متانة صداقته به الآن، وإلا فلا فرصة معه مستقبلاً. دعاهم إلى الدخول لكي يشهدوا ضدي، ولكي يشهدوا طلاقه الفوري لـ"شموم"، التي اكتفى بطردها فقط.
    واكتفت هي بارتداء ملابسها لا غير، ولم تأخذ من بيته ذلك إلا سَبَت الصحون الذي كان بادئة تعرّفنا على بعض. أثناء مرورها ناحية الباب كانت أجزخانة المنشّطات تبع صاحبنا مرصوصة على منضدة فاخرة، فركلتها شموم في طريقها لتتبعثر في كل ركن من أركان البيت، العنّين، ولأنني كنتُ مصطولاً فقد صنع خيالي حركة لذيذة، إذ تخيّلته سيضع يديه بسرعة على منطقة حزامه وينحني بقوة تجاه الأرض، مطلقاً صوت ألمٍ مكتوم. ولكن الذي حدث أنني أنا من أطلق صوت الألم المكتوم إثر رميي كزكيبة علف مبلول بداخل جِيب الشرطة.
    أمي كانت امرأة طيّبة ومستقيمة، لم تكن جميلة، ووجهها ليس بكريه، ولكنني لو كنت مكان أبي لَمَا تزوّجتها مطلقاً. لقد عَرِفتْ حبي لكلية الآداب، وحاولت دعمي في هذا الاتجاه، ولكن هيهات، فقد ذبحوا خروفهم بنيّة أن أكون "الرضي بن التوم"، فما سلم خروفهم ولا أرضيت الله ولا أرضيتهم، كما تتندّر هي، ولكم كرهتْ عربدتي وعربدة أبي الذي كان هو الآخر، فليلاً تقدّمت به السن. أذكر حينما ضبطني في صغري مع الدخّان، باغتني وأنا بجوار الأزيار أودّ أن أشرب،..
    "لقد كنت تدخّن، ها؟ ما هذه الرائحة؟".
    "أبداً يا بوي، كنت قاعد مع واحد صاحبي بدخّن و...".
    جَرّني من خدي، ليقاطعني بسخرية صارمة: صاحبك وما صاحبك، ها؟ وهو البدخّن مش إنت؟ إلا إنك كنت ولد جدع وسلّفته خشمك عشان يدخّن بيهو؟
    طأطأتُ رأسي، فالطريق مغلق كما هو واضح، فاقترب مني هو ليقول بتودّد،..
    "يا ولد يا إبليس، هات علبة السجائر"، أخرجها بيده من جيبي وبتعجّل ليُكمل: وكمان بينسون! عب كبير. بورسودان مَطَرَتها كيف؟ وألا الأخ ما سوّاق شاحنة؟
    لقد خُلقتُ عائراً كما تقول أمّي، حتى المدرسة أذكرها كرائحة حبر تنبعث من الأولاد الوسيمين والمرفّهين، ولكم لزِقنا بورّانيتهم. فقد كُنّا نحن أبناء السباريت غُبشاً كأنما خُلقنا من العجاجة التي أثارها الناس بعد أن خلقوهم ومضوا.
    التاريخ يُثبت أنّ كُبَراء القُرى والنواحي استطاعوا استعمار المجتمع الريفي لأنهم الأكفأ والأفضل، وجمعوا جرّاء ذلك أموالاً من كَدِّنا وعَرَقنا ليتزوجوا بها المرأة الأجمل والأفضل. طبيعي إذن أن ينجبوا بعد ذلك النسل الأحلى والأليْن لأنه الأرقى. فالمعارك بيننا وبين أولادهم تاريخية، ونحن تلقينا فيها الهزائم حتى قبل ولادتنا، فآباؤنا مَن فاز عليهم العُمَد، وأُمهاتنا مَن دُحرن في مسابقة اختيار نسائهم.
    مدير المدرسة والوكيل عرّضا كثيراً لكون هنالك من "يتصارعون" من الصبية في أماكن منزوية، أو بقرب الحقول وسكّة الحديد. وأنني لا بُدّ وأعرف أمور الضحكات المتغنّجة بالأماكن المظلمة تلك. خشيتُ المدير لأنه رجل خبيث، أما الوكيل فكان يستولدني شفقةً من "مافي"، فهو رجل أروش، خلا فوق وخلا تحت، إذ كان يحمل صلعةً كبيرة جداً، ويحمل بداخلها فراغاً يسع المجموعة الشمسية. ولم يكن دوره في المدرسة إلا مكبّر صوت للمدير، أو صدى خشناً لصوته. عليّ إسكات المدير إذن، فأذعتُ أنا أيضاً أقاويلي وتعريضاتي، بأنّ هناك من يرغب في حرق محاصيل، وزرائب، وأعلاف،...إلخ.. ولمّا خشي المدير على ممتلكاته فقد اجتنبني، ولمّا لم يجد مكبّر الصوت من ينفخ فيه، بقي صامتاً.
    كانت قريتنا متنوّعة البشر والمستويات، ما يجعلها متنوعة المزاج وما تحتاجه. أفواجٌ كثيرة من الباعة كانت تقتحم علينا صمت القرية وحواريها. منهم من ارتبط مجيؤه في أعماقنا بالمطر، ومنهم من يلده سراب الصيف المترامي بعيداً وخارج القرية، وشِقٌّ آخر يجدنا متكدّسين في "الكدّكة" بظهر الجُدُر اتقاء القِرّة.
    ما كان يُمَثِّل انتظاري المتلهّف والعميق فرقتان فقط من أولئك الباعة. الفرقة الأولى هي باعة "الحرجل" و"المحريب" و"الجردقة" و"الطلح" و"الكليت" و"الشاف". كانوا يُعرفون باسم باعة "الحرجل والمحريب" أو "باعة الجردقة" تدليساً، ومن باب التنكّر، الحرجل والمحريب عشبتان تستخدمان للتداوي وتنكيه المشروبات. أما الجردقة فشيء يشبه الحجارة الجيرية يستخدم لعلاج سوء الهضم. هؤلاء الباعة، انشتلوا في أعماق الفليل بصفتهم الأكثر أهمية من التنكّرات وأمور الحِواء هذه. إنّهم باعة "الطلح" و"الكليت" و"الشاف" ولا غير، يصيح أحدهم بالدوبيت من فوق جمله الأغبر،..
    أخَمْجِي الحِنّة بدمي ليك لُخِّيها
    وحُفرة قبري للدّخان عليّ فِجِّيها
    طاش بالليل نجوم الضِّهاب باريها
    بايت القَوى وصاقعة الخراب راجيها
    حينما يأتون تصبح المسافة بيني وبين ذاتي جِدّ قصيرة، أقطعها بجرّة نفس واحدة، جرّة نَفَس واحدة وغالية، كأني أسحبها من طيز سيجارة بنقو. إبلٌ تجيء من قُهبة الخلاء، تحمل على ظهورها الحطب السحري وبدواً صحراويِّ السحنات والطباع، اندسوا فوق ظهورها غير ناشزين عمّا تحمله من متاع. يعرفون عن قيمة حياتهم أنّها أكثرُ اتساعٍ حر من حياة إبلهم، التي ترغي بما تشاء وتبول على ما تشاء.
    يبيعون أعواد وحطب الطلح، الكليت، الشاف،.. التي من شأنها في بلد قديم، كالسودان، أن تقطّع لقطع صغيرة ونشارة، ثم توضع بداخل حُفرة منزلية صغيرة، تُعَدُّ عادةً في جانبٍ منزوٍ من المنزل أو ببطن المطبخ وحتّى بغرفة النوم أحياناً في المناطق الإقليمية البعيدة. كي تأتي المرأة من بعد ذلك وتصير عاريةً كفطرتها وتجلس على نار العطور تلك، بعد أن تُغطّي نفسها بشملة غليظة تحجب عنها الهواء تماماً، كي ترعى فيها تلك التركيبة وتتخلّلها مساماً إثر مسام.
    يقال إنَّ النساء في بلدان أخرى بعيدة يسألن الرجل: تريدني؟ أو يزحفن بجواره كالسحالي الملساء، الراغبة والمتزلّفة.
    أما هنا في هذا البلد القديم والعريق فالمرأة تقوم بإشعال حُفرة دخانها فحسب. الرجل عندنا تدعوه النار شخصياً، وبأبهاء احمرارها الرهيب والماجد.
    فالناس بتكنيك الدخّّان هذا يضيفون للمرأة أوّل ما يضيفون عنصر الأسطورة، ويَلْحمونها بجانبها الغيبي الذي كان متهدّلاً وغافياً، خصوصاً حينما يخرجونها من شملة الدخّان وبوخها يلوي ويسد الأفق، كجنيّة جُلبت من قيعان جبال "الباريا"، ثم يُبرّدونها بما يُعرف بـ"الخُمْرَة" و"الدِّلْكَة" وهذا الشِّق التكنيكي يُعْرف بـ"الكَبَريت". أمّا "الخُمْرَة" و"الدِّلْكَة" فهما مستخلصات من الذرة، والمحلب، والصندل، والدّهن المعطّر، بعطور السودان، والهند، ومصر، وسوريا، وكلّ البلدان القديمة، مع ملحقات حداثية من باريس ولندن.
    هكذا يصير أوار المجال الجنسومغنطيسي، كلعنة، تنقل فضيحة البدن من جن لجن. وتصبح فتحة التلاقح في المرأة كثقب إبرة أرادوا له أن يكون شديد السريّة فهَمُّوا بثقبه فقط ثم تركوه. كما أنّ الدخّان والكَبَريت لا يمتصّان الروائح الكريهة من الجسد فحسب، بل يُثبتان أنّ المرأة عود نَد يُشعل من أسفل.
    "عوووووك آناس، الدخّان تساب النسوان، وجهنّم غربتي وحنيني، يا الله تحشرني فرعونها".
    هؤلاء هم باعة الآخرة في الدنيا، كلّما تذكرت الجنّة، حور مقصورات في الخيام، في كل خيمة سبعون حورية، في كل يوم لك أهل جديدون، حور، غلمان، ولدان،.. يتناهى إلى سمعي،..
    "الدايرة الكلح التشتري الطلح".
    أو صياح بائع آخر: "الدايرة الحتيت التشتري الكليت".
    ففي تلك الجنة التي تبدو كداخلية بنات كبيرة، لا بدّ أن يكون لباعتنا هؤلاء شأنٌ كبير وأصوات أعمق نداءً وإغواء. كانوا ينادون بأصوات مليئة بالرجولة الخلوية، ومنغّمة بالدوبيت، فتفيض القرية بالضجيج الداعر، وتنطلق قهقهات الصغار وشهقات البالغين وتأوّهات النساء، فتنقلب البلدة لسوق كبير من ممارسة العادة السريّة الجماعية.
    "يا أخوانا أسكتوا خلوّنا نسمع،.. العريبي دا نَمَّتُو ممشهَدَة خلاص".
    "فيها حُرقة يبقالي آود علي".
    ود علي: "حُرقة ساي!؟ عليّ الطلاق أتقول بدوبيها بمصارينو".
    وينطلق صوت العريبي البائع، من بعيد،..
    أهيييييي، إييييي،...
    ليلك عليّ دون الخَلِق مطبوق -يا الزينة
    وطلحك دُخّانو متل القَطَر مبقوق -يا الزينة
    يصيح ود علي خلفه،..
    "هيع، أتَّبلعك آمنجوه، دولبها تاني، يدولبك بابور البحر"، قاه قاه قاه.
    الجميع يحفظون شعر العريبي، يقول أحد السكّيرين المتخفيين في الوراء، بعد أن يزيل لثام عمامته ليبصق تمباكه،...
    "الدامشيق،.. الدامشيق،..".
    فينادي "العريبي" بعد هنيهة حادياً،..
    حليلنا من زولاً –مغارب- طلوحو تَبِق
    نيين نين نين
    وحليلنا للبلد، الدامشيقو مُرّاً يشق
    ينكتم صوت العريبي لبعض الوقت، لأنّ "النزيهة" المرأة المتغنّجة ستشتري،..
    "حاج فلان بقولك بعنا بكذا، أو زدنا كذا"، لعامل الخجل الملفّق طبعاً، النساء تشتري باسم الزوج، وكأنّه هو الذي سيخلع ملابسه ويدلّي خصيتيه في حمو النار.
    يصيح البائع المعروف بـ"الداهي" لكثرة استخدامه لهذه المفردة، التي تعني الشيء والشخص في آن واحد، صوته ثقيل وكأنّه يخلع نفسه خلعاً من بين فلقتي عود طلح أو شاف،..
    "الدايرة الحتيت التشتري الكليت،... الدايرة الكلح التشتري الطلح".
    فتتضاحك النسوة من حول العريبي، ويتغامزن مع رفيقاتهن اللائي يُطللن من نوافذ وكُوى البيوت، أو يتفرجن من فوق الحيشان والجُدُر. إذ أنّ غالبية البيوت كانت من ذوات القامات القصيرة، ومعظم نوافذها تقريباً تطل على الشوارع والأزقة. فالشوارع والأزقة هاهنا تُعتبر امتداد لحرمات البيوت. كما أنّ البيوت واضحة وما بداخلها من أشياء وحُوَار محفوظ لكل أحد، فليس لديها ما تُخفيه أو تتستّر عليه. والشوارع والأزقة نفسها لم تلتف حول البيوت لتراقبها أو لتتنصّت عليها، وإنما لتكون صوت البيوت الجماعي في ملمّاتها بفرحها وغضبها وأتراحها.
    تَقَلُّ أعداد النسوة من حول العريبي فينطلق مُقَصِّداً من جديد،..
    "المارقني نُصّ الليالي أتهمّى
    مِعَلِّب شَافَها لزولاً مقامو مذمّه"
    ود علي: "صِحّ يمين الله"،.. فقد أخذوا منه امرأة أحبّها فيما مضى.
    "الداهي" يصيح أحياناً بجُمَل سوريالية يفهمها هو وحده،..
    "سِلْك القلب، يكهرب، يمين وشمال
    ناديتو، ما سَعَل فيني سُعال
    يا الماشي الصعيد، كلّم جبال الفاو"
    يعيد صيحته من جديد، لكي لا يفوز العريبي بكل زبائنها،..
    "الدايرة الحتيت التشتري الكليت،... الدايرة الكلح التشتري الطلح".
    هو يعرف أنّ الكل يُريد "الكلح" و"الحتيت" أي النكاح من رجل موهّز، بقسوة ووحشية يجعل الورّانية تكنتك كأضواء الزينة، ولكن لماذا تتهافت النسوة على العريبي المحبوب وليس عليه هو؟
    لأنّ هنالك وَزْنَة هو يجهلها، عليك أن تنادي رغبة الناس وحياءهم في آن واحد، دعارتهم مع أقنعتهم وبفن، وهو فاحش ووقح بنفس استقامة سِكّينه.
    "حلو الكلح، في المنَجّض بالطلح".
    الصبايا المراهقات يهربن من أمام الأهل وتصفرّ خدودهن بمجرّد صياح "الداهي"، ولكن لكي تردّد أصواتهن اليافعة بخفوت، ولكي تقرقع في السر الأواني أثناء غسلها، الطاسات، الطشوت بملابسها، ترتج بين أيديهنّ مع نقرات خفيفة، من أصابع ناعمة ومتحضّرة لشراء الكثير في مقبل الأيام: الدايرة ودايرة الكلح، هَيْ بسْ التشتري الطلح".
    وتغزر وفود النساء بالخارج، وترفّ الأفخاذ للّون الخمري، الذي يتوزّع على مسوح الدخان، وترّف الأفخاذ الأخرى أيضاً لأن تختم تفاصيلها الصغيرة بذلك الحبر الجهنمي، في الوقت الذي تتفرّق فيه جماعات البيع في القرية كالمشارق ويبدؤون الصياح الجماعي من جديد، فتلتحم القرية كلها، في التعبير عن شهوة واحدة وأكيدة، ومطلب بازلتي يتظاهر من باطن الأرض والكائنات، ويخضوري تهبُّ به رائحة الحقول وحَيْدُ النهر.
    العريبي نافخ صُور قيامة الكلح تلك، يهب جمرَه،..
    "الدخّان السيدو ممسّح، فطيراً في لبنه طفّح".
    فيلتبس الأمر على الصبية اليافعين، لأنهم يعرفون معنى الفطائر عندما تُطفِّح في اللبن، ولكنّهم يجهلون مغزى المرأة المدخّنة عندما تطفّح في المسوح، يسألون العريبي، فيرد ناهراً لهم -بتلاعب- من حول راحلته المحمّلة بالحطب،..
    "بعدين، بعدين بتعرفوا، هسّه ألقفوا الفطير باللبن ساكت، قوّوا عضامكم".
    يبايع امرأة، ويلتفت مهمهماً مع نفسه وبخصوص سؤال الأطفال،..
    "يابا حلاوة لبان، وجيب لي معاك كريملّة. كان مو طلحي دا آولاد الحايلة كان في ود غلفة ببيعلوا كريملّة؟ يبلّغ العريبي حسده لـ"الماحي" صاحب البقّالة.
    يرفع "العريبي" رأسه ليجد أنّ "الماحي" يحدجه بعدم مودّة هو الآخر، يتزلّفه العريبي، بقهقهة أوّلاً ثم يقول،..
    "أنحن نكورك النهار كله الدخّان السيدو ممسّح، الدخّان السيدو ممسّح، وإنت تنسف جركانة سمسم وراء جركانة".
    "بالله!؟ لو مكورك عشاني أنا سد خشمك من يوم الليلة دي، لا ممسّح لا مشتّح، شوف العربي المطرطش دا عليك الله، يعني إنت كان مُتّ وألا مَسَكَك وجع حلق، زيت السمسم بتاعي ماشي يبور؟"، يجيبه الماحي بتضاحك ساخر.
    "والله لِعيْمَاً! لا حولَ"، ويخففها العريبي بتضاحك هو الآخر.
    كانوا قوماً لا مبالين، مستهبلين وسعاليق، يركبون جمالهم المنهوكة في مرح وسرور وقلّة أدب. ولطالما اعترض إمام مسجدنا على مسلكهم وسابّهم وناصبهم العداء، ولأنه يعتقد بأنّ الشارع هو ما يقع ناصية لمنزله وليس العكس، فقد منعهم من المرور به بالمرّة.
    ما عدا "الداهي" لكونه بهيمة وسكّينه هي المنطق الوحيد الذي معه، و"العريبي" لسبب فصاحته ولأنه شاعر له سلطة الكلمة، وبوسعه هجاءه بحيث يكرّس له منقصة لا يستطيع دفعها مدى الحياة.
    "هاناس إنتو ديمة في كلامكم المسيخ دا! بتعقلوا متين إنتو؟" يسألهما إمام المسجد، مع غضب مكبوت.
    يجيبه "الداهي" بلغة بطيئة ومسترجلة،..
    "بعد جُمَالنا دي ضهرها يفضى، إمكن نَعَقَل".
    العريبي: نحن أحرار ومن يريد أن يذبح حريتنا فليجرّب ذبح البحر الراقد للذبح.
    "المعايش ما كلّنا ساكّنها متلكم، بنصيّح جنس صياحكم المافيهو حياء دا؟". واضح أنّ الإمام ينتقي عباراته، فهو يرى ذراع "الداهي" تبرم عكازه بين أصابعه كسَيْر طاحونة، رجل أعسر وقوي، ومشهور بتأديبه للفتوّات.
    "معايش من معايش تفرق يا مولانا"، يجيبه العريبي بينما هو ينقر على علبة تمباكه بأصابع حريفة.
    يسأله الإمام بحدّة: يعني إنت شايف عماراتنا البتنطح في السحاب، وألا شنو؟ ما ياها كلّها ويكة وتمليكة.
    "ناس الويكة والتمليكة ماك منّهم، شوف الضراطن تفاح"، يجيبه العريبي، "الداهي" طبعاً ينتظر فحسب، لا حُجج معه، فهو من ناس "أكتح" و"كَيّلوا".
    يحاول الإمام استخدام لغة خطبة الجمعة، كنوع من عدم رفع الكُلفة وادّعاء الرسمية،..
    "ظراط التفاح انساه، لأنّ الله لم يخلق دبرك له".
    "لكن يا مولانا دبرنا دا ما زهج من فساء البليلة"، يقهقه الحشد الذي بدأ يتجمّع لأجل الشماتة من الإمام، ما يضطر الإمام لأن يبصق وينطلق مبتعداً ومتعوّذاً.
    حيّ يا باعة الطلح، لو تقومون بجولة في أوروبا!؟
    أتوسّد كفي كيفما يتهدهد النائم، وأرى: "العريبي" و"الداهي" ينهران إبلهما بجادّة "هاي ستريت كينزنغتون" بقلب لندن، في جولة ستمرُّ من جادّة أوكسفورد وبيكاديلّي دون شك، و"حلو الكلح في السمارو ملهلب بالطلح"، تلعلع من حوش سماء لحوش ثانية...
    و"العريبي" يدوبي وينم، قول في درب قول. ويتناهى إليّ صوتُه الحاد والمستفحل من بعيد،..
    "لا حول ولا قوّة، هآ زول ما تجابدنا كتير، والله آخوانا الناس المحومرين ومقدَّدين ديل!" يهز رأسه وتصوّت علبة تمباكه تصويتتها الحريفة،..
    "يمين 3 اصطرليني ما بفوتلك منها "تِفْ"،.. يؤكّد "تِفْ" هذه بحركة طرقعة يؤدّيها بأن يحشر إصبعه في جانب فمه ويجذب حواف شدقيه للخارج، ثم يطلقهما مرة ثانية ليصطدما بموقعهما، في تصويتة تتزامن بالضبط مع كلمة "تِفْ".
    ويضيف: "يا زول ما تكتّر المجَابَدَة، لا حول ولا قوة، الخواجة دا ظنيتو أصنج".
    لا أحد أحسن من أحد، "الداهي" المنافس والصديق التاريخي للعريبي، يصنع حركة "طج،.. طج،.." بفمه، التي تُقاد بها الحمير، بمعنى تثنية لحكم "العريبي" بصناجة الخواجة، ويضيف هو الآخر،..
    "لا بوم تب، الداهي دا بوم مرّة واحدة،..".
    "غايتو ترا معايشنا بقت مَبَاصَرَة من جُمُلات حريم الرخم ديل،.. يقول العريبي بعد أن يحنث بقسم "تِفْ". فيهز "الداهي" رأسه بطرب، وينفخ: "أوففف"، ويقهقه بمتعة طفولية ساذجة بعد نفخة "أوففف".
    "أوففف" الخرطومية هذه، يترقّى بها "الداهي" طبعاً، ويصعد بها من منزلة مدنية لأخرى.
    حيّ يا باعة الطلح، لو تقومون بجولة في أوروبا!؟
    فإنّ الرجل الأوروبي يُقَدّر الإبداع والحياة، وقطعاً لو ذاق المرأة المدخّنة سيكفر بأنثاه المثقّفة، التي تجادل في التلوّث وقضايا "ناسا" و"مير" والكيمياء الحيوية والعضوية، وسيأتي لينازعنا هذه الأنثى التي لا تجادل إلا في سعر الطلح. هذه الأنثى التي لن يهمها حَفر بئر بترول بقدر ما سيهمها حَفر حُفرة دخان، بنزين الناس أوّلاً، وبالمَهَلَة بنزين الطلمبات.
    كنت أشعر بأنّ كلّ نداءاتهم تلك تستدعيني أنا وحدي، لأشتري كلّ ذلك الطلح والكليت والشاف، فأصنع منه كمينة ضخمة كالتي يُعَدّ منها الطوب الأحمر، بدل حُفرة الدخان الصغيرة والمنزوية تلك، ثم تجُرَد لي نساء القرية بتمامها كجَرْدية الحصاد، أكون مسطولاً جداً، ولأنّ البنقو سوط من يريد أن يجلد الهبوب، أقشط الأرض بسوطي، فتجري أنهار الخُمْرة والدِّلْكَة، وتطقطق فروع الرياحين والعطور في قنانيط أُمّها، فتبرّد لي النساء بغمسهنّ في ذلك النهر، لأشفى من نهر أعماقي، نهر الحنين كلّه، وشوق الإنسان للإنسان بإجماله وفي تمامه،..
    العريبي والداهي ليسا وحدهما من كانا يشطّفان المكان من سماجة الإمام، وإنما أيضاً تشاركهما امرأة رائعة اسمها "دهرية". كانت أوّل امرأة تفتض عذريتي، وتجعلني أتهدهد كموج رائق عند حواف أجمل ما يسكنني من شاطئ.
    لم تكن بالجميلة مطلقاً، بل قبيحة يتعثّر فيها الحَجَر (شينة تعتّر للحجر). أجمل ما فيها صدرها، وهي تعرف هذا التفوّق كحال كل النساء، أي واحدة منهن تعرف أين رُبِط شيطانها. فـ"دهرية" في مشيتها تحاول أن تجعل من صدرها رجليها، كي يتفرّغ صدرُها لاحتضان كل الهائمين، وأهل الفقد، والموجدة، والتخلّي، و..و...
    كانت "دهرية" شُجاعة ونمرة، لا مثيل لها. التقاها إمام المسجدة ذات لوثة من لوثاته بجوار الفرن، فافتعل معها شجاراً، وقال لها ممّا قال،..
    "روحي بالله، وليّة قليلة أدب، تفو عليك وعلي مِلّتك، عديمة الوليان والتربية".
    فالتفتت إليه بتحدٍّ، وعيناها تحُشّان عينيه كالمنجل،..
    "يعني شنو؟ قِلّة الأدب للمرأة رأس مال".
    "وكمان عندِّك لسان تتفاصحي؟ يا مرحاض السوق وبتاعة المريسة؟".
    "آي مرحاض سُوق، وإنت ذاتك أتفضّل بول. وعَبّار المريسة أطول من مئذنتكم، وشِن عجبك!".
    هاهنا يبصق الإمام، ويتستّر بكونه أهملها لأنه سيشتري برسيم بهائمه، يُلاحح بائع البرسيم متهرِّباً. عفارم عليها، مَنْ علّمتني أنّ القُبلة سديم لكون ابن آدم، فبها يجعل من فمه مركزه، ليدور فراغه حوله، وليس العكس. وتشرحك لذاتك، كرجلٍ تلوي الأزقة رجليه، فيستقيم المشي نحو وصولٍ داخله. وعلى صدرها اكتشفت أنّ اعتلاء المرأة بقدر ما يعني الإشراف على العالم من علٍ، يوازي النزول إلى جوف خندق، أثناء قصفٍ مجنون.
    في بدء صداقتي معها، وكنتُ حينها طالباً غريراً، وقفَتْ "دهرية" قُبالتي كهينغ واثقة. وقفتها تمنحها صِبَا امرأة تفتّحت في أوانها، واشتمّت سماد الرجل، سألتني باعتداد إغرائي،..
    "ماذا تريد؟".
    "ما يُريده الذين يأتون إلى هنا".
    "أيووة، ولكنهم يأتون إلى هنا بالمال لا بأرجلهم".
    "ومن هنا، هل يذهبون بالمال أم بأرجلهم؟".
    ضحكتْ بظرف من سؤالي، لتقول: الكلام مثل اللبان، يمكنه أخذ أشكال كثيرة كلّما لاكَه ضُرس، ولكن الواقع له هيئة واحدة، وشكل واحد. وأنت واقعك أنك لا تملك مليماً واحداً. أمشي أبْلُغ، وأشتغل، وألا أقول ليك أغترب وتعال.
    عرفتُ من كلامي معها أنها ليست أي داعرة كما توهمت. وأنها تبدو ملّمة بالكثير، ومتفتحة إن لم تكن مثقفة، والأهم أنها من النوع الذي يمكن أن يُشفق، ولكنها قطعاً ليست ممّن يمكن ابتزازهم. قلت لها بخيبة،..
    "سأذهب ما دام المال لسان الناس وأرجلهم".
    تركتني أذهب مبتعداً، والحسرة جوّاي جبل، ولكن عندما بلغت الباب الخارجي للدار، صاحت فيّ،..
    "تعال يا إنتَ، يا طالب".
    أوشكتُ أن أطرب، فقد لمحتُ لمعة الزيغ الشهواني بين درفتي صدرها.
    ولكنّها سألتني، ضاحكة، قبل أن أبلغها: معانا وألا مع مولانا الإمام؟
    تلفّت، كنتُ صغيراً، وأخشى إن صففتُ نفسي لجانبها، أن ينزل مَلَك عذاب ويقبض عليّ في تلك الساعة، تلوّت هي ضاحكة ودسّت يدها تحت ملابسي: طيّب مع الإمام وألا مع صاحبك دا؟
    انطلق جسمي ناراً، سألتها مبتسماً باضطراب: الإمام ما كفاه ناس جبريل والعَشَرة المبشّرين بالجنة؟
    قعقعت ضحكتها، كفروع شجرة اللالوب المثمرة: خلاص اتفقنا يا جميل، قانوني يقول: اكسب الرجل ولا تكسب منه جنيهين.
    تطلّعت إليّ قليلاً ثم سألتني،..
    "هل كرهتني حينما صددتك؟".
    "لا، كرهت الاحتياج، هنالك فرق بين أن يؤلمك الواقع وبين أن تكرهه".
    تعجبت من وجود امرأة مثلها في ذلك المكان، حتى شرحت لي أنها مجرد فنّانة فاشلة، كانت تود بقوة أن تصير ممثلة فانتهى بها الحال بين يديّ دهرية. وأنها كانت تعمل مع فرقة غناء إثيوبية جوّالة، فزاولت التسواح وجرّبت المدارس والمسارح وتذوّقت كُلَّ ما صادفها من أنواع الخمور الجيدة، والتبغ الجيد، والرجال الذين لم يصادفها منهم صنفٌ جيّد بالمرة.
    وبرغم ما شهدتُه بنفسي من زيف العاهرات وغشّهن، فقد منحتني دهرية في ذلك اليوم صدقاً نادراً إن لم يكن معدوماً. صدق رئيس بلدية مخلص، حمله مَنْ فوّزوه فوق أعناقهم، فكان حرصه على أن لا يسقط، أكثر من حرصه على أن يراه الناس فوق هاماتهم، للمبالغة طبعاً. فقد كانت امرأة سِمِّيرة وشهوانية تعرف كيف تفاجّ بين فخذيها وكأنّ الذي سيهبط بينهما نيزك لا رجل. لقد ضاجعتني بأوّل امرأة فيها كانت تدخرها لرجل بلا نقود. أما أنا فقد نَقَدتُها ابن آدم نفسه وبتمامه دون تمحيص أو مفاصلة.
    ومجنون أبدك يا جسد، إذ تنقض حنوطك بالبلوغ، وتُبصر منذ أن يؤرخ فيك الجنس لعَيْن... أيّما جسد هو مومياء في طفولته، لن تعمُرَ بالحياة إلا حين يباغتها الماء اللوزي، يخضور الإنسان، ومخ عظامه.
    ومنذ "دهريتئذ" مشيت الطريق، الطريق من الكمبو إلى القرية. ذلك الطريق الذي لم يكن في عُرف الناس طريقاً يصل بين منطقتي إقامة، بل يفهمونه على أنه طول قامة الشيطان الذي يرقد بين القرية والكمبو.
    الطريق الذي يُراد له أن يكون خالياً من آثار الناس ويبدو ظاهرياً كذلك، وما إن تسير عليه قدماك حتى تجد أنّ خطواتك تقع على رهبة خطوات كثيرة سبقتها. وتكتشف أنّ سودانيين كثيرين ساسقوا على طول هذا الشيطان المنبطح، وخطاهم تُشَلِّخ الدرب كلٌّ على حسب قبيلته. إنه طريقٌ لا يفصل بين عيشٍ وعيش فحسب، بل بين كوكب وكوكب، وبين كائنات وكائنات. الدرب الذي يوجد تقريباً على كل الخارطة السودانية، وخصوصاً مناطق الإنتاج والمشاريع الكبرى. حيث يقطن الكمبو العمال تحديداً والفقراء والنازحون من القبائل الزنجية على وجه العموم.
    هذا الطريق متحكّم ونافذ في أقدار الناس هنا، فبإمكانه إسالة الدم وتخمير الجو برائحة البارود، تغيير الوصايا وتبديل حصص الميراث، نقض عقد أو صُلح أو انتزاع أرض من رجل وتقديمها لآخر. يمكنه طرد أيٍّ كان من بيت وُلِدَ وخُتِنَ فيه، وربما من البلد كلها التي حدّد فيها البقعة التي سيضع فيها جنبه للموت، فكل حيّ هنا يعلم أنّ قبره ذراعين، ثلاثة، أو كذا خطوات يمين أو شمال قبر جَدّه فلان.
    أما القرية التي تكون مناظرة للكمبو على الدوام، فهي لأجلاف العرب من باعة السكّر والشاي والقديد، ومصلو الجمعة نهاراً، الذين هم في الحقيقة منتسبو الكمبو ليلاً.
    إمام قريتنا كان يدعو على الكمبو بالخاسفة كلّما وجد لسانه رطباً وبداخل فمه. كما كان يتهم "ضوّينا" المؤذن بأنه رجل سُوقي وبكّاش، يطلس الناس ويداهنهم. أما الحقيقة فهي أنّ ضوّينا قد كان رجلاً سمحاً وفيه نُزوع للمشاورة، ويهتم بطرح آرائه في شكل مقترحات يسعى لأن يجمع لها الموضوعية قبل المناصرين. يقف دائماً مُقَسَّماً بين رجل مهيب ورجل طاعم اللهجة. بالتساوي. عين تُطل من عالم جليل، وأخرى تُطل من عالم ضحوك. وجهه لا يفتش وإنما يتنّقل كمدرة القارب، يعرف عمق الناس وضحلهم أينما التفت. بادئ ذي بدء ليقدِّر نبلهم ويجلّه، وثاني ذي مثنى ليقوِّم اعوجاجهم بحنان. هو لا يترصّد ولا يثأر ولا يعظ. إنه شاهد الخير فحسب.
    كان الإمام لئيماً ولطينة بني أُمية، يقطعه الله. فإن دَرَج على الترويج إلى أنّ ذلك الطريق الذي يصل بين القرية والكمبو طول الشيطان الذي يرقد بينهما، فلطالما سعى لترسيم حدوده فوق الناس على أنّه قامة الملاك الذي يقف بين القرية والسماء.
    الغريب أنّ ضوّينا لم يخلُف الإمام بعد موته كما هو متوقّع، بل خلفَه ناظر المدرسة. ليحلّ صنف رجال الدين الحديثين هؤلاء. الذين هم أصلاً ذلك الدجال القديم، بعد أن أُضيف له القليل والمضلِّل من معرفة الحساب والجغرافية، والكثير من الخبث وجداول الضرب لتجويد حسابات لصوصيتهم. فنوعه هذا هو بالتحديد ما يدفع سانتينو لمقولة: الله يعتبر المشتبه فيه الأوّل، في الجرائم التي تُرتكب باسم الدين.
    ضوّينا كان حلو اللهجة وطاعمها، ولأنني مفتونٌ باللغة والقواميس منذ صغري فقد كنت أحبُّ حديثه، خصوصاً حينما يحكي عن مذبحة الإمام الحسين، ولطالما جسّد لي حضرة الإمام الناظر بني أُمَيّة بأنوفهم الطويلة والقاسية، والخُرج الكبير الذي كان يجمع فيه الفاصوليا والفول والمحاصيل من أناس أفقر منه، وتحوّلت خطبة الجمعة في عهده من شتائم الإمام الراحل، إلى هرطقات بهلوانية تشبه كثيراً حصصه في مادة الجغرافيا، التي يتناول فيها صناعة الأفّاقين من بيض جنوب إفريقيا.
    ضوّينا الرائع كان متواضعاً، وعيناه الصوفيتان يسكنهما على الدوام انعكاس نخلتيه اللتين بجوار الساقية، وحتى حينما يعود من حقله ويفارق ساقيته يجلس إلى الناس وعيناه تُطلان بانعكاسهما وظل نخلتيه نفسه. فلم يكن يتحرّج مطلقاً من القدوم لدائرة شجرة اللَّبخ العملاقة بقرب النهر، حيث اعتادت أن تنزل على الدوام المجموعة الثانية التي كانت تستهويني من الباعة، الغجر، وابنتهم "سنيّة" على وجه الخصوص.
    الحَلَبْ "الغجر" يسيحون في البلاد بطولها، ليقوم الرجال منهم بصيانة الأواني وقِطَع الأثاث وغيرها من الأغراض، أمّا نساؤهم فتقوم بتجارات صغيرة أهمّها بيع أدوات المكياج والأواني المنزلية والملابس.
    قلت لوالد سنيّة كأنّي أرمي بشِباكي في النيل،..
    "يا عمّنا إنتو ما عندكم لا أهل لا بلد؟".
    "كيف يا ولدي!؟ أمّة محمد دي كلها أهل منو؟ وأرض الله دي من حدّها لحدّها الدّخلها معاه في قبره منو؟ دهور بأكملها يا ولدي وأنا أمتلك خيمة لها 12 وتد، لم ينبت أحدها في أرض بلد، ولم أغرسها في مياه بحر. دائماً معي، ودائماً أجد لها الأرض والمنزَلة. نحن يا ولدي بلدنا موسم مش مكان. أما كلام أرضنا وبلدنا وحدودنا دا كلام ناس حكومة وبَسْ".
    فليفهم أبو سنيّة ما يشاء، من كون ملكية الأرض كمرادف للوطن، ضلالٌ كبير وغيره، فأولئك قوم الوطن عندهم رديفٌ على حمار. أمّا الذي أفهمه أنا، فهو أنّ النساء من جنس سنيّة ابنته أكبر فكرة ضد الوطن، لستُ مراهقاً صغيراً ليخدعني شاعر ما ببيت شعر يقول فيه إنّ المرأة وطن مهم ومثل هذه السذاجات، كلا، أنا مراهق متمرّس، يعرف أنّ المرأة الجميلة لدرجة الإبهام، ما هي إلا الحنين في تجليّاته العضوية، فانظر بهذا المفهوم بُعد امرأة كهذه من أن تكون وطناً.
    سنيّة لم تُخلق من الشِّعر الداجن لتخدَع أحداً بالمواطنة، بل أنزلوها من ظهر الشعر غير المطيَّع أبداً، جاذبة دون حد يتوقّف لديه الخيال. كانت رسمة ولم تكن بنتاً، قبضوا عليها من شِق ماد به النخيل في تيه فانزلق منه.
    بالأمارة، كنتُ أجمع صور الجميلات من كل غلاف، وأُكدّسهن لحد أن ضاق بهن المنزل. ولكنني لاحظتُ أنّه بعد فترة تنقلب الجميلة لمجرد فتاة لا أكثر. أحياناً أعتبر نفسي قد أخطأت التقييم، وأحايين أخرى أتأمل هذا الاستهلاك نفسه للجمال، وأقول لنفسي لا بدّ أنّ للإنسان مَلَكَة تعمل على استئناس الجمال! وإلا قتله الحنين. وكنتُ أفترض من ناحية أخرى أنّه لا بدّ من وجود جمال فذ ووحشي، لا يمكن استئناسه بالمرة، لأنه يقع في بلاد الحنين بالكامل، فما من مقدرة هنا بوسعها بلوغه كي يتم لها استئناسه بعد ذلك. وسنيّة كانت ذلك الشاهد الحي على صدق نظريتي، كانت الجمال الوحشي كما لم يُقدّر حتّى لخيال البشري أن يمتطي ظهره مطلقاً.
    أتذكّر جيداً حينما بَرَّر المرحوم حسنين طلاق زوجته بقوله لحمدان الطبّاخ،..
    "أنا رجل محكوم بالموت كما تعرفون، لتأخذ حرّيتها، فهي بأي حال تزيد على المرأة ناقصة العقل والدين بكونها ناقصة زوق وجمال".
    ضحكوا ساعتها، وأجابه حمدان،..
    "كلهن يصبحن هكذا بعد فترة، ولكنّا نُكْمِلُهن بالصبر وغض البصر". ضحكت معهم، ولم أقل لهم إلا "سنيّة"، فأنت لن توافق على نظرية سوى هذه إن لم يُقدّر لك أن ترى "سنيّة".
    كانت قانوناً من قوانين الطبيعة في حد ذاتها، القوانين التي تُوجد بدافع أن تَحْكُمَ بناءاتٍ، وتُفني غيرها.
    وكنت أنا أيضاً قانوناً في المقابل، أعرف حكاية الجسد وشبح الجسد من مبتداها لخاتمتها، فمع أحاجي كـ"سنيّة" أقود حواراً مختلفاً، في مناطق الضَحَل المليئة بالصير، بلغة شاغفة التطفّل أكثر منها ذكية، لغة رحيمة مع غربة الغريب وحواجزه.
    "وجهك يبدو مألوفاً بالنسبة لي. قولي بس شفتك وين؟".
    "أنا؟ وين يا وِلْدي؟"، قالت بلهجة الحَلَب، وأردفت،..
    ما أظن أنا، تكون واحدة تانية".
    "لا، أنا لا أقصدك أنت، ابنة الحَلَب، وبائعة الصيني!".
    مع إجابتي هذه أخرجت عينها التي تتأكَّد بها من كون الناس مجانين أم لا، فأكملتُ على الفور: أقصدك أنتِ، البنت الحلوة وبس. يعني إنت كان لازم تشتغلي بنت حلوة وبائعة؟
    فأطلقت "سنيّة" ضحكة غير مترحّلة، ضحكة كدَقِّ وتد الخيمة في الأرض.
    "أيوة أيوة، دلّلني بالكلام الحلو، أصلها الحلاوة دي شَغّالة عند ألسنتكم، مش عندنا". ردّت وهي تُدير ابتسامة من خلف قمر وجهها بكامله، وبعد تفتيش فمها الجميل، لإخراج بسمة خاصة تدخرها لمن يتفاوضون معها في غير الأسعار. ربما أحسّت باللعبة الودودة القادمة.
    وهكذا لعبسة بعد لعبسة حتى صارت لي معها علاقة بطول أسفار غجر الدنيا كلهم، وإن كانت كالأنهار الموسمية، تمتلئ وتفيض مع موسم مجيئهم إلى قريتنا، وتزوي وتتصحّر أوان غيبتهم.
    لا زلت أذكر أوّل لقاء جسدي كان لي معها. أشّرتُ لها من بعيد، وأشّرتْ لي هي بماعون العَلَف، فتبعتها. تظاهرتْ بكونها ستعلف الحمير البعيدة بعض الشيء عن الناس، وأنا جلست لظل شجيرة قريبة منها بدعوى أنّ هنالك شوكة في قدمي.
    كانت "سنيّة" أجمل حكاية رافقت الغجر من بين كل حكاياتهم. حتّى المسترجلات قليلاً من نساء قريتنا، كنّ سيأتين لينخسنها ويغمزنها ويتغزّلن فيها، كما رَغِبت "الروضة" بائعة البروش، كانت أكثر شخص ينافسني على الفتيات، لأنّ معها تصريح الدخول لجميع أماكن تجمّعات النسوة. كانت امرأة مشلّخة ووسيمة بشكل لافت، تتحدث دوماً بأرخص لسان شوارع دنئ، تحاججها امرأة حول "بِرش" في السوق،..
    "هوي يا الروضة، إنتِ والله إلا كان دايرة تغشّيني".
    "شوفي يا وليّة إنتِ، هسّه في ذمّتك صبغة البرش دي بتاعة عشرة ريال وألا عشرة جنيه! أقوم أنيكك؟ الدنيا براها حر".
    تنكمش المرأة حين تقوم الروضة، ولكنّها لا تهرب، فكل النساء فيهنّ تلاعب ما، تتضَحّك المرأة، لأنّ الروضة تقول،..
    "أقيفي أوريك نوع السعف"، طبعاً لا سعف ولا يحزنون، "الروضة" تميل في اتجاه الجوالات المرمية في الخلف، بينما تضغط بعضوها ردفي المرأة الطريين، ويدها تفعل أشياء في صدرها، توزّع المرأة المستلذة كل تلك الحركات الواضحة جداً على،..
    "هَيْ يا يمة شوالات سعفك بعيدة، كان تجيبيها في وشك بي هنا". لتقول لها الروضة مقهقهة،..
    "يعني إنتِ كايسة الراحة لي منو فينا؟".
    مع بدايات ظهور سنيّة وجمالها الفذ، كنتُ حاسماً مع "الروضة"، فقد سمعت بكونها بدأت تحوم حول "سنيّة". لمحتها تحمل سعفها من بعيد، فربطتُ حماري بجوار الترعة وأسرعت أقصدها بينما طوريتي في يدي بطينها، وبدون مقدّمات،..
    "شوفي يا الروضة، إنتِ ما عندك ذِب، صاح؟".
    "هوي آود التوم، قول بسم الله، وارعَ بقيدك!".
    "بطّلي حركاتك دي، واسمعيني كويس، والله،.. ووالله، أشوفك وألا أسمعبك قرّبتي من لبخة الحلب دي، إلا أزرع ليك الذِب الدايراهو دا في رأسك، وبالطورية أم طين دي، شايفاها؟".
    كانت الروضة امرأة لها كلمة: "مبروكة عليك"، قالتها كوعد وأنجزته برجولة.
    أصبحنا بعيديْن عن أعين الناس، وكانت سنيّة تعلف البهائم، بماعون فارغ، بينما كنت أنا أستخرج شوكة لم تدخل إلى جسمي بعد، وبدون منقاش، فتواعدنا مساء ذلك اليوم لدى صفصاف الشاطئ.
    كنتُ منتصباً لها بتمامي، قرب النهر، ومن قبل مواعيد لقائنا. أشعلت سيجارة بنقو غليظة وفاهمة، بوسعها تقريح شفاه حتّى ذلك النهر، وإصطاله ليخرج مهرجلاً بين البيوت. بنقو الجنوب من صنف "الكافن"، حين تتلقّاه تتلقّى المعرفة كلها في جرعة واحدة وكبيرة، فليس بمقدرة أي كلام بعد ذلك أن يُعَقِّد نفسه بداخلك حتّى يبلغ قامة السؤال فيك، يُعيد صياغة الصور الواقعية ويؤطّرها بضباب لذيذ يُبرز عمقها، يُحمِّض منك ما يُحمِّض،... يشذ بالحياة الغريبة كلها نحو مألوف منسي بداخل الإنسان، يستأنسُ فيك ما يستأنس،..
    دخّنتُ ودخّنت، حتى رأيت الشمس ترفُّ فوق المياه، كوزّة تُريد أن تبترد. وإلى أنّ تشقّق النهر عن فتيات كُثر، يرتدين منامات رهيفة. فإذا ما صرفت بصرك باتّجاههن، لا تُبصرهن كتحريري عين، وإنما شفهياً وبكل لغة.
    صرفت بصري ناحية النهر من موقعي ذلك، فوجدته قرمزيّ اللون، زِدتُ من تركيزي وهِمَّتي كي أتيقّن منه، فلامسَ عينيّ كوجود رائق من دلكة خالصة.
    الزمان والمكان استحالا لسجسجٍ من عناق، ودغدغة، وتورّد خدود، وانفتاح وانغلاق غمّازات وأرداف.
    ضوء الشمس الشفقي يشطّف بلمعه وجوه الفتيات السُمر، فيأخذ تلك الوجوه رويداً رويداً إلى حيث جوهر الإشراق وكلّياته الخفية. ثم بدأ غناؤهن بكلمات تتراكب أمام عينيّ كقطع ملوّنة من نوع دُمى الأطفال التركيبية.
    أخذتُ أُردّد معهن كلمات الأغاني، فأحسستُ بنفسي تتحدّث لغةً سَبَقت قومها للتحضّر بعصر جيولوجي كامل، لذا ظلّت بِكراً وطي ألسنتها لدهور، وهاأنا أوّل المفتضّين.
    فالإنسان حين يصطل يسد منابع اللغة البدائية فيه، ويفتتح مجاهل للكلام من حيث لا يرتهن للّسان.
    حينما بدأن البرود بالدلكة كنت أتطاير أمام نفسي مثل قطع الكلام تلك، وأتراكب مع بعضي البعض في مليون صفة وهيئة وهيئة.
    لاه برقٌ فضي في علياء ذلك العالم المثير ثم اختفى، وإن كانت أشتات ضوئه لا تزال تقشط نهر الدلكة ذلكم في تيه. فتبتلُّ منامات الفتيات من جديد، وتقطر ندف الضياء برفق، حتى تلتصق بأطراف شعر الفتيات في شكل بلّورات صغيرة، وأيضاً في شكل حِزم كبيرة بعض الشيء، تتراءى من بعيد وكأنها من جنس الشرائط اللامعة التي يُصفَّف بها الشعر.
    أجسادهن كانت حربٌ معمارية، فحين ينثنن قوس، وحين يستقمن في وقفتهن يصرعني سهم. أمّا شعورهنّ فكانت سوداء فاحمة، وطويلة حد الدنيا تغيِّم. انغمستْ في نهر الدلكة ذلك لدرجة الغرق، وتغطّت بضفاف من أرداف الفتيات. كنّ ينفضن شعرهن بغنج، فيطير فَراش الرذاذ المعطّر ويدس نفسه حيث تندسّ الخَمْر. ثم تضحك واحدة منهنّ فالثانية، ويبدأ التراشق المَرِح بتيار الخُمْرة الذي يجري من تحت طبقات الدلكة بخرير يصطل الروح.
    اجتاحني احتياج شهواني بحجم يفوق هياج أنوثة كلّ الفتيات الخائضات في النهر. فشاطئتُ نهر الدلكة، قاصداً الفتيات، بخطوات لا أكاد أنزعها عن الأرض حتى تنمو شجرة حناء أو صندل على الفور حيث موطئي، بلغت عالَماً من أيادٍ بيضاء، حنطية، وسمراء، يمتدّ إلي بأكمله مستغيثاً،... وما إن بدأت أخوض نحوهن...
    نادتْ هي، وقطع صوتها الواجف وساوس ذلك النبات السلطان، كانت تقف أمامي من بين بوادر الظلام الذي بدأ يحل، ومن بين أصقاع البنقو التي أخذت تنقشع.
    "تعثّرتْ على أرض النهر الحرشة وهي في طريقها إليّ، وتلقفتها أنا بسرعة لتكمل تعثرها وباقي وقوعها في صدري. فلاقتني وأنا مواقيت المواسم كلها، يميني الشتاء، غربي الصيف، "اجلس يا ربيع"، "غُوري يا أم مشير"، أنا يوم اليوم وخميرة الدهر.
    انحنيت فوقها، تحملني ساقٌ تحفظ لي توازن ما بعد الوقوف/ المشي، وعلى مركزي لا على رقعة أرض أو أي مُعْتلَى آخر.
    كنتُ كالعتّال، العتّال باليد الحنينة والساق الأحن، لأُنزل من فوقها الهموم مطمورة وراء مطمورة، وسهر الوحدة ليلة بعد ليلة.
    أخذتُ بكامل راحتي اليدين، حلمتيها الورديتين في شفاف، إسكابتيّ ماعون الحياة، ثم فتلتهما مترفّقا مترفّقا، مثل لف ورق التبغ والكافن، فغزاني إحساس أُشني، وجذبتني طاقة الحياة بين عُمر وعُمر، حيث المشي بالساق الثالثة والتحليق لزيادة المحرّكات.
    طرحتها على العشب الطري برفق، برفق، بهدوء وكأنني أخشى عليها أن تندلق، مباعداً بين بدايتها ونهايتها، ثم جثوتُ بين فخذيها كمزارع يريد أن يبدّد عناد أرض شاسعة، بطورية وحيدة؛ وبضربة واحدة فقط؛ يُريدها أن تُسوّى وتُزرع وتُحصَد. مكثتُ بين ضفتيها طويلاً، حتى خشيت أن تُداهمني صرخة طفل وأنا في ذلك المكان.
    انتبهت إلى أنّ عرقها أخذ ينتح كندى الأوراق، ثم فحنا بعبق أشجار الحناء والقرنفل، والفاكهة المتبرعمة لتوّها، نكهات كثيرة، من اللّبان واليانسون والأناناس واللافندر، يا رب الكلوروفيل، الأرض ينكحها الجدول، والمرأة يُفلحها الرجل.
    لقد احتلمتْ كل مسام جسدها بالخروج، وغدت كل شقوق الروح منها حُبلى، إثر ذلك الاحتلام.
    تشابكنا والتقت جذورنا عند خصب مناطق التقاء التيارات.
    كنتُ أهمزها من جانبها، هاهنا موضع للبهجة وأسارير غالية، البهجة دفينة بجانب الإنسان، وحين تضحك بالكامل أمصّها من فمها، يصبح نصف الضحكة بفمي وأترك نصفها الآخر بفمها، ويرفس المرح بيننا كسمكة صغيرة معلَّقة من رأسها وذيلها بين فمّينا، هذا ما يُجَمِّع شتات الأرواح في مدارها الواحد، وينظمها في خيط عقدها وتتابعها الأزلي.
    تذَكّرت مع الراحة المبهمة التي شعرت بها، أنّ الناس من أرضنا يُلقِّبون "المطموث" أيضاً بلفظة "الشيء"، أمر عُجاب كما ترى، فهو بذلك يصبح الأمر الوحيد الذي يُعَرَّف بالتنكير ويحدَّد بكلمة مطلقة وماهلة. همست في أُذن سنية،..
    "ارفعي رأسك لأرى عينيك".
    كانت تتأود بين يديّ كدمية من العلك، على وجهها ترتيب المحاريث وأسارير أخرى غالية، أجابتني بما يتوق لأن يكون ندماً: "لا بد أنني مخبولة". أدارت وجهها ليلمع بوهجه في جهة أخري كصفحة نهر كانت رائقة وعنّ لها خاطر آخر، خاطر انقلابي، من جنس وميض لروح تتألّم في العميق، سألتني بلهجة ندم متدلّلة،..
    "ألست خائفاً؟".
    "أبداً لا،...".
    "ولا حتّى ندمان؟".
    "اسمعي يا سنيّة، أنا هنا بالتحديد لكي يتحرَّر قلبي من أمراضه".
    "ولكننا نتعذّب بعد هذا"، تحسستْ بيديها يديّ، فقلت لها: "ولكننا قَبْله أيضاً كنا في عذاب".
    نهنهتْ: "لقد غلطنا، أشعر بذلك، وفي نفس الوقت بالرغبة فيك مجدداً".
    بالنسبة للفليل، مراجعة حالة كهذه في رأسه لم تكن تعني المحاسبة أبداً، بقدر ما تعني اجترار المتعة، قلت ويدي تمغنط باللذة الذي كاد أن يفيق من خَدَرها،..
    "الغلط بدأ يوم تلصَّص ردفان صغيران لصدرك. الجسد يغلط غلطة كهذه في النمو؟ يا لفداحة الأمر، ستنبني عليها جمهورية من الغلط. أمثالي لن يصححوا الدنيا ولن يقترحوا أنفسهم مُعَدّلِين أوضاع. لتغلط الدنيا على كيفها، ولنغلط نحن من بعدها على كيفنا. نمو الحياة وابتناؤها من بدأ لعبة الغلط هذه، بَذْر الحياة وتبرعمها يحتاج لأغلاط كثيرة".
    ثم سرحنا،.....
    تذكّرت علاقاتي بنساء كثيرات خسرتهن، ولم أحزن أو أندم على أي واحدة منهن مطلقاً، إنَّ خسران أي امرأة هو في الحقيقة شاغر مكان لكسب غيرها، إلا شاغر سنيّة هذه، بل هو مخزنها وليس شاغرها، مخزنها الذي سيبقى في انتظار موسمها القادم على الدوام. لقد سكنتني على الدوام كوسواس لذّة تلعاب، تنهرها فيركض ظلها فحسب، أمّا هي فتلبد بين لعبة الشيء وظله.
    سهرتُ لجانبها حتى الصباح، ولم أغفُ لثانية واحدة، ولا عجب، فالسهر بقرب امرأة عارية عند الفحل تُمباك عين. عانقتها بشرَه وجنون حتّى تحوّلت سلسلتها الذهبية إلى عنقي دون أن نشعر. عانقتها لآخر شبر يرتكز عليه المطموث مبلّلاً كأصبع لقارئ يود تقليب صفحات المرأة جيلاً بعد جيل. سعينا معاً على أنهرٍ، وخيل، وبُراقات، ورواحلٍ كثيرة ممّا نعلم، ومن مجاهيل، فالمطموث عندي ذو سُرَى وأكثر من موصِّل جيد بين بدنين.
    تلاشينا في تركيبة واحدة وفي غير ما شكل أو صفة، فنحن لم نكن نتلاحم بوضع جانبي، ولا حتى قائمٌ أحدنا على الآخر. لقد اصطلحنا أيْنَاً من وحينا في تلك اللحظات اللصّة، التي تدفعك للوقوع دفعاً، وحين تنفصل عن توازنك ولا يصبح أمامك خيارٌ سوى الوقوع، تسبقك وتسرق الوقوع،... خليك هنا: بين أعلى أرض وأنوَر سماء.
    لم أصحو إلا على صوت المؤذن ضوّينا وهو يتكّل فَتَر الأرض بحيل السماء. صوت الأذان غار في أعماقي كالمدية، تمادى، تمادى، وأنا أتمدّد وأتطاول كالنفق، فلم يلبث أن تجاوزني بعد أنّ تردّد صداه بداخلي لأزمنة لا أعرف قدرها، ثم امتصّته آفة ما، كما تمتصّ الحقول الرطبة دويّ البندقية.
    لقد أكسبتني ليلة البارحة شيئاً محسوساً ولا يمكن شرحه، كملكة شعر أو رسم، أو طريقة سريّة للغناء. شعرتُ وكأنّي تلقّيت عناقاً من نساء الأرض كلها، وألفيت أنّ كل ما بي من أسف وحزن وحنين مجهول، قد شربته أولئك النسوة أثناء احتضانهن ومصّهن لي.
    وهاأنذا سجين مكان لئيم، ضوء الشمس سقط هاهنا فتسوّس، لأنه لم يجد الغجرية الشفّافة التي يعبرها. أُراهن على أنّه لو زُرعت شجرة لبخ هاهنا لأصبحت تُلقي بظلالها في جيب، كما يفعل الناس بنقودهم. هنا مكان ضد أن يُقيم الغجر وضد أن يترحّلوا. ولكني سأبحث عن عالمي في هذا المكان داخل الشق النسوي النائم بأعماق الرجال، سأُوقظه، فكل رجل يمكن تعميره كماكينة السيارة ليلعب عُمْرَين من حياة وظيفته الواحدة، ولن أكون مغفلاً أبداً، فالمغفل لن تسوءه الدنيا بقدر ما سيسوء هو نفسه.
    قلت لمكاشفي صباح أحد الأيام، والهواء يخضّنا بذكرياتنا وشغفنا الهائم نحو لا شيء، كجريد النخل،..
    "لِمَ أنا شهواني يا شيخنا؟"
    وعدّلها هو الإنساني الكريم، ليُلحقني ببقية البشر، ولكي لا يصنّف نفسه بدرجة ثانية في مواجهتي،..
    "نحن شهوانيون لأننا لا نفكّر إلا في أنفسنا". وضحك بلطفه المعتاد، وسألني برغبة حقيقية في التآنس،..
    "ألم تحب امرأة يا الرضي؟".
    لم أُجبه، بل طاردت ردّه السالف بقولي: "ولكن هناك شيء سيغيب عنك، إن لم تلاحظ أنّ الشهوة في الأصل جزئية عطاء، وليست أنانية بحتة". نظرت في عينيه الوقورتين وأضفت،..
    "ابن آدم ليس مستودع الروح فحسب، بل كله مستودعات، و...
    ولكنه قاطعني قائلاً،..
    "المستودع الذي في صُلب ابن آدم على وجه الخصوص هو مستودع البترول، ومن ثَمّ الطاقة أو الحرائق. أما بالنسبة لشخص مثلي فبوسعه العثور على طاقة من خلال أشياء جِد بعيدة عن مفاهيم مستودعاتك هذه".
    شعرت به قد كَرِه التفلسف في ذاك الصباح، ومعه الحق، فكل مسجون تافه منّا تخطر له فكرة ما، إما أن يأتي ليضجر بها مكاشفي أو يذهب بها إلى بشرى محمود. امتثلت الصمت. أما هو فقال لي،..
    "رغبت في استفسارك عن شيء، لو أمكنك أن تصارحني".
    "لك ما تشاء".
    "هل سبق لك أن نبشت قبراً؟".
    لم أكن أتحرّج من مكاشفي، ولا من موقفي نفسه تجاه وجودي، ككائن ممثّل للحياة من طراز أول، ولن يتوانى عن جَرّ الحياة من الضفة الأخرى للعالم الثاني، عوداً بها نحو هذا العالم، لو كان بوسعي فعل ذلك، ولكنني تحرّجت فقط من بعُد المسافة بين نظرتينا تجاه الموت وداخله. قلت له بلهجة اجتهدتُ كي تخرج بسيطة وثابتة ما أمكن: ذلك حَدث معي يا شيخنا، ولكن مَرّة واحدة فقط. سألني باهتمام تعَجّبت له في دخيلتي: كيف؟ أو اروِ عليّ ما حدث.
    كان هناك رجل يلقبونه "الشالع" يا مكاشفي، لشجاعته وإقدامه، بالرغم من ضآلة حجمه وقصر قامته. لم تكن تربطني به إلا معرفة طفيفة، وكان يشتغل في مجال البناء، مع عمل إضافي بتحضير المياه والطوب في المقبرة لو كانت هناك وفاة، وكان الناس يلقبونه أيضاً بـ"عزرائيل" لأنّه الأمين على مفاتيح مخزن أدوات الحفر الخاصة بالمقبرة.
    كنت أُدخّن بجوار الطاحونة الفوقانية والدنيا شبه ليل، يوم ماتت "نعمة" الأرملة الجميلة. فمرّ بي "الشالع" وهو يحمل بعض أدوات الحفر، وحيّاني بتحدٍّ أو بإصرار ما اعتدت عليه منه، كنت أُقيّمه فَجّاً وساذجاً لا أكثر، ولكنه توقّف ونادى فيّ بصوته الأبح والمنخور،..
    "ود التوم، المطيميس، مصيّدلك لبنيّة وألا شنو؟".
    جاملتُه أنا من قِبَلي: "الليلة سوقك عاد، عزرائيل عارف ما عندك حق سماية، وألا ما ياهو؟ كانت امرأته قد وضعت مولوداً لتوِّها.
    "بصّح والله، عارف ما عندي حق سماية، وعارفني متوسِّد الكَرّاب"، قالها وضحك. استغربت أنا عبارته الخاتمة، هو سيجني بعض جنيهات من أهل المتوفية نظير خدمته في الدفن، فيسمّي بعائدها مولوده، ولكن "متوسّد الكرّاب" هذه تعني أنه يلتحف سريره فحسب، ولا ينام فوق زوجته لأنها واضعة، ما معنى ذلك؟ ما كان ليفوت رجلاً مثلي الإيحاء الجنسي لعبارته ورنّة صوته المحظوظة التي قال بها ذلك. اقترب مني أكثر وقال لي مكشّراً بأسنانه الصفراء،..
    "إنت آود التوم زول دِلكة وخُمرة ساكت؟".
    أوليتُه اهتمامي هذه المرة، فسألني،..
    "جرّبت السعوط المتخمّر لحدي ما عفنته تطقطق زي كراع الجرادة؟".
    طبعاً كنت أعرف ذلك، كحال كل الكيِّفين، كلما كان السعوط قديماً زاد مفعول تخديره، أحياناً كنت أتركه حتّى يتعفّن فبذلك يصبح ألذّ وقوياً كالشراب. لم أكن أعرف النيكروفيلية واتجاهاتها بالطبع، قبل أن يشرحها لي كمال هنا، القراءة العكسية للأشياء، الأبواب الثانية، ليس عطر المرأة ما يهم، ولكن رائحة الآدمي منها، الإدراك للجمال بعد تشريح وتذوّق القبح، الخلود للراحة بعد تلقي الألم لدرجة امتصاص مفعوله، تذوّق الدم بوصفه "الوالدين" للُعاب الجنس، تذوق اللحم لصد السعر المختبئ خلف كل نزوة.
    لَمَح "الشالع" في عينيّ، تحت الضوء المتسرّب من الطاحونة البعيدة، أنني فهمته جيداً. دَقْ، دَقْ، دَقْ، صوت الطاحونة، في رأسي وفي فضاء الليل البكر تناهى إليّ آسراً، ما يدهس القمح والذرة ويؤمِّن الحياة، بطَق الحجارة وتصادمها. قال متحرّشاً بي،..
    "فلاحتك بس في النهود أمّات حليب".
    راهنتُه على الفور: أنا معاك الليلة في أمّات دود، تَنْقد الرهيفة".
    يا لبرودة دمه، قصد بي داره أولاً ونادى على زوجته من فوق الحائط، فجاءته أخته: لِمّي السُّكّر والدقيق ديل، قولي ليها الصابون بجي أجيبو من دكان التعاون.
    ثم توجّهنا ناحية المقبرة،…
    "لو خائف أرجع، الشغلانية دي فيها وسواس". اعتقدته يقصد أنها ربما تؤثر على نفسيتي سلباً، فأجبته،..
    "لو فيها موت ما برجع".
    "لا أنا قصدي، حلوة ولذيذة، سيدها تاني بحرس المقابر دي لي ديمة".
    لم أرد عليه، أخذ هو يضحك، أزعجني بكونه يضرب بعصاه على كل شيء نمر به، أردته أن لا يُحدث إزعاجاً فيلفت إلينا الأنظار، بالرغم من كوننا تجاوزنا دائرة الآهلين. ثَبّتُ عصاه في إحدى المرات ففهم قصدي،..
    "ما تخاف، أنا سيد الناس الميتين ديل كلهن، وكمان الحيين الإنت خائف منهم ديل، لأنهم برضوا ح يموتوا، خذ راحتك وما تهم". يُريني حدود أملاكه المختل، ويعزمني على التصرّف بحرية.
    عندما وصلنا وجدته قد رتّب كل شيء،…. ضربات معدودة بالفأس، في مجارٍ خبأها أصلاً وبحنكة، وهاهو يستعيد نعمة، يضحك،..
    أنا تهيّبت الموت فعلاً، دعاني باستفزازه،..
    "قَرِّب آخوي، أسهل من شغل الحمير، لا لفخ، لا فقعنا بيضتك".
    يستشيرني: أنا أوّل وألا إنت أوّل؟
    "لا خُذ راحتك"،…
    ابتعدت عنه قليلاً، أعرف أنه لن يأتي أحد إلى هنا، ولكنني تشاغلت بكوني أُراقب الطريق، لأراجع فكرة مشاركته، أو الإحجام!
    كان يغني، وكان رأسي يغلي، انتهى وجاء ناحيتي،…
    "قرّرت يا بتاع الطالبات؟ وألا نخلي الوليّة تتوكّل؟".
    لم أتمالك نفسي من ضحك متخوّف، وقلبي يضرب،…
    "راقب،…"، وتوجّهت ناحيتها، لم تكن مختلفة كثيراً كما كنت أتوقّع، كانت امرأة جميلة في حياتها،..
    رائحتها كانت نفّاذة وشبيهة برائحة موقد الكيروسين إبّان اشتعاله، أو رائحة النار في حطب مبلول، أكثر ما استدرت حوله مراراً ملمس أوردتها، وقريباً من سُرّتها،...
    شعرتُ باكتفاء مكاشفي لدى هذا الحد، فأكّدت له: "لم أُكرِّرها يا شيخنا".
    إذ لا بدّ أن نتعاطى المرأة كقصيدة، وأن لا نقترب منها كشيء يُكال أبداً، فالمكاييل لها بداية ولكن لا آخر لها. والجرائم الجنسية تحدث لأننا نريد من الجسد ما هو أكثر، مثلما أنّ الكوارث البيئية تحل لأننا نريد من الأرض ما هو أكثر.
    علينا بالاستشفاف، فالكل يريد النفاذ إلى سكينة عميقة، عبر شيء يمضغه، يعلكه، يتذوقه، يدركه عبر اختبار شكلاني،.. نُريد ذلك من أجل القرارة، إنه جوع أزلي منذ التفتّق القديم، يسعى للعودة والالتحام عند كل صيرورة من صيرورات الجسد، ولدى كل لفّة أو منحنى من تعريجاته ونوافذه، كُن مثلي إذن، شاعراً أو متصوفاً برّاني، لأنّ الشروع في تعاطي الجسد بالجسد لا ينتهي إلا به، وبتدميره في النهاية، ولن يتحقّق لنا تَجَابُه الكيان الداخلي الممتع إلا بروح تصوُّف بَرّانية مرحة.
    وقفت في ذلك الليل، أو قُل انتصبت ذكراً للمدينة النائمة. تسيطر عليّ رغبة صارمة، في أن أكتشف بأسفلي الأمامي، كلَّ ما هو أسفل خلفي من هذا الوجود. أنا الكائن الغريب، الذي أمطره غمامٌ تجمَّع من ماء الرجل، فنزل للأرض دوائر دوائر، مثل فقاقيع الصابون، ليختلط بأشجار الصندل والطلح والكليت والشاف، ولينبت معها بذرةً بذرة، وعوداً عوداً، في كل مهبل بور، وكل دبر مثل طريق مقطوعة، لا تعبرها راحلة ولا غرباء، وأنا الغريب كلّه والغربة كلّها.
    كمال يقول: "الإنسان كالريح، ويأخذ وجهته من الفصول المتغيّرة".
    وبشرى يقول: "الإنسان كالبوصلة، ويأخذ وجهته الثابتة من الله".
    ولكن الذي أعرفه أنا، أنني أنتظر قيامة إنسان الريح هذا أن تقوم من جسدي، وإن كنتُ بوصلةً فإن مؤشرها في أسفلي، وما تحت النساء شمالي الخالد. أما أيْن الله للبشري، فلا يُلخصّه فصلٌ ولا اتجاه. وربما يصدق فيّ ما قاله حمدان: "أنت هكذا، لا ترى الأشياء، وإنما ترى انعكاسك عليها".
    أذكر حينما كنّا نجلس في فناء السجن وفاضت بي مثل هذه الأحاسيس، قلت لسانتينو وكمال،..
    "كل الناس الذين عرفتهم في صغري كانوا بدايات لذوات أخرى مكتملة، أو تشبه أن تكون مكتملة. شيء مؤسف جداً أن يكون ضوّينا مجرد بداية مسار ينتهي بمكاشفي، مدير المدرسة بداية لشيطان مكة، أما أبي فبداية ركيكة لي.
    ضحك سانتينو وكمال، وواصلت حديثي: ولكن سلامة تختلف، يا ترى هي تتمة أو بداية من؟ وفيمن أجد خاتمة دهرية؟ ولا شك أنّ المأمور ملحق لوكيل المدرسة. أما والد سنيّة فلا بُدّ أنه ضاعت منه بعض الفصول أثناء تجواله. كما أنّ إمام المسجد الجديد تسلسله غير جيد، ما يحتّم أن تختتمه مصيبة.
    ضحكنا لكون الناس كمجموعة شجر من نوع واحد، منها الجذوع، ومنها ما طوله متر، ومتران،...
    "سأشكرك يا الفليل لو أثبت أحد الناس أنني فصل يخصّه، ليأخذه فأُعتبَر لاغياً وأستريح"، قال كمال ضاحكاً، فتحمّس سانتينو: يا لها من لعبة ماكرة، تستنفد خيرات الأرض بأفواه كثيرة، كان يجب أن تلخّص في فم واحد ونصف فتحة شرج.
    اصطدمت ضحكاتنا بعد هذا التعليق فوق رؤوسنا، وسقطَتْ على الأرض تتلوّى في غبارها. اختطفَنَا الغبار لبعض الوقت، ثم أعادنا إلى مواقعنا جزءاً جزءاً، حتى اكتملنا فرادَى ومنفصلين عن بعضنا البعض، وكلٌّ على حدة. لقد كانت لعبة ماكرة بالفعل كما يبدو.
    بالليل عليك، نار الحُفَر
    تغنّي في حطب الطلح
    وخشم الرواكيب
    يداور في الرذاذ
    يا مرحب حبابك، ومنشرح
    يضهب في الضلام
    نور الفوانيس القُدَام
    ويضوِّي فيك،..
    وهج الجرح
    طاردت بهذه الأبيات كمال جعفر –ذات يوم- وهو يتملّص مني ويضحك، كنّا نعدُّ للمسرحية التي سنقدّمها للترفيه عن المساجين. ولم أكن أعرف أنّ سلامة ستشارك فيها، على كل حال فقد انزلق لساني أمامها بهذه السيرة. كان هذا الموضوع يعتبر من الأسرار، ولكن ماذا أفعل مع فمي؟ إنّ فم الإنسان إنْ لم يجد فماً آخر يوظّفه فلا بدّ أنّ عطالته ستكون الثرثرة.
    تضاربنا أنا وكمال في تعابث جميل، كنتُ أقول له،..
    "أنا منجم الفيرمون، أنا جوهانسبيرج الفيرمون، أنا رور الفيرمون، أنا بني شنقول الفيرمون،... طالبتُه بأن يجعل هذه الصيحة مقطعاً في المسرحية.
    يقول لي وهو يضحك: كركوك الفيرمون نسيتَها،..
    إنها نفس الفترة التي ضحكنا فيها أنا وسانتينو من منديل سلامة الأبيض بمكتبها، حين لوّحت به كراية بيضاء! فعالم المسرحية تردُ فيه الوردة، كرمز للجوع، ومَن يحمل وردة في يده يعني أنّه يحتاج لوجبة. وتغالط المسرحية دلالة الراية البيضاء كرمز للاستسلام، ففيها تستخدم المرأة الراية البيضاء لطلب الجنس والمتعة. هذه أمور كمال طبعاً، يريد أن يجرّب عالماً ذا دلالات بكرة ومختلفة.
    قلت له، لو أُلهمت موسكو دلالة الراية البيضاء على هذا النحو، حين رفعها نابليون بقلب روسيا، لفعل الروس المنمَّشون بنابليون وجنوده الأفاعيل، ولَجَرَى إسهال الغزاة الماضيين وهم في قبورهم.
    أمّا الدلالة التي أزعجتني، فهي تصوّرهم لأنّ الألوان لم تكن مختلطة بالشهوات والغرائز في الماضي، أي أنها كانت ذات دلالة شاعرية حالمة كالموسيقى تماماً، ولها متعة في حدّ ذاتها ومن صميمها، لا تعوِّل فيها على شيء آخر تختلط به كي يُظهرها. ثم تلت ذلك مرحلة جيوسية ما على الحياة، تَمَّ فيها تكوين المخلوقات من المستويين، الحيواني والإنساني، الأرضي والسماوي. فأصبحنا بذلك نشتهي الفاكهة من خلال لونها، ونستثار جنسياً لمجرّد كون شعر المرأة أسود، أشقر، بُنّي،...
    أمّا ما أفهمه أنا من الموضوع، أنّ الشهوة هي الأصل، وأنّ الموسيقى أعظم اشتهاء خالد عرفه الإنسان، وأنّ أُمَميتها ووحدة خطابها من أُممية الجنس ووحدة خطابه، الخطاب الشمولي والديكتاتور. ولهذا فنحن إلى الآن لم نصل لفهم تحليلي حولها وحول التلقّي لبنية خطابها، ولا نزال نجهل كيف نشبع بها.
    الطريف أنّ سلامة ربما تؤدّي دوراً في المسرحية، ما جعلني أُطالب كمال بإدخال الأحضان والقُبَل إلى النص، ناديتُ فيه،..
    "إن لم تُدخل هذه الأشياء إلى العمل، فإنّ نصكم هذا سيعاني من الخُواء العاطفي والوجودي". فضربني هو بيد هازئة،..
    "يا خي بَطِّل، دعه يعاني من الجذام، ما دخلك أنت؟".
    "أنا؟ أنا مؤمن كبير بالحياة، وفقط".
    قلت ذلك لمناكفته وللضحك فحسب، ولكن زايلني إحساس بالله في تلك الساعة. تذكرتُ مقولة سانتينو الجاحدة: إنّ الله ليس إلا مشوارنا إليه. لأُجيبه أنا على الدوام: إنّ الله إلهٌ أوجَد، وليس برجوازياً يعمل الفقراء في حقله.
    لا علينا، فليحمل سانتينو وكمال ومن يشبههم، سؤال الله كأكبر الأسئلة التي توجد داخلهم، بل كسؤال أكبر من أفق التساؤل المخصّص للبشر. أمّا أنا بحكم خبرتي العميقة وحميميتي مع الجسد، فقد شهِدتُ الله بقلب كل ذرّة منه وبقعة لون ووثبة عَوَز. فالجسد له خيالٌ كالروح تماماً، ولن يتمّ لك العثور على هذا الخيال الجسدي إلا بعد أن تهضم الجسد كدائرة استيعاب كاملة، وذلك عبر سبره والغوص والتوغّل فيه، وليس بالطيران فوقه.
    أنا أحبُّ الجسد لدرجة تجعلني أعتقد بأنني في يوم من الأيام، ربما أصحو مع جتا ردف، وجيب نهد، و2 حضن تربيع، وباي نق العيون، ونهايات الشفاه،... ويكون معي القانون الكُلّي والنظرية التي تفسّر الوجود، فالجسد هو العالم الوحيد الذي يمثّل عالَمَي الغيب والشهادة في قطعة واحدة.
    والجنس ليس استفراغ الجسد لشيء متعفّن أبداً، بل هو العزائر تُفْرِعُها الجذوع، لبناء الكينونة والترقّي، وحث الضفاف للضفاف، كي تعانق وتضم نهرها أينما هرب. إنه ليس شيئاً مرعباً بالمرة، لكي يخيط السودانيون كل ما ينتجونه من الدمور سراويلاً.
    أمّا روح الإنسان تلك، التي برعوا في الحديث عنها كملخّص يُلغي الإنسان ويحل محلّه، فما هي إلا مقدِّمة جانبية متواضعة لخياله الجسدي وما يختبئ فيه من أنحاء. ولطالما سحرتني الإرادة التي أمتلكها بعد تفريغ/ تنشيط جسدي، ولذلك فأنا لا أترك رغباتي تنفجر بداخلي مطلقاً، كي لا أفقد إرادتي. انفجار الرغبة خارج الكيان يمنحنا الإرادة اللانهائية. فالحياة في عمومياتها، وخصوصاً المفهومة منها، هدف تجسُّدي/ خفي نطارده بغرائزنا أوّلاً، وبتخطيط أدمغتنا دعماً للمطاردة وإحكاماً لها ثانياً. فلو توقّفت هذه المطاردة فَقَد الإنسان إرادته، أو أصابه جنون التوقّف، ككمال أو مشتقاته السامّة د. بدوي خليل. فالجنون خلل يصيب الإرادة وليس الدماغ.
    لذا سيظلّ الفليل يجري إلى الأبد دافعاً طاقته لخارجه، كالنيل، مادام أنّه لا مفر من خيار أن تمضي بالجنس كنهر معافى، أو أن تركد به كبِرْكة تتعيّش فيها الهوام وتُمرض الخلق. أنا لا أستحث أشياءكم على الغرق، ولكنني لستُ مديناً للطفو بشيء. فقد خُلقتُ عائراً كما تقول أُمي، عائراً نحو الحقول الماروتية البعيدة، والليالي القديمة والمُقمرة بمروي ونينوى وطيبة.
    منذ زمن بعيد، خطر لي أثناء عودتي من أحد أحياء أمدرمان الموبوءة، أنّ المدن كالنساء تفسد من أسفل. ففي درك قيعان كهذي، تلفظ الإنسانية ضراعتها اليائسة ويتشفّى الإنسان من الدنيا ونفسه. الأحداث تُخلق من طَحْن الدود وإلى بطنه تأوي من جديد. تحت حيث المدينة طائر خرافي، يمدُّ أجنحته السفلية ويحلّق في الحضيض. هناك تكتشف تهوّر الحياة وبركانية البشر، لماذا؟ لأنّهم جاؤوا إلى هنا بعد أن فقدوا إرادتهم. فلو تَركتَ لديهم جنازة امرأة لتسلّمتها منهم حُبْلى. المهم أنّ التسكّع انتهى بي عند مبنى المسرح، فدخلتُ لأجد ممثلة فاتنة وطبيعية، لا تمتلك مزاليج للكلفة كي ترفعها أو تنزلها، إذ كانت عفوية نتيجة لذكاءٍ في فطرتها.
    تتقافز على خشبة المسرح بخفة ورشاقة نضرتين ومتقنتين، ولا يعنيها فستانها القصير حينما ترتفع به هبات النسيم نحو قُرابة نصفها. لقد شرحني جسدها لدى نفسي ككتاب، خصوصاً تحت إضاءة المسرح المراوغة والتنقّلية تلك،..
    "يا رب القُدرة، أي سيقان لعينة وفاخرة لهذه الصبيّة"، صحت أنا فاقداً لإرادتي الخارجية وحائزاً على مجمل إرادة أن لا أكون شبحاً.
    تزحزحتُ كي أتمهّل في مقعدي، فإذا بشبح آدمي ينخلق من ذلك الظلام، الذي يفوِّط المسرح من وجوه الناس.
    "الأخ من هواة مطالعة النساء من أسفل، وألا ما كدا؟"، قال الشبح.
    "طيّب! أنا من محترفي مطالعة النساء من أسفل، لمعلوميتك. والمرأة هي الصحيفة الوحيدة التي تُقرأ بالمقلوب. صنّفني زي ما عايز. فذلك أهون عليّ من أن أكون أُميّاً في مطالعة النساء". أضفت من باب التحرّش: ألا توافقني على أن ساق المرأة أعرض وأهم مانشيت في صحيفتها المسلّية؟
    "هذا لو كانت المرأة صحيفة، وللتسلية".
    "قد لا تكون صحيفة، وليست للتسلية، ولكننا نُسَلِّي بعض، نتسلّى يعني".
    "هنالك كائن اسمه الإنسان يا هذا".
    "نعم إنسان، إنسان مسلّي، ولا بدّ أنّ هناك نوع آخر غير مسلّي".
    واجهني الرجل هذه المرة ليقول: عليك أن تفكّر فوق سروالك قليلاً.
    سألته: "ببطني مثلاً، أم أنت تقصد رأسي".
    "تعرف ما أقصده، لا تتبالَه، هذا لو كان لك رأس طبعاً".
    "وما رأسي؟ إنه سروال من أعلى فحسب".
    "لا خلاص، دمك خفيف وفيلسوف، ولو عامل فيها فاسق ربنا يعينك".
    "ما دمتَ تمتلك سروالاً فنحن نشترك في هذا الفسق. بالنسبة للفلسفة، أنت فلسفتك المطالعة من أعلى، وأنا فلسفتي المطالعة من أسفل. وأنت ترى أن ينتصب عقلك قبل ذكرك، وأنا أترك الأمر للذي ينتصب أوّلاً"، ثم أطلقتُ ضحكة الفليل التي أعرض من فمه، فوجدها الرجل تفسيراً لما دار بيننا من حوار. فقد ظنّ منذ طريقة التفاتته إليّ تلك، بأنّي بهيمة مجنونة، وتأكّد من ظنه ذلكم بإمساكه لتلك الضحكة كذنب لها وصَمَت.
    شعرت بالملل من امتلاء الدنيا بالأشباح، غادرت المسرح على الفور. ليصيدني هذا الليل بالخارج أو لأصيده. وقفتُ في ذلك الليل، أو قُل انتصبت ذكَراً للمدينة النائمة، وكان الحائط أمامي مباشرة، قِزماً وليس بوسعه أن يستر صدر امرأة تقف لجانبه عارية في فلك آدميتها. لم أتسلّق ذلك الحائط، بل خطوتُ فوقه، إذ كان لا يفي بضرورة أن يتسوّره أحد.
    الجميع كانوا ينشرون روائح نومهم في الحوش. رائحة العَرَق والشهوة الغافية، طيّبة ونفّاذة، استطعت تمييز جسد صاحبتي في الظلام، من ضمن الأجساد الكثيرة المنشورة في هواء الليل. بوسعي أنا مرفعين الجسد، رؤية هالات وأبخرة متلويّة وعلامات أخرى كثيرة، منهم ومن أعماقي، تعينني في قراءة وتمييز الأجساد.
    اقتربت من سريرها بلهفة، فقد كانت فتاة فخمة وناضحة بالشباب. جسدها كان متكشّفاً عند مواضع كثيرة ومُغوية، كنت أراها كقضمات الفأس من شجرة، لها رحيق وصمغ ولمعة الكلوروفيل. دكدك شيء في أعماقي كهرولة لجموع، لدواب، لأنهر، لغمام مرعد، وبدا كهروب كبير لغابة من وحوش وطير.
    مددت لها يدي، مضرّجة بالاشتهاء، ونحو صدرها تحديداً. كان يضج بثغاء زرائبه ولحظة حليبه في الظلام. انتفضتْ هي بقوة حينما مسّتها يدي، قوة أكبر من أن ينتجها الخوف أو أن يحتويها. قوة الرغبة في الآخر، وثبة الحياة من ضَحَلها نحو عمقها. لذلك لم تسألني عمّا أفعل؟ ولا كيف أجرؤ؟ أو.. أو.. بل سألتني وأنفاسها تصكصك كقرطاس في الريح،..
    "من أنت؟".
    أُخفت صوتي كثيراً وأنا أقول: الرضي.
    لم تسمع همسي، فنَوَتْ تكرار سؤالها بطريقة: نعم؟
    ولكنني قرّبت عينيّ من عينيها بسرعة وتدارك، كي يصطدم مخزنا الرغبة، بخوفهما وبجوعهما في وهدة الظلام. تعرّفتني فوراً، فتحوّل سؤالها –في فمها- من كلمة "نعم" الاستفسارية تلك، لهمهمة،..
    "أممم، الله يجازيك".
    فانتصبت ذكراً للمدينة النائمة، وتلاشيت في غيب امرأة.






    ..
                  

10-11-2005, 10:53 AM

nashaat elemam
<anashaat elemam
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1108

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: محسن خالد)

    تسلمي يا ابوي دايما انت معلى
    شاحدو انا الكريم اصلو ما تتدلى
    نحنا ده الكلام بيهو بس نتسلى
    ونضما هيلك انت فيهو البيان يتجلى

    عجبني جدك.. وضحكت من وصفك للتور الهائج.. واتخيلت المنظر.. ياخي تسلم ان شاء الله.. وعيني بارده عليها الصورة كيتاً في الذكرتهم والما ذكرتهم.. وجكس السودان يا سيدي فهمك بس بكفيهو.. لكن بيني وبينك في واحدات سطحيات اها النوع ده بكون محتاج للصوره..
    ياخي حقيقه واحشنا..

    ولدك.. نشأت الامام
                  

10-12-2005, 00:48 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: nashaat elemam)

    محسن يارائع
    دي أجمل هدية رمضانية
    ربنا يحفظك
                  

10-12-2005, 04:09 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: عاطف عبدالله)

    ..


    نشأت الابن العزيز،..
    وكمان نحن اتوحشناك آلشريف، كن بخير،..


    عاطف عبد الله،..
    تحياتي يا عاطف واتوحشناك،..
    معليش علي الرد المتأخر، والله الكمبيوتر دا سوالي فلايت اليومين ديل،..
    ياها الغاغاء، نسوي شنو؟
    كن بخير، أبداً بخير،..


    ..
                  

10-14-2005, 01:22 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: محسن خالد)

    لكل من أراد تيموليلت "الحلوة" كنص من قطعة واحدة، ونار

    يا ناصف، أنا الليلة اتكلمت مع أمك الروحية، وإنت حردت البوست دا لمحسن خالد وألا شنو؟
                  

10-17-2005, 04:21 PM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالي عن محسن خالد الذي منعت صحيفة الراي الاعام نشره (Re: محسن خالد)

    Quote: ناصف، إنت حردت البوست دا لمحسن خالد وألا شنو؟

    العزيز محسن خالد

    هو انت بتدي الزول فرصه (للحردنة) بس ملاحقتك بقت صعبة في البورد مالك بقيت (منكشح)
    كده !!؟؟
    صرت الاحقك من بوست لي بوست
    تعرف بقيت مابلقى فرصه عشان ارد على اي بوست لانو الواحد بقى جاري طول اليوم حتى البورد بقيت اديهو طله من حين الى حين والآن اكتب كلماتي هذه الساعة الواحدة بعد منتصف الليل (دي بركات رمضان )

    Quote: ناصف، أنا الليلة اتكلمت مع أمك الروحية،


    طبعا دي اعادتني لذكريات صارت مثل (الوشم)من كثرة ماهي واضحه فانك كثيرا ما لاتنتبه لها وطالما انت في الامارات فالام الروحية تسكن بجواركم، بلغها سلامي وتحياتي وقل لها اذا كان قد اصاب الابناء العقوق كما تتخيلين فقلب الام لا يستطيع ان يتخلى عنهم
    ولي عوده شكرا على تيموليت كاملة، هكذا نتحدى الذين يظنون انهم يستطيعون ان يحجبوا ضوء الشمس
    فللاسف البوست الرئيسي لا يستطيع السودانيون بالداخل قرائته او مطالعة تعليقات زواره
    ولك خالص الود
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de