تطل في 22 يوليو القادم في فجرنا ذكري يوم ظالم وأياماَ ظلماء. لم نفقد فيه نحن الشيوعيين وحلفائهم في الجبهات الديمقراطية والنقابية والمهنية منذ خمس وأربعين عاماً أنبل قادتنا ورفاقنا وأصدقائنا فحسب بل أوحشونا وقد ركبتهم تهمة ارتكاب احدة من أبشع المذابح في تاريخ العنف السياسي السوداني في بيت الضيافة. ومع ما قاله عني الرفيق الحبيب المرحوم جيلي عبد الرحمن في قصيدة شرفني بها: لم ترهقك طيوف الموتى وكذب الشاعر. لقد انغرس موت رفاقي وشبح إدانتهم بتلك المذبحة في روحي كالنصل وفي فؤادي كالصدأ. ولم أكف منذ ذلك اليوم وتلك الأيام التمس من الدولة وقوى شعبنا الحية أن تتواثق على تحقيق شامل نطوي به صفحة ذلك اليوم وتلك الأيام لنا أو علينا. ولزمت خندق رفاقي القتلى الموزورين لا نبيعهم برَخَصة التغاضي أو اعتذاراً بشاغل سياسي ضاغط. واترسم في هذا الشاغل قبالة الذكرى الخامسة والأربعين العزيمة الغراء التي بدأ بها الحزب الشيوعي معالجة محنتنا والدم يشخب لم يجف بعد. فاختططنا يومها خطتين. أولهما المطالبة بالتحقيق في وقائع بيت الضيافة ومأساته. اما الخطة الأخرى فقد نادينا بالكشف عن القبور المجهولة لرفاقنا. وهما أرقان لم يهدأ لهم لطم ولم تغمض لهما عين: كطير السقد. ففي الخطة الأولى بعثت اللجنة المركزية للحزب في نوفمبر 1971 برسالة إلى أسر شهداء بيت الضيافة في الشأن. فقالت لهم إنها ربما لن تُصَدق براءة الحزب من تلك المأساة. وعليه طلبت منهم التحقق لأنفسهم منها على ضوء حيثيات ما تزال صالحة للأخذ بها بعد مرور خمس وأربعين عاماً على المذبحة. أما مطلب كشف المرقد الخير لرفاقنا فقد صدر في رسالة من سكرتارية اتحاد الشباب السوداني في 1975 إلى سائر شباب السودان للتناصر حول إنسانية رد الجثث إلى أهلها ودينها. أنشر هنا كلمة اللجنة المركزية لأسر الشهداء. وانشر بعدها نداء اتحاد الشباب للكشف عن مثوى رفاقنا. ثم أختم ذلك بعريضة حول الأرشيف والحيثيات والعناصر التي بوسعنا توظيفها لغاية التحقيق حول براءة حزبنا من مجزرة بيت الضيافة أو سواه.
رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي إلى أسر شهداء بيت الضيافة (نوفمبر 1971)
أسرة . . . تحية طيبة
نبعث إليك بعزائنا في فقيدكم ونرجو الله أن يلهمكم الصبر. الآن، وبعد أن انقشعت سحابة الكذب والتضليل، وبعد أن استغلت السلطة حادث بيت الضيافة أبشع استغلال، لدعم سلطانها دون مراعاة لحرمة الموتى، نود أن نؤكد لكن أن الحزب الشيوعي لا علاقة له بهذا الحادث لا من قريب ولا من بعيد، لا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ومما توفر من حقائق ومعلومات نؤكد لكم أن المجرمين الحقيقيين الذين اقترفوا هذه المجزرة البشعة ما زالوا طلقاء. تعرفهم السلطة وتتستر عليهم لأنهم سندها الأساسي في القوات المسلحة في الوقت الراهن. وأن حرس البيت (الضيافة) من ضباط وجنود وصف ضباط لم يطلقوا النار على المعتقلين. ولم تثبت المحكمة عليهم هذه التهم، ولم تصدر عليهم حكماً بالإعدام. المسئولون من مذبحة بيت الضيافة هم مجموعة الدبابات الأولى التي حركها قادة انقلاب 22 يوليو. وقامت بقصف القيادة العامة مقر هاشم العطا ورفاقه، وقصف القصر الجمهوري وقصف بيت الضيافة. كان قادة الانقلاب يريدون القضاء على قادة 19 يوليو وعلى نميري ومؤيديه ليصلوا للسلطة. ومن حقكم بالطبع أن لا تأخذوا ما نقول على أنه الحقيقة. ولهذا نأمل أن تبحثوا بما لديكم من وسائل عن الحقائق التالية: 1-بيت الضيافة لم يكن محروساً بمدافع أو أسلحة ثقيلة. لماذا قذفت الدبابات المهاجمة بقذائف مدافعها الكبيرة مما ترك آثاره على النوافذ وجدران المنزل (بيت الضيافة) وعلى جسم (الشهداء) أنفسهم. 2-لماذا استمر قصف البيت بعد أن أبيدت كل قوة الحرس أو ألقت أسلحتها؟ 3-لماذا استخدمت مجموعة صف الضباط المهاجمين مدافعها الخفيفة لفتح الأبواب المغلقة وبررت ذلك فيما بعد أنها كانت تظن أن بعض أفراد الحرس احتموا بتلك الغرف. 4-ماهي نتيجة التشريح الطبي (كلمة غير مقروءة) الجثث لإثبات ما إذا كان سبب الموت طلقات رصاص من مسدس أو قذائف مدفعية؟ 5-ما هي أقوال (كلمة غير واضحة) والجندي الذين أعدموا. وهل ثبت في المحكمة التهم الموجهة ضدهم. ومن هم الشهود. وهل تكونت لجنة تحقيق للنظر في الأمر؟ ولماذا نجا بعض الضباط بالذات. وما هي علاقتهم بانقلاب 22 يوليو؟ 6-لماذا أحضروا جثث بعض القتلى من خارج البيت (الضيافة) وأضافوها لجثث المعتقلين فيما بعد؟ 7 – ما قصدنا بكل هذا أن ننكأ جرحكم أو نبعث في نفوسكم ذكرى أليمة. بل قصدنا إجلاء الحقائق وفضح المتآمرين الذين أبادوا المعتقلين كخطوة تسهل عليهم الوصول للسلطة، ثم تسترت عليهم سلطة النميري بعد أن عاد للسلطة على جماجم القتلى وبحور الدماء.
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني نوفمبر 1971 (من كتاب ع الماجد بوب، 19 يوليو: إضاءات ووثائق، صفحة 196)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة