تعيين وزير الزراعة رئيساً لمجلس إدارة مشروع الجزيرة خطأ كبير.. بل ومجرب سبق تكراره في الماضي. بعيداً عن (شخص) وزير الزراعة، فالأمر لا يتعلق بمن يشغل المنصب.. القصد من تشكيل مجلس إدارة لمشروع الجزيرة هو إيجاد إدارة مستقلة للمشروع تركز وتحافظ على مصالحه.. دون أي تقاطعات مع مؤسسات أخرى. وعندما يصبح وزير الزراعة- نفسه- رئيساً لمجلس إدارة مشروع الجزيرة.. يفتقد المشروع رأسه الحصري المستقل والمنشغل بقضايا المشروع.. فوزير الزراعة- بصفته الرسمية- مسؤول عن كل المشروعات الزراعية القومية.. علاوة على كل مسؤولياته الأخرى، وما أكثرها في بلد يفترض أن الزراعة حرفة مواطنيه الأولى، وأهم منتجاته وموارده. مجلس إدارة أية مؤسسة هو العقل المفكر، الذي يُنضج السياسات، ويراقب الأداء، ويحاسب ويحافظ على مصالح المستفيدين من المشروع.. وكلما تفرد بالاستقلال عن الجهات المناظرة، توفرت له فرص الإدارة الرشيدة، بل والتنافس الحر الشريف مع المشاريع الأخرى.. لكن عندما يصبح وزير الزراعة رئيساً لمجلس إدارة مشروع الجزيرة يتقزم ويفقد المشروع استقلاله الإداري، وقدرته على التطوير لمنافسة بقية المشاريع. ولأن مشروع الجزيرة هو الأكبر من نوعه في أفريقيا- وربما- العالم كله (تحت إدارة واحدة).. فهو يستحق استقلالية تصل حد أن يكون رئيس مجلس إدارة المشروع أهم من وزير الزراعة- نفسه.. كما كان في الماضي (في الستينيات)- حينما- كان مدير مشروع الجزيرة يتقاضى راتباً أعلى من رئيس الجمهورية- نفسه.. فهو في مقام شركة بوينج، أو فورد في أمريكا.. والمرسيدس في ألمانيا.. ورولز رويس في بريطانيا.. وليس من الحكمة- مطلقاً- أن ينحني رأس مشروع الجزيرة تحت جناح وزير الزراعة مرتين.. مرة بحكم مسؤوليات الوزارة، وثانية بحكم رئاسة الوزير لمجلس إدارة مشروع الجزيرة. من الحكمة أن نعيد هيكلة مشروع الجزيرة؛ ليصبح مؤسسة ضخمة مستقلة- تماماً- عن وزارة الزراعة.. مع الاحتفاظ بعلاقات تنسيقية- فقط.. ففي يوم من الأيام كان لهذا المشروع سككه الحديدية الخاصة به، وشبكة هاتف متطورة ومستقلة- تماماً.. بل في تقديري الأفضل ألّا يكون للمشروع صلة مباشرة مع ولاية الجزيرة.. ويصبح وجود الدكتور محمد طاهر إيلا والي الجزيرة بصفته الشخصية وليس لكونه والياً للجزيرة. مشروع الجزيرة ليس مجرد مؤسسة زراعية إنتاجية فهو دولة داخل دولة.. بكتلته وتركيبته السكانية، وجغرافيته المتصلة، وموقعه.. علاوة على كونه قادرا على تكوين منظومة اقتصادية ضاربة لا تقتصر على الزراعة بل والتصنيع الزراعي، والإنتاج الحيواني، والسمكي، والسياحة. عندما يصبح مشروع الجزيرة مجرد إدارة تحت وزير الزراعة من العسير أن يحقق آمال السودان فيه.. سيظل مجرد (بند) في حزمة هموم الوزير.. ولن يرفع رأسه أكثر من سقف منضدة الوزير. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة