تخلقت هذه الخاطرة في ذهني بعد مكالمة قصيرة مع احد الأصدقاء، المكالمة لم تكن بذات خطر ولا أهمية، ولكن راعتني عبارة وردت في ختامها علي لسان صديقي فقد خاطبني قائلا: (طبعا زي ما انت عارف أي اب عنده ولد و (ص) ده ولدي المفضل)، و أضاف كأنه أدرك فداحة الإعتراف بهذه الحقيقة: (طبعا الكلام ده سر)!!! راعتني العبارة في البدء، لا أدري ربما كان السبب هو مجرد التفكير في ثقل المعني و قوته، ولكن و بسرعة قصرت من رحلة معاناتي في ارتياد افاق هذا المعني القاسي عبرت بخاطري وكأنها نسمة مفاجئة الاية: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ يوسف: 8 كيف لم الق بالا لهذه الاشارة الالهية لموضوع قديم قدم قابيل وهابيل، هذا التفضيل الذي ينتمي الي فصيلة الحقائق التي تعرف ولا تقال، تندرج تحت بند الأسرار التي ربما يفضي البوح بها الي الموت، و طوفت بخاطري عبارات مرت كثيرا بمسمعي و مسمع الكثيرين (ابوي: اكتر زول بتريده فينا منو؟). الاجابة علي هذا السؤال تعتمد علي حصافة الاب و مقدرته علي المراوغة و إيجاد المخارج الامنة و في بعض الاحيان توظيف الاجابة لصالح تعزيز بعض السلوكيات المحببة أو تثبيط السلوك السئ: -كلكم عندي واحد -الصغير لمن يكبر -البسمع كلامي -الما بعمل ازعاج -ولا واحد فيكم -الزول بحبوه بي طبعه
التفسير الاسهل لهذا الايثار هو ان يكون ردة فعل لمزايا وفضائل بالابن المعني، وهذا التفسير مريح أيضا و يعفي الوالد من مشقة الشعور بالذنب، ولكن هل هو دائما التفسير الحقيقي!!
هل يمكن أن يكون هذا الايثار قائما علي نبوءة تخص مستقبل هذا الابن!!، هل تفتح علي قلب الوالد شرفة الغيب أحيانا فتراه يسر الي خاصته: -فلان ده عكازة كبري -فلان ده عندي فيه رؤية
مخرج آمن: يحكي أن الحاردلو كان يؤثر أحد أبنائه علي البقية وبعد أن بلغ به الكبر عتيا، و في احد الليالي المقمرة و النجوم تغسل عيونها علي اهداب الفجر، طلب حضور أبنائه العشرة بصورة عاجلة، فكان اول الحاضرين الابن الأثير راكبا فرسه وهو يرتدي عدة الحرب (الدرع والخودة)، بينما حضر اخوته و هم يجرجرون اقدامهم و يطردون النعاس بصعوبة عن أعينهم وأذهانهم. بعد ان طلب منهم الاب ان يتخذوا مجلسا، طلب منهم ان (يغنوا) وهي تعني عند اهل البطانة ان يقولو شعرا، فشرع الاخوة التسعة يتبارون في نثر أشعار الغزل وهم يظنون ان اباهم يريد ان يختبرهم و ينعم علي احدهم بلقب أمير الشعراء من بعده وهو الذي حمله بعد ان تخصص في اشعار الغزل والوله والهيام عمره كله. المهم أن صاحبنا الأثير فضل السكوت، وهو يتأمل في وجه والده الذي خط عليه الزمن خطوطه ليحكي كل خط تجربة طويلة عبر سنين غابرة، وأدرك أن ابيه يقارب تلك الهوة السوداء التي ينتهي اليها المسير مهما طال واستطال، وعندما طلب منه والده ان يدلي بدوله خرجت منه هذه الأبيات غضة طرية حزينة وهو يخاطب والده: يا بحر المحيط الما انقطع تراع ويا شجر المحنة اللامة للفراع يا ريت العمر لو بنشري وبنباع كان نديك عمرنا يا طويل الباع
أحد الذين حضروا المجلس، وبعد سنوات طويلة، قال أن اعين الحاردلو التمعت لمعة خاطفة و كأنه ارتد في لحظة الي صباه، بينما قال اخر انه همهم بكلمات أدعي اخر انها: ألم أقل لكم أني اعلم من الله ما لا تعلمون!! محمد حسن فرج الله 20 فبراير 2016 الطائف
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة