نعود للمُقارنة التي بدأناها يوم الجمعة بين توصيات الحوار الوطني ودستور السودان الانتقالي لعام 2005م، وهو الدستور الساري حالياً، وقلنا إنّها ستكشف أن لا جديد في توصيات الحوار تزيد على ما جاء في الدستور، بل أنّها في بعض الحالات أقل قامةً مما جاء في الدستور. واحدةٌ من اللجان التي أثارت حواراتها جَدلاً كَثيفاً كانت لجنة الهوية، وتابعتها الصحف بالمُتابعة اللصيقة والرصد، خَاصّةً أنّ بعض تفاصيلها لم تكن تخلو من عناوين مُثيرة. وقد توصّلت اللجنة لوثيقة مُختصرة حصرت فيها النتائج الرئيسية، وقيل إنها كانت نصراً لمدرسة الاعتراف بالتنوع والتعدد الثقافي في السودان. بعد ديباجة جَيِّدة السبك والصياغة تقول الوثيقة إنّها تعمل من أجل "مُعالجة انقسامات الماضي ومراراته بتأسيس دولة على القيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان؛ تتساوى فيها الأعراق والأديان والثقافات واللغات كافة ويُشارك الكافة في إدارتها وصونها وحماية حُدودها. وضع الأسس لدوله تقوم على المَصالح المُشتركة لشعوب السودان؛ السيادة فيها للشعب؛ وتستند فيها الحكومة لإرادة الشعب؛ وتحمي جميع المواطنين على قدم المساواة". لا يُمكن لشخص عاقل إلاّ أنّ يقول إنّ هذه التوصيات جيدة وقائمة على اعتراف حقيقي بالتنوع الإثني والديني والثقافي في السودان، لكن لنرجع مَرّةً أخرى للدستور لنرى ماذا قال في هذا الشأن. تقول المادتان الأولى والثانية من الدستور ما يلي "(1) - 1- جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة، وهي دولة ديمقراطية لا مركزية تتعدّد فيها الثقافات واللغات وتَتَعَايش فيها العناصر والأعراق والأديان. 2- تلتزم الدولة باحترام وترقية الكرامة الإنسانية، وتُؤسس على العدالة والمساواة والارتقاء بحُقُوق الإنسان وحُرياته الأساسية وتتيح التعددية الحزبية. 3- السودان وطنٌ واحدٌ جامعٌ تكون فيه الأديان والثقافات مصدر قوة وتوافق وإلهام. (2) السيادة للشعب وتُمارسها الدولة طبقاً لنصوص هذا الدستور والقانون دون إخلال بذاتية جنوب السودان والولايات". وفي الحديث عن المُواطنة تقول المادة (7-1) من الدستور "تكون المُواطنة أساس الحُقوق المُتساوية والواجبات لكل السُّودانيين". وعن الاعتراف باللغات السُّودانية تقول المادة (8-1) جميع اللغات الأصلية السودانية لغات قومية يجب احترامها وتطويرها وترقيتها. (8-2) العربية هي اللغة القومية الأوسع انتشاراً في السودان". ما الجديد الذي جاءت به التوصيات في هذا الأمر، قطعاً لا شيء جديد. الأهم من ذلك ما هي الضمانات التي تحملها وثيقة الحوار الوطني لضمان إلزامية وتنفيذ هذه التوصيات؟ مُعظم هذه التوصيات، بل أفضل منها، حملها الدستور الانتقالي، وهي أولى وأوجب بالتنفيذ لأنّها صَارت جُزءاً من القانون الأسمى، وهو الدستور، لكنها لم تُنفّذ، فما هي الآلية الجديدة أو القوة الإلزامية التي ستجعل من التوصيات أمراً واقعاً. سيتم تشكيل حكومة قومية، من نفس تركيبة الحكومة الحالية، مع بعض الإضافات للشخصيات الجديدة، فمَا السحر الذي تحمله لتجعل التنفيذ مُمكناً، في حين عجزت آلية الدستور عن العمل؟!. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة