بدأت الأزمة بدم كثيف أريق تحت الشجرة.. صالح ود اللمين اعتدى على فني المساحة الذي جاء على رأس فريق لتخطيط مسار الطريق المعبد ..أصر المهندس على أن يمر الطريق في مساره وإن كان الثمن إزالة الشجرة التاريخية.. ابتدأ النقاش بروح هادئة ونفس بارد بين عثمان وداعة الله صاحب الكنتين وأحد المستفيدين من شجرة الفكي ومهندس المساحة الذي يبدو أنه كان يسارياً أو مهنياً لدرجة العناد. عثمان وداعة الله روى سيرة الشجرة التي زرعها عم حسن عقب عودته من الحرب العالمية ..في أغلب الروايات أن المرحوم عم حسن كان قد شارك في موقعة العلمين في مصر ..وحسب الرواية أن أسيراً ألمانياً منح بذرة الشجرة لعم حسن.. كانت مشكلة شجرة عم حسن أنها تبيد الأشجار التي من حولها..أضرارها وصلت المباني المجاورة حيث كانت جذورها تصل إلى مدى بعيد وتظهر آثارها على الحيطان. حينما احتج الجيران قرر عم حسن قطع الشجرة ..قبل أن يكمل مهمته أصيب بالتهاب حاد بعدها بأيام توفي إلى رحمة مولاه..تحت الشجرة الكبيرة أقيمت مراسم العزاء..بعدها بأشهر تعاقد الجيران المتضررون مع الأسطى طه باشاب وقد كان نجاراً ماهراً خدم بالفندق الكبير قبل أن يتقاعد على كرسي المعاش..كانت خطة باشاب أن يباغت الشجرة من فروعها الوارفة ثم يتصدى للجزع..أثناء أداء مهامه في الانقضاض على الأطراف هجم عليه ثعبان..قبل أن يصل إلى المشفى الريفي أسلم الروح إلى بارئها.. بعد عام خدع الأهالي وافد من غرب أفريقيا أجزلوا له العطاء ليخلصهم من الشجرة..قبل نهاية الشوط الأول وقع فرع من الشجرة على رأس الأجير كاد أن ينقله إلى الدار الأخرى..حينما تعافى عم أبكر نصح أهل القرية شجرة دا لا تفوت ولا تموت. بعد تلك الحوادث استسلم الأهالي لسلطان الشجرة..تنحت البيوت الطينية بعيداً.. جاء وداعة الله الكبير والد عثمان وافتتح كنتيناً صغيراً..بعدها تحولت الشجرة الظليلة إلى مسيد يصلي فيه أهل القرية ويطعمون ضيوفهم..لكن ذكر الشجرة المباركة كان ينتشر في الفرقان المجاورة في البادية..كل ما جاء وفد يبحث عن البركة كان وداعة الله يذكر للزوار بعض المبالغات منها أنه رأى الشجرة تسجد وتلامس أفرعها الأرض في ليلة عاشوراء..كان بعض الغرباء يأخذون بعضاً من أوراق شجرة الفكي بنية الاستشفاء. بعيد حادثة الاعتداء على فني المساحة جاء فريق من الشرطة واعتقل صالح اللمين وتم التحري مع عثمان وداعة الله المتهم بالتحريض.. بعد أيام جاء المعتمد على رأس وفد كبير .. أصر المعتمد على أن تتم مراسم ضيافته في ديوان رئيس اللجنة الشعبية لا تحت شجرة الفكي..اجتمع الناس بالمعتمد وأخبروه أنهم يصرون على حياة شجرتها المباركة وأن على الحكومة أن تتصرف بحيث ينحرف الطريق يمنة أو يساراً..المعتمد أخبرهم أن تعليمات الحكومة تقضي أن يمضي الطريق إلى نهايته لا يعترض مساره جبل ولا شجر. الضو باب الله رئيس اللجنة الشعبية ورئيس الحزب الحاكم انفرد بالمعتمد في غرفة جانبية ..أبدى باب الله خوفه على الحكومة من شجرة الفكي..أخبره بأساطير الشجرة التي تسجد أناء الليل وتضيء في عتمة الظلام..المعتمد أبدى اهتماماً بالرواية ولكنه اعتذر بحجة أن التعليمات نهائية وأن عليه تنفيذ الإزالة. في اليوم الموعود أحضرت فرقة من القوات النظامية يتقدمها رتل من آليات الحفر الثقيلة.. عثمان وداعة الله حينما تأكد من الرغبة في التغيير طلب مهلة لإخلاء متجره ..بعض من أهالي القرية والقرى المجاورة تجمعوا من الصباح في انتظار معجزة الشجرة ..تقدم الحفار والقلوب متوجسة وغرس أسنانه في جزع الشجرة الضخم..كانت الشجرة تقاوم والحفار مصر على إكمال مهمته..محاولة واُخرى ..في النهاية نجح الحفار ورفع الشجرة مثل كاس الدوري وسط ذهول الأهالي .. بعدها أكمل (اللودر ) المهمة وسوى تراب الأرض..وبتسوية التراب انتهى فاصل من الخرافة وواصل الطريق المسفلت مساره المرسوم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة