هذا طرف من الحكاية.. الكِلية تُباع بعشرة آلاف دولار، وبعض شباب السودان أُصيب بالإحباط، فضرب في الأصقاع يبحث عن حل.. كثيرون ضاعت خطاهم في الدروب.. بعضهم خرج في طريق مصر، بعضهم نفد من الصحراء الكبرى ليضيع في مهالِك ليبيا أويغرق في بحرها، وآخرون ساخوا بين صخور وأمور، في بلدان شرق أفريقيا شباب في عمر الزهور، يهربون من أرض المحنّة ــ السودان ــ إلى أُوربا، أو يحلمون بالعمل في بلاد النفط، رغم أن الحال هناك لم يعد رائِقاً.. يائسون و ضحايا لزمن ماحِق، يهربون من واقع التعطُّل والغلاء، إلى الموت المجّاني، بينما الدنيا في نواحيها الأربع، يضربها الجفاف والجفاء الانساني بمعناه العريض. أولئك الضائعون كانوا بمثابة صيدٌ ثمين لمن يعملون في تجارة البشر متعددة الجنسيات.. تلك تجارة رائِجة، تقوم بها عصابات تلاقت مصالحها على ارتطام الدّم بالدّم، على الاستثمار في حياة التّعابى، وعلى بيع أعضاء الجوعى المُحبطين..عصابات متمرِّسة توهِم الشباب بُمجازَفة سريعة نحو جنّة الوهم ــ أوربا ــ مُجازفة بالروح، يأخذون ثمنها مقدّماً.. إنها رحلة نحو الموت مدفوعة الثمن بالدولار، يدفعه الضحايا من شقائهم.. رحلة لاذكرى فيها لقتيل ولا عقاب لقاتِل، فالنهاية غالباً ما تكون بذوبان الجثث في الماء الملح. هذه نِتف حِكاية سوداني كان يطمئن لأخيه في ليل القاهِرة..القاهرة لم تعُد تلك المدينة الرّطِبة، إنها الآن تعُج بالمُهرِّبينَ ذوي الاشتياق إلى لون السودان الخُداري.. في القاهرة يتصيد المهروبون فرائسهم من ميدان العتبة، ومن أزقة الحواري..لقد توسّعت المدينة إلى ما بعد مدينة ستة أكتوبر، وكم لصحراء مصرَ، من مآربَ وخيام.. بائعي الموت بارعون في اصطياد بني جلدتهم.. كان الجنس للجنس رحمة فيما مضى، قبل أن يحِن الدمُ إلى الهدر.. ذلك الحنين يبيع “الرأس” بثمن بخس، من أجل عمولة بالجنيه المصري، فالدولار صعيب على الغريب..الدم الحامي يُحن إلى ماذا، والضحايا يتم إيداعهم في مخابئ التهريب تمهيداً لزلق أرواحهم ببرود غريب، في عرض البحر.. العصابات تبيع الوهم لليائسين الذين لا يمكنهم العودة إلى أرض الوطن. ينتزعونهم من شوراع مصر وليبيا، لسفرٍ أخير، بكُلفة ثلاثة آلاف دولار و60 يورو..هذه الستين يورو، تُدفع أولاً ، قبل أي كلام. من جملة التحصيل يشتري الصائِد لفرائسه مركباً متهالكاً أو مطاطياً، ينتهي بهم في عرض البحر.. يتواجد المهربون في المقاهي الشهيرة التي يرتادها السودانيون، بينما تدير شبكات التهريب أعمالها من لندن والقاهرة والخرطوم، ويتعاون معها رجال كِبار، مِن أرفع المستويات، في البلدان المُطلِة علي المتوسط.. أولئك الشباب الضائِع يتم حجزه لفترات طويلة في أماكن بعيدة عن المناطق الحضرية، بحيث يصعب عليهم الهروب، حتي يتم اكتمال العدد المراد ترحيله / قتله! على المستثمر في أرواحهم، شراء مركب يليق بميتة عظيمة لأولئك السُّمر.. حمولة السفينة تتم بصورة عشوائية، ما يؤدي إلى غرقها بعد أن تختفي من أنظار المودِّعين، أو بعد نفاد خزّان الوقود! هذا بعض من حكاية شباب السودان في الغربة.. يخادعونهم بالإقامة في أرض ليست لهم، وبالحجز في بواخِر ركّاب “على مستوى عالٍ من الفخامة”، وحين يواجهون الحقيقة، ويتبدّد الخيال، يصعُب درب الوصول.. وتستحيل العودة..فلا أشواق، ولا ذِكرى، ولا عزاء.. إنه الموت، في الماء الملح! akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة