لبلبل اليمن الصدّاح، أبوبكر سالم، غناءاً شجياً يشبه عذوبة ألحان محمد وردي..سمعته أمس يغني:ــ "ما يهزّك ريح يا مركب هوانا، طالما حِنّا ،على دربك مِشينا".. هذا الشدو اليماني البهيج ، يلامس معاني شاعرنا الفيتوري، وهو يتغزّل بغناءٍ عاطر ٍ،"تعدو به الريحُ ،فتختال الهوينى"..اليمن والسودان يتشابهان في أشياء كثيرة، أقلّها أنّ المقتلة تنشب هنا وهناك، لأتفه الأسباب.. المقتلة يمكن أن تنشب أظافرها في وجوه الناس، من عمق الإلفة..مثلما نحن هكذا،هم كذلك ــ شمال وجنوب ــ ومثلما لهم حروبهم ،لنا حروبنا التي لم تهدأ..الحرب هنا وهناك، لا تنعدم أسبابها..حروبهم مثل حروبنا..من أجل الوحدة يحاربون ، من أجل القبيلة يحاربون..من أجل الثأر، و حتى من أجل الاشتراكية و الدين..
"من لا يُؤدبه الزّمنْ، يؤدِبه اليّمَنْ"..! هكذا يقول السودانيون..هذان البلدان، معنيان منذ استقلالهما بمنازعات الفقر والقفر..يلتقيان كذلك ، في تفاصيل انقلاباتهما، وفي المزاج الشعبي العام..لهم في اليمن أنواعاً من القات، ولنا في السودان أنواعاً متعددة من ود عماري..لهم الجنبية، ولنا السكاكين، بينما يبقى السيف بيننا ، قاسماً مشتركاً..!
في اليمن وفي السودان، يتعارك الشماليون والجنوبيون ضد الانفصال،حتى يقع الانفصال..في اليمن والسودان تحفظ الذاكرة، أمنية الرتق لجراح السنين..الشعبان يقفان عند حافة الشرق الافتراضي، أو إن شئت، عند منتهى خط الحلم العربي..لليمانيين، كما للسودانيين غرام بالمسيرات والمظاهرات..يلقبونها بالقابٍ فخيمة، مثل الهادرة، المليونية، الظافرة، الحاسمة ،وغيرها من فنون التعابير صلبة المراس..أطول الحروب الوطنية، هي تلك التي دارت في السودان ليعقبها انفصال الجنوب عن الشمال، وأعنف حروب اليمن كانت خصيصاً من أجل توحيد الجنوب مع الشمال..و غداً ، لا يعلم إلا الخالق، ما سيحدث غداً..!
يتشابه اليمنيْن، والسودانيْن ، في أشياء كثيرة، منها ذاك المصير، الذي حاق بالاشتراكية في كلا البلدين..حين أطل الفجر على العالم، حظي اليمانيون والسودانيون بأقوى التشكيلات الاشتراكية في بلدان الجنوب..وعندما دارت الدائرة، لقي عبد الفتاح اسماعيل وصحبه في اليمن، مصيراً مشابهاً لمصير عبد الخالق..أكثر من ذلك، أن عدوى الهجرة ضربت عميقاً في تضاريس الشعبين، فركب اليمانيون البحر والبر والفضاء..هربوا من فشل النخبة، مثلما فعل السودانيون، الذين يتباكون في المنافي البعيدة ، على ما حدث في بلادهم بعد الاستقلال..
ساقت الاقدار بعض اليمانيين الى السودان، ودفعت بسودانيين الى اليمن..لم يكن صعباً على الطرفين الاندغام، في بساط الناس الاحمدي،بيد أن الوطن وطن، والشوق شوق، ومراتع الصبا، لا يُستهان بها...تفجّر الصراع ضد، وداخل القبائل الاشتراكية في البلدين..هنا وهناك، أطاح برؤوس الطليعة..عندما صعد نجمهم هناك ،كان قد أفل هنا، على ذات الحلبة ، وبنفس المصير، وبذات الأدوات، على وجه التقريب..إنها بعض حظوظ مشتركة..الشعب هو الشعب..هو ذاك الجمع الذي يقرأ التاريخ حياً من منابعه، كأنه حدث البارحة..القيادة هي ذاك النفر الذي يضع هموم العامة نصب عينيه...بقليل من الزيت يمكن أن تُضاء الطرقات، وبشيئ من الاحتمال تقطع القافلة فيافي التيه..كثير من الغرباء يعودون ، وآخرون لا تتاح لهم العودة، فيوغلون في مهاجر أخرى..تلك المهاجر، تلك المنافي، هي بعض اقدار بني السودان واليمن، قبلَ أن تلحق بهم أجناس أخرى من هذا الشرق المضطرب، الذي يدأ يتخلّق من جديد..!
الشرق لا يبدو سعيداً بدينه، ولا بديمقراطيته، ولا بدكتاتورياته..!
الشرق يحترق الآن، وربما لو خيّر البسطاء من أهله، لاختاروا استبقاء الاستعمار قليلاً ، ريثما تتخفف ضرورات مجيئه..!
هاجت الاحلام هوجتها، وارتكست المجتمعات نحو الانتماءات الضيقة، وصعدت آفة التطرف، و كان لليمن وللسودان النصيب الاوفر من كل ذلك..كان السودان نصيبه كأول دولة يتحكّم فيها حزب ديني، بينما يأخذ اليمن السعيد، النصيب الأكبر، من الحرب الطائفية..!
أيتها القيادات الحكيمة..متى تضع الحرب أوزارها..؟! أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة