|
عبد الرحمن مختار..في مقال عاطفي يصف يوم عرسه في 17 ديسمبر الماضي
|
يا روضة تفوح عطراً وبهجة ومسرة
لاحقوني.. أقرأوني، لكن بلا دموع! 50 عاماً من عمري غاصت تحت الوحل .. يا ود اخوي عادل الباز: والى جميع ابنائي وبناتي الصحافيين والصحافيات والى المتعاونين قابضي القلم بيد، وجمر الحقيقة باليد الاخرى. تحية حارة (ملتهبة وملهلبة) عطرها متفجر، وصوتها متفجر، وفحواها اكثر تفجراً وانفجاراً أبعث بها اليكم في قمة شركة مجموعة الوسائط المحدودة «جريدة الصحافة» ، وكذلك الى اللاهثين والساعين وراءها في الاكشاك والاركان ومواقف (STOP)) الاشارة حمراء، والى العاشقين المحبين لها وكذلك الى الحاسدين والكارهين والحاقدين الذين يطالعونها سراً وفي الخفاء. بداية ومواصلة لكل هؤلاء حتى سعاتها وخفرائها وحارسيها تحية وسلاما.. وبعد: ** سؤال كبير ومحير و«مفترس» عايشته ألما ومحنة وسهراً وعذاباً: {{ هل تموت جريدة الصحافة وتختفي وراء التاريخ الى الأبد؟ كان هذا هو السؤال الذي قطع كبدي، وفتفت مصاريني ومزق (كبير اخوانو) واغرقني في بحور عميقة من اليأس والاحباط عندما اهلت علينا ثورة الانقاذ في 1989م وقررت بالفم المليان الغاء ملكية الافراد للصحف وتحويلها بالقانون الى شركات ، فكنت بين خيارين احدهم شديد المرارة والثاني «حلومر» فاخترت واستسلمت غير راض ولا سعيد حتى لا تزول جريدة الصحافة الى الابد وتصبح نسياً منسياً فعاودت الصدور على أيد صحافية شابة امينة يتقدمها الاستاذ كمال حسن بخيت فكان مولدي الثاني عندما توسطها (أسسها عبد الرحمن مختار عام 1961) ثم تحولت ملكيتها الى دار الوسائط بعد ان اندمجت وتحللت وانصهرت فيها صحيفتا الحرية والصحافي الدولي فكان مولدي الثالث ولـ «الصحافة». اما مولدي الاول فكان يوم صدورها يوم 12/7/1961م. وكنت كل ما تصفحتها اتطلع بعمق ومسرة وفرحة طفولية بريئة احيانا تختلط بدمعتين الى اسمي يتوسط قلبها النابض وجمالها ودلالها ورونقها وعظمتها (اسسها عبد الرحمن مختار عام 1961) وكنت لحظتها اولد كل صباح جديد فينتقص ويتدحرج عمري الى (صغرت وليك 19 سنة عمر الزهور، عمر الغرام، عمر الهنا) كما يغرد بها صديقي وحبيبي محمد وردي والساكن قريب جاري في بري المحس في منتصف الخمسينات. {{من حقكم ان تتساءلوا؟ ** كان مولدي الثالث يوم صدورها مواكبة لمشاكوس ونيفاشا تحت مظلة مجموعة الوسائط المحدودة بقيادة الربان الهادئ المبتسم (ديمة) طه علي البشير. من حق المتطلعين والمتطفلين والمستطلعين واصحاب الاذان الطويلة والذين يرون الاحداث بعيون من وراء رؤوسهم من حقهم ان يتساءلوا (ده كله لزومو شنو، يعني «شكارتا دلاكته؟» فأجيب بكل ادب واحترام وانحناءة خفيفة بجسمي المنبسط فأقول: قبل ايام تعد على الاصابع وانا ابعث من جديد (واحيا من تاني) بمناسبة زواجي السعيد الذي غطى الساحة واصبح دولة قائمة بذاتها لها معارضون ومؤيدون ومحبون وكارهون ووسطيون ، تغير فجأة وبلا مقدمات ولا اعلانات شكل جريدة «الصحافة» تبدل فيها كل شيء ، ملامحها وصورها وألوانها وتبويبها ومادتها ونكهتها، ثورة انقلاب عسكري سلمي مسالم بدون اراقة دمعة او دم فاصبحت كالعروس تتخايل وتزدان وتزداد كل يوم تفتحا ورونقا وبهجة وجمالا ، تتمايل وتتثنى وسط عشاقها وتسعى بينهم سعي النسيم. ** هذه الايام الحلوة الماضيات استطاعت حبيبتي ومعزتي جريدة «الصحافة» ان تعيد لي شباباً افتقدته بعامل السنوات الكالحات والزمان المر والصحبة الغادرة، وكلام العزل والشامتين ونقنقة عجائز ومتصابي آخر الزمن بالرغم من انني اعلنتها داوية في تحقيق ولدنا الاستاذ زهير السراج: «من منكم يريد المبارزة.. هل من مصارع؟!». (وهكذا وكذلك وذلك ولذاك) وبدون سابق انذار وبدون مقدمات وبكل عناصر المفاجآت التي ظهرت بها حبيبتي واختي وخالتي وعمتي وحبوبتي «الصحافة» في ثوب عرسها الجديد، كأنما اراد ابنائي والعاملون بها من عادل الباز مرورا بالمتعاونين الى السعاة والخفر، ان يقدموا لي عيدية وهدية بمناسبة زواجي السعيد الملتهب الذي اسماه البعض «بزواج الالفية» و«زواج القرن» وزواج مش عارف ايه!! {{ ما بدأ شيء بالاربعاء الا وقد تم (حديث) ** أعود مرة اخرى الى الاربعاء 17 ديسمبر 2003م ، يوم فرحتي الكبرى فأشكر كل الاهل والاصدقاء، الرجال والشيوخ والنساء والاطفال الذين شاركوني حفل زفافي وغمروني بعطفهم وجعلوا من فرحتي وفرحة لبنى افراحا ممتدة تبلغ في وزنها آلاف الاطنان ويمتد طولها كل خضرة وزهرة وقطرات ندى. وأخص بالشكر والتقدير وعرفان بالوفاء والمودة جميع العاملين بجريدة الصحافة الذين اصبحوا بالنسبة لي «اقرب جار» واعز حبيب ، كما اخص بالشكر كل زملاء المهنة وكل الحاضرين وفي مقدمتهم زميل الصبا والشباب وحبيب الطفولة البريئة المحررة السيد احمد المهدي نجل الزعيم الغائب الحاضر الامام عبد الرحمن المهدي ، وكذلك زوجات وبنات واسر كل الحاضرين الكرام الاكرمين. ** الشكر الخاص والندى المعتق الى حبيبي وصديقي منذ الستينات الفنان المؤرخ والمطرب الذي سبق زمانه بمائة عام الفنان الموهبة عبد الكريم الكابلي الذي «زغزغ» قلوبنا وأثار مشاعرنا وعواطفنا بصوته الشجي الساحر وحلق بنا بعيدا بعيدا في سماوات ملائكية معطرة تفوح منها رائحة الصندل والبخور وحناء العروس والدلكة والكَبَريت بفتح الكاف. {{ مفاجأة سلمى كابلي ** الشكر موصول أيضا الى حبيبتي سلمي عربي، زوجة ابن اخي السيد عبد الله مصطفى الامين وبنت شقيقتي الوحيدة المرحومة ذات الصوت الساحر نفيسة مختار المفاجأة الكبرى التي فجرتها سلمى هذه والتي تصلح ان تكون خبرا رئيسيا في صحف الفن والتي اصبحت الآن أُما «وحبوبة».. فاجأت الحاضرين بانه في عام 1988م وكانت آنذاك طالبة في كلية الخرطوم التطبيقية حاضرهم فيها الاستاذ عبد الكريم الكابلي عن الفن ومقوماته وفي نهاية الحفل ألقت سلمى عربي نيابة عن زميلاتها قصيدة اعادت قراءتها للحفل ، وكان الكابلي ينظر اليها نظرات تائهة سابحة والكل يحملق ويبحلق والكابلي يستمع الى القصيدة بكل جوارحه وعادت به الذكريات العطرة الى عشرات السنين وكان مطلعها: غنينا يا شادي وأسعد الارواح بين زهور الروض والعبير الفاح والقلوب هيمانة كمل الافراح وابكي في جواك لو قليبك ناح *** في ضفاف النيل منتدى السمار اكتمل بدره وايقظ الاشعار حتى موجو رقص في نعيمنا احتار الكلمة سجدت ليك واتعبدوا الاوتار «بالطبع تقصد سجدت للكابلي». ** سكتت سلمى حبيبتي خجلا ولم تكمل القصيدة وسجد الكابلي وطلب منها ان توافيه بها كاملة.. فهل يلحنها الكابلي فيدخل بها سلمى الشاعرة الرقيقة المجهولة ذات الصوت الجميل الذي لم تسمعه لاحد الا لخالها عبد الرحمن.. هل يدخلها دنيا الشعر والغناء والطرب؟.. انا لمنتظرون. {{ لبنى آخر ملاذ وآخر محطة ** يوم الاربعاء 17 ديسمبر 2003م كان يوم فرحتي الكبرى بزواجي الميمون المبارك باذن الله الكبير الذي علمنا القراءة، وعلمنا الحب، وعلمنا الوفاء، وعلمنا الاخاء، وعلمنا الادب، وعلمنا التسامح، ونهانا وكره في نفوسنا وقلوبنا التجني والتطاول والحقد والحسد والاشاعات والاكاذيب والتشفي.. كان يوم فرحتي الكبرى بزواجي من لبنى ابنتي وتلميذتي وأحب وأقرب الناس الى قلبي المجروح المملوء والمفعم بالأسى والالم والوحدة القاتلة لماض قريب كله آهات ودموع.. فاصبحت لبنى الناضجة بالنسبة اليَّ آخر ملاذ وآخر محطة وآخر أمل في هذه الحياة الغانية اللعوب التي بدأت تبتسم اليَّ في ود وحنان وتعيد الى قلبي المفجوع دقاته ونبضاته من جديد في سيمفونية تفوق لحن الامبراطور «لبتهوفن». * لبنى احمد حسين وهي ترد على شرائها في المزاد وركوعها لشيخ عجوز امام الدولار اشتريت فيه مكتبه وكتبه ومكانته المميزة ونياشين معظم رؤساء العالم. اما الدولارات فقد تركتها لكن ولهن! ** كان اهلي يعرضون علي صفوفاً من النساء شابات ومطلقات وارامل شهداء في الجنة بمواصفات ومقاسات مختلفة ، لكنني كنت اريد من تحفظ بقية عمري، وأوراقي وكتبي وتاريخي وعلمي وعملي وكتاباتي.. كنت آمل في فتاة في مستوى معين.. فتاة تحترم شيخوختي وتحنو علي وترضى بقدرها وقدري، وان تشاركني الخطى سريعة ام بطيئة نحو المستقبل وتعينني في بقية رحلتي طالت ام قصرت فكانت الفتاة هي لبنى احمد حسين.. لبنى «كلام رجال» لبنى الناضجة التي تسبق زمانها باعوام تفوق سنوات عمري وكانت ارادة الله وكانت الضجة التي انشغلت بها الصحافة ومجالس المدينة وبيوت البكاء وتخريفات الحافلات وملاعب دور الرياضة!! ناسين او متناسين تماما نيفاشا واستقالة غازي صلاح الدين. {{ اقرأوني ولكن بلا دموع! ** كنت في السنوات العشر الاخيرة أعيش في فراغ نفسي ووجداني وعقلي قاتل ومدمر ازدادت حدته في السنوات الخمس الاخيرة اذ ظلت الوحشة تحيط بي من كل جانب والوحدة تمزقني وخلافي الاسري مع زوجتي الفاضلة يزداد تفجراً والتهاباً عاما بعد عام وشهراً بعد شهر واسبوعاً بعد اسبوع ويوماً بعد يوم حتى هاجت العاصفة والتهبت الحرائق، وتشعبت الخلافات فانفجر البركان النووي وتم الفراق الذي لا لقاء بعده، بعد رحلة طويلة طويلة طويلة.. تبلغ آلاف الاميال وعريضة عريضة عريضة كعرض كل محيطات ووهاد وجبال العالم. ** اقرأوني، تابعوني، لاحقوني، ولكن بلا آهات وبلا تحسر، وبلا دموع!. ** رحلتي بدأت في فبراير 1950م وانتهت في 26 يناير 2002م نعم نعم. رحلة طولها واحد وخمسون عاما ـ أي والله ـ نصف قرن وعام كان من الممكن ان تدخل (استطلاع قنيس) اسقطت خلالها زوجتي الفضلى الطيبة الذكر مرتين في بداية حياتنا الزوجية وكنت راضيا بحكم الله بعد ان فقدنا كل رجاء وودعنا انا وهي بالدموع والحسرات والعبرات كل امل في الانجاب كما تقول دوائر الطب، ففوضنا امرنا الى الله القادر مكتفين بجيهان وعمر جعفر عثمان بخيت وهما ابناء اختها لأمها آمنة احمد حمد وقد تسلمناهما في «اللفة» فكبرا وترعرعا تحت كنفي ورعايتي حتى اكملا الجامعة ومع كل هذه الصور المأساوية يبدو ان الاسرة الكريمة الفاضلة قد تمردت على القدر وحكم الله فداست على الزناد فانفجرت قنبلة هيروشيما القنبلة الذرية التي دفنت كل شيء.. فانهد البنيان وعم الظلام وخرجت وحوش وزلزلت الارض وغاصت خمسون عاما وعام من عمري تحت الارض، بل تحت الوحل فاحاط بي الخوف والقلق والوحدة والاحباط حتى اشرقت شمس الحياة من جديد وفي غفلة من امري ، لكنه القدر الالهي المكتوب (وعواض وبيعوض).. {{ اليوم الموعود ** وفي يوم الاربعاء 17 ديسمبر 2003م يوم زواجي وفرحي بالمبروكة لبنى احمد حسين ، احاط بنا الاحباب والزملاء والاهل وقدم المذيع المعجزة والصديق الحبيب عمر الجزلي خله ورفيقه الكابلي وملأ وامتلأت البطون بأطايب وحلاوة ولدي محمد برعي متعهد الحفل والنظام وتحركت مواكب الافراح وهي تنشد وترقص على انغام الكابلي في اطهر وأنقى واحلى مناسبة. بصوت واحد وابتسامات متشابهات والكل في عناق سماوي ملائكي يصرخ وينشد ويغني: سنة حلوة يا جميل.. سنة حلوة (بابا عبده) سنة حلوة (ماما لبنى) وتمضي الرقصات والاغاني وسط الاهل وعلى رأسهم اسرتي واحبائي واهل لبنى في جريدة الصحافة والموسيقى تدق وتدق، وتئن، وترن وترجحن والاصوات ترتفع والكابلي يحلق بالناس في سموات صافيات تحرسها ملائكة الحب والصفاء وانفض السامرون مودعين احلى واجمل يوم في حياتي.. اما انا وزوجتي المبروكة المباركة لبنى فقد استقبلنا يوما جديدا وعاما جديدا وعهدا جديدا نصلي ونسأل ونتوسل لله عز وجل ان يكون كله خيرا وبركة ، وكل عام واهلي الطيبين وبلادي الحبيبة في امان وسلام تغطيهم سموات الرحمن بالخيرات والبركات والصلوات. ملحوظة: آسف اعذروني فالذي كتبته يشبه تماما عدد الصحافة يوم وفاة حسن عز الدين أفراح الصحافة احزان الصحافة . عبد الرحمن مختار
|
|
|
|
|
|
|
|
|