في منتصف الستينات كتب النور عثمان أبكر احد ادباء ما يسمى بالغابة والصحراء مع مجموعة من الأدباء كالتاج السر الحسن وعلي المك ومحمد عبد الحي..مقال يعتبره البعض البداية الفعلية لمدرسة فكرية، المقال كان تحت عنوان (لست عربيا.. ولكن) وان كانت مدرسة الغابة والصحراء أحد أشهر الحركات الفكرية التي تناولت موضوع التنوع الثقافي والتمايز العرقيوطالبت بإدارة هذا التنوع الا أنه حتى النور واترابه يتعرضون لنقد كثيف من مجموعات ثقافية حاضرة اليوم في الوسط الثقافي السوداني خصوصا في اسم المقال المؤسس لما يعرف بالغابة والصحراء قول انتقاد مفاده لماذا ختم النور مقاله بكلمة "لكن" ولم يجعلها مفتوحة ؟ مدعين بذلك انه تناول هذا الموضوع بانحياز بسيط او تخوف ما وهو مستبعد من النور الذي تشهد كتاباته بالشجاعة في التصريح وتظهر أفكاره في زقاقات سطور المقال نفسه بوضوح وجرءاة. ولكن كل ذلك النقد الذي يواجه به النور وصلاح يوضح لنا رأي بعض المثقفين السودانين والناشطين في مجال الهوية والتنوع الذين لمحاربة طرف ما انحازوا بعاطفة للمكون الاخر او المكون المستضعف -المكون الزنجي-متناسين بطريقة غير مرتبة ان التنوع يجب ان يكون بالتساوى لا غير وان الغبن الذي ورث من قبل الأجداد لا يحل بالغضب الأعمى وإنما بالتساهل والنظر للأمور بحيادية وموضوعية . فكرتي عن هذا الموضوع ظهرت في مناظرة اقيمت في مركز ثقافي بالخرطوم عن الهوية هل نحن عرب ام زنج !! ذلك الجدال السرمدي ،وفي الحقيقة الامرين لا يهماني ولكن كان تعليقي علي المداخلين من الجمهور الذي تظهر الغضبات والغصات في أصواتهم وهم يطلقونها هكذا نحن فقط افارقة ! متعمدين إنهاء اي انتماء اخر خصوصا للعرب وموقفهم هذا هو توابع لعدة عمليات تاريخية بين حركات الرقيق انتهاء بهذة الحكومة ذات الشعار الاسلاموعروبي وحملات التعريب التي طالت الجامعات والمعاهد وحتى المكونات الثقافية في السودان مثل الإذاعات وغيرها. "بل نحن عرب العرب" هكذا كان الرد الغاضب من صلاح احمد إبراهيم في مقال تحت نفس العنوان ينتقد فيه مقال النور ويؤكد فيه علي عروبة الهوية السودانية ، المقالين اعتبرا في فترات لاحقة البيان التأسيسي لما يعرف بالغابة والصحراء الا أنهما كتبا بطريقة عاطفية من قبل الكاتبين فاحداهما-النور- انتظر حتى قمة اللاءات الثلاث العربية لينفى تأكيد انتماءه للعروبة والاخر استفزه المقال فسارع للتأكيد وقفل الأبواب التي تناقض التوجه العربي الموحد وقتها توجه (عبد الناصر) . غضب البدايات الأولى ذاته إنتقل لمثقفي هذا اليوم الذين ينظرون للامور بطريقة أحادية فتظهر أسئلة تحاول إنهاء الانتماء العربي مثل ماذا قدم العرب لنا ؟ وماذا يرانا العرب؟ وفوتنا تقدم قطار الافريقانية وفوتنا بعده مؤخرة قاطرة العروبية ولكن وان كان للعاطفة دور كبير في الانتماء لكن مثل هذة الامور لا تؤخذ بذلك المنحى الغاضب المنافي الذي يصعب وزن وضبط اتزانه من غيره فتظهر التناقضات التي تخفى بكلمات مقتضبة لمحاولة إنهاء النقاش وتأكيد الافريقانية خصوصا من مثقفي اليوم في الخرطوم . فمثلا تجد مقالات محمد جلال وابكر ادم إسماعيل القبول الكبير من شباب السودان اليوم آخذين نفس الغصات التي اصابت كتاب وأدباءالافريقانية من ستينات القرن الماضي ونفس الغضب التي كتبت به المقالات مفتكرين ان كل مشاكل الهوية تحل بهزم الثقافة الظالمة "العروبة" حتى وان كانت هي مكون حقيقي في معظم العشائر السودانية لكن ان تحارب الجهة الظالمة لا يعنى انتهاء الصراع فالصراع متكامل مضاد وغيره وإن كان جلال وابكر يكتبان بلا وعى كافي بالقضايا للدرجة التي جعلت ابكر يكتب في قراءة من اجل التغيير "ان الحال وصل للمركزية الاسلاموعروبية باتخاذ قرية اكبر تاجر رقيق تاريخي مكانا لمصافاة بترول-يقصد الجيلي" كل ذلك الاوعى الملئ بالريتوريكا التي تملأ كتاباتهم وخطاباتهم الا ان الكثير من الشباب يتخذوها كدستور وتشريع فكري دون الالتفات للنواقص التي تمتلئ بها تلك الكتابات "كل ما هو غيبي وعميق ان هو الا من إنتاج الغاب" هكذا أطلقها النور من قبلهم وعكسهم أطلقها الشاعر في أشهر القصائد"الي العرب تنسب الفطن" وبين صراع تاريخي عرقي مؤسف واسقاطات علي حاضر بائس يصطنع مثقفي السودان هذة الايام بدعوى محاربة العنصرية صراعا اخر يدخل بنا الي مرحلة جديدة وكأنهم يتعمدون إدخالها لذلك الصراع ليس بنية حل بل لإطلاق "زفرات حرى" تأتي من اليسار هذة المرة وتوقع بنا لهاوية جديدة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة