|
الانتاية والضكر...مدارسة غير جندرية فى مسائل جندرية
|
الانتاية والضكر مدارسة غير جندرية فى مسائل جندرية
عبد المنعم الجزولى
مايمكن إعتباره مدخلا
إستهلال غير ضرورى
كنت قد بدأت هذه المدارسات قبل سنوات طويلة بقصد التثقيف الذاتى فى المسألة المرأوية, وكما هو الحال معى دائما فقد وجدت نفسى فى دوامة من المغالطات والمغالطات المضادة, ثم فى مرحلة معينة تعارضت رؤيتى الشخصية مع رؤيتى الحزبية وتداخلت الأخيرة مع قناعاتى الدينية التى تعارضت هى الأخرى مع رؤاى الإجتماعية مما جعل منى ساحة تعج بإنفصامات ثقافية إجتماعية سياسية بل وشخصية فى بعض الاحيان, فهجرت الأمر بعض حين حتى استعيد لياقتى النفسية والتى كادت بعض ظروفى الاجتماعية ان تقضى على البقية الباقية منها.
امران, شدا انتباهتى مرة اخرى الى الموضوع, فوجدت ان رجلى قد انزلقتا- بوعى او بدون- عائدتان بى الى المدارسة مرة ثانية :-
الاول حين وقعت مصادفة على قصيدة للشاعرة الامريكية مورييل راكايزر (Muriel Rukeyser) تتخيل فيها ان حوارا ثانيا قد دار بين اوديب الملك و الوحش* بعد ان كان الملك اوديب قد قتل اباه وتزوج من امه ثم بعد اكتشافه لحقيقة الخطيئة التى ارتكبها قام بفقئ عينيه. تخيلت مورييل ان الملك اوديب جاء الى الوحش مستفهما والالم يعتصره ان لماذا لم يستطع ان يتعرف على امه قبل ان يدخل بها فاجابته الوحش ببساطة :
"لانك اعطيتنى اجابة خاطئة", قالت الوحش فقال اويب " ولكن تلك كانت الاجابة الوحيدة الممكنة" عند ذلك اجابته الوحش " حين سألتك عمن يمشى على اربع فى الصباح ثم فى الظهر يمشى على اثنتين وفى المساء ثلاث , اجبتنى ايها الملك انه الانسان ولم تذكر شيئا عن الانسانة " فأجاب الملك مندهشا "عندما تقول الانسان فانك تعنى الجميع رجلا كان او امرأة هذا امر يعرفه كل الناس" فضحكت الوحش قائلة: "هذا ماتظن, ايها الر جل". 1
الثانى جاء فى الحواشى السفلية لتقرير الامم المحدة حول المؤتمر العالمى للمرأة فى بكين سنة1995 فقد كانت اللوحة الخلفية فى ندوة المنظمات غير الحكومية تقرأ ( انظر الى العالم بعيون ا لمرأة ). وفى مداخلتها, طلبت احدى مندوبات دول اسيا الشمالية وهى السيدة سونيتا ادار (Suneeta Adar) من المجتمعات ان يتاملن فى تلك اللوحة ثم تسائلت: "عيون اية امرأة تعنون؟" 2
نسوية ام أنثوية ؟
فى تشجبها على معالق ايديولوجية مفتعلة, انغمست اعداد كبيرة من النساء, فى مفارقات لغوية ربما املتها - فى مقام ما - مساوئ النقل عن السنة مختلفة, فانفتق الجرح عن تقاطعات قادت الى شبه متاهة, اقرب هى الى الهرجلة, حالة كون البحث عن تفسيرات او تفريعات بغرض الوصول الى استخراج المشترك فى الظاهرة.
امامنا مفردتان, تشعبتا لتصبحان مصطلحات تلهج بها الالسن وتتزاحم بين سطور الكتابات المختلفات : النسوية والانثوية. وجلى ان الاولى جاءت من الكلمة نساء او نسوة, والثانية جاءت من الكلمة انثى .
تلك التعريفات لا تخلو من طرافة. ففى اللغة العربية, الكلمة (نساء) تستخدم عادة للتدليل على جمع (امرأة) و انها سميت امرأة لانها من امرئ خلقت كما جاء الانجيل. وفى الانجليزية تستخدم الكلمة (Man) بمعنيين, رجل وإنسان. اما الكلمة ( Woman) فهى مكونة من مقطعيين (Wo) و ( Man) فعلى حين يشير المقطع ( Man) الى الرجل او الانسان فان المقطع (Wo) يشير الى الرحم (Womb) فتصبح المرأة فى الانجليزية هى (الانسان ذو الرحم). وتلاحظ الاستدارة حول نفس الفهم فى الفرنسية اشارة الى (Male ) و (Female ) .
وبينما تطلق الاولى (نساء) للاشارة تحديدا الى البشريات, تتعمم الثانية (اناث) لتشمل كافة الكائنات الحية, من بشر وسباع وزواحف ونباتات وغيرها, فلا نقول نساء الضباع وانما نقول اناثها كما لانقول نساء العناكب او نساء النخيل وانما نقول اناث العناكب واناث النخيل.
وفى شائع المعاجم الانجليزية( والتى تعكس على مستوى اللغة ماهو سائد من ثقافة بطرياركية, نجد ان كلمة Female انثى هى اسم وصفة فى الوقت ذاته. فهى تشير كصفة الى انتماء الموصوف الى الجنس القادر على انجاب الاطفال او وضع البيوض، كما تشير كاسم الى شخص او حيوان ينتمي الى هذا الجنس. اما كلمة Feminin انثوي، فهي صفة تشير الى التمتع بصفات ينظر اليها على انها مطابقة للنساء (كاللطف والرقة والعذوبة..الخ) واخيراً فإن كلمة Feminism تشير الى مذهب يدافع عن النساء وحقوقهن وضرورة ان تكون لديهن فرص مساوية لفرص الرجال. هذا في المعاجم الشائعة، اما لدى انصار النسوية فنجد اصراراً مماثلاً، بل اشد على التمييز بين هذه المفاهيم. وهو اصرار يبلغ في بعض الاحيان حد القول: ان بيان الاختلاف بين هذه المفردات قد يكون كافياً لجلاء القضايا الاساسية النظرية والسياسية في النسوية. وبحسب هذا الرأي فإن كلمة Female انثى تشير الى العناصر البيولوجية البحتة التي تميز النساء جنسياً عن الرجال، فهي تشير اذن الى البيولوجيا والطبيعة. اما كلمة Feminine انثوي فتستعمل للاشارة الى ما تفرضه المبادئ الثقافية والاجتماعية البطريركية من انماط الجنس والسلوك، فهي تشير إذن الى الثقافة، بمعنى مجموعة الصفات المحددة ثقافياً واجتماعياً وتاريخياً والمفروضة على النساء ككل بوصفها جوهرهن الطبيعي وعلى العكس من ذلك، فإن انصار النسوية اما ان يحاولوا نقض الصفات السابقة وتبيان ان النساء يتمتعن بصفات غير هذه الصفات التي يخصهم بها المجتمع البطريركي، واما ان يرفضوا هذا التعريف للانثوي جملة وتفصيلاً ليروا في الانثوي موقعاً اجتماعياً هو ذاك الذي يهشمه النظام البطريركي بدل ان يروا فيه مجموعة من الصفات المحددة اجتماعياً وثقافياً سواء كانت سلبية او ايجابية. وذلك في محاولة للفرار من مخاطر الاعتقاد بوجود جوهر معين، بيولوجي او ثقافي، يسم النساء جميعاً. واخيراً، فإن كلمة Feminism نسوية تشير الى قضية سياسية تتعلق بحرية المرأة الجديدة)3 التي بزغت فى منتصف القرن العشرين.
وان اصبحت النسوية والنسائية مصطلحات تقود الى الاعتناء بشوؤن النساء سياسة واقتصادا ومجتمعا فان الانثوية لاتزال تحمل مضمونا بيولوجيا يقترن بالرحم والبيض والتفقيس, مكاتفة لكلمة (ذكورة) المقترنة دائما بالتخصيب, واهليتهما معا –الانوثة والذكورة – للاسهام فى استمرار النوع.
ولاغراض الفرز البيولوجى وحده فان انثى بلا انوثة تعتبر متساوية مع ذكر بلا ذكورة, كلاهما لافائدة بيولوجية منه ويمكن اعتباره ( تمومة جرتق) ليس اكثر.
فى مجتمعات العناكب مثلا فان للانثى دور ريادى فى الحفاظ على النوع والاهتمام بتنشئة الجيل القادم(!) بل وان دور الذكر ينتهى تماما بانتهاء عملية التخصيب. وانا هنا عندما اقول ينتهى دوره تماما فاننى اعنى ذلك حرفيا حيث لايستطيع الذكر ان يجد انثى اخرى ليقوم باخصابها الا فى احتمال واحد من مليون, وبالتالى يصبح عنكبوتيا( على وزن اجتماعيا) مثل الشجرة الميتة لاتصلح الا لاعمال الحريق, وهكذا تتم معاملته حرفيا من قبل انثى العنكبوت التى لاتتردد اطلاقا فى التهامه بكامله مباشرة عقب انتهاء عملية الجماع (!) وتتغذى به مكونة منه مادة غذائية دسمة لمصلحة الاجنة التى تحملها بداخلها. وقد ذهب البروفيسور جاريد ديموند(Jared Diamond) الى انه ووفقا لمبدأ الانتخاب الطبيعى فان الذكور الاقوياء فقط هم من يقومون بعمليات تخصيب الاناث بعد صراع دموى ينتهى بالتهام الذكر القوى لبضعة ذكور ضعفاء, مكونا منهم مادة غذائية اضافية تعينه على اداء مهمته الرهيبة قبل ان يتحول هو نفسه الى طبق دسم يوضع امام انثاه بعد انتهاء التخصيب دون اية مقاومة تذكر بل وفى بعض الاحيان يتطوع هو نفسه بمساعدة انثاه وتمكينها من نفسه حتى يسهل عليها مهمة التهامه بدون متاعب4 ذلك ان خلاياه هى خلايا ذكر فحل قوى يمكن الاستفادة منها فى تغذية الجيل القادم بدلا عن اهدارها تحت باطن الارض بدون فائدة . هذا القول بالطبع سيجعل افواه كثير من الجندريات تتحلب استطعاما. وعلى العموم فان مثل هذا الشذوذ فى العلاقة الجنسية تقابله انماط اشد شذوذا فى العلاقات الجنسية بين البشر!
والنسب الى( نسوة) يشار اليه بالكلمة (نسوى) بينما يشار الى النسب الى (نساء) بالكلمة (نسائى) والاخيرة عادة تستغل فى الترويج للمنتجات التجارية كقولك احذية نسائية وملبوسات نسائية, وليس من المعتاد القول باحذية نسوية اومنتجات نسوية(راجع لافتات المحلات التجارية فى كافة شوارع واسواق البلاد العربية). اشارة الى منتجات بعينها كانت قد صنعت خصيصا لتلبسها وتستخدمها جماهير النساء فقط, ومن العيب – اجتماعيا – ان يتعاطاها جمهور الرجال. كما وان الاماكن النسائية مثل محلات الحلاقة النسائية والمراحيض النسائية - مثلا- يعتبر دخول الرجال اليها – فى بعض القوانين – شروعا فى ارتكاب الفاحشة.
اذن فكلمات مثل انثى وانثوى وانثوية ذات دلالات بيولوجية بحتة ( هذا كلام لن يعجب الجندريات والجندريين) لكنها الحقيقة المجردة. فكلمة انوثة Feminin تستخدم عادة سواء فى العلم او فى الادب والفن او فى سوق سعد قشرة للتدليل على النوع البيولوجى ومتعلقاته حسب الرؤية الابوية لمفهوم الانوثة. بينما الكلمات نسوى ونسائى ذات مدلول يرتبط مباشرة بالمرأة ولا ادرى لماذا لم تتسمَّ المنظمات التى تعنى بشوؤن المرأة فى المجتمع بالمنظمات المرأوية بدلا عن الدخول فى الشد والجذب بين النسوية والنسائية وافتعال مدلولات لاتفيد الا فى معانى الغلاط.
ويسألونك عن الأنثوية
متى بدأ كل ذلك بالضبط؟
اخذ الهجير يلسع برودة السطح الايدولوجى للثورة الانسانية, ذلك المفعم بالراحة والاسترخاء على مقولات حكماء العصور التالفة عندما تمحولت التأملات فى شوؤن الثورة المسلحة وغير المسلحة الى سؤال انطلق من غابات النضال العالمى ليمسك بخناق افندية ثورة التحرر الوطنى ضد الاستعمار والامبريالية والذى كان قد بدأ يهيل التراب على حقب كاملة من الاستغلال الشره للانسان ضد اخيه الانسان ( كما يجئ فى الاثر الثورى) ذلك النضال الطيب الذى تمخض عن تحويل المسألة من استغلال شره الى استغلال بالمعروف.
السؤال بدأ خافتا. او غير محسوس بتلك الجسارة منذ قرنين من الزمان تقريبا وتحديدا - ليس ملزما – فى ثمانينات القرن التاسع عشر فى فرنسا الحرية والجمال والثورة .
هل المرأة قادرة وذات كفائة انسانية متساوية مع مقدرة وكفائة الرجل؟
هذا السؤال السازج والبسيط والذى تبدو الاجابة عليه لاول وهلة بديهية وطبيعية ومسترخية الضمير ان (لا) وقد ظلت كذلك لقرون عدة, هو الذى رفع الغطاء عن فم القمقم وخرج علينا بمارد رشيق القوام وسمهرى وناهد الصدرعلى عكس مردة الف ليلة وليلة وان كان لايقل عنها من حيث القدرة الخارقة على تحويل نعيم السلطات الحاكمة فى طول العالم وعرضه الى جحيم منفلت لايعلم مداه الا علام المدى الواحد الاحد القهار.
تشكلت معالم ذلك المارد والذى يسمى بالانثوية احيانا وبالنسوية احيان اخر فامتد من فرنسا 1880 الى بقية اوروبا 1890 ثم غزا شمال وجنوب امريكا 1910 5 وسرعان ما غطى المساحة الكائنة تحت عروش الملوك والسلاطين فى الشرقين الادنى والاوسط حتى فار تنوره تماما خلال عقد المرأة الدولى 1975-1985 والذى انتهى/ ابتدأ بمؤتمر المرأة العالمى فى بكين 1995.
ولكن بعض الناشطات فى مجال المرأوية يذهبن ابعد قليلا من ذلك, الى 1696 عندما كتبت امرأة انجليزية( لم اعثر على اسم لها ) مسرحية اعتبرت اقدم مسرحية كتبتها امرأة فى تاريخ المسرح الانجليزى (!) تتحدث شخصية اقنيس دى كاسترو (Agnes de C astro) النبيلة السحاقية الانجليزية ومأساتها فى التمزق بين معشوقتها من ناحية وبين زوجها من الناحية الثانية 6 فى ذات الاتجاه, اتجاه الربط بين المرأوية والسحاقية( باعتبار الاخيرة ضرب من ضروب تمرد المرأة على المجتمع) درست المؤرخة الامريكية جودى قرانJody Grahn)) بضعة مذكرات كان قد كتبها رجل ابيض حوالى سنه 1850 عن قبيلة الكرو ( Crow) من قبائل الهنود الحمر مبديا فيها دهشته من (هذا البلد العجيب), حيث يلبس الرجال ملابس النساء ويقومون بأداء ( واجباتهن المنزلية) حتى يرضين عنهم ويوافقن على معاشرتهم, بينما تصر النساء على تجاهلهم بل ويتمادين فى ابداء عزوفهن عن الرجال لدرجة انهن ينتحين جانبا من القرية ويمارسن حياة الحب والجنس فيما بينهن تاركين خلفهن الرجال والاطفال وشغل البيت الامر الذى اعتبرته البروفيسور قران ليس اكثر من مجرد تعالى ثقافى حيث لاينسجم هذا السلوك الجنسى مع الرؤية المسيحية للاوربى ( المحتل) بينما هو فى تصورها مجرد تمرد مرأوى اعتيادى بل ولربما كان وراءه شئ من الطقوس الدينية التى لم يصبر الرجل الابيض على دراستها 7
اللافت للنظر هنا ان هنود امريكا الحمر كانوا موجودين فى تلك البلاد لقرون طويلة قبل ان يقوم الرجل الابيض باكتشاف وجودهم, ولابد ان تلك الممارسات كانت كذلك موجودة طوال تلك القرون, اذن فللظاهرة جذور تمتد قبل القرن السابع عشر ببضعة قرون على الاقل.
لربما يمكن المجادلة بان هذا السلوك ليس سوى سلوك اجتماعى او لربما دينى لا يمت بصلة لموضوعة مدارستنا هذه والتى تبحث فى الجذور التاريخية لنشوء الحركات المرأوية المنظمة. فى الواقع, فان بعض مؤرخى المرأوية كانوا قد توغلوا فى احراش التاريخ ابعد كثيرا من تلك التواريخ التى تعتبر قريبة نسبيا حتى ان بعضهم قد اعاد نشأة المرأوية الى مجتمعات الحضارة الاغريقية القديمة واساطيرها مسلطا الضوء على شاعرة اسمها سافو (Sappho, Psapho, Ppppsappooo.
" عاشت سافو فى جزيرة ليسبوس تجاه سواحل مايعرف الان بتركيا فى نهاية القرن السابع وبداية القرن السادس ق م . عدا عن تلك الحقيقة المجردة فاننا نعرف القليل جدا عن اشعارها ونكاد لانعلم شيئا عن حياتها او مجتمعها ولاشى يذكر عن شخصيتها بل ولا شئ البتة عن سلوكها الشخصى... ورغم ذلك الجهل المطبق ما انفك الناس لحظة واحدة عن نسج الاساطير وخلق الاقاصيص وتداول الروايات عنها." 8
" سافو ليس اسما, كما واننى لا اعتقد انها شخص بعينه بل هى فضاء يغمر الكون بالهمسات ويلملم اطراف النقاط المبعثرة ليصنع شيئا من اللاشئ9
نقلت الدكتورة نوال السعداوى عن راترى وارنست جروس وفريزر وغيرهم اان المجتمعات التقليدية الافريقية خبرت (ولاتزال) تجربة سيادة الام كما فى حالة الاشانتى والتى وحتى زمان قريب كانت تحكم وفقا لمبدا النسب الى الام وان المرأة لاتزال تتمتع فيها بالنفوذ الاكبر ( الملكة الام) رغم ان ذلك بدأ يضمحل تدريجيا بامتلاك الرجل للارض ومن ثم اكتسابه السلطة على اولاده/ بناته مما احدث تغييرا فى نظم الزواج والمواريث وغيرها. 10 بل وان البعض يعيد تلك التمردات المجتمعية الى ازمان الحضارة الفرعونية فى القرن الخامس ق م حيث ذكر هوميروس بان " النساء تذهبن الى اماكن البيع والشراء لممارسة اعمال التجارة ويقمن علاقاتهن بل ويشغلن انفسهن بسبل كسب العيش بينما يقبع الرجال فى البيوت يوضبون شغلها ويعتنون بالاطفال وامور تنشئتهم.11 واكثر من ذلك فقد اثبت علماء التاريخ والمصرولوجياتان المر’ وبعد ان كانت ترسم على الجدران بحجم زوجها تماما دلالة على التساوى فى المكانة والقدرة اصبحت ترسم بحجم اصغر من زوجها12 ومعنى ذلك ان تحولا ما قد حدث ليضع المرأة فى مكانة اقل من الرجل
من المسلم به علميا ان الانثى تختلف بيولوجيا عن الذكر, حيث تحمل الانثى الأعضاء المرتبطة بالخلق والولادة بينما يحمل الذكر ادوات التخصيب. ومن الثابت علميا ايضا ان هذه الادوات لاتؤثر, لا سلبا ولا ايجابا على قدرة اى منهما على التعاطى مع الحياة, وبالتالى يصبح هنالك لامجال لاتهام الطبيعة باى دور فى انتخاب الذكر البشرى ليكون متصرفا اوحدا فى شؤون الحياة ومايتبع ذلك من فرضه لقوانين وسنن تفاقم من سطوته من ناحية وتحد من اى دور ريادى للمرأة بسبب هذه الخاصية البيولوجية, خاصة وان هذا الانتخاب غير متوفر فى بقية ذكور الكائنات الحية الاخرى.
لاسباب بيولوجية بحتة تحمل انثى الانسان فى داخل رحمها جنينا او بضعة اجنة, وتستمر فى حملهم بين سبعة الى تسعة اشهر وتحرص على الا تقوم بما من شأنه ان يهدد حيوات هذه الاجنة من عمل شاق أو عنيف, وحالما تتخلص من هذا الحمل الثقيل بالانجاب حتى تجد نفسها قد دخلت فى التزام بيولوجى اخر وهو ارضاع الوليد من ثديها وليس من البزازات فترة اخرى من الوقت قد تطول وقد تقصر مما لايسمح بابتعادها عنه لفترات طويلة لهذا فانه يلازمها طول اليوم على كتفها او على ظهرها وفى اثناء ذلك تصبح مهيأة مرة اخرى للاشتراك فى عملية اخصاب جديدة لتعود وتكرر نفس الالتزام بالحمل الثقيل مرة تلو المرة( لم يكن الانسان قد اخترع فكرة تحديد النسل بعد) وهكذا وفى معمعة الحمل والانجاب والارضاع وجدت المرأة انها لاتجد الوقت والجهد الكافيين للاشتراك فى الانشطة الحياتية العنيفة مثل الصيد ومطاردة الحيوانات بل ولم تعد امامها اية فرص لتنمية عضلاتها وتقويتها بما يلائم ذلك الضرب من النشاط بل وان ذات الاسباب( الحمل والانجاب والارضاع) فرضتا عليها البقاء داخل السياج ( البيت/معسكر القبيلة او العشيرة ) لفترات طويلة قد تصل الى معظم شهور السنة مما جعلها اكثر التصاقا بالمواليد واكثر معرفة باحتياجاتهم فنمت قدرتها على الادارة والعناية والترتيب والنظام.
فماذا كان يفعل الرجل فى هكذا مجتمع؟
فى الواقع, كان يقوم بحقن حيواناته المنوية, داخل ارحام النساء, وكان يخرج للصيد. وكان يجد الوقت الكافى لتنمية احتياجاته البدنية لممارسة هذه الوظائف من راحة وتغذية وتقوية عضلات.
فى تقديرى ان من هنا نشأ الصراع بين المرأة والرجل, كناتج طبيعى لما سماه ماركس اول تقسيم للعمل بين البشر,حيث اختص الرجال بالعمل خارج السياج ( البيت/معسكر القبيلة او العشيرة ) غالبا فى الصيد لتوفير الغذاء, بينما اختصت المرأة بالعمل داخله لانجاب الاطفال ورعايتهم وبالمرة, صناعة الطعام.13
ووفقا لهذا التقسيم فان الرجال هم المختصون بادارة شؤون الصيد والعمل خارج السياج, فلا تتدخل المرأة فى مسائل كيفية الاختباء خلف الأكمات أو كيفية إعداد السهام او وضع الخطط للإيقاع بالفريسة وما إلى ذلك من شؤون اختص بها العاملون فى المجال نفسه. وفى ذات الوقت اختصت المرأة بشؤون إدارة كل ما هو داخل السياج, بدء بتسمية الاطفال بعد ولادتهم مرورا بكافة شؤون تربيتهم وتعليمهم وإعدادهم للمستقبل ومن ثم التحكم فى كافة شؤون السياج من حيث الإشراف على الادارة وحفظ وإعداد الغذاء وصناعة الطعام وتوزيعه بل وتبادله مع السياجات الاخرى وفقا لضرورات واحتياجات مجتمع السياج, بل والدفاع عنه ان اقتضت الحاجة, او مايعرف فى علم الادارة الحديثة بشؤون الإدارة والمالية والتموين والعلاقات الخارجية والدفاع والشؤون الداخلية, باختصار كل مايمت لمسائل السيادة بصلة.
يذهب الرجل الى ( بعثة عمل خارجية ) فترة من الوقت ثم يعود محملا بالغنائم والاسلاب التى قد يكون التقاها فى طريقه والتى يتم تسليمها بالكامل للمرأة لتتصرف فيها وفقا للاحتياجات الخاصة بالسياج, ثم ينصرف الرجل بحثا عن ارحام خالية لتعبئتها او للراحة من عناء الصيد او اللهو والرقص والغناء اوالاستعداد لفترات (اغتراب) اخرى قادمة لامحالة فى القريب العاجل.
هكذا سار النظام فى ظل مجتمع محدود الاحتياجات, مايقيه شر الجوع والطبيعة من حوله( برد, حر, مطر, برق, رعد,ريح ...الخ) والحيوانات المفترسة. فطالما ان هذه الاحتياجات قد تمت تلبيتها فهو قانع قرير العين. فكيف انقلب الحال الى سيادة رجولية مطلقة وخضوع مرأوى مهين؟
فى دراسته لمورغان ((Morgan14 اعاد انجلس 15 (Engels ) ترتيب خطوات تكون الاسرة فى المجتمع المشاعى الاول حيث كانت العلاقات الجنسية بين الناس قائمة على مبدأ امرأة لكل الرجال ورجل لكل النساء. وذلك على الرغم من كم الاعتراضات الهائل الذى واجه اجتهاد انجلس حتى وصف باقبح النعوت, الامر الذى اشار هو اليه باعتباره نوعا من محاولة طمس العار ( المفترض ) فى تاريخ الانسانية " لقد اصبح من موضات المحدثين انكار وجود تلك المرحلة من مراحل تطور العلاقات الجنسية فى المجتمع البشرى. ان الهدف من وراء هذا الانكار هو الاحساس بالعار ومحاولة تجنيب المجتمع ذلك الاحساس متحججين بعدم وجود ادلة مباشرة لاثبات هذه الفرضية ." 16 وبالضبط , هذا مافعلته شارى ثوررShari L. Thurer)) فى بحثها المسمى اسطورة الامومة17 "للاسف فان جميع هؤلاء الباحثين لم يتقدموا لنا بدليل مباشر واحد على وجود مجتمع فى التاريخ البشرى كانت تحكمه النساء.... وان الامر لايعدو كونه مجرد تخيلات واوهام تنقصها الدقة العلمية".18 عموما, والى حين ظهور مايثبت العكس يظل انجلز الاكثر نضجا والاعلى صوتا من حيث تتبعه لخطوات نشوء العائلة وتطورها من العائلة التى تنسب ابنائها الى الام (حيث انه من الصعب فى مجتمع علاقاته الجنسية بتلك الشيوعية معرفة من هو الاب , وان كان الاسهل طبعا معرفة الام, من ناحية, ومن الناحية الثانية فان التطور البشرى لم يكن قد سمح بعد بادراك الانسان لدور الرجل فى تخصيب المرأة ) وحتى العائلة الخاضعة كليا لسلطة الاب وفقا لقانون من يملك يحكم وهو الامر الذى فرطت فيه المرأة مبكرا واعتبره انجلس هزيمة تاريخية عالمية كبرى للنساء.
اعتقد بان هذه كانت نقطة البداية فى ظهور المرأوية. تكرس سلطة احتلال ابوى كاملة تدعمها كافة مؤسسات المجتمع من اسطورة ودين وظهور مايعرف بالقيم مع تراكم خبرات سلطوية تم اعتمادها رسميا لتصبح اخلاق المجتمع وعاداته وتقاليده ومن ثم موروثاته التى اصبح الخروج عليها تماما كما الخروج على الدين يستوجب العزل من المجتمع ( السجن والنفى ) او الابادة ( القتل والاعدام ). وبهذا الفهم. تكون المرأوية قد ظهرت بوادرها مع ظهور مرحلة العبودية, باعتبار انهما( قهر النساء واستعباد الناس ) وجهان لعملة واحدة. ومن الطبيعى ان النضال من اجل تحرير المرأة ارتبط بالنضال من اجل تحرير الانسان. مما استدعى تضافر جهود النساء والرجال معا لتحقيق الغاية المزدوجة هذه.
فما الذى حدث, حتى خرجت علينا دعوات انفصالية لاتربط تحريرالنساء بتحرير المجتمع, بل تدعو- منفردة- لتحرير النساء, ليس من قبضة السلطة الحاكمة, وانما- للدهشة- من قبضة الرجل (!)
كتبت الى الصديقة البروفيسور استيل فريدمان اسالها عن الفرق بين الانثوية Feminism والنسوية او النسائية او المرأوية Womanism, وقد كانت اجابتها بقدر ماهى بسيطة فهى محبطة !! قالت ببساطة "لافرق" !! شعرت بانها تستهبلنى , فالواضح امامى ان الدعوة الى المرأوية غير الدعوة الى الانثوية, حيث ارتبطت الاولى ومنذ نشأتها بالنضال البشرى ضد الاستغلال والظلم الواقع على مطلق الانسان صرف النظر عن كونه رجل او امرأة وان اختصت بالجانب المتعلق بحقوق المراة وتميزت بدعوتها الى حرية المراة فى معتقدات وقوانين المجتمع باعتبارها -اى المعتقدات والقوانين- ليست سوى افراز للعقلية التى تحكم الاقتصادى/الاجتماعى, تعبرعنها وتحمى مصالحها فيما يعرف اصطلاحا ب (السياسة) وظهر ذلك الارتباط جليا فى تكوينات المنظمات التى تدعو الى تغيير او بقاء السياسى (الاقتصادى/الاجتماعى) او مايعرف اصطلاحا بالاحزاب السياسية فقد ظلت وباستمرار تضم نساء فى عضويتها بل وفى كثير من الاحيان داخل قيادتها وحديثا اصبحت النساء على رأس الكثير من هذه الاحزاب بل وقد وصلن الى قمة هرم السلطة السياسية من خلال نشاطهن داخل هذه الاحزاب والتى ابتداء قد جئن اليها من باب الدعوة الى حقوق المرأة.
استيل فريدمان قالت بان الانثوية فى الواقع هى التى ظهرت اولا. و فى كتابها المسمى لا رجوع للوراء ((No Turning Back والذى حاولت فيه ان تؤرخ للانثوية وتنظرالى مستقبل المرأة, وفى اطمئنان شديد اعادت تأريخ ظهور مصطلح الانثوية Feminism الى ثمانينات القرن التاسع عشر وفى فرنسا تحديدا 19 بينما اعادت مصطلح المرأوية Womanism الى الكاتبة الامريكية السوداء اليس ووكر ( (Alice Walker وفى القرن العشرين, وان سبب اطلاق هذا المصطلح - كما قالت - كان الغرض منه هو الاشارة الى الناشطات السوداوات 20
استيل, شأنها شأن اغلب الكتابات الامريكية تعتبر ان كل مايحدث خارج الولايات المتحدة الامريكية كانه لم يكن, وان كل شئ عندهم يتوثق حدوثه بزمن ظهوره فى بلاد العم سام.
كارل ماركس, باكتشافه للقيمة الزائدة للبضاعة, وضع النقاط على حروف جوهر الرأسمالية من حيث تراكمها نتيجة لاستغلال عرق الشغيلة وتحويله الى قيمة زائدة او ما يعرف فى السوق باسم الربح. القيمة الزائدة اذن ماهى الا قيمة عمل العامل التى يقوم الرأسمالى بتحويلها الى جيبه الخاص لا لشئ الا لأنه صاحب العمل والآخرون ليسوا سوى شغيلة عنده اما لماذا يكون هو صاحب العمل وليس الآخرون, فتلك هى مشيئة الله الذى يرزق من يشاء بغير حساب ويعز من يشاء ويزل من يشاء, اما لماذا يشاء الله هكذا فتلك قصة طويلة ليس مجالها هذه المدارسة. ولكن الرأسمالى لايقوم فى الواقع باستغلال الشغيلة بنفسه بل يستأجر من يقوم له بهذا الاستغلال, او مايعرف بالادارى او المدير, ورغم ان الاخير يتم استغلال عرقه وتحويله الى ربح هو الاخر, الا انه ينعم ببضعة امتيازات وحوافز تدفعه لتحقيق اكبر قدر ممكن من القيمة الزائدة ارضاء لمخدمه الامر الذى يضعه فى تناقض مستمر مع الشغالين ونقاباتهم والتى كان من المفترض ان يكون هو نفسه جزء منها فهو ليس اكثر من شغال كبير. هذا التناقض هو الذى يضمن التهاء العاملين بالصراع مع انفسهم فى مختلف درجات توظفهم او استغلالهم لدى الرأسمالى, مما يحصر الصراع مرحليا ليكون بين العاملين انفسهم وبالتالى يضمن السيد/الرأسمالى/المالك استمرار تدفق القيمة الزائدة الى جيبه فالعاملين اولا واخيرا يحتاجون للاجر حتى يواجهوا التزاماتهم الحياتية والمعيشية, ومهما تصارعوا مع ادارييهم/انفسهم فهم حتما وفى الغالب سوف يواصلون عملية الحضور الى مكان العمل كل يوم حسب جدول الشغل المحدد سلفا والا واجهوا بطالة على نطاق لاقبل لهم به مما سيحولهم واسرهم بالتاكيد الى مجموعة من المتشردين/ العاطلين.
ذلك هو مصباح علاء الدين السحرى الذى اعتمد عليه الرأسمالي/الإقطاعى/السيد/المالك الخاص فى استمراره وبقائها ( ضمن تشكيلة اخرى متنوعة من المصابيح السحرية الصغيرة والتى تضم فيما تضم الدولة واجهزتها البوليسية والعدلية والادارية والتعليمية والعبادية ...الخ).
اما اذا لاسمح الله وتوحدوا صفا واحدا فى خندق مشترك ضد هذا الاستنزاف المزمن لقواهم والإستحواز المفرط لمكاسبهم فان السيد سيضطر الى اللجوء الى الخطة (د) !! بعد ان استخدم الخطة (أ) فى الإرتقاء من المجتمع المشاعى الى المجتمع العبودى ثم لما ثار العبيد ثورتهم التاريخية وكادوا ان يعصفوا بكل شئ لانهم ببساطة ليس لديهم مايخسرونه سوى اغلالهم, عندها لجأ السيد الى استخدام الخطة (ب) ونقل المباراة التاريخية الى ملعب الاقطاع بعد ان اوهم العبيد بانهم قد اصبحوا احرارا يمكنهم ان يذهبوا ليعملو حيثما يشائون. ومن ناحيتهم ابتلع العبيد هذا الطعم الاقطاعى وداروا فى الزمان دورة كبيرة متوهمين انهم فعلا احرار ثم ما لبثوا ان اكتشفوا الخدعة وراحوا يتمردون ويتعلمون ويثورون ويتحدون فانجزوا اكبر ثورة صناعية فى تاريخ البشرية - حتى ذلك الحين- فاضطر السيد الى اللجوء الى الخطة (ج) اى الانتقال الى معاقل الرأسمالية وتطور فى مدارجها حتى وصل الى مرحلة الإمبريالية بكل تكتيكاتها والاعيبها وقوانينها التى كلما اشتد الصراع اشتد عودها معه لدرجة ان الرأسمالية الجديدة ابتدعت خدعة الاسهم المتشاركة والتى تعطى للعاملين الحق فى تملك ( بعض) اسهم المنشأة التى يعملون لصالحها وهم يدركون تماما ان هذا ال (بعض) مهما تراكم وزاد فهو لن يتجاوز نسبة ال1% او ال3% على احسن الفروض, حتى تجئ مشيئة الله آمرة بالانتقال الى الخطة (د) !!!
هذا ماحدث بالضبط فى صراع الانثوية مع المرأوية. فبدلا عن التوحد بين الناس جميعا رجالاً ونساءً, بيضًا وسودًا ضد قوى الاستغلال فى المجتمع نجد ان الجميع قد انشغلوا بالصراع بين بعضهم البعض فانفتقت حركات تدعوا الى تحرير المرأة من قبضة الرجل وليس من قبضة الامبريالية والاستغلال والظلم, بل وصل الامر فى بعض الحيان الى دعوات صريحة لتخلى الاناث عن جنس الذكور والعيش فى مجتمعات انثوية محضة, تقابلها دعوات مواجهة بتخلى الرجال تماما عن الاناث والاكتفاء بمجتمعات ذكورية بحتة. لهذا لا اجد صعوبة فى فهم طبيعة هذا الزواج بين الانثوية و السحاقية, بعد طلاق الانثوية البائن من المرأوية .
ماهى الأنثوية؟
من المؤكد ان الانثوية Feminism قد ولدت فى رحم المرأوية Womanism وان كان قد حدث انفصال بائن بينهما ذات يوم فهو ليس الاخير فى مسيرة الانثوية والتى تزوجت من الماركسية ايام المد الثورى الذى صاحب حركة التحرر الوطنى ثم تطلقا بالثلاثة فيما بعد, لاسباب سنتعرض لها فى حينها. وعلينا اولا ايجاد معنى او تفسير لماهية الانثوية
المرأوية كنضال اجتماعى ظهرت كحركة تمرد وسط نساء العالمين موجهة تحديدا ضد الظروف والممارسات التى تحاول باستمرار ومنذ الانقسام الاول للعمل (رجل وامرأة) ان تحد من حركة تطور المرأة, كشكل من اشكال الدفاع الازلى عن السائد, من ناحية وكوسيلة للحد من حركة تطور المجتمع نفسه من الناحية الثانية. فالقديم دائما له بريقه المنبعث من حالة كونه منبع الامان المجرب والذى يبعث على الاطمئنان, وللجديد مخاطره فى خلخلة بنية المجتمع وارثه/حضارته/تقاليده..الخ تلك المسميات والتى جوهر عملها فى المجتمع هو الحفاظ قدر الامكان على وضع السلطة والثروة وطريقة قسمتها/تداولها بين الناس مدعومة بكم لاحصر له من الحكم والمواعظ والنصوص الدينية المقدسة والتى يتم تفسيرها واعادة تفسيرها بين الحين والاخر اعمالا لمصلحة مفسريها المرتبطة- ضربة لازب – بمصلحة السلطان باعتباره المستفيد رقم واحد فى جدول الراهن. والعلماء/ المفسرين هؤلاء انما يستخدمون علمهم لحماية مصالحهم لا اكثر. ويستوى فى هذا عالم الدين و عالم الزراعة وعالم الذرة.
كثير من المشتغلات فى حركة تحرر المرأة وصلن الى حقيقة ان جزع المشكل انما ينتمى الى جذر بايولوجى. واعتقد انهن قد وفقن تماما فى ابتداع مصطلح الجنسية (Sexism) لوصف النظام الرأسمالى, اعلى مراحل الفصل الاجتماعى والذى يفرق بين الناس على اسس جندرية.
الذى لم يكنّ – وحتى الان – متأكدات منه هو هل للبايولوجى نفسه اى دور فى جعلهن الجنس الثانى فى المجتمع؟ وهو سؤال يمكن فهمه فى مجتمع بطرياركى يحكمه الرجل, بحيث تصبح ليس كتابة التاريخ وحدها تنطلق من ارضية المنفعة والمصلحة الخاصة وليس من الحقائق المجردة ( فالمعرفة حزبية) وانما كل العلوم النظرية والتطبيقية على السواء تصبح دمية لتحقيق مصالح هى فى الاساس مصالح جنسية21 طبقية جندرية.
علمى البايولوجى والانثربولوجى اختلطا تماما بصناح الرجال مما اثر لاحقا فى مصداقية كثير من الحقائق والمسلمات العلمية مما يكن ان نسميه العلم المزور, وهو نفسه العلم الذى ابتدع دعاية ان المرأة عاجزة بيولوجيا بسبب مشاكل الامومة ومتاعب ماقبلها ومابعدها. وقد اطلق هذا القول فى الواقع ليشمل كافة اناث المملكة الحيوانية التى ينتمى الانسان اليها, حيث حملت الطبيعة وحدها مسؤولية هذه الدونية تحت مسمى الانتخاب الطبيعى. والذى ثبت فيما بعد انه محض وهم لاتسنده اية ادلة بيولوجية كما فى حالة العناكب المشار اليها فى دراسة جريد دايموند اعلاه او فى مجتمعات النحل والعقارب كمثال. ويمكن ايضا النظر الى دور انثى الاسد والنمر وغيرها من اناث الغابة لمعرفة ان الدور البايولوجى الحقيقى للذكر ليس سوى تلقيح بويضات الانثى وان كل العمليات التالية لهذا الدور انما تقوم بها الاناث . اذن فليس للبايولوجى اى دور فى دعم وجهة النظر التى تمكن ذكور البشر من الاستيلاء على السلطة المطلقة فى حياة الناس وغير الناس.
وبفعل الثقافة السائدة والمسنودة دائما بالنصوص المقدسة ( والتى سبق تدوير تفسيرها واعادة ذلك التدوير ليوافق رؤية المتحكم اقتصاديا/اجتماعيا ) اصبحت اقسام كبيرة من النساء انفسهن ابواق داخل ماكينة الدعاية السلطوية التى تنادى ببقاء الامر على ماهو عليه وعلى المتضرر ان يشرب من البحر. ومن ثم تنادت رائدات المرأوية منذ البداية الى ضرورة الابتداء بتحرير المرأة من جهلها, ولهذا السبب بالذات اعتبر ولفترة طويلة - تمتد حتى يوم الناس هذا- ان تعليم المرأ ة مرتبط بفساد المجتمع.
فى ذلت الاتجاه تشير هادية حسب الله الى انه ( في كتابة المرأة تحرر من أغلالها ليست الخارجية بل) والاهم ( قيودها الداخلية التي قيدتها بها ثقافة مجتمعاتها فصارت ندباً لا يشفى داخل الروح، وهذا ما ظلت تهدف إليه الثقافة الذكورية طوال العصور الماضية فأنكرت المرأة على الإبداع وحتى التعقل ولخصت المرأة بأنها جسد بلا عقل وإن تسامحت معها فهي بعقل ناقص.. وظلت المرأة في ثقافة العصور الماضية جسد فقط يغرى الرجل ويجذبه ويستدعيه بشرط أن يظل صامتاً..) 22
تلك هى المرأوية كما نفهمها وكما امنا بها وساهمنا فى دفعها الى الامام. فما هى الانثوية اذن؟
نعود الى الانثويات الامريكيات, وتفسير البروفيسورة ستيلا فريدمان المشار اليه اعلاه من حيث ان المرأوية هى نفسها الانثوية ! وان اليس ووكر قد صكت مصطلح المرأوية فقط لتمييز نضال المرأة السوداء من نضال المرأة البيضاء. وهو كلام لا يدخل العقل بسهولة ! ولكنها على الاقل تمضى اكثر من ذلك لتعرف الانثوية على النحو التالى:
(الانثوية انما هى الايمان بأن النساء والرجال انما يملكون نفس الخصائص التى تؤهلهما للقيام بذات المهمات التى يؤديها الآخر. ولكن لأن أغلب المجتمعات انما تفضل الرجل على المرأة فان على الحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدنى ان تدفع فى اتجاه اعلاء قيمة هذا التساوى).23 سمعا وطاعة, ولكننا ياسيدتى نفعل ذلك حقا فى اطار نضالنا - نحن نساء ورجال العالم الثالث- ضد الاستعمار الحديث وضد هيمنة رأس المال الاجنبى على ثرواتنا وضد العولمة وضد سلسلة طويلة من اعدائنا المشتركين بدءً بالجهل والتخلف ومرورا بالتفسير السلطوى للدين وليس انتهاء بالحركات الإنصرافية والتى تسعى لحصر الصراع داخلنا وشغلنا عن قضيتنا الجوهرية وعدونا التأريخى, فماذا انت قائلة !؟
|
|
|
|
|
|