ما حدث بينَ ظهرانينا، كان انقلابا ناعماً وصامتاً، جرت وقائعه على الأرض دون ضَجيج أوهدير، مثل ذاك الذي حدثَ في الشقيقة مصر. النظام في الخرطوم، أفصحَ دونما هُوادة، عن خُطّته في تبديل جِلده.. النظام يتهيأ هذا الربيع، لاحتضان المراغنة، ويقترب بحذر من قطاع الشمال، ويفاوض بضراوة حركات دارفور، التي تبدو الآن أقرب إلى الانخراط في اتفاق سلام الدوحة، إثر تلويح مجلس الأمن بفرض عقوبات على رافضي التفاوض.. تشير الوقائع إلى أن مرجعية الدوحة قابلة للترقيع، إلى المدى الذي يُمكن أن يستوعب الرفيق عبد الواحد نفسه.. كيف لا والوساطة القطرية تُبدي مرونة في الجلوس مع كل فصيلٍ ينفصل عن فصيل، أو أي أجنِحةٍ تتشقَّق عن جِناح. أمس الأول وقع اختراق آخر، يؤكد حقيقة هذا الانقلاب النّاعِم. المراغنة المشهورين بالتريُّث والمَهَلة، انتفضوا، وابتعثوا وفداً التقى الرئيس من أجل إحياء الشراكة وتعبيد الطريق لاندراج الأشقاء داخل المنظومة الحاكمة. الخطوة قد تأتي على حساب الحسن الميرغني، لكنها انطلقت من داخل (الدايرة) بقيادة الشقيق حاتم السر، ما يعني أن الخُلفاء، على وشك التمايُل مع النسيم.. انتفاضة حِزب الفتّة، غالباً ما تُثلِج الصدور، وفقاً للمثل القائِل: (دار أبوك أكان خِربت شيل ليك منّها شلية).. فدخول الاتحاديين إلى منظومة الحكم أفضل بكثير من استعادة الشعبيين لمواقعهم هناك، وأفضل بكثير من إرباك المهدي لطرفي المشهد.. ولولا أن التصفيق لنسخة الإنقاذ الراهِنة فعلٌ أخرق، لقدّمنا واجب الشكر للرئاسة التي خلّصت البلاد من أخوانجية التصقوا بالحياة السياسية منذ عهد العاجكو..! كانت الرئاسة جديرة بالشكر، لأن القوى الوطنية الديمقراطية، لم تمتلك القدرة على إقصاء كواكب مثل شيخ علي، شيخ نافع، شيخ قطبي، شيخ سيخة، وآخرين،، لولا هذا التبرع السخي من جانب الحركة التي انتجتهم. هو إذن انقلاب سلس، كنا نتهيّب الاعتراف به ونحن نتغافل عن (برنامج إصلاح الدولة).. يا إلهي.. فذاك البرنامج أصبح له مُخرجات..! فالرئاسة اليوم، عازمة أكثر من أي وقت مضى، على التحرر النهائي ــ أقول النهائي ــ من الأخوان واستبدالهم بتشكيلة تضم خلفاء الاتحادي ومناضلي قطاع الشمال ومجاهدي حركات دارفور، وشخصيات (وطنية) من طائفة الترابيين،، شريطة ألا يعلو صوتهم فوق صوت الحق.. صوت الحق هو فك ارتباط الحزب بالدولة.. هو مكافحة الفساد وإعلاء مبدأ المحاسبة، بدرجة أكبر من وضعية التحلل.. هو إصلاح الخدمة المدنية.. هو بناء علاقات خارجية استراتيجية كما جاء على لسان الشقيق حاتم السر..صوت الحق هو ايقاف الحرب، وتوصيل العون الانساني للمتضررين، وإفساح المجال لمشاركة سياسية واسعة وحقيقية.. هذا هو صوت الحق، الذي دونه الإبقاء على السودان، تحت طائلة العقوبات الأمريكية. كل هذا الواجب المنزلي، يفترض أن تضطلع به الإنقاذ، قبل اكمالها لفورتها الثامنة والعشرين، وإلا فإن لها، مع ميكانيزم الجماهير شأنٌ آخر. وإلا، فإن لها مع (فرنقبيات) دونالد ترامب شؤونٌ أخرى.. المرحلة القادمة، تنجلي أحداثها من الآن وصاعداً. المرحلة القادمة لن يكون فيها مجال لمناورات أوالتفافات، لا من جانب النظام ولا من جانب المُعارضة. إنها خارطة طريق، واجبة التنفيذ، تحت رعاية قوى دولية وإقليمية ...قوى ضاغِطة، ودافِعة، ومستثمرة، و، و، وهَلُمَّجرّا..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة