22 يوليو 1971 في الخاطر (2-3):رسالة لسائر شباب السودان ليتناصروا للكشف عن مقابر ضحايا انقلاب 19 يوليو (1975).
تطل في 22 يوليو القادم في فجرنا ذكري يوم ظالم وأيام ظلماء. لم نفقد فيه نحن الشيوعيين وحلفائهم في الجبهات الديمقراطية والنقابية والمهنية منذ خمس وأربعين عاماً أنبل قادتنا ورفاقنا وأصدقائنا فحسب بل أوحشونا وقد ركبتهم تهمة ارتكاب احدة من أبشع المذابح في تاريخ العنف السياسي السوداني في بيت الضيافة. وألحد قتلتهم عن الدين وأفحشوا بدفنهم في مقابر مجهولة لم تطلع عليها أسرهم. وفي قبالة الذكرى الخامسة والأربعين أواصل خطتين كانت لنا في الحزب الشيوعي. أولهما المطالبة بالتحقيق في وقائع بيت الضيافة ومأساته. ونشرت قبل أيام رسالة اللجنة المركزية للحزب إلى أسر ضحايا البيت في نوفمبر 1971 عن ضرورة هذا التحقيق ليعطي كل ذي حق حقه. اما الخطة الأخرى فقد نادينا بالكشف عن القبور المجهولة لرفاقنا. وصدر مطلب كشف المرقد الخير لرفاقنا في رسالة كتبتها نيابة عن سكرتارية اتحاد الشباب السوداني في 1975 إلى سائر شباب السودان للتناصر حول مطلب إنساني هو رد الجثث إلى أهلها ودينها. ولا يفوتني هنا الإشارة إلى أن قوى المعارضة ربما كان أكثر تفريطاً في الكشف عن مثوى شهدائهم الأخير من الدولة. فلم تُفَرّغ بعد انتفاضة 1985 أحد أجهزتها لموالاة أمر كشف هذه المقابر المجهولة بتنسيق مع الأسر الموجوعة. فحتى المحكمة العليا ردت طلب الأستاذة أسماء محمود محمد طه للكشف عن قبر والدها الأستاذ محمود. وقضت متطوعة أن قتلته أخفوا جثته بصورة ماكرة لن يهتدي إلى موضعها أحد. شوف التشبر! بل أخذت على السيد الصادق المهدي كثيراً أنه لم يكشف من هذه القبور المجهولة سوى قبر عمه المرحوم الهادي المهدي لحسابات متعلقة بإمامة الأنصار. وجلست طول الليل في سان فرانسسكو استمع إلى الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم كيف بقيت كالسيف وحدها تطرق المحاكم لتقاضي قتلة زوجها الشفيع أحمد الشيخ ولكشف مرقده الأخير. وبقي وحده المرحوم الهادي أحمد الشيخ يتحرى من طاقم السجانة الذين دفنوا أخاه الشفيع ورفاقه مواضع مرقدهم. فتوصل إلى أنهم دفنوا بمقابر الختمية ببحري. وأقام نصباً على قبر أخيه. ولم يحرك هذا ساكن رفاقهم السياسيين. "وماتوا" بالموضوع. وللأستاذ ماجد بوب تحريات حرى وكتابات في هذا الخصوص.
أنشر هنا نداء اتحاد الشباب في 1975 للكشف عن مثوى رفاقنا.
مكتب سكرتارية اتحاد الشباب السوداني السادة في . . . . . السيد . . . . . .. . تحية واحتراماً، في الفترة بين أواخر يوليو ومنتصف سبتمبر 1971 استشهد نفر كريم من قادة اتحادنا وأعضائه. لعلنا في غنى عن الاتيان على دوافع هبتهم في يوليو أو التوقف عند الملابسات التي جرى فيها استشهادهم. فقد انقضى وقت كاف أصبحت فيه حقائق ذلك جميعاً ميسورة نوعاً ما للمهتمين بشأن الوطن وأهله. منشأ هذه الرسالة إليكم هو الحرج القائم في وجدان عضويتنا تجاه تجريد قادتهم وزملائهم من مثوى معروف تطمئن إليه رفاتهم. وباستعصاء هذا الحرج على الوصف فنحن نثق في بداهة تعاطفكم معه ومع الذين غالبوه واكتووا به طوال السنوات الأربع الماضية. فتلك بداهة تنشأ حين تتعرض الحقوق الطبيعية للإنسان، ومنها حق المثوى الأخير المعروف، للخرق والكرب. وهي حقوق أصلتها الديانات والإنسانية الكلاسيكية حتى صارت فطرة وغريزة. فما ترك الله القاتل الأول، قابيل، يزري بجثة أخيه الملقاة في العراء نهباً للضواري. فمن رحمة ربه به، رغم اساءته، بعث له الطير يعلمه ستر الأجداث إكراماً للجسد وتوقيراً للموت. وذات البداهة هي التي ساقت "أنتيقوني" الإغريقية على طريق الالآم والشهادة لأنها أودعت أخاها المقتول المثوى خلافاً لأمر الطاغية كريون. وعلى هذه البداهة نعول لتقفوا على ذلك الحرج العظيم الذي تمتلئ به صدور عضويتنا. وكان منطقياً أن يصبح نظام 22 يوليو (وهذا فرزنا له من 25 مايو)، الذي دشن نفسه بمجازر الشجرة، سارق جثث متمرس كما لمسنا ذلك في كل الهبات اللاحقة للطلاب والشعب. وبهذا تعذر على أسر وأصدقاء ومعارف الشهداء، الذين سقطوا في تلك الهبات، القيام بما تقتضيه قداسة الموت والأموات، وبما تستوجبه أعراف هي في منزلة الحقوق الطبيعية. فمصادرة تلك الحقوق هي انفلات الشر من عقاله. فكل إثم في ظلها جائز، وكل وقاحة مقبولة، وكل سعار مستحب. واستهانة الحكومة القائمة برفات الشهداء هي صورة أخرى من صور استهانتها بالأحياء. مع أنها، مهما أحاطت نفسها بأسباب الجبروت وبادعاءات السرمدية، نظام في الحكم زائل وسيبقى شعبنا يفتش في صمت الأرض عن عبير زهوره الموؤدة وفتوة جنوده مجهولي القبر. إن ما جرى ويجري بالنسبة لرفات الشهداء من بعد يوليو 1971 هي نسخ من بشاعات ردة يوليو. ولهذا صح عندنا التوجه إليكم بهذا النداء لكي تتضامنوا معنا في مطلبنا المشروع الطبيعي من نظام نميري ليكشف عن المثوى الأخير لشهداء يوليو 1971. فعن هذا السبيل تساعدوننا في تخطي حرجنا وتعطون أسر الشهداء فرصة متأخرة، ونبيلة جداً مع ذلك، لتلأم فتوقها العاطفية بأداء شعائر الوداع لأبنائها في مثواهم الأخير المعروف. ونأمل أن يأتي تحركنا جميعاً نحو هذه الغاية إشارة أولى وأخيرة بأن شباب السودان قاطبة، باختلاف اجتهاداته للسمو بوطنه، مصمم أن تدار السياسة في بلده وفق سنن الآدمية: بالإقرار الجليل بالحقوق الطبيعية والسياسية. وسيسعدنا أن نلم بكل خطوة تتخذونها استجابة لندائنا هذا. مع تقديرنا الفائق والشكر. 1-8-1975 سكرتارية اتحاد الشباب السوداني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة