ردد عامر ذات السؤال الذي طرحه على محاميه: ما الفرق بين ان اموت الان او بعد شهرين.. عامر لم ينكر أبدا انه قتل زوجته سابرين.. حاول كل محامييه ان يبنوا دفاعهم على انكار التهمة او في اقل تقدير انها جاءت في اطار الدفاع عن النفس.. الشاب السوداني الذي احتفل في ذات ليلة الجريمة بدخوله العام الثاني والعشرين كان مقتنعا انه فعل ما كان يجب ان يفعله أي إنسان في تلك الظروف.. كان دائماً يرجو القاضي ان يعجل بتنفيذ حكم الإعدام. حاول عامر ان يرى الدنيا عبر النافذة الصغيرة في حبسه الانفرادي في العاصمة الماليزية.. لا شيء غير ضباب خفيف وبنايات شامخة تسد الأفق.. ضحك الشاب بسخرية وحدث نفسه عن غباء المهندسين الذين نفذوا تلك المباني العابرة للازمان.. ماتت الانفس وبقيت الحجارة.. إذن النفس ليست أغلى من الحجارة.. لماذا يحاكمونه على قتله تلك الفاجرة.. يظنون انني سأمضي الى الجحيم وهم لا يدركون رحمة الله التي وسعت كل شيء. حينما فشل عامر ان يرى الحاضر او يستشرف المستقبل عبر تلك النافذة عاد بذاكرته الى تلك الايام.. لم يكن أبدا يرغب في دراسة الطب.. صحيح ان والدته ضغطت عليه بقوة.. مارست عليه كل النفوذ العاطفي.. كان عامر الولد الوحيد الذي يتوسط بنتين.. لم يعد بين والده وبلوغ سن المعاش إلا خمس سنوات.. ستضطر الاسرة الى ترك السعودية ان لم يتمكن من حمل الراية. في أطراف مكة ولد وترعرع عامر في ظروف ميسورة.. كانت اصعب وأمتع ايام حياته حينما يزور جزيرة الفيل مسقط رأس والدته.. في تلك البلدة يشعر بطعم جديد للحياة معطون بالمشقة وشظف العيش.. دائماً كان قلبه معلق بالمساجد.. يترك كل الدنيا حينما يسمع النداء.. قبل ان يبلغ الحلم حفظ كتاب الله.. كان يخطط ان يدرس أصول الدين ويصبح داعية.. لكن أمه تحديداً قطعت عليه الطريق.. بذلت كل المساعي في ان ينجح في الثانوية في المساق العلمي.. في المحاولة الثانية تمكن ان يحرز درجة فاقت الستين بالمائة بقليل. وصل عامر الى بلاد الملايو وهو للتو قد غادر الثامنة عشر.. كان عليه ان يقضى عامه الاول في تجويد اللغة الانجليزية.. بحث عن شقة تجاور المسجد.. استصحب نصيحة والده معلم الرياضيات ان يبحث عن الرفقة الحسنة او يعيش وحيدا.. في يوم الجمعة وعلى باب المسجد قابلته سابرين.. لاحظ انها كانت للتو تضع غطاء للرأس كانت تحمله معها.. تصدقت عليه بابتسامة.. خفض بصره ولكنه استشعر ان تلك الابتسامة مضت مباشرة الى قلبه.. لم يصل بالتركيز المعتاد.. كان يخشى ألا تقابله صاحبة الابتسامة.. ظن انه سيهديها الى طريق الصواب. حسب انه أسرع في الخروج من المسجد ولكن وجد فتاته في الانتظار.. من تلك اللحظة بدا مشوار حب طويل.. الشابة سابرين التي بدأت صغيرة في عمرها كانت تكبره بثلاث أعوام.. جربت كل شيء في الحياة.. لديها طفل هرب والده بعيد ميلاده بعام.. اخيراً قررت العودة لإكمال الجامعة التي تركتها بعد عام واحد.. قال لنفسه يجب ان تكون البداية على الوجه الشرعي فكان الزواج بعيد اسبوعين في ذات صلاة الجمعة. منذ الشهر الاول بدأت تتباين العوالم.. ماليزيا تبدو شرقاً يشبه الغرب وهكذا كانت سابرين.. تمارس الدين في شهر رمضان، وحينما تدخل المسجد ما خلا عن ذلك فهو دنيا.. عامر كانت وجهته مختلفة.. ينظر باستغراب الى هذه الدنيا الجديدة.. لم يحب من الدنيا الجديدة إلا سابرين هذه.. كان حباً عنيفاً.. خطط أن يعود بها الى مكة بعد إكمال الدراسة ولكن. بدأت المشكلة في تلك الليلة حينما جلبت سابرين بعضاً من البيرة الباردة من اجل المحتفين بعيد ميلاد زوجها.. لم يكن من اليسير اقناع عامر بالاحتفال بهذه المناسبة التي عدها من البدع.. لكن سابرين ضغطت عليه بشدة.. وضع عدد من الشروط التي تجاوزتها سابرين بمكر النساء. بدأ الحفل صاخباً على غير ما أراد عامر.. حاول ان يسيطر على مشاعره لبعض الوقت.. اصطنع ابتسامة وهو ينفخ هواءا ساخنا ليطفيء شموعا باهتة.. بدأ فاصل من الرقص الساخن.. رأى في سابرين امرأة اخرى.. كانت تتلوى مثل الأفعى وسط مجموعة من الشباب العابث.. أمسك احدهم بكأس مرره الى صاحبة الدار وهى ما زالت في ذاك الغياب.. حينما ارتشفت رشفة.. ارتفع مستوى الغضب في دواخل عامر الى درجة الانفجار. أمسك عامر زوجته من شعرها المسدل وجرها من وسط الاحتفال.. بعدها حدث هرج ومرج وضجيج.. معركة بين رجل يفترض ان يكون في كامل وعيه وسكارى كانوا حضوراً في عنفهم رغم واقع الغياب.. حينما حضرت الشرطة كان هنالك عدد من الجرحى.. سقطت سابرين وشهد الجميع أن تلك كانت مدية زوجها الإرهابي. طباعة 0 صوت التعليقات : تعليق « إضافة تعليق » اضافة تعليق
اسمك
ايميلك
0 /500 تعليقك 1 + 4 = أدخل الكود اضافة روابط ذات صلة روابط ذات صلة المادة السابقة انقلاب البحر الأحمر..!! المواد المتشابهة المادة التالية جديد المواد جديد المواد انقلاب البحر الأحمر..!! - عبد الباقي الظافر أين كبار الحزب الشيوعي؟..!! - عبد الباقي الظافر الحركة الشعبية لتحرير التعليم..!! - عبد الباقي الظافر هل أمسك بكري بقرن الثور..!! - عبد الباقي الظافر حينما يصرخ العالم انظروا للسودان ..!! - عبد الباقي الظافر
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة