قدمنا في مقالنا السابق نماذج من البدائل المتاحة التي (تتزاوغ) عنها وزارة المالية في سعيها لإيجاد مخرج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة باختيار بدائل سهلة لكنها ذات كلفة سياسية باهظة الثمن ويمكن أن تفجر الشارع بصورة أكثر خطراً ودموية من أحداث سبتمبر 2013.ذكرنا من تلك البدائل التي تتجاهلها وزارة المالية نموذجاً فاضحاً لعجز الدولة عن إنفاذ قوانينها يتمثل في فشلها في إنفاذ التوجيه الرئاسي وقرار مجلس الوزراء رقم (126) لعام 2011 حول خصخصة وتصفية 27 شركة تتبع للقوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن .وزير المالية يعترف بأن كثيراً من الفشل في إنفاذ السياسات ناشئ عما سماه بـ (الدولة العميقة) وهو اسم الدلع لمراكز القوى التي لا يستطيع أن يذكرها بهذا الاسم ناهيك عن أن يمارس عليها سلطته كحارس (اسمي) ووالٍ على المال العام لكنه منزوع الصلاحية!لكن هل هي 27 شركة تلك التي تحدثت عنها أخي المراجع العام أم هي مئات الشركات الحكومية التي سماها رئيس الجمهورية بشركات النهب المصلَّح؟!كم من الأموال التي كانت تذهب لجيوب وحسابات (نهابي) شركات القطاع العام داخل وخارج السودان كان من الممكن أن توفر وتدخل خزانة الدولة بدلاً من اللجوء للحيطة القصيرة المتمثلة في المواطن (الغلبان)؟!هل تذكرون أيها الناس تلك اللجنة التي أنشئت لتصفية الشركات الحكومية لكنها رضيت كذلك بالدنية وتخلت عن واجبها رضوخاً أمام سطوة مراكز القوى؟!أين يا ترى البرلمان المفترض أنه المعبِّر عن الشعب والناطق باسمه وهو الذي يفترض أن تُقدم له تقارير المراجع العام لمساءلة الحكومة ممثلة في الوزراء ولإنفاذ كل تقصير تتسبب فيه السلطة التنفيذية؟!أين رئيسه بروف إبراهيم أحمد عمر الذي عوَّلنا عليه كثيراً ولا نزال لإحداث تحول في دور البرلمان ليكون سيداً على الجهاز التنفيذي لا تابعاً ذليلاً؟! أين لجانه المسكينة التي يعجز أعضاؤها عن رفع عقيرتهم ربما خوفاً من الاستبعاد من الترشيح في الدورة البرلمانية القادمة!إذا كنت قد استشهدت بمقولة مؤسس سنغافورة (لي كي وان): (إن تنظيف السلم يبدأ من أعلى) فإن البرلمان كان ينبغي أن يقدم القدوة للجهاز التنفيذي حتى لا يُقال له (إن فاقد الشيء لا يعطيه).ماذا فعل 24 من أعضاء البرلمان الذين شدوا الرحال إلى جنيف وماذا أنجزوا لمصلحة الدولة، وكم أنفقت الحكومة لمقابلة كلفة سفرهم وإقامتهم، وهل صحيح ما ورد في الصحف أن كلاً منهم تقاضى نثرية بلغت 500 دولار في اليوم وأن رئيس الوفد ونائبه قبض ألف يورو في اليوم؟إنها الفوضى واختلاط الحابل بالنابل مما ينذر بالانهيار، فعندما يصبح الفساد هو الأصل في كل شيء ويصبح المواطن هو من تُلقى عليه كل الأعباء وكل نقص في موازنة الدولة فإنه لا بديل غير الانفجار الذي لن يبقي ولن يذر.شعار تقليل وخفض الإنفاق الحكومي يظل مجرد كلام والسلام وتعجز وزارة المالية عن إنفاذه كما تعجز جميع مؤسسات الرقابة عن أداء وظيفتها ويزداد حجم الإنفاق الحكومي خلال النصف الأول من هذا العام بعدة مليارات بدلاً من أن ينخفض رغم الوعود الفارغة بأن الحكومة عاقدة العزم على ترشيد الصرف وخفض الإنفاق الحكومي!بالرغم من زيادة الاستهلاك الحكومي يُتَّهم الشعب بأنه مستهلك وبالرغم من تعطيل الحكومة للإنتاج من خلال توقُّف المصانع والمؤسسات والمشاريع الكبرى وضعف الإنتاج الزراعي يُتَّهم الشعب بأنه غير منتج ويرميه وزير المالية بداء حكومته وينسل!ماذا بربكم يفعل الشعب غير أن يقول (حسبنا الله ونعم الوكيل)؟!ماذا يفعل والخيارات أمامه محدودة بين شظف العيش تحت نير وبطش و(حقارة) وعجز وفساد السلطة التنفيذية وبين بديل خطير أرى نماذجه في جوار ومحيط ملتهب تغمره شلالات الدماء والدموع وما أتعس الحال حينما يُخيَّر الناس بين واقع مأساوي يرفض سادته وكبراؤه تغييره وبديل مجهول ربما يفضي إلى هاوية سحيقة.assayha.net/play.php؟catsmktba=8683 أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة