قبل سنوات طويلة كان الأمير حمد بن خليفة يصغي باهتمام بالغ إلى ضيفه الشيخ حسن الترابي..في تلك المقابلة كان الترابي يتحسر على غياب قطر من المشهد الإعلامي العربي، ويتذكر الأيام الخوالي حين كانت مجلة الدوحة القطرية ترمي بثمارها في كل بلد عربي..ليس من الراجح أن يكون الشيخ الترابي أول من حث أمير قطر عن البحث عن الريادة الإعلامية..لكن حينما ظهرت الجزيرة للحياة كانت تذخر بتلاميذ ومحبي الشيخ من وضاح خنفر، إلى أحمد منصور، ومروراً بأسماء سودانية كانت قريبة من فؤاد الحركة الإسلامية السودانية. قبيل حرب الخليج الأخيرة كشفت الوثائق الرسمية أن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني اتصل بإمبراطور الإعلام روبرت مردوخ نحو ثلاث مرات في تسعة ليال..لاحقاً اضطرت الولايات المتحدة لرفع ميزانية قناة الحرة من ستين مليون دولار إلى مائة وثمانية وعشرين مليون دولار بسبب تداعيات حرب الخليج ..قبيل الربيع العربي كانت دولة قطر تضخ نحو أربعمائة مليون دولار في شرايين قناة الجزيرة..مشروع (سكاي نيوز) الذي جاء كشراكة بين مردوخ والأمير الوليد بن طلال كانت موازنته الأولية نحو ثمانمائة مليون دولار. القنوات الفضائية لا تربح، ولكنها تغير الحكومات ..عبد الرحمن الراشد مدير قناة العربية التي أسست لتنافس الجزيرة قال: إن علينا أن ننتظر عشر أعوام قبل أن تكون قناة العربية رابحة..الولايات المتحدة رغم اتساع نطاق الحريات، إلا أنها ضاقت ذرعاً بقناة المنار الموالية لإيران..لم تكتف واشنطن بمنع بث القناة في أمريكا، بل طاردتها عبر الأقمار الصناعية..أول جولات الأزمة بين قطر وإخوانها في الخليج العربي كان إغلاق مكاتب قناة الجزيرة في السعودية والإمارات العربية..مثل هذا القرار ليس سهلاً بالذات لإمارة دبي التي كانت مهتمة بخلق مناخ موات لجذب الإعلام عبر مدينة دبي الإعلامية. في تقديري واحدة من أوجه الأزمة بين الخليج المحافظ ودولة قطر يكمن في قناة الجزيرة..هذه القناة تمكنت في سنوات وجيزة من تغيير الصورة النمطية لقطر من إمارة غنية بالغاز إلى دولة ذات تأثير وحضور عالمي مكنها من الفوز بتنظيم كأس العالم في ٢٠٢٢..بل إن قناة الجزيرة كان لها القدح المعلى في ترجيح كفة الربيع العربي، وقلب الطاولة على الحكام الطغاة..لذلك بعيد انقلاب السيسي في مصر كان صحافيو الجزيرة من أول سجناء الرأي. بالطبع هنالك ملفات كثيرة تضايق دول الخليج، وخاصة السعودية التي تعتبر نفسها الأخ الأكبر في تلك المنطقة ..من بين ذلك التقارب بين الدوحة وطهران، أو على أقل تقدير اتخاذ قطر موقفاً مستقلاً في العلاقة مع إيران..شبح الوجود الإخواني يظل أمراً مقلقاً لمصر والإمارات وبدرجة أقل للسعودية..رغم ذلك يظل شبح الجزيرة يطارد قادة الأنظمة المحافظة ..ولهذا سيكون ملف الجزيرة أول الملفات التي ستطرح للنقاش.. الأمر لقطر لن يكون سهلاً لأن جزءاً كبيراً من الأسطورة القطرية بنته هذه الشبكة التي تمددت بين القارات. بصراحة..لا زالت منطقة الشرق الأوسط هشة، بحيث ترتعد أوصالها من مجرد صوت إعلامي يمتلك فقط جراءة في الطرح..إذا رضخت دولة قطر للضغوط الشديدة، وخفضت صوت الجزيرة، سيخسر أنصار الحرية والإعلام المؤثر منبراً مهماً وصريحاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة