نشرت بعض الصحف قبل عامين خبراً يقول إنّ الحزب الشيوعي الصيني قدم دعماً لحزب المؤتمر الوطني بملايين الدولارات لبناء مقره الجديد. ظهر الخبر في عدد من الصحف وفي صفحاتها الأولى، ثم مرّت عليه أيام دون تعقيب. أدهشني هذا الاعتراف، وأزعجني، فاتصلت ببعض الصحفيين الذين يغطون المؤتمر الوطني أسأل عن مصدر الخبر، فعرفت أنه قيادي من الدرجة الأولى. كتبت عموداً أتساءل فيه عن موقف مجلس الأحزاب، باعتبار أنّ قانون الأحزاب به مادة صريحة تجرم أيِّ تمويل أجنبي للأحزاب، وبشكل قاطع. مَرّ الأمر دون رد فعل، ثم التقيت في مُناسبة اجتماعية بأحد العاملين بالمجلس، فرد عليّ ضاحكاً بأنهم لا يلتفتون لما ينشر بالصحف، ولا يبدأون تحركاً إلاّ إذا تلقوا شكوى رسمية. عزمت على اتخاذ خطوة متقدمة، فذهبت للدكتور علي السيد المحامي، وقُمنا بصياغة شكوى قانونية مُزوّدة بنصوص المواد التي تمنع التمويل الأجنبي للأحزاب، وبالأخبار التي نُشرت بالصحف، ووقع معنا الأستاذ بابكر عبد الرحمن المحامي وحملناها لمجلس الأحزاب. بعد فترة طويلة تلقينا رداً من المجلس يقول إنه أرسل الشكوى للمؤتمر الوطني وردّ بالإنكار، وطالبنا المجلس إن كانت لدينا وثائق ومستندات تثبت التحويل أن نقدمها..! لم يكن لدينا غير التصريحات الصحفية التي نُشرت بالصحف، والتي لا يعتبرها المجلس مستندات كافية للبحث. وانتهى الأمر هكذا. قبل أيام حملت الصحف تصريحاً للسيدة أميرة الفاضل القيادية بالمؤتمر الوطني تعترف فيها بتلقي أموال من الحزب الشيوعي الصيني، وتؤكِّد خطأ هذا التصرف، لكنها لم تعقبه بالتصريح ما إذا كان المؤتمر الوطني سيعيد هذه الأموال لخزينة الدولة، أو للحزب الشيوعي الصيني، أو كيف "سيتحلل" منها. كان الاعتراف غريباً ومُدهشاً أيضاً، ولا يشبه طبيعة المؤتمر الوطني التي جبلت على الإنكار. صحف الأمس حَملت ما أسمته تصريحاً أو تصويباً من السيدة أميرة الفاضل تنكر فيها ما نُسب إليها، وإن كانت صيغة الإنكار مُرتبكة ومُربكة في آنٍ. التصريح الأول لم ينشر في صحيفة واحدة حتى يكون الصحفي الذي نقله قد أساء الفهم أو أخطأ في النقل. الواضح أنها تلقت ضغوطاً من قيادات حزبها دفعها لإصدار تصريح النفي، أو أن التصريح تمت صياغته من قيادة الحزب على لسانها. مجلس الأحزاب مقيد، وليست لديه آليات للمُتابعة والتحري والبحث، ولا نتوقّع أن تكون هناك جهات في البلاد سيُحرِّكها هذا الأمر فتستخدم إمكانياتها وآلياتها للفحص والتحري والتحقيق، فزيت الحكومة في دقيق الحزب، وزيت الحزب في دقيق الحكومة وأجهزتها. هذه اتهامات واضحة ومُباشرة لحزب سوداني بالعَمَالة لحزب أجنبي، وتلقي أموال منه بما يتنافى مع القانون، وواجب الأجهزة الأمنية والعدلية أن تتحرّى في الأمر وتستخدم سلطاتها وإمكانياتها لمعرفة كيفية بناء مقر حزب المؤتمر الوطني ومصادر تمويله. فلنتخيّل أنّ هذا الاعتراف جاء من أيِّ حزب سوداني آخر، اعترف بأنّه تلقى ملايين الدولارات من حزب وحكومة أجنبية، ماذا سيكون رد فعل الصحف وأجهزة الإعلام الرسمية، وماذا ستكون تصريحات وزير الإعلام وبقية قيادات المؤتمر الوطني؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة