كنت قد نشرت في 27/10/2016م مقال بعنوان"إضراب البوليس الفرنسي ومظاهرات الجريف" وبينت فيه إنه في دول العالم المتحضر تحمي الاجهزة العدلية وأجهزة الشرطة والامن والاستخبارات المواطن وأحيانا تطالب بحمايتها من تعدي المواطن عليها، أما في دول العالم "الثالث" فتقوم تلك الاجهزة بالاعتداء على المواطن، وعندها يجد المواطن أن من يفترض أن يحموه هم جلاديه وزبانية تعذيبه !!! الملاحظة السابقة تقود لاستنتاج أن أمن المواطن وعدم خوفه من الاجهزة الأمنية و العدلية في بلاده يتناسب طردياً مع رقي وتقدم الدولة والعكس بالعكس!!! ولذلك طالبنا في ذلك المقال بتحجيم صلاحيات الاجهزة الامنية والأستخباراتية وإبطال كونها قوات نظامية مسلحة تتبع للقصر الجمهوري.
ولم يكن مفاجيء لنا أن يخيب ظننا بعدها بثلاثة أيام فقط وزير الإعلام والمتحدث الرسمي بأسم الحكومة د.أحمد البلال عثمان، عندما صرح في 30/10/2016م خلال مؤتمر صحفي بالمركز القومي للانتاج " بأن الحكومة لن تسمح قط بإقامة نشاط سياسي وندوات للأحزاب في الساحات والأماكن العامة تدعو للتظاهر وإسقاط النظام، ...من يفكر بأن تكون مهام جهاز الأمن والمخابرات في دولة مثل السودان تقتصر على جمع المعلومات فقط دون مهام أخرى، فهو صاحب تفكير رومانسي وقاصر" !!!
فاستعماله لتعبير "لن تسمح قط" ما هو إلّا دلالة على الإستبداد والطغيان لطغمة الإنقاذ الحاكمة، فهو يذهب لتبرير الإستبداد ومنع النشاط السياسي والندوات للاحزاب بحجة إنها قد تدعو للتظاهر وإسقاط النظام!!! وهي حجة باطلة لانها إفتراضية وتحمل سؤ الظن العريض!!! زد على ذلك كيف تكون هناك دعوة من النظام الحاكم للأحزاب للحوار ويحرمها الحق في ممارسة نشاط سياسي وإقامة ندوات!!! السؤال كيف ستبلور تلك الأحزاب رؤياها وبرامجها دون أن يكون لها نشاط سياسي!!!
لأعجب أن يستبد هذا الوزير ويفرح بشدة قساوة الأجهزة الأمنية على المواطن السوداني ويؤيد أن تظل سيفا مسلطا على الرقاب!!! ولكن العجيب أن هذا الوزير قد غضب لنفسه عندما لم يعرفه بل "تغابى فيه العرفة" رئيس البرلمان السوداني إبراهيم أحمد عمر هذا الأسبوع عند مخاطبته لوزير الدولة بالإعلام ياسر يوسف بقوله "انت والقاعد شمالك دا" ويقصد بذلك د.أحمد البلال!!! فكيف لرئيس البرلمان أن لا يعرف إسم وزير الاعلام والناطق الرسمي بإسم الحكومة!!! وحينها لم يملك الوزير الغاضب إلا أن يغادر القاعة !!! ولكنه لا يقبل أن يغادر الحكومة "وما لذ وطاب" من متاع الحياة الدنيا!!! ولذلك إضطر إلى أن ينسى ويتناسى معنى الحياء والكرامة والشرف ويكتفي بأن يهرف بما لا يعرف عند وقوع فضائح أخلاقية من حكومته فلم يقدم استقالته بعد إعترافه في استحياء بتزوير حكومة البشير لنتائج الإنتخابات السابقة فقال "إن الأموات كانوا في السابق يصوتون في الانتخابات، ...... "لن يصوت أحد بعد اليوم لشخص غائب، وستكون الانتخابات بالبصمة والسجل الوطني" !!. الحديث عن الاعلام يذكرنا بإنقاذي أخر هو الناطق غير الرسمي لوزارة الاعلام أي د. ربيع عبدالعاطي والذي ذهب في مقاله المنشور اول امس بشكواه من إنقسام الشباب الى فئتين واحدة تنحو نحوالغلو في الدين وأخرى تنحو نحو الانحلال والخلاعة!!! وبالطبع نجده لا يشير ولو همساً لدور النظام الحاكم خلال قرابة الثلاثين عاما في إحداث هذا الخراب والغلو والانحلال!!! بل نجده يجد العذر للحركة الاسلامية لانها إنشغلت في "... في صراع اشتدَّ مع الحركات العلمانية ، والشيوعية،"!!! ثم لا يجد سوى التباكي قائلاً " .. حيث يود المتطرفون سوق الناس وفقاً لآرائهم، وإن لم ينساقوا فالتصنيف لهم بالكفر والمروق من الدين يبقى كالسيف المسلَّط، إن لم يكن الجزاء سفكاً للدماء ، و قتلاً للأبرياء بالإعتماد على زعوماتٍ تسبغ عليها صفة التمسك بالدين ، والدفاع عن الحرمات، وهي زعومات باطلة بكل المقاييس" !!!
ولعله نسى او تناسى إن حركته الاسلامية وثورة إنقاذها الظالمة هم أول من سن ذلك العنف وسفك الدماء في بيوت الاشباح والسجون بل داخل الجامعات وخارجها منذ ايام رقصة العجكو حتى يوم الناس هذا!!! وبدل أن يعتذر للشعب السوداني بما أحدثه نظام الانقاذ من مسخ وتشوه في الأخلاق السودانية، نجده يتغافل عن المسبب والاسباب ويكتفي بتجريم النتائج فيقول " للأسف فإن جيوشاً من الشباب، استمرأوا ممارسة التعري و التشبه بالنساء رقصاً ،وخلاعة في حفلات للغناء، ينظمها أناس يدَّعون بأنهم من أسر محافظة، خاصة عندما يحين موعد زواج لإبن لهم أو لبنت، كأنَّما الحرام قد أصبح حلالاً ..." . نخلص من كل ما سبق إلى أن طغمة الإنقاذ الاستبدادية قد إستمرأت الحكم والتسلط ولن تقبل أن يشاركها أحد الحكم ناهيك عن القبول بالهبوط الناعم!!! ومن باب أولى أيضا أنها لن تقبل أن ينازعها أحد الحكم والدليل على أن كل ماذهب اليه مؤتمر الحوار هو مجرد "كلام والسلام"لشغل الصحافة والاعلام او لتخدير الرأي العام، ماصرح به اللواء حميدتي والذي كان الى عهد قريب عميد ولم يعلم أحد كيفية إجتيازه في سرعة البرق المسافة بين رتبة الجندي "نفر" ورتبة العميد!!! اوردت الاخبار أن اللواء حميدتي قام بمرافقة اللواء السر حسين بشير بزيارة منطقة البسابير بمحلية شندي وزار مسيد باسبار وتبرع له بسيارة جديدة وتبرع له بمبلغ مليون "بالجديد" وقال "دا ما كلام سياسين ...يوم الأحد يجيء مندوبكم يستلم طوالي!! " . وهو يغمز بان ما يقوله السياسيون هو كلام لاوزن له ولا تنفيذ بعده، وكذلك يعني أن سياسي الإنقاذ على الأقل هم كذبة !!!
هذا الاستبداد و الترفع على الشعب السوداني من قبل طغمة الإنقاذ يشملهم جميعا، أميين "عنقالية" و تكنوقراط و"مفكرين" !!! ومن ذلك نجد أن تهميش الدكتور أمين حسن عمر لعودة السيد الصادق المهدي المتوقعة في 19 ديسمبر 2016م و كيف أنها أمر ليس بذا أهمية وقوله "يعني نغني ليه طلع البدر علينا"!!! عدم الربط بين عودة الصادق المهدي وأي إحتفالية أخرى سوى إحتفالية هجرة الرسول الكريم من مكة إلى المدينة يوضح ضحالة المستوى الفكري والديني لدى مفكري حكومة الانقاذ!!!
لعل الخلاصة هي أن الإنقاذيين من أصغرجندي انقاذي قفز "بالزانة" فاصبح لواء بين عشية وضحاها مروراً بالتكنوقراط الانقاذيين من شاكلة عميد كلية طب جامعة الفاشر طاهر بشارة فاشر الذي أمر البوليس اليوم الموافق 30/10/2016م بضرب الطلاب مما أدى لكسر يد الطالب أحمد الطيب وإصابة الطالب محمد هارون في عينيه، وصولاً للتنفيذيين مثل وزير الصحة الاتحادي بحر ابوقردة الذي يقول "بان المعدات الطبية لقطناها تلقيط" !!! وإنتهاء إلى من تبقى من مفكري الانقاذ مثل د. أمين حسن عمر!!! هي أن هؤلاء القوم يصح فيهم إستنكار المرحوم الطيب صالح "من أين أتى هؤلاء" ؟؟؟ ولعلي أجيبه بأنهم أتوا من رحم هذا الشعب ولكنهم إختاروا أن يكونوا أبناء عاقين ...!!!
ولعمري أن أرض السودان الطاهرة وشعبها الطيب صبر على نظام الانقاذ وضلاله وأستبداده ولكن أهل الانقاذ إستمروا في غيهم يعمهون واستهلكوا كل اباطليهم حتى وصلوا الان إلى أخر المطاف "الميس" ولم يبقى فيهم سوى "فرفرة مذبوح"!!! وهنا يصدق عليهم قول الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي إبراهيم السنوسي "مفارقة الحكم صعبة والفطام دائماً قاسي".
أنشد الشاعر هاشم صديق
"أنا الحاوي ناس دايرني من وسط الدموع اضحك واغني كضب واشوف الحال هظار ولعب ولا اوصف حراق الروح ولا اصرخ عشان خيل الاماني تعب وانا الصريت ولي سفري عديل بقجة هدوم صبري لقيت البقجة مالمت هدم واحد بس مصرورة بي قبضة رماد وهموم لا موجوع ولا خايف اموت زي الشدر واقف"
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة