لم يتردد كثيراً الأستاذ محمد محمود حاج الدين حينما سألته عن أنجب طلابه خلال مسيرة نصف قرن من الزمان ظل فيها الرجل ممسكاً بالطبشور ..بابتسامة تدل على الفخر أجابني "الأفندي والنقرابي"..كان ذاك الأستاذ يعني كل من الدكتور عبدالوهاب الأفندي الباحث بالجامعات البريطانية والبروفيسور محمد عبدالله النقرابي أمين عام صندوق رعاية الطلاب.. كلما قابلت أيّاً من الرجلين تذكرت تلك الشهادة..لكن الذكرى كانت مصحوبة بسؤال إن كان نظام التعليم القديم أكثر رحابة واحتفاءً بالأذكياء؟.. حال التعليم اليوم أصبح يعتمد على المخصبات المادية..ينجح طلاب مدرسة القبس بالخرطوم شرق بنسبة مائة بالمائة ويسقط تلاميذ أولاد يسن في جنوب الجزيرة بذات النسبة الداوية. بين يدي كتيب يرصد مسيرة صندوق رعاية الطلاب خلال مسيرة ربع قرن من الزمان..وقد شاء حظي أن أكون أول دفعة من طلاب جامعة الخرطوم ينزل فيها النظام الجديد..لهذا ربما تكون قراءتي مختلفة بحكم المتابعة..فقد كنا في جامعة الخرطوم نرى الطلاب السابقين لنا بعام يتمتعون بخدمات الإسكان والإطعام فيما نحن في شعاب الأعراف..النظام السالف كان يتعهد الطلاب برعاية أشمل ..معظم النخب المسيطرة على أحوال البلد درست بالمجان واستمتعت بحياة الداخليات منذ المدارس الوسطى ..لكن ذاك النظام مع رفاهيته كان تغطيته محدودة بسبب كلفته العالية جداً.. ولم يكن من الممكن مضاعفة القبول وفق تلك الحسابات . بل إن تجريد الجامعات من الخدمات المساعدة في مجالات الإسكان والإطعام والعلاج وفر لها موارد وأبعد عنها شواغل كانت تسنزف مالاً ووقتاً..لهذا الناظر لتجربة صندوق رعاية الطلاب يجد لها تميزاً في عدد من المجالات، وقصوراً يحتاج للمعالجة في نواح أخر..صندوق الطلاب تمكن حتى الآن من إنشاء (١٦٢) مدينة جامعية.. مقارنة أخرى تبيّن أن الطلاب الذين كانوا يتمتعون بالسكن قبيل ميلاد الصندوق كانوا نحو(٦٠٠٠) فيما بلغوا العام الماضي (١٥٢) ألف طالب..الآن الصندوق يقدم إعانات لأكثر من مئتي ألف طالب فقير. الإحصاءات تؤكد أن صندوق رعاية الطلاب يقدم الرعاية الطبية لنحو ربع مليون طالب وطالبة..رغم أن الرقم كبير ومقدر إلا أن السؤال يمضي نحو الأعداد الأخرى من الطلاب التي لا تستظل بمظلة الصندوق..هذا يعني أن هنالك ازدواج في تقديم هذه الخدمة بين الجامعات والصندوق ..هذا الإزدواج يجب أن يعالج ويتوسع الصندوق في هذه المهمة باعتباره مؤسسة إسناد للجامعات. المسألة المهمة في أعمال الصندوق تتجه نحو مشروع تسليف الطلاب..فكرة إقراض الطلاب فكرة عالمية تنتشر في كل أنحاء العالم.. لكنني لاحظت أن الصندوق قد شرع فيها منذ العام ٢٠١٢ بنحو خمسمائة طالب.. الآن بعد مرور خمس سنوات مازال الإقبال نحو الفكرة محدوداً حيث لم يستفد في العام الماضي إلا نحو ألف وسبعمائة طالب..هنا يقفز السؤال هل هنالك إحجام من الطلاب أم أن الموارد غير كافية..وربما لم تصل الرؤية لكل الطلاب المستهدفين. في تقديري يجب التعامل مع طالب الجامعة باعتباره راشداً وبإمكانه أن يتخذ القرار الصحيح.. فكرة إقراض الطلاب بقروض ميسرة ستكون الحل الناجع لكل مشكلات التعليم..لكن مشروع التسليف لا يلقى حماساً من مؤسسات التمويل لسببين أولهما التضخم الجامح والثاني تضاؤل فرص التوظيف..لهذا على الصندوق وجهات الاختصاص أن تولي هذه القضية العناية القصوى..بل بالإمكان استيعاب فقه الوقف ..مثلاً أن يوقف طالب الطب عشرة بالمائة من راتبه لصالح الصندوق بعد أن يتخرج ولمدة عشر سنوات..أو يتدخل ديوان الزكاة كضامن إذا ما تأخر توظيف الخريج. بصراحة ..بعد مرور ربع قرن على هذه التجربة الناجحة يحتاج صندوق رعاية الطلاب التفكير خارج الصندوق.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة