كان بدرالدين ينظر بعينيه المتسعتين وبحذر للشابة الحزينة التي دخلت مركز الاتصالات الذي يديره..بدأت مترددة كأنها تخفي شيئا..طلبت منه استخدام الهاتف العمومي..هنا ينبغي على الزبون أن يدفع أولاً..خشى ان يسألها..دخلت إلى الكابينة دون أن تغلق الباب..لم تدم المحادثة طويلاً..جاءت وأخذت مقعدا بجانبه.. سحابة حزن تكحل عينيها الجميلتين.. بدأت وكأنها كانت تبكي أو خسرت معركة مهمة ..حينما رأت استغرابه أوضحت له أنها نسيت محفظتها بالبيت واتصلت على أختها..الشاب الريفي أقسم أنه لن يحتجزها رهينة من أجل مبلغ تافه..دون أن يستاذنها أعاد طلب نمرة الهاتف ثم ناولها السماعة..بعدها مباشرة أخرج ورقة فئة الخمسة جنيهات ودساها بين يديها. حينما خرجت سلمى من المتجر انتابها شعور مضاد..ليس الرجال جميعهم طينة واحدة..بدأت تتذكر معركتها الخاسرة مع فتاها..تحب هذا الشاب بشكل خرافي..سامي يريد لهذه العلاقة أن تبدو معلقة إلى أن تزول الظروف المادية..كانت تخبره ربنا كريم وتذكره بحكمة تزوجوا فقراء..عندما تهزمه بالمنطق الغيبي..يسخر منها، ومثل حكم الكرة ينهي النقاش رافعاً مفتاح الرقشة ثم ينتصب واقفاً ..تمردت عليه هذا المساء ورفضت أن تعود معه..غادرت مقهى السعادة البائس تبحث عن حكمة الله كريم. حينما وصلت البيت هرعت إلى الغرفة الشرقية..في هذا المكان (تفضفض) إلى اختها لمياء..الغريب أن الأخت الناصحة أصغر عمراً من سلمى..لمياء كانت تحذرها من الجري وراء سراب سامي..رؤيتها أن هذا الشاب يبحث عن أوقات ممتعة ولن يتزوج ابداً، لأنه يخاف من المسؤولية..طلبت منها أن تنهي علاقة استمرت لسنوات دون نهاية سعيدة..سلمى تحاول أن تتشبث ببعض الأمل وتحاول أن تجد لحبيبها بعض العذر. في صباح اليوم التالي ذهبت الشقيقتان إلى ذات المتجر..أرادت سلمى أن ترد الدين إلى الموظف الغلبان..لم يصدق الشاب بدر الدين عيناه..الجميلة عادت مرة أخرى..ترك (كاشير) المحاسبة لزميله واستقبلهما في مدخل الباب.. ببعض (الكبكبة) الواضحة هرع إلى البقالة المجاورة ليأتي بزجاجتي حاجة باردة..سؤال من هنا وآخر من هنالك على شاكلة (إنتو من وين)..حينما شارفت زجاجة سلمى على إعلان نهاية اللقاء..بدأ بدرالدين يتصبب عرقاً.. يريد أن يقول شيئاً ويخشى العواقب ..جمع قواه وأرسل سؤاله المحرج إنتي مرتبطة يا أخت؟..قبل أن ترد كانت أختها لمياء ترسل الإجابة بالنيابة (لا سلمى ما مرتبطة)..ابتسم الشاب وأرسل عبارة (معقولة بس). بعد شهر ومن المسجد المجاور أعلن عقد قران سلمى من بدرالدين..تفاصيل مابعد العقد وموعد الزفاف ومكان بيت الزوجية بدت أسئلة بلا أجوبة واضحة..ٍ بعد أربعة أشهر تحصلت سلمى على عقد عمل في دبي..وظيفة تافهة في مدرسة خاصة..كان مطلوباً منها أن تساعد التلاميذ على عبور الشارع عند بداية الدوام ونهايته.. الوظيفة البسيطة فتحت باب الحظ للمحاسب بدرالدين..بعد ستة أشهر كان بدرالدين يلتحق بمكتب مراجعة مشهور وتصبح سلمى سيدة بيت ..أصر الزوجان بعد خمس سنوات على شراء البيت الذي يحوي مركز الاتصال. حينما هبطوا الخرطوم وجدوا الدنيا كلها تغيرت ..ثورة الاتصالات غيرت معالم المدينة وتحول متجر الذكريات إلى صيدلية..الذي لم يتغير أبداً هو سامي الذي بدا كهلا يتوكأ على رقشته ويعبر ذات الشارع دون أن ينتبه إلى مقهى السعادة الذي خسر فيه كل شيء. akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة