أصدرت حكومة السودان بيانا أكدت فيه إدانة الانقلاب العسكري في تركيا، و إدانتها للعملية الانقلابية، و تأييد الشرعية في تركيا، في الوقت الذي جاءت فيه الحكومة السودانية للسلطة علي ظهر دبابة، هادما للشرعية الديمقراطية، حتى إذا أجرى النظام السوداني عشرات الانتخابات غير النزيهة، ستظل تطارده العملية الانقلابية، لكي تؤكد عدم شرعيته، في الوقت الذي جاء فيه حزب التنمية و العدالة في تركيا من خلال صناديق الاقتراع، و خروج الجماهير التركية بمختلف تياراتها السياسية دفاعا عن الديمقراطية و إدانة للانقلاب، تؤكد وعي المجتمع المدني في تركيا بقيمة الديمقراطية. لماذا فشل الانقلاب في تركيا؟ بينما نجح الانقلاب العسكري الذي كانت وراءه الحركة الإسلامية في السودان؟ يقول الجنرال المتقاعد ويسلي كلارك القائد الأعلى السابق لحلف الأطلنطي لقناة " CNN" إن هناك أربعة أسباب وراء فشل الانقلاب العسكري في تركيا، أولها عدم اعتقال الرئيس و الثاني لم يعطل الأنقلابيون خدمات الانترنيت و وسائل الاتصال الاجتماعي، وثالثا عدم وجود قوات عسكرية كافية تنتشر في كل مكان مما تزرع الخوف في الخارجين ضد الانقلاب، و رابعا إن خروج الجماهير بكثافة دفاعا عن النظام الديمقراطي قد أحدثت ارتباكا في تخطيط الانقلابيين، هذه رؤية عسكرية و لكن في رؤية مدنية يقول الصحافي و المفكر الليبرالي فريد زكريا في برنامجه " GPS" في قناة " CNN " إن أسباب فشل الانقلاب العسكري في تركيا، إن قائد الجيش لم يظهر و يطلب العون من الشعب لدعم الجيش في قراره، و عدم انتقال القيادات السياسية، لكن السبب الرئيسي أن الانتعاش الذي يحدث في تركيا مؤخرا أدي إلي أنتاج طبقة وسطي كبيرة، الأمر الذي خلق مجتمع مدني واسع و منظم و وسائل إعلام حرة، و هؤلاء بالفعل قد شكلوا حماية للنظام الديمقراطي، و خرجوا يدافعون دون خوف عن حقوقهم، المتمثلة في استمرار و بقاء النظام الديمقراطي. فحزب العدالة و التنمية في تركيا هو حزب إسلامي يمتلك رؤية و برنامجا سياسيا، و رضي بأن يكون ضمن اللعبة السياسية الديمقراطية و أدواتها، و المهم إنه جاء عبر صناديق الاقتراع و برضي الأغلبية، و بالتالي كان همه أن يضع حدا لسلطة الجيش في البلاد، و إبعادها عن ممارسة العمل السياسي، و إخضاع هذه المؤسسة للنظام السياسي المدني التزاما بالدستور و القانون، لذلك كرس حزب العدالة مجهوده في تحسن الاقتصاد التركي، و يخرج تركيا من دائرة الديون، و بعد ما كانت تشغل في الترتيب العالمي الدولة رقم 111 في التنمية الاقتصادية، أصبحت تركيا رقم 16 في الترتيب العالمي، الأمر الذي وسع من مساحة الطبقة الوسطي في المجتمع، و هي طبقة تقود عملية التنوير و التطور و التحديث في البلاد، إلي جانب أنها الطبقة التي تحفظ عملية التوازن الاجتماعي، و هي الطبقة التي خرجت جلها تدافع عن النظام الديمقراطي و تمنع الانقلابيين من تحقيق أهدافهم، و هؤلاء الذين خرجوا لا يمثلون حزب العدالة و التنمية فقط، إنما خرجت كل القوي السياسية علي مختلف قواها الفكرية تدافع عن النظام الديمقراطي في جبهة واحدة. إذا نظرنا في الجانب السوداني، عندما حدث انقلاب الجبهة الإسلامية في 30 يونيو عام 1989، لماذا لم تخرج الجماهير تدافع عن النظام الديمقراطي، و تتصدي للانقلابيين؟ هناك أسبابا عديدة لكن ليس حبا في الحركة الإسلامية، و أول هذه الأسباب كانت الطبقة الوسطي ضعيفة و تضعضعت بسبب سوء إدارة الاقتصاد في نظام مايو العسكري، الذي شهد أزمة اقتصادية أدت إلي اتساع رقعة الفقر في المجتمع، السبب الثاني إن الأحزاب السياسي التي كانت ممنوعة من النشاط كانت ضعيفة في نشاطها و في إدارتها للصراع، ثالثا علاقة الأحزاب بالقوي الجماهير علاقة ضعيفة و غير مرتبطة ببرامج للوعي السياسي، و ما تزال هذه القوي السياسية تحافظ علي ضعفها و عدم ديمقراطيتها، و يظهر ذلك بصورة واضحة في الانقسامات التي طالتها و أدت إلي تشقيقها، هذه الأزمات السياسية أدت إلي تصعيد عناصر لمواقع القيادة ضعيفة جدا في قدراتها الفكرية و التنظيمية، الأمر الذي أضعف العملية الإبداعية داخل هذه المؤسسات السياسية، في الجانب الأخر كانت المؤسسة العسكرية تشكل خللا في توازن القوة في المجتمع. كانت الجبهة الإسلامية تتكون من عناصر جلها من الطبقة الوسطي، و تمتلك قدرات مالية و تنظيمية، و لكنها لا تملك برنامجا سياسيا واضحا، كان عضوية الحركة الإسلامية لها علاقة متردية مع الديمقراطية كقيمة و كنظام، و بما إنها جاءت عبر طريق غير شرعي، رفضت أن تشاركها القوي السياسية، إي إنها رفضت عملية التحول الديمقراطي، و عدم وجود البرنامج السياسي، جعلها تنحرف نحو الفساد و تعدد الزوجات ،الأمر الذي يؤكد إن الغرائز كانت أكثر سيطرة عليهم، مما أدي إلي تغيب دور العقل، لذلك اعتمدوا علي البرجوازية الطفيلية التي تهتم بالمضاربة في العقارات و الخدمات ذات العائد السريع، و ذهبت أغلبية عضوية الإسلاميين لجهاز الأمن و المخابرات لحماية النظام، الأمر الذي جعل الأجندة الأمنية فوق الأجندة السياسية و الاقتصادية، مما اقعد بالعملية الاقتصادية، و أحدث تدميرا كاملا للطبقة الوسطي، و أصبح الأمر جله في يد البرجوازية الطفيلية، مما أدي إلي انفجار داخل بنية النظام السياسي، و صراع بين عناصر الحركة الإسلامية، مما جعل الأمر يتحول من السياسيين الإسلاميين إلي العسكريين، و تحول أغلبية السياسيين الإسلاميين إلي دائرة الهتاف و التطبيل حماية لمصالحهم. إذا لاحظنا بعد المفاصلة و حتى اليوم نجد إن السلطة السياسية و التنفيذية أصبحت في يد العسكريين، و خاصة من مخلفات جهاز الأمن و المخابرات و المؤسسة العسكرية، أي إن الأغلبية في العمل السياسي و الذين يشغلون الحقائب الوزارية، و ولاء الولايات، هم من العناصر التي خرجت للمعاش، إن كانوا في جهاز الأمن و المخابرات أو المؤسسة العسكرية بخلفياتهم الإسلامية، إلي جانب عناصر إسلامية، و بالتالي هؤلاء بالضرورة ليس لهم علاقة بقضية الديمقراطية، و لا يستطيعون أن يقدموا ما يفيد لبناء الدولة علي أسس تحديثية، فالعقليات العسكرية لابد أن تغيب عن الساحة السياسية تماما في السودان، فهي عقليات قد خلقت كل الأزمات التي تعاني منها البلاد، و استمرارها يعني استمرار المعانة في البلاد. إن الشعب التركي بالفعل قد خلق واقعا جديدا في المنطقة، بخروجه جميعا في التصدي للعملية الانقلابية لكي يؤكد للمؤسسة العسكرية التركية إن دور عهد أتاتورك المعتمد علي القوات المسلحة يكون قد كتب نهايته في 15 يوليو 2016، و تخرج المؤسسة العسكرية التركية من دائرة الفعل السياسي، و هي ربما تعيد رياح الربيع العربي في المنطقة مرة أخرى، و في الشرق الأوسط لقد أنتهي دور المدرسة المصرية السياسية التي جاءت بها انقلاب 23 يوليو 1952، لكي تبدأ المدرسة التركية في السياسة التي وضعت حدا لدور المؤسسة العسكرية، و في السودان يجب علينا أن نعيد قراءة واقعنا و التعامل مع العوامل و المعطيات التي تجعلنا يد وحدة ضد العصبة الديكتاتورية الحاكمة، و أيضا نضع حدا لدور المؤسسة العسكرية في التعاطي السياسي، و هي تعتمد علي وعي النخبة، و نسأل الله حسن البصيرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة