نواصل ما بدأناه بالأمس تعليقاً على تصريحات الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل؛ التي قال فيه إنه شرع في وضع استراتيجية لطي ملف حقوق الإنسان في السودان الذي يتسبب في وضعه تحت الإجراءات الخاصة. وقد قلنا بالأمس: إن معظم العمل المطلوب هو بالداخل وليس بالخارج، وبدايته التزام الحكومة بالدستور الانتقالي ونصوصه، خصوصاً وثيقة الحقوق المضمنة في الباب الثاني. وإذا ما فكرت الحكومة في العودة للالتزام بنصوص الدستور فإن أول واجب يواجهها هو تعديل القوانين الحالية لتتواءم مع الدستور. حينما تمت إجازة الدستور وبدأت الفترة الانتقالية، قال وزير العدل والنائب العام وقتها إن هناك أكثر من ستين قانوناً يحتاج لتعديل. ما حدث أن الحكومة انتقت القوانين التي احتاجت لتعديلها، لتخدم أغراضها، وتناست البقية. هناك عشرات القوانين الصادرة قبل دستور 2005 تحتاج لتعديل أو إبدال، وحتى القوانين التي تم تعديلها أو استحداثها بعد ذلك؛ جاءت مشوهة ومتناقضة مع نصوص واضحة في الدستور ومرجعيته التي كانت اتفاقية السلام الشامل. يجب أن تشمل المراجعة قانون الأمن الوطني وقوانين الإعلام المختلفة، والقانون الجنائي، إضافة للتشريعات الخاصة بعمل منظمات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات السياسية. غير ذلك يحتاج الأمر لمراجعة كثير من الأجهزة والمؤسسات التي تكونت، وسلطاتها واختصاصاتها، التي إما أنها تتناقض مع الدستور، أو جاءت من غير أساس دستوري، أو تتعارض مع وجود مؤسسات وأجهزة موجودة ومقننة، خاصة في مجال القوات النظامية. كذلك مراجعة مؤسسات إنفاذ القانون لضمان احتكامها لنصوص التشريعات وقيامها بواجبها بدون تدخلات خارجية وضمان استقلالية القضاء. لن تكفي عشرات النصوص والقوانين إن لم تتوفر الإرادة السياسية لتنفيذ إجراءات حقيقية على الأرض لإحقاق العدل وسيادة حكم القانون ومحاسبة القائمين على الانتهاكات. وضع الدول تحت بنود الإجراءات الخاصة ليس سببه وقوع انتهاكات، فهذا يحدث في معظم بلاد الدنيا التي لا تخلو من شكل من أشكال الانتهاكات. لكن السبب هو مرجعية هذه الانتهاكات، وهل هي حوادث فردية أم مؤسسية، ثم كيفية معالجة الدولة لها، ومدى جديتها في التعامل معها ومحاسبة المنتهكين، أياً كانوا. هذا هو الباب الذي تسقط فيه الحكومة السودانية كل عام، تقارير مطولة عن الاعتقالات التعسفية وظروف الاعتقالات، وقمع الحريات الإعلامية ومنع الأنشطة السياسية للأحزاب والقوى السياسية، ثم ملاحقة وإغلاق منظمات المجتمع المدني. أضف لذلك باب قديم ومتجدد عن الانتهاكات التي تحدث في مناطق النزاعات والحروب والتي تحكمها القوانين الدولية الإنسانية. ولك أن تتخيل دولة تمنع ناشطي المجتمع المدني وحقوق الإنسان من السفر إلى جنيف لتقديم شهادتهم أمام مجلس حقوق الإنسان، ثم تبعث نفس الحكومة وفوداً مئوية لتذهب وتقول إن الأمور تمام، ولا توجد انتهاكات والمجتمع المدني مبسوط وممثلوه معنا في هذا الوفد. على من يمكن أن تنطلي هذه الحيلة؟ كل المعلومات متوفرة للدول الأعضاء والمنظمات العاملة في هذا المجال، والإنكار والتجاهل لن يجدي، وليست ثمة معالجات ممكنة من غير إشراك منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني. هذا هو الطريق إن كانت الإرادة متوفرة....ألا هل بلغت....اللهم فاشهد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة