عطبرة كانت قلعة النضال والصِّدام المباشر والدّامي، مع كل الدكتاتوريات، عطبرة هي مهد الشهيد قرشي الطيب، الذي سقط برصاص بوليس الاستعمار. عطبرة هي قاسم أمين وسلّام، هي الشّفيع، وسلاح الإضراب، هي الاعتصامات السلمية التي اتّخذتها الدُّنيا وسائل حضارية للتغيير السياسي. عطبرة هي الوِرش والعرق، تشحيم الدراجات، ومعيز العِز، التي تعرف طريقها، فتخرج لتستقبل الطغاة في الشوارِع! عطبرة هي الإنتاج و العمّال، هي الحاج عبد الرحمن، الذي كان ثائِراً ضد جميع الأُطُر.. عندما قامت قيامة يوليو، شقّ هُتاف موكبه ميدان أبو جنزير إلى نصفين.. النميري الذي كانَ ساعتها ، يُعلِّق أوسمة الموت فوق صدور الرجال، غاظه أن يعود الحاج إلى دِفء الإنتماء، فأراد ابتزازه قائلاً: مُش إنت أحَمَرْ برضو؟ ردَّ عليه الحاج متنسِّماً عبير الجنّة:ـ أنا ما أحمر وبس.. أنا أحمر قرِنْ شَطّة! من يتصور أن يخرج من عطبرة، من وسط هذا الحراك الثوري والاجتماعي، (كوز) يكون همّه التقليل من دور الحركة الوطنية وطليعتها العمالية، اليسارية، تحديداً؟ من يتصوّر أنَّ مدينة بهذا الألق، وطليعةً بهذه التراتيل، ودولة بهذا العنفوان، تحكمها في آخر الزمان، جماعة أمين حسن عمر، وتبخِّس أمجادها جماعة علي أتبرا، الذي كتب قبل أسبوع في الجِّهة المقابِلة من هذه الزاوِية، طاعِناً في إمام الإنسانية هنري كورييل، و مُسبِغاً عليَّ شرفاً لا أدّعيه، وتهمة لا استنكرها..إذ لم يُحالفني الحظ، ولم أتشرَّف بالانتماء لهذا التيار العظيم، الذي وضع بصماته الواضِحة في تاريخ السودان. أنظر إلى الوعي الذي صنعته الحركة العمالية،إلى نهم القراءة والإطلاع والمكتبات وعلى قمتها “دبورة”، إلى الإيقاع الحياتي الموسيقي المرتبط بصافرات الورش و”بفْ نَفَسْ” القطار. أنظر الى التكافل والتآزر، لخليط أغلبية، تعيش متقاربة فلا استعلاء بينهم ولا طبقية ولا هُم يحزنون. كم مِن قصيدة شلَعتْ. شوف كلمتهم الواحدة: معَ أو ضِد. أنظر كيف خرج من بينهم الفنان، الذي لا ولن يُحيد. الأستاذ محمود محمد طه، قال فيما معناه، أن المدفونين بمقابر عطبرة، كلهم شهداء العيش الكفاف... ما ينطبق على عطبرة، ينطبق كذلك على مشروع الجزيرة، وعلى كل جميل، لأنه قد جاء في مُحكم التنزيل:ــ وأما ما ينفعُ الناس، فيمكث في الأرض. الوعي، هو بعض إنجازات اليسار.. به أضحت كافة فئات الشعب السوداني مسيّسة وعلى السّكين.. بالإضافة إلى الوعي، قدّم اليسار أشرف الرجال، أشرسهم وأحرصهم على الحق العام. رجال لم تلههم تجارةُ ولا بيع. لم تمتد أياديهم إلى مال الشعب ولا بلغوا فناءهم وراء متعتهم الشخصية، ولا عرفوا الطريق إلى بنوك ما وراء البحار. رجال أورثوا أبناءهم ساعتِهم، ومضوا إلى حتفهم باسمين... وعندما جرت المقادير، زلزلوا بالثبات وقار المشانق. رجال واجهوا الموت بشجاعة سارت بها الركبان. صلابة موثّقة بالصوت والصورة، لمن شاء منكم أن يستقيم. ثم جاء على أتبرة يسعى، لتبعيض الجبهة المناهضة للاستعمار وللهوس الديني، طارحاً بنمطية الكوْزَنَة رؤىً ماسِخة ضد الاستنارة والأديان الكتابية ــ اليهودية ــ وضد التاريخ. يكفي اليسار فخراً أنّه لم ينتقم ولم يثأر لِجراحه. يكفي جماعة أتبرا فظاعتهم في بيوت الأشباخ وخارجها، يكفي تدميرهم لمشروع الجزيرة تحت ستار النفرة الخضراء، وتخريب الخدمة المدنية للبقاء في كراسي السلطة. ومعذرة للقراء.. هذه مُطارحة غير محمودة في هذا المقام، لأن صديقنا علي أتبرا لم يحتمل مطالبته بدليل، دليل واحد فقط، على مشاركة الأخوان المسلمين في حِراك إستقلال السودان، ولن يستطيع أن يوضِّح لشعبنا: أين هي الشريعة التي فصلوا الجنوب من أجلها.. قُلت لكم و أتحدّى: لم يستطع، ولن..! akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة