مسألة العقيدة هي مسألة مكارم الأخلاق والتحرّص من مغبة العقل الإنساني القاصر (مرتع الشيطان). الخلاص يتوجب وحي، من الله، والذي هو الحق الخالص. والإيمان، وهو استيعاب الحق، يصدق فقط عندما يسايره الشك لصقله وتوثيقه. إن الإدراك الخالص الذي يرقى ليكون إيماناً هو من المستحيلات، بما أنه يستعين في ذلك الإدراك عن طريق عقلٍ قاصر عن في فهم اسرار وسبر غور الخلق وأبعاده. ويكون الادعاء بالإيمان الخالص هو الإقرار بالجهل بحدود المقدرة الإنسانية للإيمان، المحصورة بمحدودية العقل: ولكن يمكن لك الجهاد والاجتهاد لبلوغ اقصى الإيمان والحفاظ عليه. لهذا السبب حث الإسلام على عدم التأمل في الإله وإنما التأمل في خلقه وبهذا السبب صارت الأمة الإسلامية مقادة نحو أو بعيداً عن ثلاثة مجموعات وعي: مجموعة مقادة بالحق الخالص، ومجموعة مقادة بالتراث ومجموعة مقادة بالغرور. أغلب المسلمين تجدهم في المجموعة الثانية، وهي المجموعة المقادة بالتراث. وهؤلاء منقسمون بالضرورة إلى سنيين وشيعة، وهم ضحية القراءات المغلوطة في العقيدة وتأثيرات الثقافة الجماعية والترسبات الدنيوية من ثأر ودماء سلفت ودين مستحق. ومن يكون قد قادهم إلى ذلك؟ هي الجماعة الثالثة، والذين يقودهم الغرور والأماني بأنهم الصفوة المختارة. ليس عليك أن يكون لديك الإيمان لأن تكون معنا هنا. فالقاسم الأساسي هو الفضيلة ’كما في مقابل الشر‘: عليك أن تكون في دعم الفضيلة التي هي الحقيقة، وراحة الضمير، والبعد عن الأذى. قبل الخوض في هذه الدوامات الغادرة، أود استعير "الراية البيضاء" من راسيل برانت فيما يلي: 1. إني أشجب الإرهاب واللجوء للعنف 2. إني أشجب تماما أخذ الحياة لأي سبب من الأسباب 3. إني أتمسك بحقوق الجميع على الاطلاق عالية، في مأزقها، للتعبير بها، مع عدم انتهاك لسلام الآخرين في أي رأي أو في التعبير عن أي آراء من الانتقام أو المصالحة فيها. وأضيف إلى ذلك: 4. إني مسلمٌ وإيماني عميق 5. وإنني أحب وأُبجّل رسولنا الكريم محمد إبن عبد الله وأؤمن ببلاغه الصادق والكامل للرسالة 6. كما وأحمل إجلالاً ووقاراً للسلف الصالح من صحبه، وكذلك للرسل الكرام وصحبهم هذه المجالات تدعو لحوارات جادة، فهي أرض خصبة للتطرف ومسرح رحب لاشتباكات المذاهب العقائدية. وهي تحجب كل فرص بعد النظر، وتقود للرؤيا الضيقة نحو واجب البقاء على قيد الحياة فقط، في حين التخبط في تحديد معنى الحياة المفهومة في الديانات أو القناعات الشخصية، وبالدليل القاطع في الإسلام شديد الحساسية هو ذا الموضوع الذي، وللأسف، يمثل مرعىً خصباً فيه تجد بعض وسائل الإعلام إغراءاتٍ جمة لتعكير صفو المياه هناك. أما الجاني الآخر الذي لا شك يستفيد من هذه المياه العكرة، وبالتالي يقف على مقربة من كونه حليفاً، إن لم يكن شريكا كاملا أو حليفاً، ذلك الجاني هو المتطرّف، الذي يستغل مفهوم الإيمان للتدخل في الخيارات الفردية من أجل التسلّط. انه يدفع بالدين للدعوة إلى الحرابة ويسميها جهاداً في سبيل الله ولوراثته الأرض (وكأن الله العظيم يحتاجه في ذلك). نحن – المؤمنون المخلصون – سواءاً في الله تعالى أو في الحق الذي يمثله، نحتاج إلى نؤطّر تشخيصنا للفضيلة من دون الشر، بلا تحامل أو إفراط مجتمعي. فمع كل جثة متحللة، تجد الذباب الأزرق يحتفل بالقتل الماثل أمامه ويولّد الوباء، دور يدفع به بُعيد القتل. ذلك الدور هو ما تبناه المنبوذون من العهود الخائبة في تجارة الرقيق، في الغزو التوسّعي، في الصليبيات والحروب الدينية وفي حروب الإبادة، نُزع من مخالب السلطة الوليدة من حقوق الإنسان في العهد التنويري. هؤلاء هم الخاسرون من كلا الطرفين من الحد الفاصل فالسلامة العقلية للسلالة البشرية رهينة لدورنا في الحفاظ عليها: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) سورة الرعد:11 الجنون في إزهاق الروح وفزّورة الانتقام ليست هناك قاعدة محددة لما هو مقدس للجماعة إلا ما هم متفقون حوله. ضف إلى ذلك ما تأمر به العقيدة الإلهية بنصوصٍ مصدرية واضحة ولا تحتوي على متناقضاتٍ في ذاتها. عدم التناقض الذاتي هو العقلانية، ولدى المسلمين وأهل الكتاب الصادقين، يكون ذاك بالتطابق الكلي مع المصدر. وبالنسبة لغير المدينين بدين، هداهم الله، فهو يتطابق مع الغايات العليا في مبادئهم. وعلى العموم، ومن خلال المفهوم الشخصي للحق العقائدي، فإن إلهك (وبالنسبة للمؤمنين هو الله أو الرب) ينيرك بما هو مقدّس وما هو لعين، ويحدد حصادك يوم لقائه (وللمؤمنين لقاء المولى عز وجل)، يحدد مصيرك. يكون الأمر شخصياً هكذا، ولا يُملي حقاً للنيل من إيمان أو عدم إيمان الآخرين. هذا هي الحد الذي يفترق عنده الدين والدولة في صلاحياتهما، بيد أنه ليس ما يمنع من اتفاقهما. ذلك لأن مكارم الأخلاق عفاف، بينما السياسة سلاح للوصول إلى مكاسب دنيوية (بما أن المكاسب الخلقية مكاسب شخصية، يشرف عليها ويؤطّرها الضمير الفردي). قدر الله لمكارم الأخلاق لتكون بلا قواطع، ولهذا فقد قدر أن يكون الثواب عليها والعقاب في يوم البعث، وليس إلا يوم البعث. أما السياسة فهي لتنفيذ الواجب، ولا تعمل من دون قواطع، لذا فهي حمل على كاهل العقد الاجتماعي حسب رغبة ومصلحة الجماعة. العقلانية الحكيمة يمكن أن تزاوج بين الإثنين، في حدود التوافق. العقلانية الحكيمة أفضل توضيحٍ لها قدمه فيلسوف التنوير "إيمانويل كانت"، بالذات في ورقته " في التضارب بين مكارم الأخلاق والسياسة فيما يخدم السلام الأبدي" ففي القانون، الفرد يكون مداناً بالجريمة عندما يتعدى على حقوق الآخرين. في مكارم الأخلاق، يكون الفرد مداناً بالجريمة لمجرد التفكير فيها والنية بها. إن في موت العصبية الجدلية ميلاداً لمكارم الأخلاق وقبل الاسترسال في الموضوع، فلزاماً علينا استيعاب تام للآتي: مكارم الأخلاق والممارسات العملية هما أمران يختلفان عن بعضهما تماماً، ومهام مستقلة في حياتنا، حيث مكارم الأخلاق هي عفوية الاعتقاد وما يترتب عليه من التزامات شخصية، بينما الممارسات فهي حرية في الأداء، تحدها حدود المقدرة المجتمعية لاستيعابها أو قبولها. والعفاف الطبيعي الوحيد هو العقيدة الفردية، والعفاف الإضافي لها هو العفاف المضاف من اتفاق الجماعة ومن التزامها به. في هذا المنحى من العفاف يأتي صيانة الحياة البشرية. ذلك العفاف، مثله مثل كل عفاف، هو بالضرورة محصّن من التعدي مالم يكن عدم التعدي سيتسبب في تعدي أضهى في النوع. أي يمكننا القول بأن قتل الفرد يتوجّب إذا كان في عدمه أن يتسبب في نجاح الفرد في قتل فردٍ أو أفرادٍ أُخر. في الإسلام، هنالك بيّنة بائنة جداً حدّ بها المولى عز وجل حدود شرعه في تسبيب الموت في حالةٍ واحدة، وفي حالةٍ واحدة أخرى أحل رخصةً للقتل. وفي كلاهما وضع البديل لوقف تنفيذ القتل. فلماذا يتعثّر المسلمون الذين هم في وضعٍ يمكّنهم من تحقيق التغيير، كالدول الإسلامية، وكالمفكرين الإسلاميين، أو المراكز الإسلامية ، بما فيها المركز الإسلامي بمدينة مانشستر الإنجليزية والتي تعرضت للهجمة الإرهابية الحالية، لماذا لا يملكون العزم والحمية لإدانة الانحرافات من البيّنة في كلمات الله التامات، والمتسببة في تدنيس العقيدة، وذلك بالإصرار على تأطير مصدريات موازية لرسالة الله تعالى البائنة، من تجميع لأقاويل لا تتفق مع كلمات الله عز وجل؟ كيف لهم أن يغزلوا دلائل قاطعة من القرآن، كلام الله تعالى (معجزته الوحيدة التي دعم بها رسالته إلى نهاية العالم)، كيف يغزلونها مع أضعف الأدلة – ولا ترقى لتكون بيّنة – ألا وهي قولة القائلين، والتي نهى عنها القرآن نفسه إلا بدليلٍ مؤطّر (شهادة من هم ليسوا أقل من شاهدين إثنين في كل سياق كدليل)، والتي أبطلها كل البشر في كل المحافل؟ هل تمكنتم من إقناع العقول التي استمعت لكم أنكم تعرضون لهم خطوة جادة وخطيرة تسعون بها لاجتثاث الشر المستشري من أفاعيل التحريف المصدري، وأنكم تطفئون به الجمرة الخبيثة التي ظلت في خاصرة المسلمين منذ الرسالة؟ البقية في الجزء 2
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة