لايختلف إثنان أو اكثر من الإقتصاديين إن الإقتصاد السوداني قد تجاوز مرحلة الإنهيار ولاتوجد أي بارقة أمل في إسعافه ولا نقول إصلاحه بإستخدام الوسائل التقليدية لأقتصاد السوق الحر، وذلك لان ملامح الإقتصاد السوداني أضحت مشوهة بعد سياسات التحرير التي أتت بها الإنقاذ ، وما لايدركه الكثيرين إن رضاء الأمريكان إنما مرده الى تطبيق الإنقاذيون لسياسات الاحرار الجدد ( Neo Liberals) التي لاتعترف بالدعم وتدير اقتصاد الدولة بعقلية الكنتين ( Canteen) وهي تحقيق الارباح من المستهلك لصالح الرأسماليين على أن يبقى حساب الحكومة باللون الأسود أي بدون عجز، ويعني هذا أن تتخلى الدولة عن المواطن. ولكن نعود لنقول انه من الظلم وصف الإقتصاد السوداني بالحر ، لانه إقتصاد مشوه ، تم تشويهه بالفساد الممنهج لصالح المشروع الإنقاذي الفاشي، وتم تشويهه بإسناده لعناصر لا تمتلك العلم ولا الخبرة ولا الخيال الإبداعي ولبالغ الأسف لا تملك الضمير. إن اصرار بنك السودان على تطبيق سياسة التمويل العجزي ( Deficit financing) بطباعة العملة يفاقم من التضخم فالدولة تنفق ما لاتملكه وتريد من المواطن ان يتحمل ذلك التصرف الأخرق، لان معظم هذا الصرف يذهب الى تمويل الاجهزة الأمنية التي تحافظ على بقاء هذا الظلم، فكما هو واضح من أرقام آخر ميزانية ، وكما ذكر وزير المالية أمام مجلس الوزراء في إجتماع إجازة ميزانية 2014 إن هدف وزارته زيادة معدل نمو الكتلة النقدية بنسبة (16,6%) وذلك لتحقيق مستوى من التضخم في نهاية الفترة بنسبة (20,9%)، نجد ان بنك السودان قد تجاوز هذا الهدف بنسبة كبيرة وكان على البرلمانيين الغير مدركيين مساءلته عن نسبة نمو كتلة النقود فلا يمكن لبنك السودان ان يتسبب في تدهور العملة ويتسبب في التضخم بدون رقيب، والله وحده يعلم نسبة الزيادة في كتلة النقود وحجم الاستدانة. ان اسباب الانهيار متعددة ومتشابكة ولكنها تتمحور اسبابها في الفشل المتواصل في ادارة السياسات والفساد الممنهج بالاضافة الى تواصل الحروب الني تستند على الفكر الديني المتزمت الهادف للإقصاء والتركيع بالغاء ثقافات واديان الهامش، فمثلا باجراء مقارنة بسيطة لاستهلاك القمح نجد إنه عندما جاءت الانقاذ في نهاية الثمانينات كان يتم انتاج 100 الف طن من الدقيق سنويا ، الآن تنتج المطاحن الموجودة في الخرطوم ما بين 2 الى 2.5 مليون طن من طحين القمح ، ويبلغ استهلاك الفرد 200 جرام يومياً في العاصمة التي تجاوز عدد سكانها 12 مليون نسمة، وهذا ناتج عن تغير الانماط المعيشية للنازحين والمهاجرين الذين قدموا من الهامش بسبب الحروب وغياب الدولة التي تهتم بالمواطن وصحته وتعليمه وعلاجه، فبدلا من استخدام الفتريتة والدخن اصبح الخبز الاساسي هو القمح ، ونرجعها مرة الى أهداف الراسماليين الاسلاميين الاحرار الجدد في تضخيم أرباحهم على حساب المواطن السوداني ومؤسسات الدولة ، لذلك ونسبة لتغير نمط التغذية والهجرة من الريف زاد استهلاك الرغيف بدلا عن الكسرة ، لذلك يتم استهلاك حوالي 250 الف جوال (سعة 50 كيلو) من الدقيق في الخرطوم يومياً ، ويمثل هذا الرقم 50% من الانتاج اليومي لإطعام 20% من سكان البلاد الذين يتجاوز عددهم 32 مليون نسمة. ولكن من ناحية |خرى نجد ان سعر القمح عالمياً في انخفاض بلغ 20% في خلال خمس أعوام بين 2010 الى 2015 ونسبة إنخفاض بلغت 8% بين 2014 الى 2015. فاذا كان السيد وزير المالية أميناً لبادر في تمرير هذه النسية للمواطن بدلاً من وصفه بالكسول العاطل، ونفس الشيء ينطيق على اسعار النفظ التي هبطت عالميل لاقل من 38 دولار أمريكي لبرميل النفط. من ناحية أخرى تتحمل الإنقاذ وحدها إنفصال الجنوب بهذه الطريقة المأساوية وتتحمل جزئياً وضمنيا عدم الاستقرار في دولة جنوب السودان والذي أدى الى ضياع عائد رسوم مرور النفط وعدم تحقيق رقم الانتاج المذكور للبترول في ميزانية 2014 ، فاستمرار الإضطرابات الحدودية مع الجنوب ومواصلة الحروب أثر سلبا على استقرار دولة الجنوب السودان وبالتالي انتاج النفط فيه، فبسبب فقدان الروئة المشتركة حول إتفاقية السلام الشامل لم يتمكن الشريكان من مواجهة القضايا الرئيسية وواصلا في نهج أدى إلى عدم الثقة والبناء على حسابات خاطئة ، وإطلاق العنف على نطاق واسع بين الشمال والجنوب. بالاضافة الي سباق التسلح بين الشمال والجنوب ومشاكل انتاح النفط واستغلاله، الامن الداخلي في الشمال والجنوب، ترسيم الحدود ، حيازة الاراضي وعدم وضوح الروئة بشأن مصير النازحين ، خاصة الجنوبيين في الشمال.
بالاضافة الى ذلك توجد عدة معضلات منها سلوك ونشاط البنك الزراعي، سياسات بنك السودان ، شهادات شهامة والاستدانة الحكومية وتمويل فوائدها، انخفاض الصادرات الغير بترولية وزيادة الواردات وأخطر من ذلك النشاط السالب لشركات الاتصالات ونهبها الممنهج لاموال الشعب السوداني مرة بالعملة المحلية ومرة ثانية عند شراءها للعملة من السوق الموازي.
ان الخروج من هذا المأزق لابد ان يستند الى إرادة سياسسة مبنية على فكر مستوعب للتعدد الثقافي والاثني والديني لبلادنا ، ارادة سياسية هدفها ازالة التهميش الثقافي والاقتصادي والجغرافي وذلك باعادة بناء الخارطة التنموية في السودان وتوزيع السكان على مدن ومشاريع جديدة منتجة تتمتع ببنية تحتية تراعي الاحتجات الصحية والاجتماعية والثقافية للانسان.
إن أقتصاد ما بعد الانقاذ يجب ان يكون اقتصاديا تكافليا مبني على التعاون بعيدا عن سياسات الاحرار الجدد ومؤسساتهم من صندوق النقد والبنك الدولي. وفيما يبدوا انه لاتوجد لا حلول من دون ايقاف هذه الحروب وذهاب هذا النظام وتسليم هذا الامر لأهله.
1- رئيس تحرير صحيفة المهاحر السودانية الصادرة من أستراليا. 2- ماجستير إدارة الاعمال، جامعة نيو إنقلاند أستراليا 2014. 3- بكالريوس اقتصاد (إدارة الاعمال) جامعة الخرطوم 1984.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة