فكرة أن تُنشأ منظمات طوعية للمجتمع المدني تنبني في الأساس على (مساندة) الدولة وإكمال ما أسسته في الموضوع المعني ، لكن عندنا في أحيان كثيرة يبدو لي أن معظم أوكل منظمات العمل الطوعي في مجالات وتخصصات عُدة ، تقوم بأعمال هي في الأصل من واجبات الدولة ، على سبيل المثال نجد أن الدور المتعلَّق بكثير من الحلول والمعالجات التي مست قطاع المشردين والأطفال مجهولي الهوية والتوعية لظواهرومخاطربيئية وصحية وقانونية ، تضطلع منظمات المجتمع المدني بما يعادل تقريباً 70% من فعاليتها النظرية والتنفيذية ، بينما لا يكون في أغلب الأحيان للجهات المختصة في الدولة فضل المبادرة كما أنها لا تساهم إلا بنسبة ضئيلة فيما تم التخطيط له في الموضوع المعني ، بل في أحيان كثيرة تمثل القنوات الرسمية للدولة عائقاً أمام الكثير من المخططات والمشاريع التي تقف وراءها الكثير من المنظمات الطوعية وذلك بأدوات عدة أهمها الروتين الإداري ، وضعف الإمكانيات وعدم التنسيق المسبق ، بعض المنظمات المجتمعية المهتمة بقضايا البيئة الحضرية وصحة المجتمع كجمعية حماية المستهلك تبذل جهداً كبير في مجال توعية الناس بمخاطر صحية إستراتيجية من أهمها عدم مطابقة مواصفات مياه الشرب التي تصدرها الدولة إلى البيوت للمعايير العالمية المتعلقة بصلاحيتها للإستخدام الآدمي الآمن ، والسؤال الذي يفرض نفسه هو(وماذا بعد التوعية ؟) ، وما الدور المطلوب من المواطن أن يلعبه بعد أن عرف أن مياه الهيئة القومية لمياه الخرطوم مثلاً غير صالحة للشرب والإستخدام الآدمي ، هل يُقلع عن شرب الماء من حنفيات بيته ، أم يجلب الماء من النيل الذي أيضاً أفادت تقارير الكثير من المنظمات البيئية والصحية عدم صلاحية ماءه كمصدر مباشر جراء التصريف الجائر لمخلفات المصانع والمزارع الحيوانية وغيرها من أنماط النشاطات الكيميائية ، في الحقيقة إن موضوع تلوث مياه الشرب وعدم مطابقتها للمعايير الآمنة هو أمر يستدعي أن توَّجه فيه المنظمات المختصة برامجها (التوعوية) و العلمية للحكومة نفسها و ليس أوالمؤسسة المنوط بها إنتاج مياه شرب صحية وآمنه وخالية من المخاطر وليس المواطن المغلوب على أمره ، وهناك بعض القضايا التي تعمل عليها المنظمات هي في الحقيقة أوسع مساحةً وأكبر حجماً في إحتياجاتها العلاجية ، لأنها في الأصل جزءاً لا يتجزأ من إختصاصات الدولة ، مثل ذلك قضية المشردين التي لا أعتقد أن كل البرامج التأهلية يمكن أن تؤتي أُكلها دون أن توفِّر الدولة (الأصول) التي ستتكيء عليها تلك البرامج ، كيف يتم تأهيل وتدريب مشرَّد مهنياً وأكاديمياً عبر المنظمات والدولة لا توفر له مأوى أوملجأ ؟ فإذا خرج من دورته التأهيلية لم يجد أمامه غير الشارع مرةً أخرى ليسلبه ما تعلم وما تأهل فيه ، إن قيام المنظمات المجتمعية الطوعية بأدوار هي في حقيقة الأمر تابعة للدولة وتتطلب إمكانياتها المادية واللوجستية ، يعتبر في الحقيقة رسماً على سطح الماء ، وستبقى المشكلات كما هي بلا مؤشرات إيجابية بالحجم الذي يرضي الطموحات والآمال ، يجب أن نعترف أن كثيراً من قضايانا المختلفة التي إنبرت لها آلاف المنظمات هي في حقيقة الأمر مشكلات (تنموية) و(تخطيطية) أسبابها سوء أداء مؤسسات الدولة وأحياناً وقوفها عقبة كأداء في وجه إنسياب وفعالية العمل الطوعي ، وما كثرة تعداد المنظمات في بلادنا الذي بلغ الآلاف إلا أصدق دليل على أن المشكلة مشكلة دولة في صفحة التخطيط والكفاءة والتنفيذ والأمانة والإيمان بالأولويات المصلحية المنحازة للأمة وآمالها وطموحاتها .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة